بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

السبت، 24 سبتمبر 2016

إنقاذ الوطن

                        
حسن ملاط   
منذ 2005، لم يعرف لبنان استقراراً بالمعنى الدقيق للمصطلح. إنما كان هناك راحة بين توترات مختلفة. أما بعد انطلاقة الإنتفاضة في سورية في 2011، فقد أصبح الإستقرار غائباً كلياً.
تدخلت دول عديدة في سورية، منها إلى جانب النظام، ومنها من هو معاد له. وتبعاً لهذه الإصطفافات، كان مؤيدو 14 آذار من الذين يقدمون المساعدات للجهات المعادية للنظام، في حين قدم الموالون للطرف الآخر المعونة له.
ارتفعت وتيرة التوترات الداخلية كثيراً. ولكن كان هناك حرص من كافة الأطراف المؤثرة على أن لا يصبح هذا التوتر حرباً داخلية. وفي هذا المقام، نستذكر ما طرحه السيد حسن نصرالله على الطرف الخصم، من حيث عدم القتال على الأراضي اللبنانية. وإن كان هناك لا بد، فليكن العراك على الساحة السورية.
اشتدت وتيرة تدخل الحزب في سورية وغيرها من الساحات التي كانت إيران تملك مصالح فيها. وهذا ليس سراً، فقد قال السيد نصرالله أنه يتدخل في سوريا والعراق واليمن، وحيث يدعوه الواجب الجهادي. وهذه الساحات هي التي يملك فيها الحزب مبررا مذهبياً للتدخل فيها.
في هذه الأثناء كانت السعودية وحلفاءها من الخليجيين ومنافستهم إيران يعملون على تأجيج الخلافات المذهبية من أجل سهولة التجييش في الحروب التي أوقدوها في إقليمنا. ثم أصبحوا جميعاً بين ليلة وضحاها، يعملون ضمن أجندات ليس لهم يد في تحديدها. فقد تسلمت الإدارة الأمريكية وروسيا زمام الأمور، وأصبح بأيديهما تحديد وقف النار أو الإستمرار به. هذا من دون أن ننفي عن مختلف الأطراف إمكانية خربطة توافقات الدولتين الأهم في العالم.
هذا هو الإطار العام المحيط بالوضع اللبناني والذي يملك التأثير الفعلي عليه، سواء سلباً أو إيجاباً. هذا التأثير لا ينفي أن الإستقرار الداخلي الفعلي لا يمكن للخارج أن يفرضه، إنما يكون عنصراً مساعداً فقط. فالإستقرار هو جهد من الأطراف الداخلية، في حال أرادت ذلك.
القوى الفاعلة
القوى السياسية الفاعلة في الداخل اللبناني هي حزب الله ثم تيار الحريري. قلنا "حزب الله" لأن الحزب لا يرتبط بشخص معين، ولكن تيار المستقبل يرتبط فعلياً بالرئيس الحريري. أما بقية القوى فهي تتوزع بولاءاتها على هاتين القوتين. وللتذكير فقط، أن الرئيس الحريري الأب، عندما كان يتحدث عن المناصفة، فقد كان يعنيها فعلاً. أما تطبيقها العملي فهو توزيع الطبقة السياسية المسيحية ما بين حزب الله وتيار المستقبل. أما باللغة المستخدمة اليوم، فالطبقة السياسية المسيحية توزع ولاءاتها، تبعاً لمصالحها بين الشيعة والسنة السياسيين.
أما قوة حزب الله فهي تعود إلى أسباب عديدة، منها: قوته العسكرية أولاً، قوته في طائفته ثانياً وارتباطه بقوة إقليمية صاعدة هي إيران ثالثاً. وما أعطاه الوهج والبريق قبل كل هذا هو انتصاره مرتين على العدو الصهيوني.
وتيار المستقبل يستمد قوته من حيث تمثيل رئيسه للطائفة السنية من دون منازع، وخاصة من حيث الإنتشار في كافة الأراضي اللبنانية. وكذلك لارتباطه بالدول السنية الإقليمية الفاعلة: تركيا، السعودية ومصر.
أما الطبقة السياسية المسيحية في لبنان وغيره من بلاد الإقليم، لا تحميها فعلياً أية جهة دولية أو إقليمية. ففي حرب السنتين، عندما كانت القوى السياسية المسيحة في أوج قوتها، سواء في السلطة اللبنانية، أو من حيث علاقاتها الخارجية، من دون أن نغفل قواها الذاتية، رغم كل ما تقدم، فقد عرض ممثل الإدارة الأمريكية على الرئيس فرنجية أن يهاجر جميع المسيحيين إلى كندا أو أوروبا. فماذا يمكن أن يكون عليه عرض الإدارة الأمريكية اليوم!
أما من حيث الميثاقية التي يطرحها بعض السياسيين المسيحيين، فهذا نوع من الحياة خارج الواقع. فهو يعتقد أن بإمكانه بعث بروتوكول 1864 في 2016!
الواقع اليوم
في الإقليم، تقوم أمريكا وشركاؤها بإعادة رسم الخرائط الخاصة بكل بلد، وبالأخص سوريا والعراق. في لبنان نتأثر بسوريا أكثر من العراق. وبما أن الصورة السورية ليست واضحة، وبما أن حزب الله أصبح قوة إقليمية هامة، وبما أنه يريد الإستمرار بهذا الدور. وبما أنه ليس مقرراً على صعيد الإقليم، رأى أنه لا بأس من إيجاد حل مرحلي للأوضاع اللبنانية، بحيث لا يؤثر هذا الحل على دوره الإقليمي. كما وأن الحزب رأى بأن الشريك الأول لحل كهذا في لبنان هو الحريري، لذلك رأينا الحزب قد أعلن استعداده لعقد هذه الشراكة. كما وأن سلة الشروط التي كان يتسلح بها سابقاً لم يأت على ذكرها كشروط، لا على لسان الأمين العام للحزب ولا على لسان نائبه. إنما الصيغة التي جاء فيها العرض لم تكن مشجعة كثيراً، علماً أن هذه الصيغة لا تنتقص من مضمون العرض شيئاً. وهنا لا بد من التذكير بان الحزب كان يرفض نهائياً إمكانية عودة الرئيس الحريري إلى الرئاسة الثالثة.
أما من ناحية الرئيس الحريري، فقد غاب عن البلاد ردحاً كبيراً من الزمن، ما أثر سلباً على تماسك قاعدته الشعبية. كما وأن التغيرات على صعيد السلطة السياسية في السعودية، مرجعيته، قد أثر سلباً ايضاً على رعاية هذه الدولة لتياره السياسي. وهذا العامل قد أثر أيضاً سلباً على قاعدته الشعبية. أما العامل الثالث فهو بعده عن السلطة لمدة طويلة من الزمن مما أثر على وجود تياره في مفاصل الإدارة في السلطة اللبنانية.
الحريري الآن بحاجة ماسة للعودة إلى السلطة وذلك لأسباب عديدة:
1- الإنفتاح على الممسكين بالسلطة السياسية في المملكة السعودية من مركز قوة. رئيس سلطة تنفيذية في بلد هام كلبنان، مع رئيس السلطة التنفيذية في السعودية. أما انتظار ابن نايف لإعادته إلى السلطة، والمعروف عنه عدم الود اتجاه الحريري، فهذا لا يمكن أن تكون نتائجه إيجابية.
2- تدعيم وضعه في الإدارة.
3- الإشراف على قاعدته الشعبية التي تغطي الساحة اللبنانية، والتي بدأت قوة روابطها بالإنحلال. الحزب لا يريد من الحريري إلا تخفيف الإحتقان المذهبي. وحالياً لا يمكن لأي شخصية أخرى أن تلعب هذا الدور إلا الحريري.
4- المتضرر الأول من عدم تجاوب الحريري مع مبادرة حزب الله، هو لبنان. أما المتضرر الثاني، فهو الحريري نفسه. وليكن واضحاً أمام الحريري أن حزب الله لا يمكن أن يكون متضرراً من عدم تجاوبه مع مبادرته.
5- هل الإستجابة لمبادرة الحزب تؤثر سلباً على تفاهمات الحريري مع القوى اللبنانية الأخرى، بري، جنبلاط وفرنجية؟ جميع هؤلاء على علاقة جيدة مع الحزب. ما الذي يمنع الحريري من صياغة علاقة طيبة مع الحزب من جهة ومع هؤلاء من جهة أخرى؟ وفي هذا المقام، علينا أن نضيف ونؤكد أن علاقات السياسيين فيما بينهم هي تقاطعات مصلحية لا أكثر ولا أقل، ولا مكان للمشاعر فيها.
6- إنقاذ البلد هو أهم من كل الأسباب والمبررات التي طرحناها. وهذه الخطوة بحاجة إلى مبادرة جريئة من الرئيس الحريري تنقذ البلد وتنقذه وتعيد تشكيل السلطة في لبنان، بمعزل عن انتظار الحلول الإقليمية.
7- هل هذه الخطوة تتطلب انتخاب رئيس قبل التفاهم بين الحزب والحريري؟ إن فتح النقاش في هذا الأمر وعلى أعلى المستويات، هو الذي يمهد الطريق إلى جميع الحلول.
الطريق اليوم مفتوحة لإنقاذ البلد، لا تتطلب إلا الجرأة على الإقدام من قبل الرئيس الحريري. فهل يُقدم!
hassanmallat.blogspot.com
                                                  24 أيلول 2016



ليست هناك تعليقات: