حسن ملاط
منذ زمن بعيد، بدأت عملية تسطيح المفاهيم الإسلامية. أما
ترسيخها (عملية التسطيح) فقد كان مع بدء التدوين. وبما أن النبي عليه السلام قد
أرسل كافة للناس بشيراً ونذيراً، فهذا يعني أن الدين لا يمكن أن يكون قبلياً أو
عشائرياً أو حتى قومياً، بمعنى توسيع الدائرة!
ما العلاقة بين تسطيح المفاهيم والعنوان؟
الحج إلى مكة كان من قبل الإسلام. كان العرب يعظمون
البيت الحرام، ويطوفون حول الكعبة ويسعون بين الصفا والمروة. كما كانوا يقفون في
عرفة.
والكل يعلم أن هذه الشعائر لازال يقوم بها الحاج، أما
الوقوف في عرفة فقد أصبح له منحىً خاص. فالصيام يوم عرفة يغفر الله به سنتين،
سابقة ولاحقة. والعبادات في يوم عرفة لها وقع خاص، حتى أنه يُروى أن النبي عليه
السلام قد قال: الحج عرفة.
المتغيرات التي أعطت هذا اليوم أهميته
بعد فتح مكة، وفي السنة التاسعة للهجرة، بعث النبي صلى
الله عليه وآله، أبا بكر الصديق أميراً على الحاج. ولا يخفى أن المشركين كانوا لا
يزالون يمارسون الحج إلى جانب المسلمين، محتفظين بتقاليدهم. لم يُرد النبي عليه
السلام أن يحج مع هؤلاء بسبب طوافهم عراة، مع العلم أن عريهم، حسب شعائرهم، هو تعر
من الذنوب.
ذهب المسلمون بقيادة أبي بكر الصديق. ولكن بعد ذهابه حدث
أمر جلل: فقد أنزل الله تبارك في علاه على نبيه المصطفى سورة البراءة من الشرك
والمشركين. ورأى النبي عليه الصلاة والسلام ضرورة إبلاغها لجميع المسلمين بسبب
أهمية مضمونها. من أجل ذلك بعث علياً في إثر أبي بكر، وطلب منه إبلاغ الناس تغيير
قواعد التعامل ما بين المسلمين والمشركين، ابتداءً من يوم التبليغ. وكان يوم
الإبلاغ هو يوم عرفة. وبذلك أصبح يوم عرفة هو يوم البراءة من الشرك والمشركين.
وأصبح هذا اليوم هو يوم جعل مراسم الحج صافية من جميع المظاهر الشركية إلى يوم
القيامة. وكان يوم عرفة تاريخ جديد في مسيرة المسلمين، يؤكد ترسخ هذا الدين في
الجزيرة العربية وإمكانية إبلاغ هذا الدين إلى ما حولها، إنطلاقاً من هذه القاعدة
الصلبة للإسلام وأهله.
كيف تعامل المسلمون مع هذا اليوم المميز؟
تحدث هؤلاء بعد عشرات السنين من موت النبي صلى الله عليه
وسلم عن أهمية هذا اليوم من دون إعطائه أي مضمون في التصدي للشرك والمشركين: هذا
هو التسطيح. وكأن أهمية اليوم آتية من كونه يوم التاسع من ذي الحجة. وهذا تسطيح
مؤذ للعقول. قال النبي أن الحج عرفة: وكأنه يقول لنا: يوم عرفة، في السنة التاسعة
للهجرة، قام المسلمون بتنقية الحج من مظاهر الشرك، وأصبح الحج توحيدياً خالصاً:
لذلك الحج عرفة. ونظراً لأهمية ما حصل في هذا اليوم الإستثنائي من تاريخ الإسلام
والمسلمين، أصبح هذا اليوم مميزاً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ليس هذا فحسب، بل أن الرواة يختلفون هل أن أبا بكر بقي
أميراً على الحج أم تغير الأمير. وعادوا إلى خلافاتهم القبلية والسياسية لتقييم
الأمر. أما الأمر الأهم أن كثيراً منهم اتفقوا على أن تكليف علي بإبلاغ أوامر
البراءة من الشرك والمشركين، جاء لأسباب تتعلق بالتقاليد الجاهلية. علينا أن ننتبه
جيداً: براءة المسلمين من الشرك والمشركين تتم بالحفاظ على التقاليد الجاهلية
(الشركية). وللتأكيد على ذلك يروون أن الملائكة أبلغت النبي: إما أنت وإما واحد من
آل بيتك، أي علي.
هذا هو التسطيح
الذي يحول الدين، الثورة التغييرية على القواعد الجاهلية التي كانت سائدة إلى
خدمتها. من أجل ذلك علينا أن لا نعجب لماذا كانت مسيرة المسلمين
"انحدارية"، "تراجعية": من التوحيد الخالص، إلى غلبة العشيرة
ثم إلى غلبة الحزب ثم إلى الغلبة بواسطة الأجنبي، كما يحصل في أيامنا هذه.
بدلاً من التحدث عن البراءة من الشرك والمشركين، يتحدثون
عن أفضلية تبليغ الرسالة بواسطة هذا الصحابي أم ذاك. ومن الأفضل بين الصحابة هذا
أو ذاك. وهذا يعني استمرار الحروب القبلية والتي تقوم على القيم الشركية. وعوضاً
عن البراءة من الشرك والمشركين، يتم تصليب العلاقات الشركية المسيطرة حتى الآن. لو
أن "المؤمنون إخوة"، كما قال تعالى، هل كان عليهم أن يتقاتلوا دون هوادة؟
نختم فنقول، وصف الله المؤمنين بالذين يتفكرون في خلق
السماوات والأرض، ووصفهم بالذين ينظرون كيف بدأ الخلق، لذلك فإن التسطيح يؤذي
الإيمان والمؤمنين. والتسطيح يحول المفاهيم إلى أصنام خاوية من المعاني، تُعبد من
دون الله! كما وأن التسطيح، والذي يستخدمه، تاريخياً وحتى الآن، فقهاء السلاطين،
يفيد بمحافظة الطغاة على عروشهم.
التاسع من ذي الحجة: يوم تبرأ المؤمنون من الشرك
والمشركين، الموافق 11 أيلول 2016. ذكرى حاضرة إلى أن يزول الشرك من الوجود.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق