قراءة مختلفة لأحداث "برج أبي حيدر" في بيروت
أحداث فردية على ما وصفها سواء مصادر "حزب الله" أو "جمعية المشاريع" المعروفة "ألأحباش". "صدر عن قيادتي جمعية المشاريع الاسلامية وحزب الله بيانا مشتركا جاء فيه:"على أثر الحادث الفردي المؤسف الذي وقع عصر هذا اليوم الثلاثاء بين شباب من حزب الله وجمعية المشاريع الخيرية الاسلامية، تداعت قيادتا الطرفين لاجتماع عاجل في فرع مخابرات بيروت، وجرى التأكيد أن الحادث المؤسف هو فردي ولا خلفيات سياسية أو مذهبية وراءه، وقد تم الاتفاق على محاصرته وانهائه فورا ومنع أي ظهور مسلح بغية عودة المياه إلى مجاريها الطبيعية كما كانت، ومعالجة كافة التداعيات الناجمة عنه. "كما تقرر فتح تحقيق عاجل من قبل قيادة الجيش اللبناني ورفع الغطاء عن كل من يحاول المس بمسيرة الأمن والاستقرار، الذي هو أولوية لدى الطرفين وكل الأطراف الوطنية. وتم الاتفاق على ابقاء الاجتماعات مفتوحة لتفويت الفرصة على كل المصطادين في الماء العكر.
وقد استدعت هذه الأحداث "الفردية" الكثير من ردود الفعل. اخترنا منها ما يلي، مع ملاحظة أن الإختيار كان عشوائياً.
"وصف النائب قاسم هاشم في تصريح اليوم، ما حدث في برج ابي حيدر امس بـ"الخطير"، وأسف "لسقوط الدماء في الوقت الذي مازال العدوالإسرائيلي يستهدف وطننا ويفتش عن كل الأساليب والثغرات لتخريب واقعنا الوطني"، لافتا الى أن "ما جرى يستدعي من الجميع الإرتقاء الى مستوى المسؤولية الوطنية والإبتعاد عن الخطاب السياسي المتشنج والتحريضي الذي يترك آثارا سلبية في كثير من الأحيان".
"واعتبر أن التطورات والتحديات التي تعصف بلبنان والمنطقة تتطلب مزيدا من الحكمة والوعي والعقلانية، بعيدا عن بعض الأصوات التي تجد فرصتها في الأزمات والملمات لتعبث مع العابثين والناعقين، لافتا الى أن "المصلحة الوطنية تتطلب توسيع مساحة التلاقي بين الأفرقاء اللبنانيين لحماية الوطن من كل خطر وتفويت الفرصة على المصطادين في الماء العكر داخليا وخارجيا".
"ألغى رئيس مجلس النواب نبيه بري مواعيده اليوم متابعا اتصالاته التي بدأها مساء امس لوأد الفتنة التي ظهرت بوادرها باستغلال حادثة الامس من اجل توسيعها، ولحصر الذي جرى ضمن اطاره الضيق. واكد "ضرورة اجراء تحقيق سريع وشفاف وتسليم المتسببين في ما جرى الى الجهات المعنية والقضاء".
"رأى رئيس الحكومة الأسبق سليم الحص في تصريح اليوم باسم "منبر الوحدة الوطنية"، أن "ما وقع أمس من حوادث عنيفة مدمرة مرفوض رفضا قاطعا، ولقد لقي إدانة صارمة من الناس جميعا، وهم الذين يرون مصلحتهم الوطنية بطبيعة الحال في استتباب الهدوء وتوطيد أسباب العيش المشترك بين أبناء الشعب الواحد". ورأى أنه "كان بمثابة الكفر بقيمة الانسان في هذا المجتمع، وبالقيم الخلقية والدينية التي آمن بها الشعب اللبناني منذ أن كان".
وقال: "إننا نضم صوتنا الى أصوات الذين دانوا ويدينون مثل هذه الاعمال التخريبية التي تنفذ على حساب أماني هذا الشعب النيبل وهنائه وسلامة حاضره ومستقبله".
"اسفت "جبهة العمل الاسلامي في لبنان" بسبب "الحوادث الاليمة التي جرت مساء امس في بعض مناطق العاصمة بيروت، وادت الى سقوط عدد من الضحايا بين قتيل وجريح". وحذرت في بيان، من "الوقوع في فخ وشباك الاستدراج الى الفتنة، ومن وجود طابور خامس يسعى الى توتير الاجواء عبر تأجيج الشحن والاحتقان المذهبي والطائفي، ونشر الفوضى والذعر بين المواطنين".
ودعت الجبهة المسؤولين والحكماء الى "التحلي بروح الوعي والحكمة والمسؤولية، والى وأد كل عوامل الفتنة في مهدها وقطع الطريق على المصطادين في الماء العكر"، مشيدة بـ"البيان المشترك الصادر عن "حزب الله" وجمعية المشاريع، الداعي الى التهدئة، وحصر الخلاف في اطاره الفردي، بعيدا عن اية خلفية سياسية او مذهبية، وكذلك في رفع الغطاء عن المخلين بالامن لاي جهة انتموا".
"ودعا الحريري إلى التهدئة، قائلاً «هذا الإشكال كان فرديا! هذا أخطر من الحقيقة. ألا نرى ما يحصل من مؤامرات حولنا؟». وأكد أن «هذا الاحتقان ناتج عن الخطاب السياسي الذي يصدر عن بعض الأقلام ومحطات التلفزة». وأشار إلى أن الكل ملام، من سياسيين أو إعلاميين أو محطات تلفزة. تصعيد الخطاب السياسي في البلد وتصرفات البعض تؤدي إلى ما حدث".
"رفض مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني «ظاهرة الشغب المسلح التي طالت الأحياء السكنية الآمنة في العاصمة بيروت». واعتبر «أن اللبنانيين الذين ينشدون قيام الدولة العادلة الآمنة القوية، ويتطلعون اليوم إلى تقوية الجيش اللبناني بتسليحه تحصينا للبنان في وجه العدو الإسرائيلي، قد ضاقوا ذرعا من تقديم الضحايا من المدنيين الأبرياء في الأحياء الداخلية لبيروت ثمنا لخصومة الأفراد الذين يستقوون خلف سلاح الأحزاب التي ينتمون إليها".
"كان لافتا للانتباه قول رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد إن «الحادثة كشفت سيناريوهات وبروفات»، مشيراً إلى أن «الله أراد على ما يبدو أن ينبّه الناس جميعا إلى مخاطر الاستدراج والاندفاع".
**********
إن ما حصل في بيروت مؤسف حقاً وخطير أيضاً، ولكن المؤسف أكثر، والأخطر أكثر أنما حصل هو مرشح للحصول مرات أخرى، نتيجة للشحن المذهبي الذي لا يتوقف، ونتيجة عدم التصدي لهذا الشحن من أولئك المنوط بهم التصدي لهذا الشحن. وللبيان أؤكد أنني لا أبرىء أحداً.
أتساءل أحياناً أن الكثير من الذين كانوا يعملون في الأحزاب أو التجمعات القومية أو الماركسية أصبحوا من الناشطين ضمن الحركات المقاومة أو المؤيدة للمقاومة. كانوا علمانيين، أي أن المذهبية كانت بعيدة عنهم. هل أنهم أصبحوا مذهبيين بعد أن أصبحوا مسلمين أي بعد أن أصبحوا مأمورين بأن يعقلوا الكون. هل أصبحوا عاجزين عن استيعاب الوضع اللبناني؟ شيء لا يصدق!
إن العلاقات ما بين "حزب الله" والقوى المؤيدة للمقاومة في الساحة السنية، عمرها من عمر الحزب. وجميعنا يعلم أن الفوارق المذهبية لم تكن يوماً فاقعة كما هي منذ مدة. وهذه المدة ليست مرتبطة باغتيال الرئيس رفيق الحريري. إن حادثة الإغتيال قد أضافت عاملاً إلى عوامل أخرى. كما أن التحريض المذهبي أصبح من المستويات المتدنية جداً لأن من يقوم به لا يتصف بأي نوع من الأخلاقية، وهذه الصفة المميزة لمن يتخلق بأخلاق الغرب أو توابعه. ما أردت أن أقوله أن الفوارق المذهبية التي ظهرت قبل اغتيال الرئيس الحريري لم يكن لها وظيفة، إنما كانت رواسب فقط. أما ما يقوم به المكلفون بالتحريض المذهبي هو تحريض وظيفي fonctionnel . تحريض يريدون استثماره بعدة أهداف منها:
1 - انقسام جمهور المقاومة على بعضه البعض.
2 – إرتداد الجمهور السني عن تأييده للمقاومة، خاصة وأن تأييد السنة للمقاومة كان طبيعياً، أي أن المقاومة لم تحتج يوماً للدعاية في المناطق السنية.
3 – تحويل العداء لإسرائيل إلى عداء ما بين الجمهور السني والجمهور الشيعي. هذا ما تريده إسرائيل والإدارة الأمريكية.
4 – الفتنة ما بين السنة والشيعة. وهذا ما يعمل عليه بوتيرة متسارعة. ولكن ما منع الفتنة السنية الشيعية حتى الآن هو تمنع حزب الله عن الدخول في هذه الفتنة، حيث أن عملاء الأمريكان قد تمكنوا من تحضير الأرضية المؤاتية لهذه الفتنة. ونحن عندما نقول أن هذه الفتنة لن تقع، لمعرفتنا بأن الحزب لن ينجر لها.
5 – نزع سلاح حزب الله. وهذا من الأهداف الرئيسية لهذا التحريض.
نحن لا ندعي أن هذه هي جميع الوظائف للتحريض المذهبي. فربما هناك أهداف أخرى غابت عن أذهاننا.
إن أخطر أمر بالنسبة للموضوع المذهبي مضافاً إليه التحريض المذهبي، أن القوى المنوط بها التصدي لهذا الخطر لا تملك تصوراً واضحاً لكيفية التصدي له. لا يكفي عدم قبول حزب الله الدخول بالفتنة. لأنه بإمكان الأعداء التفتيش عن قوى أخرى. صحيح أنها ليست موجودة على الساحة حتى الآن، ولكن لا يوجد مانع نظري لعدم وجودها. من هنا لا تكفي المقاومة السلبية.
إن عدم استجابة حزب الله للفتنة تستدعي وجود قوة موازية له في الساحة السنية لها القدرة على التصدي لهذه الفتنة. هل هذه القوة موجودة؟ كلا حتى الآن. هل هناك من مانع سياسي أو نظري لوجودها ؟ كلا! إذن، هناك تقصير.
إن أسوأ ميزة لأحداث بيروت أنها بين أصدقاء! نحن جميعاً نحزن لكل قطرة دم تراق خارج القتال مع إسرائيل أو حلفائها، فكيف بين أصدقاء. أصدقاء بالسياسة، أي أنهم متفقون على أن العدو هي إسرائيل وحلفاؤها.
أن هذا الأمر يستدعي وقفة موضوعية للحدث.
نحن مع السيد حسن نصر الله أن حزب الله غير مخترق أمنياً. ولكن ما حدث في بيروت يبين أن هناك إختراق من نوع آخر سواء عند الحزب أو عند جمعية المشاريع الإسلامية. وهذا لا تتحمل مسؤوليته، سابقاً، لا الجمعية ولا الحزب. أما لاحقاً فسوف يتحملان المسؤولية. الإختراق الذي أتحدث عنه هو ذاك الإختراق الذي سمح للحزب والجمعية أن يتقاتلا بهذا الشكل العنيف، والعنيف جداً. أي أن لحظة القتال قد أنست الطرفين أنهما كانا أصدقاء وسيعودان أصدقاء لأنه ما من أحد منهما يؤيد العدو الصهيوني أو أتباعه.
إن العصبية المذهبية هي نوع من الإنتماء الغريزي. إنها تمنع العقل والمنطق من العمل. هذا العامل الهام لم يتنبه له الحزب في علاقاته الداخلية ولم تتنبه له الجمعية أيضاً. إن الخطورة تأتي من حيث أن الساحة مخترقة من قوى عديدة مهمتها التحريض الطائفي مع أي كان ولأي جهة انتمى.
إن حساسية الأمر تأتي من أن المعادلات العقلية لا تكفي وحدها حتى تمنع إمكانية الغريزة المذهبية عن العمل. إن التصدي للتحريض الطائفي مسألة ممارسة عملية. وهذه الممارسة العملية لا تكون على صعيد الفكر فقط، إنما تكون ايضاً على الصعيد العملي. هناك الكثير من العوامل التي يمكن أن تساعد في التصدي للتحريض المذهبي، وأهميتها أنه لا يمكن إهمالها. بل يجب أن تكون حية باستمرار. يقول تبارك وتعالى في الكتاب الكريم: "إعملوا آل داوود شكراً". فالشكر عند الله تبارك وتعالى هو عمل. وكذلك التصدي للمرض المذهبي هو عمل، عمل مستمر. لنتخيل أن شباب المشاريع والحزب يتدربون على الألعاب الرياضية سوية، أو ألفوا فريقاً مشتركاً، أو قاموا برحلات مشتركة، أو تزاوجا فيما بينهم، أو قاتلوا العدو في خندق واحد، أو قاموا بعمليات مقاومة مشتركة...الخ، هل بإمكان أي منهم أن يطلق النار على الآخر؟ سيكون الجواب بالنفي.
إن العدو يملك الحرية التامة في التحريض في جميع الساحات لأننا لانأخذ هذا الموضوع بالأهمية التي يملكها. لذلك لا نتصدى لهذا الموضوع بالشكل الجدي الذي يمكن أن يعطي النتائج المتوخاة.
إن ما حصل في بيروت مرشح للحصول في كل آن إذا لم نعمل منذ اللحظة للتصدي لهذه الظاهرة. وليس التصدي الإعلامي (التبويس والضحكات..) إنما بالعمل الجدي للحياة المشتركة بين الذين يتبنون الإتجاه السياسي الواحد. إن إسرائيل وأمريكا تريد أن تنزع سلاح المقاومة من هذا الطريق: فتنة طائفية تجعل من سلاح حزب الله سلاح مذهبي أي سلاح الفتنة.
من هنا يجب أن يكون كلام المسؤولين كلام واضح لا يتحمل التأويل. إن تصريح الحاج محمد رعد أبرزه الإعلام لأنه يحتمل التأويل. لذلك نرى بأن التصريح الجيد هو الذي يعبر بوضوح عما نريد. حزب الله لا يريد الفتنة أولاً و يريد التصدي لها ثانياً وبجميع الوسائل، التربوية والعملية. نحن على ثقة من ذلك وهذا ما نراهن عليه لدرء الفتنة. أما اللجان والتحقيق وغيره من الخطوات التي لا تساهم في تغيير الواقع القائم فلا أعتقد بأنها سوف تكون منتجة.
إن التصدي للفتنة المذهبية هي مسألة حياة. دعونا نحياها. تستدعي التضحية نعم ولكن تكاليفها أقل من الفتنة بكثير. ونتيجتها النصر على العدو.
26 آب 2010 حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق