حسن ملاط
منذ تعثر الإنتخابات الرئاسية والطبقة السياسية في لبنان
تعيد مشاكل البلاد والعباد إلى عدم إتمام هذا الإستحقاق. الرئيس الحريري قام
بمبادرات عديدة في هذا المجال: من ترشيحه سمير جعجع، إلى اقتراحه أمين الجميل ثم
إلى ترشيحه سليمان فرنجية. وجميع هذه المحاولات باءت بالفشل. وكانت المحاولة
الأخيرة المنتجة هي ترشيحه للعماد ميشال عون. وهذه المحاولة الأخيرة يبدو أنها
ستكون ناجحة.
ما أن بدت إمكانية نجاح هذه المحاولة حتى بدأت الترانيم
الجنائزية لما قام به الحريري من القضاء على استقلالية لبنان وعلى إرث والده
الرئيس رفيق الحريري، على ألسنة حلفائه ومحازبيه. وهذا ما جعلني أذكر تلك الأقصوصة
التي تتحدث عن امرأة عجوز تعيش وحيدة مع هرها. رأت أن تعلمه الكلام حتى تتمكن من
التحادث معه، خاصة أنها لا ترتاح إلا لصحبته. فعلت المستحيل من أجل ذلك ولم تتمكن
من النجاح في مسعاها، إلى أن اهتدت إلى طريقة، ربما سيكون فيها النجاح النهائي.
رأت أن تُطعمه ببغاء يتكلم. وفعلت. ولكنه لم يتحدث!
بينما هي جالسة تنظر إليه بأسى، إذا به يناديها بأعلى
صونه: إنتبهي إلى السقف إنه يقع عليك. وبدلاً من أن تأخذ حذرها لتنبيهه لها، نظرت
إليه مستعجبة ونزل الحجر على رأسها.
هذا ما فعلته الطبقة السياسية. فبدلاً من تطوير المبادرة
إن كان فيها نقص، راحت تنعي على الحريري بيعه للقضية. طالبته بالمبادرات، وعندما
حصلت المبادرة، نراها ترفض الإستفادة من هذه المبادرة.
هل صحيح أن المبادرة هي استسلام من الحريري لحزب الله
الذي لا يقبل برئيس إلا ميشال عون؟
كل اتفاق بين قوى سياسية مختلفة يأتي نتيجة تنازل من
الطرفين كل منهما للآخر. وخلاف ذلك، يكون فيه قضاء مبرم على الطرف المهزوم.
قبل الحريري بعون رئيساً للجمهورية ولم يتعهد بأن تنتخب
كتلته جميعها العماد عون، لأنه كان يعرف مسبقاً أنه لا يمكنه إلزامها جميعاً.
بالمقابل، اعترف الحزب بالإتفاق الذي جرى بين الحريري
وعون وتعهد بالقبول برئاسة الحريري لمجلس الوزراء.
هذا ما جرى بين الطرفين. أما الأخطر مما جرى هو انعكاسات
ما جرى على الساحة اللبنانية في المستقبل الآتي!
لقد أعلن الحزب أنه سيفصل بين الملف الإقليمي وبين الملف
المحلي، وعقب هذا الإعلان كان قبوله بالتسوية الداخلية التي جرت بين المستقبل
والتيار الوطني الحر.
اللافت كان رد الفعل العنيف للرئيس بري على هذه المبادرة
وعلى القبول. واعتبر فيها إعادة إنتاج للتوافق التاريخي بين المارونية السياسية
والسنية السياسية، علماً أن هذا الكلام بعيد عن الواقعية بعد السماء عن الأرض. الواقع
الحقيقي أن هناك مارونية سياسية وسنية سياسية مهزومتان أمام شيعية سياسية منتصرة. وليس
صحيحاً أن مهزومين ينتجان انتصاراً. الحريري وعون يتحالفان مع حزب الله المنتصر
حتى يتمكنا من الإستمرار في لعب دور سياسي على الساحة المحلية. أما الوضع بالنسبة
للحريري فيختلف نوعياً عن وضع عون.
العالم كله بقيادة أمريكا يقوم بمحاربة الإرهاب السني.
والسنة في جميع الإقليم يشعرون بالمظلومية لأن العالم لا يعاملهم بعدالة. وهذا
الشعور بالمظلومية يكون أرضاً خصبة لتوليد الحركات الإرهابية. هذا لا يعني
ميكانيكية توليد الحركات الإرهابية مطلقاً. ولبنان هو ساحة سنية كغيرها من
الساحات. وما يميز السنة في لبنان انتشارهم على كامل الأراضي اللبنانية. الحريري
هو السياسي السني الوحيد الذي يملك تأثيراً على امتداد الساحة اللبنانية.
إن إصرار حزب الله على الإستمرار في المشاركة في الحرب
السورية يتطلب استقرار الساحة الداخلية. هذا العامل هو الذي يفرض على الحزب
الإتفاق مع الحريري لإعادة إنتاج السلطة في لبنان. فالحاجات متبادلة بين الطرفين،
وكذلك المصالح.
أما ردة فعل الرئيس بري العنيفة فهي ناتجة عن ما تفرضه
ضرورة فصل الملف الإقليمي عن الملف الداخلي من إنخراط الحزب في الإدارة اللبنانية،
والذي يؤدي مباشرة إلى خسران بري نصف الوظائف لمؤيديه. فحركة أمل ترتبط بشخص
الرئيس. أما الحزب فلا يرتبط بشخص السيد نصرالله. من هنا فتحالف الحريري مع مؤسسة
سيكون منتجاً حتماً بعكس التحالف مع شخصية سياسية مهما كانت قوتها.
الخلاصة
إن ردود الفعل التي قام بها بعض المؤيدين للحريري تدل
على أنهم لم يأخذوا مبادرة الحريري بجميع أبعادها، وخاصة المستقبلية منها!
27 تشرين الأول 2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق