حسن ملاط
مع بدء الإحتجاجات الشعبية ضد اضطهاد النظام
السوري، اتخذ الأخير قراراً بالمجابهة العنيفة لهذه الإنتفاضة. وقد قيل أن قوةً
إقليميةً فاعلةً هي من دفعت النظام لاتخاذ هذا الموقف، وذلك لحسابات خاصة بها.
وانتشرت الإنتفاضة على أجزاء عديدة من
البلاد. وخوفاً من تجربة الحركة الشعبية المستقلة، عمدت القوى الإقليمية إلى إغراء
بعض القيادات المحلية للتعاون معها بحجة دعم الإنتفاضة، بحيث تمكنت من مصادرة
قرارات هذه الجماعات. كما أن النظام بدوره، أخرج المساجين من أجل نفس الأسباب التي
جعلت القوى الإقليمية تتدخل: أي القضاء على الإنتفاضة.
وتحولت المدن والبلدات السورية ساحة لحرب
مواقع بين القوى الإقليمية والدولية، وقودها الشعب السوري وممتلكاته وتاريخه.
بعد مرور أكثر من سنة على الحرب، طالبت
تركيا الإدارة الأمريكية بإقامة مناطق آمنة يتمكن المطرودون السوريون من بيوتهم
وممتلكاتهم الإقامة فيها. ولكن الأخيرة لم تستجب للطلب. وظلت على موقفها إلى أن
جاء الرئيس الجديد ترامب الذي صرح بأنه سيقيم حتماً مناطق آمنة سواء داخل سوريا أو
في الدول المجاورة. أما ردود الفعل على الإعلان الأمريكي، فقد كانت كالتالي:
·
نفى الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن تكون روسيا على علم
بمخطط إقامة المناطق الآمنة .وقال للصحافيين "لم تشاور إدارة ترامب روسيا قبل أن تعلن خطة
إقامة مناطق آمنة للنازحين في سوريا، لم يشاورنا شركاؤنا الأميركيون. هذا قرار
سيادي"، وتابع قائلاً «من المهم ألا تفاقم (الخطة) الوضع بالنسبة للنازحين.
ينبغي على الأرجح بحث كل العواقب".
·
رحبت تركيا بالقرار على لسان الناطق باسم خارجيتها حسين مفتي أوغلو
الذي قال إن أنقرة "تنتظر نتائج تعهد الرئيس الأميركي إقامة مناطق آمنة في
سورية"، مشيراً إلى أن "تركيا تؤيد منذ فترة إقامة مثل هذه
المناطق". وتابع «رأينا طلب الرئيس الأميركي إجراء دراسة، المهم هو نتائج هذه
الدراسة وما هي نوع التوصية التي ستخرج بها".
·
كما رحبت الحكومة القطرية باعلان ترامب، وصرح مدير المكتب الإعلامي
بوزارة الخارجية القطرية احمد الرميحي بان بلاده "تؤكد على الحاجة الى انشاء
مناطق آمنة في سوريا وفرض حظر للطيران لضمان سلامة المدنيين".
·
أما إيران، وهي طرف رئيسي في الصراع الدائر على الأرض السورية، فلم
تأت على ذكر النبأ، ربما حتى لا تُضطر للتعليق عليه!
وبعد يوم أو يومين من هذا الإعلان، جرى اتصال بين ترامب وبوتين.
البيان الرسمي الأمريكي تأخر أربع ساعات عن الإعلان الروسي عن المحادثة الرئاسية.
وقد جاء البيان مقتضباً وعاماً.
أما الإعلان الروسي، والذي كان أكثر تفصيلاً، فلم يأت على ذكر
سورية أو القرار الأمريكي بشأن المناطق الآمنة على الأراضي السورية.
ولكن اللافت للإنتباه أن قناة "روسيا اليوم"، وهي شبه
رسمية، قالت أن الرئيس الأمريكي تراجع عن إقامة مثل هذه المناطق الآمنة. وجاء في سياق
النبأ أنه منقول عن ناطق رسمي أمريكي، لم يذكر اسمه، وأن "رويترز" هي من
أذاعت النبأ. ولكن النبأ لم يكن موجوداً على موقع "رويترز" الإلكتروني
ولا في أي موقع آخر، إلا منقولاً عن المحطة الروسية وليس عن وكالة "رويترز"
الأمريكية.
ما هو مدلول الإعلان عن إقامة مناطق آمنة؟
الإحتمالات متعددة. أما نحن، فنعتقد أن لهذا الإعلان بعدين، أحدهما
داخلي والآخر خارجي.
البعد الخارجي
أ-
إشعار موجه إلى الأطراف التي أشرفت على إعلان آستانة أن تتريث
بمسيرتها السلمية بانتظار تكوين الإدارة الأمريكية الجديدة رأيها بالنسبة للتطورات
السورية الداخلية.
ب-
وبما أن الأطراف المشرفة على اتفاق وقف النار الشامل داخل سورية
مختلفة فيما بينها على تنفيذ هذا الوقف، فبذلك يكون الإعلان الأمريكي دعماً للنظام
وإيران اللذين لم يوقفا القتال في الأماكن التي يرونها مهمة بالنسبة لهما، مثل
وادي بردى على سبيل المثال. والحجة جاهزة، وذلك باتهام الطرف الذي يرونه مناسباً
بأنه هو الموجود في هذه المنطقة.
ت-
استحالة اتخاذ أي قرار يختص بأي مشكلة ذات طابع دولي قبل المساهمة
الأمريكية الفاعلة...
البعد الداخلي
منذ خطاب التنصيب، ركز ترامب على الوضع الأمريكي الداخلي. وكانت
القرارات التي وقعها أو الأوامر التنفيذية تؤكد على أولوية الوضع الداخلي
الأمريكي. من هنا فالقرار بشأن المناطق الآمنة في سورية، إن لم يكن له بعد داخلي،
فلا معنى له.
1-
يريد الرئيس الأمريكي إعادة إحياء الطبقة الوسطى الأمريكية. وهذه
الطبقة هي المعنية بالإستهلاك أولاً وأخيراً. أي أن الدورة الإقتصادية لا يمكن أن
تتم بدون طبقة وسطى تملك ما تستهلك به. لذلك رأيناه طلب من الرأسمالية الصناعية أن
تُعيد تنشيط الإنتاج الداخلي بالرغم من تكلفته الأعلى. فالحد الأدنى للأجور في
الولايات المتحدة هو تسعة دولارات للساعة الواحدة. وأجر اليوم في الدول الأسيوية
هو دولار واحد، أي أنه بدل ساعة للعامل الأمريكي، يعمل تسعة عمال سوريين، قبل
الأحداث، يوماً كاملاً. حيث أن أجر العامل كان 50 ليرة سورية والدولار الواحد كان يساوي
50 ليرة سورية.
لذلك رأينا ترامب وعد أصحاب رؤوس الأموال بتخفيض الضرائب من 35%
إلى 4 أو 5%.
2-
وبما أن المصانع التي لازالت نشطة في الداخل الأمريكي هي التي تختص
بصناعة الأسلحة والتكنولوجيا المتقدمة، لذلك رأينا الرئيس الأمريكي يسعر اللهجة
الحربية: التدخل في سورية، عدم السماح للصين باستغلال بحر الصين الجنوبي كما تشاء
مثل بناء الجزر الإصطناعية لاستخدامات أمنية أو عسكرية. تنشيط وتحديث الأسلحة
النووية...إلخ وهذا سيؤدي حتماً إلى خلق فرص عمل جديدة؛ من دون أن نغفل إمكانية
التقنية الحديثة الإستغناء عن الكثير من العمالة البشرية بعمالة آلية.
3-
الحمائية، والتي تؤدي إلى تنشيط الدورة الإقتصادية الداخلية وتسريعها
من أجل العمالة.
هذه أهم الأسباب التي دفعت ترامب للإعلان عن إقامة المناطق الآمنة.
هل الحمائية التي يريدها ترامب هي ضد العولمة النيوليبيرالية كما
يرى البعض؟
نحن لا نرى ذلك، إنما ما يريده ترامب هو حماية المركز (أي أمريكا)
بحيث تتمكن من القيام بجميع ما يفترض بأنه يحمي هيمنة الدولار والنمط الأمريكي على
العالم. لذلك، ركز الرئيس الأمريكي على الإستثمار في الداخل من دون الطلب عدم
الإستثمار في الخارج، إنما إعطاء الأولوية للداخل (المركز). كما وركز على الصناعة
الحربية، أي النمط الأمريكي المفروض على العالم بقوة السلاح. والقبول بالشراكة مع
أطراف أخرى في المناطق التي يرى فيها ضرورة الشراكة، ومنها الشرق الأوسط.
29 كانون الثاني 2017