المسألة مسألة وقت
الكل في لبنان يريد معرفة الحقيقة في مسألة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. فالجواب على هذا السؤال يرتدي نفس الأهمية عند "حزب الله" كما التي يرتديها عند الرئيس سعد الحريري، إن لم يكن أكثر. إن الإتهام الذي تسوقه الأوساط الموالية لتيار المستقبل بالنسبة للإغتيال والتي تربط الحدث بحزب الله كما تفعل إسرائيل، وكما فعلت مجلة دير شبيغل الألمانية أو الفيغارو الفرنسية، يجعل المرء يحار بالنسبة للموقف الحقيقي للرئيس الحريري. وحيث أن هذا الموضوع له من الأهمية بمكان، من حيث المفاعيل التي يمكن أن تنتج عن سوق الإتهام إلى "حزب الله"، لا بد إذن من وضع حد لهذا الموضوع.
صحيح أن موضوع المحكمة الدولية ليس بيد الرئيس سعد الحريري، ولكن الموقف الذي يصدره الرئيس الحريري بالنسبة للمحكمة الدولية يلعب دور الإطفائي لكل ما يمكن أن ينتج عن اتهام ظالم لحزب الله يصدر عن المحكمة الدولية بموضوع إغتيال الرئيس رفيق الحريري.
إن اللعبة الممجوجة التي يقوم بها تيار المستقبل بالنسبة للمحكمة الدولية لا تخدع أحداً. إن التزام موقف الأوساط الدولية، بما فيها إسرائيل، بتوجيه الإتهام لحزب الله، من غير قرينة، هو موافقة ضمنية من هذا التيار على ضرورة نزع السلاح الذي حرر الأرض اللبنانية من رجس الإحتلال الإسرائيلي. كما وأنه خدمة مجانية تُقدم لإسرائيل لا يوافق عليها الشعب اللبناني ولا أحد من أحرار العالم.
هل الرئيس الحريري خارج اللعبة التي يديرها تيار المستقبل؟
حزب الله يتوجه إلى الرئيس سعد الحريري بصفتين اثنتين. أولاها أنه ولي الدم، وأخراها أنه رئيس حكومة لبنان. فالصفة الأولى هي التي تجعل من الرئيس الحريري على معرفة أكيدة بما كان يربط الرئيس رفيق الحريري بالمقاومة الإسلامية وبأمينها العام من روابط قوية جعلت الرئيس والحزب يخوضان معاً معركة المقاومة المسلحة والمقاومة الديبلوماسية ضد الإحتلال الإسرائيلي. أما بصفته كرئيس لحكومة لبنان، فتفرض عليه أن يحافظ على السلم الأهلي وحماية لبنان من كل ما يهدد هذا السلم. "حزب الله" لا يقايض بين السلم الأهلي وبين معرفة الحقيقة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولكن ما يقوم به هو أن لا يسمح لقادة ما يسمى بالمجتمع الدولي (خدم العدو الصهيوني) أن يقيضوا السلم الأهلي في بلدنا، بإصرارهم الظالم على إتهامه بجريمة لم يرتكبها ولا يملك الدافع لارتكابها.
ما يقوم به تيار المستقبل هو عكس ما يجب القيام به. إنه جزء من أوركسترا تضمه إلى جانب المجتمع الدولي وإسرائيل. فهو لا يريد معرفة الحقيقة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، إنما يريد "نحن مقتنعون بأن استقرار الدولة لا يتحقق إلا بعد زوال السلاح غير الشرعي من أيدي بعض اللبنانيين". هذا ما ورد على لسان مصطفى علوش أحد رموز تيار المستقبل. فالمعركة التي يخوضها تيار المستقبل هي نزع سلاح المقاومة وليس معرفة الحقيقة باغتيال الرئيس رفيق الحريري. أما الوسيلة التي ينتهجها فهي طريق المحكمة الدولية.
صحيح أنه لم ترد لفظة المحكمة الدولية على لسان الرئيس سعد الحريري في أول إطلالة رمضانية له، وصحيح أنه أراد أن يفتح الباب على إجتماع يضمه إلى جانب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ولكن صحيح أيضاً أنه ترك جميع الأمور يظللها الغمام. إذا كانت الأمور متوترة وتستدعي هذا الاجتماع، لكن لا بأس من توضيح بعض الأمور وخاصة تلك التوترات التي يفتعلها رموز تيار المستقبل. إليكم ما قاله الرئيس سعد الحريري: " وما سأقوله هو ان سعد الحريري وكل اللبنانيين يريدون الحقيقة ولا شيء اكثر من ذلك، ونريد ايضاً الاستقرار وان نعرف من اغتال والدي وسائر الشهداء. نريد معرفة الحقيقة والاستقرار. ان الفوضى وعدم الاستقرار أمر من صناعة يد وليس أمراً يأتي من المجهول، ونحن المسؤولين في هذا البلد في استطاعتنا ان نتصدى لأشنع الهجمات اياً تكن، اسرائيلية او غيرها، إذا تصرفنا بحكمة في ما بيننا وبروية. لقد صمتّ عن الكلام طوال المرحلة الماضية وسأبقى كذلك لأنني اريد الهدوء. فبالهدوء نتكلم ونسمع بعضنا بعضاً، اما بالصراخ فلا يعود لأحد منا ان يسمع الآخر. نحن نريد ان نتكلم بهدوء في كل امر نتعاطاه في هذا البلد".
هذا الكلام لا يمكن إلا أن يكون إيجابياً ولكن شريطة عدم ربطه بما يقوم به رموز تيار المستقبل. إذا كنا نريد أن نفصل ما بين يقوله الرئيس سعد الحريري وما يقوله موظفوه، يصبح الأمر بحاجة إلى إيضاحات خاصة وأن الأوضاع في لبنان يشوبها الكثير من التوتر نتيجة ما يقوم به رموز اليمين اللبناني، بما فيهم تيار المستقبل من توتير لهذه الأوضاع نتيجة للشحن الإعلامي ضد حزب الله والمقاومة الإسلامية.
هل بإمكان "حزب الله" أن ينتظر إلى ما لانهاية هذه اللعبة الممجوجة؟
المجتمع الدولي وإسرائيل يريدان رأس المقاومة. ولعبة الوقت هي لصالحهما، لذلك يمكنهما المماطلة ما أرادوا. لذلك لا بد من القيام بخطوات ثلاث:
الأولى: المطالبة بقيام محكمة فورية لمحاكمة شهود الزور ومن وراءهم. هذه الخطوة هي مساهمة أولى في معرفة الحقيقة باغتيال الرئيس رفيق الحريري.
الثانية: قيام القضاء اللبناني بالتحقيق بما قدمه الأمين العام لحزب الله من وثائق. إن تسليم هذه الوثائق إلى المحكمة الدولية من دون متابعة من القضاء اللبناني تعني إهمال هذه الوثائق، لأنه لا يمكن الوثوق بالمحكمة الدولية.
الثالثة: تنفيذ الأحكام الصادرة بحق الجواسيس لأن خطوة كهذه سوف تلجم إنفتاح المجتمع اللبناني أمام العدو الإسرائيلي. لا يمكن أن تكون عملية خدمة العدو الصهيوني وجهة نظر في لبنان حيث توجد المقاومة الإسلامية.
إن اجتماعاً بين الرئيس سعد الحريري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله تصدر عنه القرارات السابقة الذكر سوف ينقل المجتمع اللبناني من حال التوتر إلى حال الإرتخاء التي تبشر بالإستقرار الذي تحدث عنه الرئيس سعد الحريري في خطابه الرمضاني الأول.
القلمون في 15 آب 2010 حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق