الإتفاق الإيراني الدولي
حسن ملاط
وأخيراً تم توقيع الإتفاق حول النووي الإيراني بين إيران
والدول الست. ما هي انعكاسات هذا الإتفاق؟
علينا أن نشير إلى أن الإتفاق بين متخاصمين يكون تعبيراً
عن ميزان القوى في اللحظة التي وُقع فيها الإتفاق. وتوقيع إتفاق ما لا يعني ضرورة
تطبيقه. فتطبيقه مرهون بالحفاظ على ميزان القوى الذي كان قائماً. كما أنه لا يعني
عدم تطبيقه، لأنه ربما يكون حاجة لأطرافه في المرحلة التي وُقع فيه الإتفاق وما
بعدها.
ولكن من الجدير ذكره، أن كل طرف يقرأ الإتفاق بناء
لمصالحه، لأنه لا وجود لقراءة موحدة لأي اتفاق يُعقد بين الدول. والقراءة التي
تُنفذ، هي تلك التي يملك صاحبها القدرة على فرضها على الأطراف الأخرى.
ما تقدم لا يعني تشكيكاً بالإتفاق، كما أنه لا يعني
التسليم بتنفيذه. والدليل على ما نقول هو عشرات القرارات الدولية التي لم يُنفذ
منها شيء.
حول الإتفاق
كان التوصل للإتفاق نتيجة اثني عشرة سنة من المباحثات،
تميزت بالتوافق حيناً وبالإختلاف حيناً آخر نتيجة تناقض ما يريده كل من الأطراف
التي تعمل للوصول إلى هذا الإتفاق، وبسبب زئبقية العلاقات بين الإدارة الأمريكية
وإيران.
ففي غزو أفغانستان، كانت المساعدة الإيرانية للغزاة
الأمريكيين ذات فعالية هامة، حتى أنه يُقال أنه لولا المساعدة الإيرانية ما كان للجيش
الأمريكي أن يتمكن من تحقيق أهدافه. ورغم ذلك رأينا الإدارة الأمريكية
تتنكر لهذه المساعدة، مما دفع الإيرانيين إلى حماية قيادات القاعدة في أراضيها
رداً على الإستكبار الأمريكي.
أما في العراق، فقد كانت الميليشيات التي دربتها إيران
ورعتها مع قياداتها رأس حربة للهجوم الأمريكي على العراق. ولكن حيث أن العراق
يختلف عن أفغانستان، لم تتمكن أمريكا من استبعاد النفوذ الإيراني عن هذا البلد.
فكلما حاولت أمريكا الضغط على إيران كانت الأخيرة تعطي الأوامر لميليشياتها للقيام
بعمليات معادية للأمريكان. واقتنعت أمريكا بضرورة استمرار التنسيق مع إيران في
العراق.
أما التجربة الأخيرة بالتعاون الإيراني الأمريكي فكانت
الحرب ضد الدولة الإسلامية (داعش) والميليشيات المعادية للأمريكان والنظامين
السوري والعراقي. وجميع الدلائل تشير إلى أن التعاون يسير على خير ما يريده
الطرفان.
هذا ما جعلنا نقول أن توقيع الإتفاق ما هو إلا إجراء
شكلي، لأن مفاعيل الإتفاق أصبحت ظاهرة على الأرض في ساحاتنا وفي الساحة الإيرانية.
ولذلك أيضاً، وُقع الإتفاق، نعني بسبب التوافق والعمل المشترك.
1 – إن أهم مفاعيل هذا الإتفاق هو أن الدور الذي تلعبه
إيران في منطقتنا أصبح يحمل شرعية دولية يغطيها هذا الإتفاق. ولكن مع الإشارة أنه
لم يعد باستطاعة إيران أن تفعل ما تريد كما يحصل اليوم، ولكن عليها مراعاة اتفاقها
مع أمريكا والقوى الغربية. وإذا استخدمنا اللغة الغربية، لم يعد بإمكانها أن تكون
راعية للإرهاب.
2 – التأثير الأسوأ لهذا الإتفاق سيكون على قضية الشعب
الفلسطيني، ذلك أن شروط تحققه، كانت الموافقة الإيرانية على تصور أمريكا لأولوية
الصراع في المنطقة والتي حددته أمريكا بالإرهاب السني (داعش، القاعدة وغيرها من
التنظيمات التي تدور في فلكها). وقد أعلنت أرفع مرجعية إيرانية ضرورة قتال هذا
الإرهاب، وهذا ما يحصل فعلاً. أما قتال إسرائيل فأصبح في ظهر الغيب على الصعيد
الاستراتيجي، علماً أن أولوية الثورة الإسلامية في إيران كانت: ضرورة إزالة
إسرائيل من الوجود وأمريكا الشيطان الأكبر. لا يخفى على المهتمين أن آخر لقاء بين
الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية مع المرشد الأعلى، أعلن الأخير ضرورة العمل
للتوصل إلى حل مرض للقضية الفلسطينية. كما أن الإتفاق الحالي قد أزال عملياً
الشيطنة عن أمريكا.
هذا لا يعني أنه لن يكون هناك اعتداءات إسرائيلية على
بلادنا. فما أن يهدأ التقاتل الداخلي حتى يكون العدوان الإسرائيلي قد حان أجله لا
تأييداً للغالب أو للمغلوب، ولكن لضرورة انتقامها من هزائمها المتكررة أمام حزب
الله.
3 – الإقتصاد الإيراني سيتحسن ولكن باستثمارات خارجية
لأن أثمان النفط سوف تُصرف على المعونات التي تقدمها الدولة في إيران للشعب (12 دولاراً
لكل فرد). وهذا مكلف جداً للخزينة ولا مردود إقتصادي له. الإستثمارات الخارجية
تعني ارتباطاً عضوياً للإقتصاد الإيراني بالرأسمال المعولم والذي يؤدي حتماً
للخضوع للنظام النيوليبيرالي، كما حصل مع الصينيين والروس وغيرهم.
ستتحسن أوضاع الناس تبعاً لتحسن صرف الريال الإيراني
وهذا ما سينعكس إيجاباً على الطبقة الوسطى خاصة. كما أن تدفق الرساميل سينشط حركة
تنقل الأموال والإنفاق...
4 – العودة إلى حصة إيران من سوق النفط له انعكاسات
إيجابية على الوضع الداخلي أيضاً. هناك توقعات بأن ينخفض سعر النفط، ولكن هذا
الأمر ليس حتمياً، لأن فتح سوق استهلاكية تحوي 80 مليون إنسان سيكون له انعكاس على
جميع اقتصادات العالم مما يمكن أن يرفع من استهلاك النفط وربما يؤدي إلى ارتفاع
الأسعار بدل انخفاضها.
5 – الإحتمال الأكبر هو أن يؤدي هذا الإتفاق إلى سباق
تسلح في منطقة الخليج خاصة. ومن المرجح أن يؤدي إلى اهتزازات في الإتحاد الخليجي،
إلا إذا حالت الإدارة الأمريكية دون ذلك.
6 – الصهاينة هم الأكثر تضرراً من هذا الإتفاق، حيث أن
الدور المنوط بالكيان الصهيوني يكاد يزول. لذلك ستفعل إسرائيل المستحيل من أجل
عرقلة تنفيذه. والأرجح أنها لن تتمكن من ذلك، خاصة إذا نشطت حركة زيارة المستثمرين
إلى إيران. فالسياسة من أجل هؤلاء. على كل حال أعلن وزيرا خارجية ألمانيا وفرنسا
أنهما سيزوران إيران قريباً كل بمفرده.
أما الحديث عن تعاون سعودي وإسرائيلي، ليس مستحيلاً،
ولكنه مستبعد الآن. فالإدارة الأميركية سترتب أوضاع المنطقة بالتعاون مع أصدقائها
الجدد واالذين سبقوهم. فحل يرضي السعودية في اليمن سوف يبعدها حتماً عن التفكير
بالتعاون مع العدو الصهيوني. وهذا حل مرجح.
7 – قبل الإتفاق، كانت إيران تجابه تكتلاً من ست دول،
أما الآن فهناك ست دول تتنافس فيما بينها للتقرب من إيران. أي أن التحالف المعادي
لإيران قد انتهى مفعوله.
وأخيراً لا بد من الإشارة إلى أن هذا الإتفاق ربما يساهم
بالتعجيل في إيجاد حلول لمعاناة شعوب منطقتنا، ولكن هذا الخيار ليس مرجحاً، وذلك
بسبب حاجة الولايات المتحدة لإغراق إيران في حروب لا تنتهي حتى تضمن تبعيتها
المستقبلية لها. إيران ليست مجبرة على ذلك، فلا شيء يمنعها من العمل مع دول
المنطقة لإيجاد حلول لحروبها. هذا خيار صعب لأنه يستدعي التخلي عن أغلب التركيبات
الميليشيوية التي أنشأتها، ولكنه ليس مستحيلاً.
نختم بالقول أن إيران أثبتت أنها دولة تتمتع بحس الدولة
المستقلة والتي تدافع عن قضاياها أمام أعتى القوى الدولية، وقد تمكنت من الحصول
على ما تريده كدولة. ستشهد الكثير من التجاذبات بين مختلف القوى، هذا طبيعي. وهذا
ما سوف يحصل في الولايات المتحدة نفسها. هذا لا ينتقص من الإنتصار التي حققته هذه
الدولة الفتية على أعتى قوة في التاريخ.
15 تموز 2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق