عن حركة التوحيد الإسلامي
لقد لعبت "حركة التوحيد الإسلامي" دوراً هاماً على صعيد مدينة طرابلس في ثمانينات القرن الماضي. والمهم أنها لم تتعرض للفناء ككثير من الحركات السياسية التي لم تعش المديد من العمر. صحيح أن التجربة التي خاضتها في طرابلس- لبنان لم تكن خالية من المشاكل، ولكن رغم ذلك تمكنت من الاستمرار بسبب عوامل كثيرة، منها حسن قيادة الشيخ سعيد شعبان، رحمه الله، لها في ظروف مفصلية مكنته من استثمار صداقته للنظام الإيراني بأن يلعب هذا الأخير دور صمام الأمان للعلاقات المتوترة غالباً ما بين النظام السوري والحركة.
والحركة ليست تنظيماً حزبياً. فهي قد تشكلت من ائتلاف عدة مجموعات إسلامية لا يجمعها تصور سياسي موحد ولا تصور تنظيمي واحد، حتى أن التصور الديني كانت تشوبه الكثير من التناقضات. ولكن مجرد الإتفاق فيما بينهم كانت خطوة جبارة، أظهرت أنه بإمكان الحركات الإسلامية أن تعمل بشكل تحالفي فيما بينها. كانت إحدى المجموعات بقيادة الشيخ سعيد شعبان الذي تسلم إمارة الحركة، والثانية كانت بقيادة الشهيد خليل عكاوي والثالثة بقيادة الشيخ هاشم منقارة والرابعة بقيادة الدكتور عصمت المراد رحمه الله. هذه الحركات لم تعمل يوماً بشكل موحد، إذ أن كلاً منهم كان يعمل ما يراه صواباً وأحياناً من دون الرجوع إلى أمير الحركة الذي تبوأ هذه المسؤولية برضىً من الجميع.
إن غياب أكثر قيادات حركة التوحيد الاسلامي أدى إلى بقاء تنظيمين من هذه الحركة فقط، ويعملان للمصادفة تحت نفس الاسم "حركة التوحيد الإسلامي"، أحدهما يقوده الشيخ بلال سعيد شعبان والآخر يقوده الشيخ هاشم منقارة. كما وأن التنظيمين ينتميان إلى جبهة العمل الإسلامي، وينظمان علاقات جيدة مع المقاومة الاسلامية في لبنان.
إن أول ما يتبادر إلى ذهن المراقب السؤال لماذا هذان التنظيمان اللذان يعملان تحت إسم واحد، وكانا ينتميان إلى نفس الحركة يعملان بشكل منفصل؟ صحيح أن السؤال يحمل الكثير من المشروعية، ولكننا نعتقد أن الإجابة عليه لن يكون له جدوى مطلقاً. إن المهم بالأمر الذي نعمل عليه أو بالأحرى علينا العمل عليه هو "أكل العنب وليس قتل الناطور" كما يقول المثل الشعبي.
نطرح السؤال التالي: هل من جدوى من توحيد حركة التوحيد الإسلامي؟
إن الفراغ السياسي الذي تعيشه الساحة الشمالية يفرض إيجاد عامل بإمكانه أن يصدم الوعي السياسي (تجاوزاً) لأولئك الذين آثروا النوم (الموت) على الحياة نظراً لما أصابهم من الصدمات نتيجة الممارسة الغير جادة لمعظم التنظيمات الإسلامية والوطنية والقومية. إن غياب الممارسة السياسية للجماعة الإسلامية التي آثرت أن تكون تابعاً لتيار المستقبل، قد أثر سلباً على الساحة الشمالية خاصة وعلى الساحة الإسلامية في لبنان بشكل عام. لقد أصيب جمهور الجماعة الإسلامية بصدمة لم يتمكن من الشفاء منها حتى الآن نتيجة الممارسة اللامسؤولة لقيادة الجماعة الإسلامية. هذه القيادة التي جعلت من التنظيم الأعرق في الساحة الإسلامية تابعاً لتجمع من النفعيين والتجار لا يهمهم من الساحة الإسلامية إلا تجييشها من أجل مصالحهم الخاصة. نحن نعتقد أن تطور العلاقة ما بين تيار المستقبل والجماعة الإسلامية سوف يجبر الجماعة، إما على التنحي وتطليق العمل السياسي، إما إلى رفض الإستمرار في هذا التحالف الغير طبيعي، والذي يسيء إلى جميع الشعارات التاريخية التي كانت ترفعها الجماعة الإسلامية والتي كانت تعبر عن ارتباطها بواقعها الإسلامي. إن خطوة كهذه سوف يكون لها الكثير من الإيجابيات في الساحة الشمالية والساحة اللبنانية، كما وأنها سوف تعيد الجماعة إلى وعيها، بعد هذه السكرة التي استمرت عدة سنوات.
وحيث أن ما ذهبنا إليه هو في رحم المستقبل. وحيث أننا نتحدث عن حركة التوحيد الإسلامي. وحيث أننا طرحنا سؤالاً لا بد من الإجابة عليه، نحن نرى أن توحيد التوحيد هو خطوة إيجابية سوف يكون لها انعكاسات إيجابية على الساحة الإسلامية، حيث أنه لا مبرر لوجود حركتين باسم حركة التوحيد الإسلامي كما قال لنا قائد إحدى الحركتين. (كان بودي ذكر اسمه لأن ذلك يحمل منحى إيجابياً، ولكنني لم أستاذنه بهذا). إذن العمل على توحيد جماعتي التوحيد الإسلامي عمل لا بد من القيام به لأنه يخدم الساحة الإسلامية. هذه الساحة التي علينا تنشيطها وخاصة في هذه الظروف المصيرية التي تمر فيها أمتنا وخاصة الساحة اللبنانية.
إذا كان توحيد التوحيدين ضرورياً، فهل هناك إمكانية واقعية لتحقيقه؟
لا بد من الإشارة مجدداً إلى أن الجماعات المكونة لحركة التوحيد الإسلامي لم تكن يوماً موحدة تنظيمياً، ولا حتى سياسياً. ولكن الحديث عن التوحد الآن سوف يحمل مع الناس الذين يريدون أن يتوحدوا جميع المشاكل التي مرت معهم خلال عملهم في الحركة وخاصة تلك التي تحمل اتجاهات سلبية. من هنا نرى أن التوحيد لا يمكن أن يتم إلا ضمن تصور سياسي مختلف عما هو قائم الآن . وحيث أن الشكل سوف يتأثر بالمضمون، لذلك، لا بد من العمل على توحيد الرؤية السياسية أولاً، حتى نتمكن من الكلام عن التنظيم. رب قائل يذكرنا أن التوحيدين هما في إطار سياسي عام هو جبهة العمل الإسلامي. من هنا لا مبرر لعدم توحدهما. نعتقد أن هذا الكلام ينحو منحىً تبسيطياً للأمور. فجبهة العمل الإسلامي نفسها لم تفرض وجودها في الساحة الإسلامية، علماً أنها كانت ولا تزال تضم عدداً من الوجوه اللامعة في ساحة العمل الإسلامي.
ما العمل إذن؟
نعتقد أنه لابد من خطوات توحيدية يُراعى فيها عدم حمل العناصر أياً من سلبيات الممارسات السابقة. عناصر يتم بناؤهم السياسي والنظري تبعاً للرؤية التوحيدية الجديدة والتي لا يمكن للإطار القديم أن يحملها لأنها تتناقض مع بنيته البالية. لابد لنا من مراعاة العلاقة ما بين الشكل والمضمون حتى لا تفشل التجربة الرائدة التي يجب القيام بها أو لنقل لا بد من القيام بها، هذا إذا كنا أوفياء لطرحنا بضرورة خدمة أمتنا وحماية مقاومتها وحماية مجتمعاتنا الاسلامية من الإختراق الصهيوني أو الأمريكاني كما كانت تفعل سيسون في مختلف انحاء لبنان، موهمة الناس أن الإدارة الأمريكية التي تقتل الناس في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال وفي لبنان، تساعد أبناء شعبنا.
القلمون في 10 آب 2010 حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق