بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الأحد، 19 يونيو 2011

حماية سوريا

الدولتان الإقليميتان اللتان تنسج معهما سوريا علاقات ودية وقوية هما تركيا وإيران. في الأزمة الراهنة هل للدولتين المذكورتين نفس القدرة على مساعدة سوريا للخروج من أزمتها الخطيرة؟ نحن لا نشك بأن إيران تقدم المساعدات لسوريا، كما وأنها سند قوي لها، ولكنها في الأزمة الراهنة لا يمكنها المساعدة بالطريقة التقليدية. ذلك أن الأحداث غير التقليدية تتطلب معالجات مختلفة.

لقد فرضت الأحداث الراهنة في سوريا والتي لا زالت مستمرة منذ ثلاثة أشهر، على جميع من يتصدى لإيجاد الحلول لها العديد من القضايا التي لا يمكن تجاوزها. ومنها القضايا الإقتصادية والإجتماعية، قضايا الفساد، قضية تحرير الجولان المحتل منذ 1967، قضايا الحريات العامة، قضايا المشاركة في الحياة السياسية... وقضية بناء النظام الجديد الذي بإمكانه استيعاب جميع هذه التغييرات. كما وأن هناك قضية نحاذر جميعاً من الخوض فيها بسبب حساسيتها، نعني القضية الطائفية.

إن أهمية سوريا تجعل الأمور فيها كثيرة التعقيد بحيث أن القضايا تختلط فيما بينها، نعني الإقليمي والدولي والمحلي وهو الأهم. نحن نعتقد بأن تركيا هي الدولة الإقليمية التي يمكنها أن تساعد سوريا على تجاوز أزمتها، ذلك أن المصالح المشتركة، نتيجة التداخل الإجتماعي فيما بين الدولتين، ومصلحة تركيا بسوريا هادئة وهانئة على حدودها. كما وأنه يمكن لتركيا أن تقدم لسوريا ما لا يمكن لإيران أن تقدمه، نعني التغطية الطائفية في حال أراد الرئيس الأسد أن يقود عملية الإصلاح وهذا ما تدفع تركيا باتجاهه. وهذا ما يبدو واضحاً من اندفاع تركيا لإيجاد حل سلمي للأزمة السورية. تركيا التي وقعت مع سوريا أكثر من خمسين اتفاقاً، تعتبر سوريا بوابتها إلى الشرق العربي. من أجل ذلك يبدي المسؤولون الأتراك يومياً حرصهم على تماسك الوضع الداخلي السوري، حتى أن وزير الخارجية التركي أبدى استعداد بلاده لمساعدة سوريا في حال طلبت ذلك.

ولكن هذا لا يعني أن النظام في سوريا لا يمكنه أن يبادر بنفسه إلى حل أزمته. ولكن هذه المبادرة تتطلب تغييراً في النهج السائد اليوم في التعامل مع الإحتجاجات المستمرة منذ عدة أشهر.

الإصلاح في سوريا يتطلب إعادة هيكلة للنظام بحيث يتمكن من أن يلبي المتطلبات المستقبلية لتطور البلاد بحيث يمكنها تلبية جميع حاجات الشعب السوري. من هنا ضرورة مشاركة جميع شرائح المجتمع ببناء سوريا الجديدة.

إن بناء جبهة وطنية عريضة تمثل جميع أطياف المجتمع السوري تتشكل من جميع الأحزاب والمجموعات والشخصيات التي توافق على برنامجها هي ضرورة لقيادة هذا التغيير. وهذه الجبهة ليست هي الجبهة القائمة اليوم بالطبع. والخطوة التي لا بد منها هي دعوة النظام القائم جماهير الشعب للدخول في هذه الجبهة بعد تخليه عن قيادة المجتمع بمفرده. لأنه من غير الثقة من المجتمع لا يمكن لأية جهود أن تنجح وتعطي أكلها. إن قناعة المجتمع السوري بجدية النظام بإيجاد الحلول لأزمته بمشاركة جميع أطياف المجتمع هي خطوة لا غنىً عنها لبدء الحوار.

لذلك يجب أن تكون الدعوة إلى هذه الجبهة من قبل النظام واضحة في البرنامج الإصلاحي، من حيث الموقف السياسي العام المواجه للمحالفة الغربية الخليجية، وعلى المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والوطني. ويجب أن تتضمن الدعوة ما يشبه مشاريع القوانين. ويجب أن تتوجه إلى قيادات "منسقيات الانتفاضة" إن كانت هناك من منسقيات، أي إلى قيادات الانتفاضة الفعليين الميدانيين...

ماذا على الجبهة القيام به؟

على الجبهة أن تقود بشراكة فعلية مع قيادة النظام ترجمة مضمون الدعوة.

تحديد العدو: حتى لا يقاتل الناس بعضهم بعضاً يجب أن تكون ماهية العدو واضحة لكل الناس، فعدو الشعب السوري هو الإدارة الأمريكية، إسرائيل، الرجعية العربية والفساد.

إن هذا التحديد هو الذي يسمح للشعب بأن يتهم من لا يوجه سلاحه لهؤلاء بأنه معاد للشعب وسوريا.

النظام السياسي: النظام السياسي الذي يرتضيه الشعب السوري هو النظام الذي يؤمن الديموقراطية الحقيقية وليس الديموقراطية التي تسمح باضطهاد الشعوب المستضعفة والإستيلاء على ثرواتها، والتي تسمح بطرد الفلسطيني من أرضه وإعطاء الأرض لغيره من أجل تأمين مصالح الأمريكان بنهب ثروات أمتنا. من أجل ذلك يتألف النظام السياسي من ثلاث سلطات مستقلة عن بعضها: السلطة السياسية، أي الإدارة، والسلطة القضائية والسلطة المدنية.

السلطة القضائية تكون ماليتها مستقلة عن مالية السلطة السياسية، حتى لا يكون للأخيرة الحق بالتدخل فيها كما يحصل في أيامنا هذه. تُفرض ضريبة معينة تسمى ضريبة القضاء. وعلينا الإشارة إلى أن الجسم القضائي لا يحق له التدخل في السياسة مطلقاً، حتى لا تكون هناك شبهة العمل من أجل مصالح سياسية.

السلطة المدنية، نعني البلديات والمخاتير والجمعيات والجوامع والكنائس. وتكون البلديات مسؤولة عن كل ما هو ضمن نطاق حدودها. نعني خدمات المياه والكهرباء والمدارس والصحة ...الخ. كما لا يحق لأعضاء المجلس البلدي المشاركة في السياسة إلا بعد تركهم مناصبهم لمدة عشر سنوات، وذلك من أجل منع شبهة العمل من أجل مصالح سياسية. وتكون نصف المجالس من النساء، نصف المجتمع. وهذا ما يجعل مجتمعنا المدني مختلفاً عن شبيهه الأوروبي الذي يؤمن هيمنة النظام السياسي على المجتمع.

النظام التعليمي: ليس من الضرورة أن يكون النظام التعليمي صورة عن النظام الغربي الذي يخرج عبيداً للإدارة السياسية وخدماً للآلة الإقتصادية.

النظام التعليمي القائم اليوم يخرج جيوش من العاطلين عن العمل، وهذا ما يُعد خسارة كبيرة لموارد المجتمع. من هنا ضرورة أن يلبي النظام التعليمي حاجات المجتمع الفعلية. لذلك لا بد من إلغاء التعليم الإبتدائي حتى سن الحادية عشرة، والإستعاضة عنه بتسليم هذه المهمة للبلديات والجوامع والكنائس والجمعيات الأهلية والنوادي المحلية، بحيث يقتصر التعليم على القراءة والكتابة والحساب والكومبيوتر، يضاف إليها النشاطات اللاصفية، على أن يكون هناك برنامج موحد لكامل البلاد.

يبدأ معهد التعليم المهني باستقبال الأطفال في سن الثانية عشرة، حيث يكون التعليم في هذه المعاهد مجانياً وإلزامياً. فأي عامل بأي مهنة يجب أن يحمل شهادة حتى يتمكن من مزاولتها. فالراعي على سبيل المثال يجب أن يتعلم كيف يجدد المرعى وكيف يطبب حيواناته... . وتكون هذه المعاهد في الأمكنة التي تبين نوعية الإختصاص. فالمعاهد الزراعية تكون في البلدات الزراعية والمعاهد الصناعية تكون بالقرب من المدن الصناعية...

يبدأ الإختصاص بعد التخرج من هذه المعاهد. ويمكن للطالب أن يتجه الإتجاه الذي يريده. يكون التعليم في مجال الإختصاص مجانياً للمتميزين فقط، أما الآخرين الذين يريدون إكمال دراستهم فيمكنهم ذلك على نفقتهم الخاصة. أما الدكتوراه فتكون في مراكز الأبحاث.

الإقتصاد، ينطلق من ثابتتين، الأولى ضرورة دراسة مرحلة الخمسينات من القرن الماضي عندما كان النسيج السوري ينافس نظيره البريطاني من حيث الجودة. أما الثابتة الثانية فهي باتجاه التكامل مع الإقتصاد اللبناني والعراقي، كمرحلة أولى ضرورية ومن ثم الإتجاه إلى التكامل ما بين هذه الإقتصادات والإقتصاد التركي والإيراني.

علينا منذ البداية التفكير ببناء كتلة كبرى لأن عصرنا هو عصر الكتل الكبرى إن أراد الإنسان التحرر من هيمنة الدول الكبرى. وهذا مصلحة لجميع المنتمين لهذه الكتلة، سواء كان اقتصاده كبيراً أو صغيراً.

أما بالنسبة للمسألة الوطنية فلا بد منذ الآن من إعادة إعمار الأراضي المحررة من الجولان وإعادة إسكانها وممارسة الحياة المعتادة فيها. إن محاربة العدو تتطلب أن يكون أحدنا على تماس مع عدوه.

كما وأنه لا بد من الإشارة أن المشاركة في الجبهة الوطنية يقتصر على الموجودين داخل البلاد. ولا يحق لأحد من الموجودين في الخارج المشاركة حتى يعود. إن تطبيق أجندات خارجية داخل سوريا ممنوع قطعاً. لأن المشاركة في هذه الجبهة يكون شرطها الموافقة على بند تحديد أعداء الشعب السوري.

إن ما تقدم وما يقترحه كل مهتم بقضايا شعبه وأمته هو ما يساهم في حماية سوريا.

19 حزيران 2011 حسن ملاط

ليست هناك تعليقات: