طرابلس بحاجة لرجالاتها
ما حصل في بيروت البارحة في مكتب الرئيس السنيورة معيب في جميع المقاييس. تداعى للإجتماع جميع فعاليات طرابلس وعكار، على زعم المجتمعين، وفاعلية بيروتية وفاعليتين صيداويتين، لدراسة أحوال التبانة وبعل محسن. إن هذه السرعة في الإجتماع توحي ان هاتين المنطقتين لم تكونا موجودتين في طرابلس، إنما نبتتا حديثاً، لذلك لا بد من إيجاد الحلول.
المشاكل في التبانة والبعل موجودة منذ ثمانينات القرن الماضي، ولم تحلها جميع الحكومات المتعاقبة، ومنها على سبيل المثال الحكومات الحريرية وحكومة السنيورة التي عاشت كثيراً. فما هو المستجد حتى يدعو السنيورة إلى اجتماع عاجل من أجل إيجاد مرجعية لطرابلس. وما علاقة السنيورة بهذا الموضوع؟ لو كان يغار حقاً على طرابلس لساهم في حل مشاكلها التي لا تُحصى ولا تُعد، عندما كان على رأس أكثر من حكومة، حتى أنه يمكننا وصفها بالمدينة المنكوبة، فما بالنا بالتبانة والبعل؟ والأنكى من ذلك قبول هذه الفعاليات بالإجتماع في مكتب الرئيس السنيورة، وعلى رأسهم سماحة المفتي الذي تحدث باسم المجتمعين، حاسباً نفسه على فريق من أفرقاء طرابلس. وللتذكير فقط أن المفتي الشعار كان مفتياً بإجماع جميع الفعاليات الطرابلسية. لماذا لم يكن هذا الإجتماع في طرابلس وممثلاً لجميع الفعاليات الطرابلسية؟ لأن هذا الإجتماع مسيس ويهدف إلى محاولة محاصرة حكومة الميقاتي والوزراء الأربعة من طرابلس. وهناك من أكد أنه بسبب فشل التفجير الأمني الحالي كانت الدعوة لهذا الإجتماع.
دعونا نتحدث بصراحة تامة، راجين أن لا تؤذي هذه الصراحة أحداً. لقد تمكن سماحة المفتي من جمع جميع أفرقاء طرابلس في دارته والتوصل وإياهم إلى اتفاق. لقد جرى خرق هذا الإتفاق، ما المفروض أن يحصل؟ سماحة المفتي الذي جاء بقبول جميع الأفرقاء، كان عليه أن يدعو إلى اجتماع جديد يتم البحث فيه عن سبب خرق الإتفاق السابق والدعوة إلى تجديده ودراسة ما لم يتنفذ من الإتفاق السابق ليُصار إلى تنفيذه. وبذلك تكون شخصية توافقية هي التي قامت بتجديد الإتفاق ولم يحضر ناس غرباء عن طرابلس حتى تُعطى المبادرة طابعاً سياسياً يؤدي إلى فشلها حتماً. وبدلاً من أن يكون سماحة المفتي هو الرقم واحد في هذه المدينة يُصبح أحد أرقامها، وهذا ما لا نرتضيه لسماحته. يمكننا أن نستنتج أن مبادرة السنيورة وُلدت ميتة، فعظم الله أجوركم!
أود أن أطرح سؤالاً لا بد له من جواب: هل من يتقاتل في التبانة والبعل هم من خارج النسيج الطرابلسي؟ فإذا كان الجواب بالإيجاب فهذا يستتبع أن الفعاليات السياسية في طرابلس تملك القدرة على حل هذه الإشكالات ولا تريد. أما إن كانت من خارج نسيج المدينة فلماذا لا يتم فضحهم بالأسماء، وفي هذا مصلحة لجميع الأفرقاء.
بقي احتمال أنه ليس بإمكان فعاليات المدينة التحكم بحركة هؤلاء، فهذا يعني أن الحلول ليست صالحة للتخلص من هذه المشاكل. لذلك لا بد من حلول فعلية. منها على سبيل المثال لا الحصر: المسارعة إلى إعادة إعمار المناطق التي تضررت من الإشتباكات ابتداء من الثمانينات حتى الآن. وهذا لا يكفي، لأنه من دون إيجاد فرص عمل لجيش العاطلين عن العمل في هاتين المنطقتين، يعني اعتبارهم احتياطياً من أجل معارك قادمة، لا سمح الله. لقد كانت المنطقة تعج بفرص العمل ولكن هروب رجال الأعمال والحرف هو ما حولها إلى ما هي عليه الآن. شارع سوريا أصبح مقفراً بعد أن كان يعج بالحركة، فهو قد أصبح خطوط تماس.
هل يعي هذا الواقع رجالات طرابلس المجتمعون تحت راية الصيداوي البيروتي؟ بالطبع نعم! ما هي القطبة البارزة التي سيضفيها السنيورة على هذا النسيج حتى تداعى نواب المدينة إلى الإجتماع عنده؟ يريدون الهروب من الحلول الواقعية بتحويلها إلى معركة سياسية ما بين الموالاة والمعارضة، يكون الخاسر الوحيد فيها أهل التبانة وبعل محسن. لن نتحدث عن المفارقة بأن الإجتماع لم يكن في مكتب ابن طرابلس رئيس مجلس الوزراء، وبوجود وزراء طرابلس الأربعة.
المساهمة في نقاش ما توصل إليه هؤلاء في اجتماعهم في مكتب السنيورة، يُعد مشاركة بالخطأ. من هنا ضرورة الدعوة إلى اجتماع جديد يضم الأفرقاء الحقيقيين لمدينة طرابلس، يحمل برنامج عمل لإصلاح المناطق المنكوبة، وإيجاد فرص عمل لأهلها، يُصار فيه إلى مصالحة حقيقية، توقف النزيف نهائياً. وبذلك تخرج منطقة التبانة وبعل محسن من سوق المزايدات السياسية مرة وإلى الأبد. الداعي إلى الإجتماع يجب أن تكون جهة رسمية، ليكن رئيس مجلس الوزراء.
وهنا مسؤولية دولة الرئيس والسادة الوزراء الطرابلسيين في الإسراع إلى تشكيل هيئة مصالحة جدية تكون مهماتها: غسل قلوب أبناء التبانة وبعل محسن؛ التعويض الفوري عن الضحايا (طبعاً لا تعويض عن خسارة الأرواح، ولكن من أجل لملمة الجراح وتخفيف الأعباء)؛ التعويض عن الخسائر المادية؛ التفكير في كيفية تجاوز الحل الأمني بمعنى عدم جعل المعتقلين ضحايا للمرة الثانية (التفكير بكيفية العفو عنهم لاستيعابهم ومحاسبة المحرضين السياسيين)؛ وضع خطة إنمائية عاجلة للمنطقة تتجاوز "ملهاة" مؤسسات المجتمع المدني. والشروع فوراً بالعمل الميداني بالدعوة من قبل دولة الرئيس والسادة وزراء طرابلس إلى إقامة أسبوع شعبي لجميع الضحايا يحضره الوزراء ويشاركون فيه.
السلاح، لا معنى لرفع شعار سحب السلاح، لأن استعمال السلاح يكون سياسياً دائماً. فالأمن لا يكون إلا سياسياً. فإذا تم الإتفاق يصبح السلاح هو بانتظار العدو الإسرائيلي التي وصلت اعتداءاته إلى أقاصي عكار في حرب ال2006. إن رفع هذا الشعار هو سياسي بامتياز (عمحكيكي يا جارة تتسمعي يا كنة). يريدون من رفع هذا الشعار الوصول إلى سلاح المقاومة. وهذه أضغاث أحلام. فما دامت إسرائيل في الوجود على كل مسلم وعربي أن يُعد العدة.
21 حزيران 2011 حسن ملاط