فداء عيتاني يتحدث عن السنة
أهمية لبنان تأتي من الدور الذي يمكنه أن يلعبه، إما حامي لحدود إسرائيل ومحطة للتآمر على سوريا في حال معاداتها لإسرائيل والولايات المتحدة، وإما حربة في خاصرة إسرائيل ومحطة آمنة بالنسبة لسوريا، لا يتم التآمر منه على الجارة الوحيدة. إذن كيانية لبنان كانت وما زالت غائية ولم تكن يوماً قائمة بذاتها.
السيد فداء عيتاني يتحدث عن لبنان ككيان قائم بذاته، تشكل منذ الأزل ولا زالت أزليته قائمة. لقد نسي أن جميع الكيانات العربية قد شكلها الإستعمار بناء لمصالحه ومن أجل دور على هذه الكيانات القيام به. والشعوب الموجودة في لبنان تشكل وعيها عبر التجارب التاريخية التي مرت بها. فما يتحدث عنه عن السنة كان في يوم من الأيام هو نفسه وعي الشيعة. ليس السنة وحدهم من رفض الإنفصال عن سوريا، إنما الشيعة أيضاً هم رفضوا أيضاً الإنفصال عن سوريا. فالشيعة في لبنان، رغم المعاناة التي كانوا يعانونها، لم ينفصلوا عن السنة إلا في ستينان القرن الماضي ولأسباب ليس لنا الخوض فيها. فالمجاس الشرعي الإسلامي الأعلى كان يضم الشيعة والسنة في نفس الوقت.
المسلمون في لبنان كانوا يرون هويتهم في امتدادهم التاريخي عبر القرون. ولكن إمكانية تشكل وعي مغاير يستدعي الكثير من العوامل، لم تتأمن للسنة، حتى يقبلوا بالتخلي عن وعيهم التاريخي لصالح وعي مستعار لا يعبر لا عن إسلامهم ولا عن عرويتهم. أما الشيعة فما أن لاحت الثورة الإيرانية بشعاراتها المتجاوزة للحدود حتى تلقفها شيعة لبنان، ليس لنقص في حبهم للبنان ولكن لأن مصلحة لبنان، كوطن وشعب، لا يتحققان إلا باعتباره جزء من نسيج منطقته التي تتجاوز البلاد العربية إلى تركيا وإيران. هذا هو الوعي الشيعي والسني في آن. ولا وعي سياسي خارج هذا الوعي.
نعود إلى فداء عيتاني في مقالته في "الأخبار" اللبنانية والمعنونة "تيه السنة" بتاريخ 4 حزيران 2011، حتى نرى ما الذي يريده من السنة حتى يخرجوا من التيه.
1 – العنوان لم يكن موفقاً لأن عبارة "التيه" تشير إلى العقاب الرباني لليهود عندما قتلوا الأنبياء وعصوا موسى عليه السلام. فليس هناك أي وجه شبه بين الوضعين.
2 – يقول الكاتب " ليس الرئيس المكلف نجيب ميقاتي ضعيفاً، بل انتماؤه إلى الطائفة السنّية في لبنان هو نقطة الضعف الرئيسية". هذا الكلام ليس صحيحاً، فالميقاتي أصبح قوياً عندما ارتضت طائفته بتمثيله لها رغم العمل الذي لا يكل الذي قام به أخصامه السياسيون. فالميقاتي قد تمكن من فرض شروطه على كل من يريد أن يتنطح لرئاسة مجلس الوزراء في لبنان. من هنا يتم التعامل معه على ما هو الآن وليس على ما كانه عند اختياره لتشكيل الحكومة. لقد حدد معايير لتشكيل الحكومة لم يلتزم بها لا السنيورة، الذي صنفه الكاتب قوياً، ولا سعد الحريري الذي يملك أكبر كتلة نيابية. إن ما مكنه من اتخاذ هذا الموقف هو معرفته بأنه يمثل نبض طائفته.
3 – ثم يضيف " رفيق الحريري نفسه لم يحتج إلى طائفته إلا بصفتها عدداً في صناديق الاقتراع، لكنّه احتاج إلى لوبي ليمارس سلطاته، والكثير من الدعم السعودي ومن غضّ النظر السوري ومن رضى أقطاب الطوائف الأخرى". وهنا يجافي الكاتب الحقيقة، فوجود الحريري في المركز الذي تبوأه مرده انتماؤه المذهبي، هذا من جهة ومن جهة ثانية أن ما مكن رفيق الحريري من تأمين قوته هو اللوبي الذي كان حوله، بقوة المال وليس بغض الطرف، على حد ما قاله رئيس تحرير "الأخبار" في مقالته الشهيرة المعنونة "أفرجوا عن الميقاتي".
4 – يقول الكاتب " السنّة اليوم هم الأكثر عدداً بحسب لوائح الشطب، والأكثر فقراً على مستوى الكتلة المالية والمداخيل. وهم لا يرون أنفسهم ينتمون إلى هذه البلاد كما باقي الطوائف". نحن نرى أننا ننتمي لهذه البلاد، ولكننا نعلم حق العلم أن هذه البلاد لا حياة لها إلا بانتمائها إلى محيطها الطبيعي والتاريخي. ما من أحد يمكنه مصارعة الجغرافيا والجغرافيا السياسية. السنة في لبنان لا يملكون وعياً مذهبياً. ولن يتمكنوا من الحصول على هذا الوعي. إن شرط الحصول عل هذا الوعي هو الشعور التي تملكه الأقليات. وهذا النوع من الشعور أو الوعي أو لنقلconscience يكون مخلوقاً، أو يكاد يكون كذلك inné . مع أني أميل أن هذا النمط من الوعي يتشكل par impregnation أي يتشربه الطفل تشرباً، أي بشكل غير واع. فليطمئن السيد عيتاني أن السنة ليس بإمكانهم أن يشكلوا وعياً مذهبياً رغم كل الجهود المضنية التي قام بها الحريريان والسنيورة والمفتي وجميع السياسيين الذين يدورون في فلكهم ورغم جهود الكاتب الذي يريد أن يحول هذه الإيجابية إلى سلبية. نحن بحاجة إلى أن يتخلى الجميع عن مذهبيتهم لا أن نغرق جميع الناس في المذهبية. فالمذهبية مناقضة للوعي.
5 – يضيف الكاتب " واليوم يقف رئيس حكومة مكلّف، لا يملك إلا تكرار خطأ خصمه السياسي سعد الحريري. فهو يتحالف مع المسيحي الضعيف بدل التحالف مع المسيحي القوي، وهو لا يملك الاعتراف بقوة نفوذ الشيعي القوي، ويفضّل عليه الشيعي في السلطة، ويبحث في الثنايا عن القوى الأكثر فاعلية في الشكل، بينما ينسى أنّ الحراك يكون بفعل موازين مختلفة". يتخيل الكاتب واقعاً غير موجود ثم ينتقد الرئيس المكلف لخطأ لم يقترفه. الميقاتي لم يتحالف مع المسيحي الضعيف. فالمسيحيون متساوون في قوتهم. إن ميزة عون على جعجع هي نواب كسروان فقط. أما جميع النواب الآخرين فكانوا بقوة حليف الجنرال الشيعي، ونقطة على السطر. أما عن تحالف الميقاتي الشيعي فهو لا يقبل بأي ظرف من الظروف تجاوز حزب الله لإيمانه بضرورة المقاومة، وبضرورة أن تظل المقاومة قوية. الكاتب يرسم صورة لميقاتي مُتخيل وليس له وجود واقعي، حتى يجد مبرراً لمن لا يريدون لهذه الحكومة أن تتشكل. لماذا؟ لا أدري.
وختاماً نقول أن ما يطلبه الكاتب من السنة في لبنان هو تخلف لا يدانيه أي تخلف. الإيجابية الكبرى التي يملكها سنة لبنان أنهم لا يملكون الوعي المذهبي المتخلف. فإذا فكرنا في مصلحة بلدنا وأمتنا، فنحن بحاجة لوعي يتجاوز الوعي القومي حتى يضم جميع الإقليم بما فيه إيران وتركيا. فهل ندعو السنة إلى أن يكونوا طائفة حتى يتمكن السياسي السني أن يفكر مذهبياً. بئس الطلب والمطلوب. 4 حزيران 2011 حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق