حسن ملاط
لقد درجت القيادة السورية منذ أواسط سبعينات القرن
الماضي، حتى ما قبل أيام، على ترداد اللازمة نفسها بعد كل اعتداء صهيوني: "سنتصدى
للعدوان في المكان والزمان المناسبين. ولن نسمح للعدو في توريطنا بحرب غير مستعدين
لها".
ما الذي تغير حتى يتصدى النظام للعدوان؟
من الواضح تماماَ، أنه منذ سبعينات القرن الماضي وحتى
ماقبل بدء الحرب الأهلية في سوريا، والتي أصبحت حرباً متعددة الإتجاهات على الشعب
السوري، كان الجيش السوري أقوى بكثير مما كان عليه في الوقت الحالي. فمنذ مدة
قريبة كان يُعلن الرئيس الأسد أمام كاميرات التلفزة أن القدرات على التجنيد في
صفوف الجيش أصبحت غير كافية، كما وأن الإنهاك قد أصاب أكثر التشكيلات العسكرية.
فهل من المنطقي أن يتم التصدي للعدوان الصهيوني في مثل هذه العدم جهوزية؟
إن وراء الأكمة ما وراءها! دعونا نتحدث عن الظروف
المحيطة.
1- هناك جهود دولية غير مسبوقة بقيادة الولايات المتحدة وروسيا من أجل إيجاد
حل للقضية السورية.
2- التدخل
العسكري السوري بتغطية روسية واضحة، وبتغطية أمريكية مشوشة بسبب ضرب الأتراك
للأكراد حلفاء أمريكا. ولكن يجري التحدث اليوم عن مساندة أمريكية عسكرية للتدخل
التركي. (هل هذا إشراف من الأمريكي، على تحديد الخطوط الحمراء لمنطقة النفوذ
التركي على الأراضي السورية، وهذه المرة برضى النظام الذي قصف الأكراد تعبيراً عن
تضامنه مع الأتراك الذين يقصفون الأكراد في الوقت نفسه).
3- الحديث عن
انسحاب للقوات الإيرانية مع حلفائها من جبهة حلب. وهذا لا يتم على قاعدة الإعتراض
على ما يجري، ولكن، ربما، باتجاه التفتيش عن منطقة مناسبة للتواجد طويل الأمد، ضمن
منظور مناطق النفوذ. فمن هذا المنظور، حلب لا تعنيهم كثيراً.
4- المنطقة
الساحلية هي منطقة النفوذ الروسي حيث تواجد القواعد العسكرية. ولا يمكن لأحد أن
ينافس الروسي على هذه المنطقة.
5- إذا كانت
المنطقة الشمالية ستُرسم جغرافيتها السياسية على أيدي الأمريكان والروس والأتراك،
والمنطقة الساحلية غير قابلة للنقاش، فأين يمكن للنظام أن يتمتع بنفوذ سياسي يعبر
عن وجوده؟ دمشق وجوارها! وهي منطقة نفوذ إيراني حالياً، تبعاً لمختلف التقارير
الإعلامية. إذا كان الأمر كذلك، فهذا يعني أن النظام أصبح خارج المعادلة. وهل يقبل
بذلك؟
هذه المعطيات هي التي أجبرت النظام على
التصدي للعدوان الصهيوني.
ما الذي يندرج تحت عنوان التصدي؟
أ- من المتفق عليه أن الحليف الأقوى للرئيس الأسد هو النظام الإيراني وحزب
الله اللبناني. والتصدي للعدوان الصهيوني يعني، آلياً، أنه تم بالتنسيق بين هذه
الأطراف.
ب-
أعلن الكيان الصهيوني مراراً وتكراراً أنه لن
يقبل في أي ظرف من الظروف وجود قوات إيرانية وقوات لحزب الله على حدوده مع سوريا.
ت-
ألا يعني هذا أن التصدي للعدوان الصهيوني من
قبل النظام في هذه الظروف هو استدعاء للعدو الصهيوني للدخول في بازار تقاسم مناطق
النفوذ في الأراضي السورية؟ الا يصب رفض الصهاينة للتواجد العسكري الإيراني وحزب
الله في مصلحة النظام على اعتبار أن منطقة دمشق وضواحيها، امتداداً لدرعا تصبح تحت
سيطرة النظام الذي يثق الصهاينة بحسن جيرته؟ وهذه هي المناطق المحاذية للأراضي
المحتلة.
ث-
إن الصمت المطبق عن الحديث عن التصدي للعدوان
الصهيوني هو الدليل، ربما، على أن لعبة النظام "الوطنية" قد كانت مكشوفة
من قبل الإيراني.
ج-
ولكن هل سكوت النظام يُجبر الكيان الصهيوني على التراجع عن رفضه للتواجد الإيراني
في المناطق الممتدة من درعا حتى دمشق؟ بالطبع لا. فهذه الكوة التي فتحها النظام،
سيجعل العدو منها "أوتوستراد".
هذا التصور يؤدي حتماً إلى تعقد الأمور أكثر من السابق،
وسيعني استمرار استنزاف معظم القوى، بما فيها تركيا حديثاً، باستثناء أمريكا. وهذا
يؤدي حتماً إلى زيادة النفوذ الأمريكي بواسطة القوى المستنزفة.
ما هو المتوقع إذن؟
يمكن للمسألة السورية أن تجد حلاً إذا قبلت إيران بمنطقة
نفوذ على شريط يمتد من حدود لبنان الشمالية الشرقية مروراً بحمص ودير الزور في
سوريا وصولاً إلى نينوى في العراق وصولاً لإيران. وهذا الأمر لن يكون مفروشاً
بالورود لأن المناطق التي تحدثنا عنها هي ذات أكثرية سنية. وهذا يتطلب تهجير قسم
لا بأس به وإخضاع ما تبقى.
القبول بهذا التصور سيؤدي على الأرجح إلى تقصير أمد الحرب
على الشعب السوري.
نعود إلى التصدي للعدوان فنقول، أن هذا التصدي يحمل في طياته
في الظروف الحالية الكثير من التداعيات اللاإيجابية. وهذا سيجبر إيران على التفتيش
عن حليف آخر ضمن النظام السوري.
16
ايلول 2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق