بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الخميس، 17 نوفمبر 2016

العرض العسكري في القصير

              
حسن ملاط
منذ أيام عدة، وبمناسبة يوم الشهيد، أقام حزب الله، وعلى غير عادته، عرضاً عسكرياً في مدينة القصير السورية. هذه المدينة التي كانت باكورة تدخله المعلن في الحرب السورية. وتميز هذا العرض بفرقته المدرعة والتي كانت تضم ثلاث آليات أمريكية الصنع، مما أدى إلى إعلان أمريكي بالمباشرة بالتحقيق، خاصة وأن الجيش اللبناني يستخدم هذا النوع من الآليات. ولكن حزب الله سارع للإعلان أن هذه الآليات الثلاثة كان الحزب قد غنمها من حربه ضد جيش العملاء بقيادة انطوان لحد، في الجنوب اللبناني.
ردود الفعل على هذا الحدث كانت عديدة. فقد توقفت كتلة "المستقبل" أمام "العمل المستنكر والمستهجن والمرفوض المتمثل في ما بثته وسائل إعلام متعددة عن عرض عسكري أجراه حزب الله في بلدة القصير الحدودية في سوريا". ورأت فيه "رسائل يرسلها حزب الله في مختلف الاتجاهات أولها انه يؤكد من جديد على انه يقدم مصلحة ايران على المصلحة الوطنية وثانيها انه يوجه رسائل تهديد دولية وإقليمية وأخرى داخلية للدولة اللبنانية خاصة، وأنّ الحزب يقوم بهذه الخطوة التي في حد ذاتها لها دلالة على عدم اكتراثه بمصلحة لبنان واللبنانيين، ولا بانطلاقة العهد الرئاسي الجديد، التي شدّدت على استعادة الدولة لدورها وحضورها وهيبتها كما أكّد عليها خطاب القسم للرئيس ميشال عون".
أما في ما يخص الجيش اللبناني بعد الإعلان الأمريكي عن التحقيق في هذه الحادثة، فقد أوضحت مديرية التوجيه في قيادة الجيش، تعقيباً على ما تناقله بعض وسائل الإعلام من صور لآليات عسكرية (عرضها "حزب الله" في القصير السورية)، "أن هذه الآليات ليست من مخزون الجيش اللبناني وغير عائدة إليه".
وفي هذا السياق علم ان احتجاجا اميركيا ابلغ الى جهات لبنانية معنية على خلفية ظهور ثلاث ملالات اميركية الصنع ام 113 في العرض العسكري الذي اقامه "حزب الله " في القصير قبل ايام وهي ملالات مماثلة لتلك التي يستعملها الجيش اللبناني.
أما على صعيد الحزب فقد قال الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام، إن «التنسيق بيننا وبين القيادة السورية عال جدا والاستعراض العسكري جزء من الممارسة الميدانية»، مشيراً إلى أنه «أصبح لدينا جيش مدرب (وهذا الكلام ما لبثت أن نفته الوحدة الإعلامية في الحزب)، ولم تعد المقاومة تعتمد على أسلوب حرب العصابات، وأصبحنا أكثر تسلحا وتدريبا وامتلكنا خبرات متطورة، وكل ذلك من أجل حماية لبنان ولمصلحة لبنان".
وأكد أن المقاومة «لا تريد استثمار قوتها العسكرية في الصراع الداخلي اللبناني، وبالرغم من قوتها، فنحن نشارك في العمل السياسي والانتخابي مثل بقية الأطراف فنربح أو نخسر".
وتابع قاسم: نحن جزء من تركيبة الدولة اللبنانية ومعنيون بكل ما يصلح الشأن اللبناني، لكننا وحدنا لا نستطيع تغيير المعادلة ونحن متمسكون بتطبيق اتفاق الطائف كاملا ولا نطرح تغييره أو تعديله حاليا.
نقتصر على ردود الفعل هذه لأن إعادة تشكيل السلطة في لبنان كانت نتيجة للتفاهم السياسي الذي جرى بين ممثلي السنة السياسية والشيعة السياسية.
أما عن قراءتنا لهذا الحدث فهي كالتالي:
وجه الحزب من خلال هذا العرض العسكري المميز رسائل إلى الداخل اللبناني وأخرى إلى الخارج.
رسائل الداخل
1- رسالة إلى جمهور الحزب يُعلمه فيها أنه لم يحن بعد وضع السلاح وأن الحفاظ على المكاسب يتطلب أن تظل جماهير الحزب مستعدة لإمداده بما يحتاجه من الرجال والدعم.
2- رسالة ثانية إلى كافة القوى الداخلية يعلمها فيها بأن الحزب قد قرر أخيراً أن يفصل بين نشاطه المسلح الخارجي ونشاطه الداخلي الذي يحمل طابعاً سياسياً سيما وأن القتال مع العدو الصهيوني مجمد حالياً. من أجل ذلك كان العرض العسكري خارج الأراضي اللبنانية، علماً أن بإمكان الحزب إجراءه حيث يريد.
والإيجابية تكمن بإعلانه عن تسهيل تشكيل الحكومة فهو لا يضع شروطاً على تسلمه الحقائب الوزارية. أما عن اشتراطه عدم تسلم قوات جعجع لوزارة الدفاع، فهو محق بذلك. القوى المسلحة العميلة التي حاربها الحزب طوال عشرين عاماً كانت تحمل الأفكار التي يبشر بها جعجع. فكيف له أن يثق بتسليم القوى العسكرية لهؤلاء. أضف إلى ذلك أن الحزب، ونتيجة ثقته الكبيرة بالعماد قهوجي لم يقبل التنازل لحلفائه من التيار العوني بالتخلي عن قيادة الجيش وآثر بقاءها مع العماد قهوجي. أما خلاف ذلك فلا شروط اشترطها لتشكيل الحكومة.
رسائل الخارج
وهي تتضمن رسائل كثيرة منها للنظام السوري، ومنها للروس والأمريكيين أيضاً، ومنها للعدو من غير شك. وطبيعة هذه الرسائل أنها مشتركة بينه وبين إيران.
أ‌-     رسالته للأمريكي تقول بأنه لن يتخلى عن الساحة السورية ويتركها للإدارة الأمريكية والروسية لتقرير فيها ما تريدان بعد "التضحيات" التي قدمها الحزب وإيران من أجل الحفاظ على النظام السوري. فقصف الأمريكان لدير الزور هي رسالة موجهة للإيراني أنه لن تقبل الإدارة الأمريكية بإعطائهم خطاً برياً ساخناً يمتد من لبنان مروراً بحمص ودير الزور وصولاً إلى ديالى العراقية فالأراضي الإيرانية. من هنا كانت رمزية القصير كباب لولوج هذا الممر.
ب‌-                       رسالة النظام السوري تعبر عن الإمتعاض من قبول النظام السوري بالشروط التي تضعها روسيا والتي تتمثل بالإذعان للإشتراطات الصهيونية بإبعاد إيران والحزب عن الأراضي الفلسطينية. وهذا يعني إبعاد إيران عن دمشق وريفها ودرعا وكامل الجولان السوري المحتل. وهذا ما يبعد إيران عن التماس مع العدو الصهيوني بحيث تنتفي إمكانية الإيراني في الضغط على الأمريكي بخاصرته الموجعة: أمن العدو الصهيوني. وقد تمثل هذا بإعلان النظام السوري عن تصديه للطائرات الصهيونية المعتدية. وهذا الإعلان يتضمن فتح باب التفاوض على ما يقبله ويرفضه العدو الصهيوني. وهذا يعني فتح باب التدخل الصهيوني من بابه الواسع وليس من الباب الروسي أو الأمريكي.
ت‌-                       أما رسالة الروسي فتقول بأننا نحن كما أنت، لا ندافع عنك في ريف حماه وريف اللاذقية وحلب وريفها، وندافع عن النظام لأننا جمعية خيرية. كما أنك أنت لا تدافع عن النظام لأنك جمعية خيرية. أما الفرق بيننا وبينك أنك قد قبضت سلفاً، وذلك بحيازتك على حق التنقيب واستخراج النفط والغاز في الساحل السوري ومحافظة حمص، في الوقت الذي لم تحصل فيه إيران على أي مكسب. كما الإتفاق العسكري بينك وبين النظام والذي يتيح لك البقاء على الأراضي السورية إلى ما شاء الله.
إذن، نحن هنا (الحزب وإيران) حتى الوصول إلى الحل النهائي للصراع السوري.
ث‌-                       أما عن العدو، فهي رسالة بأن ساحة المواجهة أصبحت أكثر اتساعاً وأن الخبرة أصبحت أكبر. هذا بالرغم من أن قادة العدو العسكريين قد أعلنوا عن عدم نيتهم القيام بأي عدوان حالياً، لأنهم ليسوا من الغباء الذي يجعلهم يوحدوا القوى المتقاتلة ضدهم.
أما التحرشات التي يقوم بها النظام من وقت لآخر بجوار القوات التركية المتواجدة داخل الأراضي السورية لم تصبح حتى الآن ذات طابع جدي تفتح لقتال بين إيران وحلفائها من جهة والجانب التركي من جهة ثانية.
هذه أهم النقاط التي رأيناها من خلال حركة حزب الله السورية في القصير. أما التحريض المذهبي، رغم إيجابية حركة الحزب خارج الأراضي اللبنانية، فهي "عدة الشغل" للقوى السياسية اللبنانية التي تتاجر بدم المواطن.
                                       17 تشرين الثاني 2016


ليست هناك تعليقات: