بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الأحد، 2 أكتوبر 2016

حلب وديرالزور!

                  
حسن ملاط
منذ زمن بعيد كانت "الخرائط" تلعب دوراً أساسياً في حياة الناس والمجتمعات. من القبائل والعشائر والأفخاذ، إلى الأمم والطوائف والمذاهب والطبقات والأحزاب. ومن الجبال والأنهر، إلى الصحاري والبحار والمحيطات...
كنا نتحدث عن الهجرات وكأنها توقفت! ماذا جرى في ليبيا والعراق؟ وماذا يجري في سوريا؟ ألم يحدث مثيله في جورجيا وأوكرانيا؟ انهار الإتحاد السوفياتي، وبقيت العلاقات على قوتها بين روسيا وروسيا البيضاء وبين روسيا وكازاخستان. أليس الخريطة الجغرافية والديموغرافية من فعل ذلك؟
لنعد إلى سورية... ماذا يحصل الآن؟
اتفقت روسيا وأمريكا على وقف القتال في سوريا. وكان الإتفاق سرياً. لم تقبل أمريكا بإذاعة بنوده حسب روسيا. وكشف بنود الإتفاق من أي من الطرفين سوف لن يكون صحيحاً، لأن كل منهما سيذيع الإتفاق بما يتوافق مع مصالحه. يمكن معرفة بنود الإتفاق إذا أذاعوه سوية فقط. على كل حال، أذيعت بنود الإتفاق أم لم تُذع، لن يُغير من الواقع المأساوي الذي يعيشه الشعب السوري شيئاً.
ما هو دور كل من الأطراف الفاعلة بتدمير سورية؟
أمريكا
ما تريده أمريكا هو أن تصبح جميع دول الإقليم من دون أية فعالية، مجتمعاتها مفككة إلى طوائف ومذاهب وإتنيات، يستحيل إعادة اللحمة لها بعد هذه الحروب البينية المدمرة. واستمرار الحرب في ليبيا والعراق واليمن وسوريا، وتجييش مشاعر العداء بين مختلف مكونات المجتمعات هي حتى تطمئن الإدارة الأمريكية إلى استحالة بناء دول تتمكن من تأمين استقلالها عن العولمة النيوليبيرالية واستحالة تحرير الأراضي المحتلة من براثن العدو الصهيوني.
روسيا
ورثت روسيا الإتحاد السوفياتي من دون أن تتمكن من وراثة الدور العالمي الذي كان يقوم به. وحيث أنها تسيطر على ثاني أكبر قوة عسكرية في العالم، تود أن يكون دورها السياسي موازياً لقوتها العسكرية. وبما أنها متخلفة إقتصادياً ويُعتبر اقتصادها ريعياً، لذلك ترى نفسها خاضعة للسوق العالمية التي تتحكم بها أمريكا من حيث تحديد أسعار السلع الرئيسية التي يقوم عليها الإقتصاد الروسي (نفط، غاز ومعادن...). تدخلت في الشيشان وأخضعتها عسكرياً، وكذلك فعلت في جورجيا وأوكرانيا. وهذا ما تفعله الآن في سوريا. أمريكا لا تقبل أن تصنف روسيا إلا كدولة إقليمية مهمة. روسيا تفرض وجودها في سوريا بقوة السلاح. أمريكا لا تقبل إلا بدور محدود لها في هذا البلد. من أجل ذلك نرى أن الإتفاقات التي يتوصل إليها الطرفان، لا تُنفذ. عدم تنفيذ هذه الإتفاقات يترك آثاراً سلبية على الروس، لمشاركتهم الفعلية بالحرب. أما أمريكا، فقد وضعت أجندة لحركتها، بحيث لا تتأثر بالتغيرات القائمة. روسيا اضطرت حالياً لمضاعفة ترسانتها العسكرية. وهذا الأمر ينطبق على حلفائها أيضاً. أمريكا تقاتل بحلفائها. روسيا تقاتل هي وحلفاؤها.
صحيح أن روسيا تكسب الآن بتوريط إيران بحرب لصالحها، لن يستفيد منها الإيراني شيئاً، ولكن هذا لن يعوض الخسائر الروسية التي تبلغ أكثر من ثلاثة ملايين دولاراً يومياً.
تركيا
تركيا، حصتها محفوظة من جميع الأطراف. مهمتها إبعاد "الدولة الإسلامية" عن الحدود التركية وقد فعلت. ومهمتها الخاصة هي الفصل بين مختلف المناطق الكردية في سوريا، لأنها تتهم الأكراد بتبعيتهم لل"بي كا كا"، عدوها الرئيسي. وقد فعلت أيضاً. وهذه المهمة نالت استحسان الإيرانيين والنظام السوري أيضاً، ولكنها مسألة معلقة مع الإدارة الأمريكية.
إيران
وهي الطرف الذي أخذ الكثيرمن أمام شعبه ليقدمه من أجل الحفاظ على النظام السوري. فإيران تعتبر أن بقاء هذا النظام يؤمن لها مصالحها في المنطقة. من أجل ذلك، جندت له ميليشيات أفغانية وباكستانية وعراقية وغيرها، بالإضافة إلى مشاركة حزب الله اللبناني المعلنة. ولكن المؤشرات تعطي انطباعاً أن "التضحيات" الإيرانية تصب في سلة الروس والنظام. كما وأن المعركة الوحيدة التي يمكن أن تخدم التوجه الإيراني هي معركة القصير.
الخريطة السورية تقول أن المنطقة الساحلية، حيث توجد القواعد العسكرية الروسية سوف تكون منطقة نفوذ روسية، خاصة بعد تعزيز الترسانة العسكرية بأسلحة جديدة. وهذه ستمتد حتى حلب. أما دمشق وريفها امتداداً إلى درعا ستكون المنطقة التي سيسيطر عليها النظام الرسمي، كائناً من كان الرئيس، خاصة أن الكيان الصهيوني لن يقبل بتواجد إيراني في جوار الأرض المحتلة ولا يقبل أيضاً بوجود لحزب الله.
 يبقى لإيران أن تحلم بشريط يمتد من شرقي لبنان مروراً بحمص فديرالزور فديالى العراقية إلى أن تصل إلى الأراضي الإيرانية. هذا من حيث الجغرافيا، أما من حيث الديموغرافيا، فهذا يستدعي عملية تهجير محدودة من ديرالزور كما يحصل في حلب وكما حصل في دمشق وكما حصل في ديالى أيضاً. ولكن تنبه أمريكا لهذا المخرج الذي يجعل الجميع منتصراً، دفعها إلى الإغارة على الجيش السوري الموجود في ديرالزور، وكأنها رسالة معلنة لرفضها لهذا المخرج.
السؤال الذي يطرح نفسه، لم تحارب إيران في سورية؟ وهل ستستمر بالسماح للروس والنظام باستغلال "تضحياتها" إن كانت ستخرج من "المولد من دون حمص"؟
النظام
النظام الصوري ستكون حصته دمشق وضواحيها إلى درعا، حيث يعيش بأمان وسلام مع العدو الصهيوني.
أما الداخل السوري فهو أرض استنزاف الأطراف المشاركة في الحرب على الشعب السوري، إلى أن تجد الإدارة الأمريكية ضرورة لإيقاف الحرب بشكل متناغم مع العراق واليمن وليبيا ربما.
خلاصة
إن هذا التصور هو الذي يجعل شعوب هذه المنطقة قبائل تتعامل مع بعضها البعض بهذه العقلية، بحيث يصبح من شبه المستحيل أن تصل إلى تضامن اجتماعي فيما بينها، شرط اللحمة الوطنية المستقبلية. هذا ما يحافظ على استمرارية الكيان الصهيوني جاثماً على أرض فلسطين. كما ويؤمن نهب الخيرات التي لا تزال متبقية في بلادنا لصالح العولمة النيوليبيرالية.

                                           2 تشرين الأول 2016



ليست هناك تعليقات: