حسن ملاط
منذ سنوات وسنوات، تتحدث الأنباء عن فساد الطبقة الحاكمة في
الكيان الصهيوني، بدءاً من رئيس الكيان، رؤساء الحكومات، وزراء، نواب، ضباط،
حاخامات ومسؤولين على جميع المستويات.
السؤال الذي أطرحه على نفسي وباستمرار: هل ما يحصل في كيان
العدو يشبه ما تتحدث عنه وسائل الإعلام عن الفساد في مصر أو السعودية أو إيران أو
لبنان على سبيل المثال، أم أنه فساد من نوع آخر، من طبيعة مختلفة عن ما نجده في
بلادنا؟
الكيان الصهيوني هو من طبيعة مختلفة عن جميع الكيانات على وجه
المعمورة. إنه كيان قائم على أرض مغتصبة، ويتشكل من "شعب" هجين، جرى
تجميعه على عجل من بلدان عديدة مختلفة. وهؤلاء قد أقاموا مساكنهم على أرض لا
يملكونها وبأموال ليست من كد أيديهم. حتى الأرض التي يزرعونها ليست أرضهم.
في لبنان أو مصر أو سوريا، عندما يعتدي الحاكم أو المتنفذ على أحد
المواطنين، فهو يعتدي على مواطن يملك حق المواطنة بشكل طبيعي وليس اكتساباً. فهو
ابن الأرض ويملكها. لذلك هو يغتصب حق يملكه غيره. وملكيته له شرعية، ليس عليها
غبار من شك.
في الكيان الصهيوني، الحاكم يحكم أرضاً مغتصبة، وعندما يسرق أحد
قاطني هذه الأرض يسرق من مرء لا يملك، إنما اغتصب حقوقاً ليست ملكه. لذلك فالسارق
الأول (الحاكم) يسرق من شخص لا يملك شرعياً، إنما هو سارق مثل الحاكم تماماً.
من هنا فإن القيم التي نؤمن بها لا يمكن أن تتشابه مع
"القيم" الموجودة في الكيان الصهيوني. لا تسرق! لمن يوجه هذا الخطاب؟ من
بإمكانه تقبله؟ إن مجرد الإيمان بهذه القيمة يتطلب من "المستوطن" أن
يجمع ثيابه ويعود إلى البلد الذي جاء منه.
عندما نقول أولمرت يرتشي أو نتنياهو يسرق أو زوجة نتنياهو تصرف
من المال العام على شؤون خاصة. هل مفهوم المال العام في كيان العدو هو مشابه
لمفهوم المال العام في بلادنا. الأرض التي يسكنونها مغتصبة، وما يجنيه أي صهيوني
يعيش في فلسطين، مدخوله من مال مغتصب. فهل سرقة المال العام في لبنان، وهو مال
للشعب اللبناني، كسرقته في فلسطين؟ المال العام في فلسطين هو ملك الشعب الفلسطيني،
اغتصبه نتنياهو، ويطالب به مغتصب آخر وليس الشعب الفلسطيني، المالك الشرعي
والحقيقي لهذا المال.
لذلك، لا يمكن التحدث عن الفساد في الكيان الصهيوني وكأنه قيمة
مطلقة. الصهيوني يغتصب مالاً لا حق له به من شخص آخر ليس له حق شرعي فيه هو الآخر.
لقد أحس بعض المتنورين الصهاينة بهذا التناقض الداخلي لجميع مناحي
الحياة في الكيان الصهيوني، وخاصة على الصعيد النفسي. لذلك بدأ هؤلاء بإنكار مجمل
الرواية الصهيونية المعروفة عن اغتصاب فلسطين. فهؤلاء يعترفون بأن العصابات
الصهيونية هجرت الفلسطينيين من أرضهم وهدمت القرى وأحرقتها... ولكنهم لا يطالبون
بتحرير فلسطين من الإحتلال الصهيوني.
هذا ما يجعلني أعتقد بأن التوازن النفسي لن يعود إلى الجيل
الحالي في الكيان الصهيوني حتى يتمكن من حل هذه المعضلة المستعصية: يعيش في بيت لا
يملكه، على أرض لا يملكها. ولا يمكن أن يصبح متوازناً نفسياً حتى يقبل صاحب الأرض
الحقيقي باستضافته على أرضه، كما يقبل الفرنسي بتجنس أفراد من أصول غير فرنسية على
سبيل المثال.
إن اعتراف الفلسطيني بحق الكيان الصهيوني في الوجود هو إعطاء صك
براءة لجميع من اغتصب الأرض، وهو الخطوة الأولى بإعادة التوازن النفسي لمغتصب هذه
الأرض. كما أن هذا الإعتراف هو تنازل مدعي تمثيل الشعب الفلسطيني عن حق لا يملكونه
لأناس لا يستأهلونه. عدم التنازل أقوى من كل ترسانة العدو!
من يعيش في الرذيلة لا يتطهر من الحدث الأصغر!
17 كانون الثاني 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق