ماذا يجري في
الأردن؟
حسن ملاط
الحراك الشعبي الأردني يستمر منذ أكثر من سنة. ولكنها
المرة الأولى التي يتدخل فيها الملك على الشكل الذي جرى فيه. فقد اجتمع الملك في
يومين متتابعين مع القوى اليسارية والقومية والوطنية. وهي المرة الأولى التي يجتمع
فيها مع هذه التشكيلات. وقد تسرب مضمون هذه الإجتماعات إلى الصحافة. ومن المؤكد أن
هذا التسريب مقصود حتى يصل إلى من يعنيهم الأمر، أي الجماعات الإسلامية وفي مقدمهم
الإخوان المسلمين.
لقد عبر الملك خلال هذه الإجتماعات عن دعمه للإصلاح، على
أن لا يتطرق إلى صلاحيات الملك. كما أنه ضد الإعتقالات التي تمت من قبل الأجهزة
الأمنية. كما وأنه أصدر أمراً بالإفراج عن جميع المعتقلين. ومن الجدير ذكره أنه لم
يتم الإفراج عنهم، إنما عن بعضهم. كما أنه غمز من قناة جبهة العمل الإسلامي التي
رفضت ولا تزال ترفض المشاركة في الإنتخابات بسبب القانون الذي ترفضه. وقد هاجم
السعودية وقطر من دون أن يسميهما بسبب الضغط الذي تمارس هاتي الدولتين على الأردن حتى تكون
ممراً للتدخل في شؤون سوريا الداخلية. كما وأنه غمز من قناة تركيا لأنها تسير في
نفس الخط مع السعودية وقطر. ولا نغفل في هذا الإطار أن الأردن يتعرض لضغوطات هائلة
للإنخراط في الجبهة المضادة للنظام السوري، حتى أن السعودية وقطر قد تمنعتا عن مد
يد العون للأردن في المحنة الإقتصادية التي يمر بها، والتي تسبب له بالإضرابات
والمظاهرات التي لم تفتر منذ رفع الدعم عن المحروقات التي قامت به الحكومة الجديدة
والذي برر لها الملك هذا الإجراء مدعياً بأنه لولا هذا الإجراء لانهار الدينار
الأردني.
لماذا يقف الملك ضد التدخل في سوريا؟
الملك لا يثق بالأمريكان، ليس لأنه يساري أو ثوري، ولكنه
لأنه رأى بأم العين كيف تخلت أمريكا عن حليفها زين العابدين بن علي لصالح حزب
النهضة التونسي، وهو فرع الإخوان المسلمين التونسي. ورأى أيضاً تخلي الإدارة
الأميركية عن حليفها الأوثق حسني مبارك لصالح الرئيس مرسي من الأخوان المسلمين.
وإذا أضفنا إلى ما تقدم أن الشعار الذي رفعه الإخوان المسلمون في الأردن هو تحويل
الملكية في الأردن إلى ملكية دستورية، او بصيغة أخرى نزع جميع الصلاحيات التي
يتمتع بها الملك منه، نفهم سبب عدم دخول الملك في الحلف الأمريكي ضد بشار الأسد. الحلف
الذي سوف يأتي بالإخوان المسلمين لحكم سوريا. وبذلك يتم الطوق على الملك الذي يصبح
من غير حلفاء إن لم يخضع لمشيئة الإخوان المسلمين. أو بصيغة أخرى، التخلي عن
صلاحياته لصالح الإخوان المسلمين.
المعروف أن الحزب الأقوى في الأردن هو جبهة العمل
الإسلامي. ويهم الملك أن تكون هذه الجبهة حليفته، ولكن بشروطه وليس بشروطها. ماذا
يفيده أن يتحالف مع الجبهة إذا كانت ستجبره على التخلي عن صلاحياته. من أجل ذلك
لجأ الملك إلى القوى اليسارية والقومية والوطنية. وراح يدغدغ عواطفهم، أي راح
يبيعهم الكلام ليس من أجل تحالف حقيقي، إنما من أجل أن يري جبهة العمل الإسلامي أن
بإمكانه إيجاد حلفاء في حال رفضت الجبهة الإستجابة لشروطه. فتوجه الملك لهذه
الحركات ليس توجهاً جدياً. وكذلك ما طرحه عليهم لا يعطيهم أي مبرر أمام جمهورهم،
إن وجد، لأن شرطه الرئيس هو عدم المساس بصلاحيات الملك الدستورية. فإذا قبل هؤلاء
هذا الشرط فهذا يعني أن الطروحات الإسلامية هي الأكثر ثورية وطروحات اليسار
والقوميين هي الطروحات الرجعية. إذن يتقدم الملك من محاولة التحالف مع هذه القوى
شريطة أن تخضع لإملاءات البلاط. وهذا ما يكشفها أمام جمهورها. فلماذا كل هذا الفرح
من قبل اليسار بمبادرة الملك بالإجتماع بهم. فهو يقول لهم وبصراحة تامة أريدكم أن
تكونوا وقوداً لخلافي مع الإخوان المسلمين. كما وأريدكم أن تكونوا درعاً للدفاع عن
عرشي أمام المد الإسلامي الذي يجتاح المنطقة العربية، ومن المتوقع أن يجتاح العرش
الأردني أيضاً.
هذا على الصعيد الداخلي، فماذا على الصعيد الخارجي؟
هل يتجه الملك للتحالف مع العراق وإيران؟ وكيف يمكنه أن
يخرج من أزمته الإقتصادية الحادة؟ لا إجابات على هذه الأسئلة حتى الآن، علماً أن
هذا الإتجاه ليس سهلاً أن يقوم به الملك الأردني. أما الخيار الآخر فهو الخضوع
للشروط السعودية القطرية بعد تفاوض على حماية عرشه. من أجل ذلك فهو بحاجة إلى
تدعيم قوته الداخلية. هكذا نفهم لجوءه إلى اليسار والقوى الأخرى.
15 كانون أول 2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق