قراءة
ل"نحو مشروع النهضة العربية" للشيخ نعيم قاسم
نبدأ بتلخيص ما ورد في مقالة الشيخ نعيم قاسم في جريدة "السفير" اللبنانية في 4 حزيران 2011. يقول نائب الأمين العام لحزب الله اللبناني:
"نعتبر أن أي عمل وحدوي مشترك يجب أن يكون خاضعاً لثابتتين اثنتين، ولا إمكانية لقيام مشروع النهضة العربية إلاَّ بهاتين الثابتتين الصالحتين من أجل أن نجتمع ونتعاون مع بعضنا.
أما الثابتة الأولى: فهي مشروع المقاومة، المقاومة التي تجمع، والمقاومة التي تحرر، والمقاومة التي لا تبحث عن سلطة وتوزيع المغانم.
الثابتة الثانية: مواجهة المشروع الأميركي بمفرداته الاستكبارية الاستعمارية، وهذا ما يتأسس على أمور ثلاثة:
الأول: يجب وقف الوصاية الأمريكية على الدول والشعوب، وكذلك طرد الأنظمة المستبدة والعميلة.
هذه هي أهم النقاط الواردة في دراسة الشيخ نعيم قاسم والتي سوف نحاول قراءتها.
الملاحظة الأولى: تتعلق باعتبار الشيخ نعيم عدم ترجمة انتصار المقاومة على إسرائيل كوقائع سياسية على أرض الواقع على صعيد السلطة السياسية إيجابياً علماً أنه سلبي بجميع المقاييس.
1 - بعد انتصار ال 2000 ترك حزب الله جميع العملاء من دون أية ملاحقة، إكراماً للبطرك صفير أولاً، وحتى لا يُتهم بالطائفية ثانياً. ولكن النتيجة العملية التي حصلت عن هذا التصرف أن المحاكم اللبنانية قد أصدرت أحكاماً على العملاء تشجع على العمالة مع العدو بدلاً من أن تكون رادعاً لجميع من يفكر بالتعامل مع العدو في يوم من الأيام. وهذا ما جعل السطات الأمنية والعسكرية اللبنانية تفكك، بعد عدة سنوات، عشرات الشبكات التجسسية لصالح العدو الإسرائيلي، ومن هؤلاء من استمر على عمالته منذ ما قبل ال2000 .
2 – انتصرت المقاومة على إسرائيل في 2006 انتصاراً ترك أثراً كبيراً جداً على صعيد السلطة السياسية في كيان العدو، حتى بات الكلام عن عقم على مستوى السلطة السياسية في إسرائيل جائزاً. ورغم هذا الإنتصار المدوي لم يترجم حزب الله انتصاره هذا واقعاً في السلطة السياسية في لبنان. إن ما نتج عن ذلك هو إعطاء الحكومة اللبنانية الضوء الأخضر لمحاصرة المقاومة وإصدار القرارات الشهيرة في 5 أيار 2008 والتي أجبرت المقاومة على التصرف في السابع من أيار وإجبار الحكومة على تغيير قراراتها. ولكن الحكومة استمرت في الحكم. وكان هذا الإستمرار بفضل الممارسة الخاطئة لحزب الله، لأنه لا يريد أن يترجم انتصاراته على صعيد السلطة السياسية، ويريد التعفف عن استلام السلطة.
إن الجو الذي تركته حركة السابع من أيار في المناطق السنية كان مزلزلاً، حتى بات الجهر بتأييد المقاومة مغامرة لا تخلو من المخاطر. ولا يظنن أحد أني أبالغ في هذا الكلام. ولا بد من إشارة هنا، حول عدم استشارة المقاومة لحلفائها العضويين من التنظيمات والمجموعات والشخصيات من أهل السنة الذين كان بإمكانهم النصح بكيفية التعامل مع هذه الساحة حتى تعود المياه إلى مجاريها.
المهم في هذا العرض هو الإستنتاج التالي: إن القيام بممارسة سياسية ما، تفرضها الوقائع العيانية وليس أي شيء خلاف ذلك. إن ترجمة انتصار المقاومة عملياً على صعيد السلطة السياسية لم يكن ليترك آثاراً سلبية على أرض الواقع اللبناني، ذلك أن تأييد الناس للمقاومة وخاصة في الطائفة السنية لم يكن يجاريه تأييد أي من السياسيين اللبنانيين. قليلة هي البيوت التي لم تكن ترفع صور الأمين العام لحزب الله. أما في البيوت التي كانت تؤيد رفيق الحريري فكانت ترفع صور الحريري والأمين العام لحزب الله. ليس من الحكمة في شيء أن أعطي حرية التصرف للعدو، أو بصيغة أخرى ليس من الحكمة في شيء أن أعين العدو حتى يتآمر علي. إن الموقف السلبي من المقاومة والذي يميز الأكثرية الكبيرة من السنة في لبنان يشرب من كأس تعفف المقاومة عن ترجمة انتصاراتها على صعيد السلطة السياسية.
3 – لا يمكن لأي كان أن يحصل على شيئين متناقضين في الآن نفسه. إن من يريد أن يحارب إسرائيل لا يمكنه أن يحظى برضى الولايات التحدة والإتحاد الأوروبي. فإذا كان عدم ترجمة المقاومة انتصارها كوقائع على صعيد السلطة، هو حتى يظل لبنان تحت المظلة الأمريكية فهذا لن يكون إلا أضغاث أحلام. فالثابتة الأولى عند الإدارة الأمريكية هي مصلحة العدو الصهيوني ثم تكون المواقف من الدول تبعاً لذلك. من الذي ضغط على دول الخليج من أجل إقامة علاقات مع الكيان الصهيوني؟ أليست هي مقايضة بين المحافظة على العروش والعلاقات مع الكيان الغاصب؟
مصالح المقاومة هي نقيض السياسة الأمريكية، من هنا ضرورة وجود سلطة سياسية تنسجم مع مصالح المقاومة، كمقاومة آنية ومستقبلية، لا سلطة تسمح للسفيرة الأمريكية أن تسرح وتمرح أنى شاءت، لتقوم بالتحريض على المقاومة، الشريكة في السلطة، في جميع مجالسها. كما وأن ممثل المقاومة في السلطة يتعامل مع مشاريع ال UNDP علماً أن هذه المؤسسة وشقيقتها USAID وغيرها من المؤسسات المشابهة يعيثون في بلادنا فساداً وإفساداً، وهي تتبع بالتالي للإدارة الأمريكية. وفي الحكومة السابقة سمح ممثل المقاومة لشركة ONDO الفرنسية بتخريب ونهب مؤسسات المياه في بلادنا. علماً أن المطلوب كان طرد هذه الشركات والمؤسسات لا التعامل معها.
العمل السياسي يتطلب التعامل مع الوقائع، ولا يكون تبعاً للرغبات.
4 – المقاومة، حتى يمكنها الإستمرار تتطلب وجود مجتمع مقاوم. والمجتمع المقاوم له ميزات لا يتمتع بها المجتمع اللبناني القائم اليوم. من هنا ضرورة تغيير بنية النظام في لبنان بحيث تتلاءم مع ضرورات المقاومة. إن مجتمعاً يقوم على الإستهلاك لا يمكن أن يستمر مقاوماً، من هنا ضرورة تطوير البنى الإقتصادية والسياسية بحيث يتحول مجتمعنا إلى مجتمع إنتاجي حتى لا نحتاج إلى أعدائنا لتأمين متطلبات حياتنا اليومية.
5 – مجابهة المشروع الأمريكي لمنطقتنا يتطلب أشكالاً مختلفة للمقاومة، منها السياسية والعسكرية وكذلك الإقتصادية. فارتباط الليرة اللبنانية بالدولار الأمريكي يعني تبعيتنا للأمريكي سياسياً وإقتصادياً. فبوجود التبعية لا تمكن المجابهة، خاصة أنه يمكننا أن نكون مستقلين. وعدم وجود برنامج إقتصادي إجتماعي للمقاومة لا يمكنها من مجابهة المشروع الأمريكي لمنطقتنا. ليس المهم وجود مشروع في الأدراج، إنما المطلوب برنامج يتم النضال من أجل تحقيقه وهذا ما لا نجد له صدىً على صعيد المقاومة في لبنان. إذ أن التغيير يتطلب أن يكون شاملاً على جميع الصعد. فلا يمكن للإنسان أن يكون ثورياً ورجعياً في آن.
6 – كما أن من الشروط الضرورية للمجتمع المقاوم أن لا يكون الشكل القائم للمقاومة اليوم، شكلاً سرمدياً، وهذا ما توحي به كتابة الشيخ نعيم عن المقاومة في لبنان. لا يمكن التحدث عن تثوير الطوائف أو المذاهب في لبنان، ولكن ما يمكن فعله هو أن الطليعة الثورية (حزب الله) يطور بنيته بشكل تضم كل الثوار اللبنانيين، حتى تصبح المقاومة متجاوزة لجميع الطوائف والمذاهب. هذا المنحى لا يمكن أن يصبح واقعاً إذا لم تعمل عليه المقاومة منذ الآن. وهذا الشكل ليس نهائياً أيضاً لأن ضرورات المقاومة ربما تفرض هوية مفتوحة للمقاومة بحيث تستوعب في صفوفها السوري والفلسطيني. فالأخطار جسيمة، إن مصادرة الثورات الشعبية من قبل الإدارة الأمريكية كما يتم في ليبيا بواسطة الحلف الأطلسي، وما يتم في اليمن عن طريق دول الخليج وما يتم في سوريا بتحويل الحركة الشعبية إلى انتفاضة مسلحة لا نعلم لمن تتبع قيادتها، كل ذلك يستتبع أن تكون المقاومة على أتم الجهوزية، ويفرض بالتالي أن تطور هذه المقاومة بنيتها بحيث تكون مستقبلية في كل المقاييس.
أخيراً، لا بد من شكر جهود الشيخ نعيم قاسم، كممثل للمقاومة في لبنان من وضعه نقاط هامة على طريق صياغة مشروع نهضوي لبلادنا، لا بد لكل من يتصدى لهذا الموضوع أن يستفيد منها.
هذه هي الملاحظات التي وددنا الإشارة إليها قصد إغناء البحث.
7 حزيران 2011 حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق