حسن ملاط
·
"إن أكرمكم عند الله أتقاكم"
·
"إنك امرؤ فيك جاهلية"
·
"إن الحق والباطل لا يعرفان بأقدار الرجال؛ اعرف الحق تعرف أهله"
*******************
تتميز
المرحلة الراهنة على صعيد الإدارة الأمريكية بانعدام الوزن وبانعدام اليقين.
فالرئيس الجديد أكد مرات عدة بأنه سيلغي قرارات أخذها الرئيس الحالي فيما يختص
بالعلاقات الخارجية، مثال الإتفاق النووي مع إيران ومسألة نقل السفارة الأمريكية
من تل أبيب إلى القدس المحتلتين... والأهم هو مبادرة بوتين بعدم الرد على قرارات
إبعاد الدبلوماسيين الروس من العاصمة الأمريكية، الأمر الذي علق عليه ترامب
بإيجابية كبيرة.
إقليمياً
اتخذت
روسيا وتركيا، ربما بالإتفاق مع إيران عدة خطوات هامة في سوريا: احتلال (تحرير)
حلب بعد تدمير قسمها الشرقي، مساعدة روسيا للقوات التركية في ضواحي الباب السورية،
وقف النار الشامل في جميع الأراضي السورية... وقد رحبت الإدارة الأمريكية بهذه
الخطوات ببرودة. أي أنها ستكون مستعدة لنسفها في حال رأت بأنها لا تنسجم مع
مصالحها المستقبلية في الأراضي السورية، خاصة أن جميع هذه القرارات اتُخذت من دون
استشارتها. فقد كان الوزير لافروف يبلغ زميله كيري بالقرارات التي أخذتها روسيا
وتركيا مجتمعتين.
إن نجاح
المبادرة الروسية التركية المشتركة دونه عقبات كثيرة، خاصة أن إيران التي تقدم
أكثر من غيرها في الساحة السورية لم يكن دورها مفصلياً في هذه القرارات. والأمر
نفسه ينطبق على النظام السوري الذي أُبلغ بالقرارات لتنفيذها. وهذا هو السبب
الرئيسي الذي اضطُر وزير الخارجية السوري لزيارة طهران. ولم يتسرب الشيء الكثير عن
فحوى هذه الزيارة.
ما يحصل
هو أن روسيا تلعب الدور الرئيسي في الساحة السورية. في حربها ضد أعداء النظام،
تتفاهم مع إيران التي تقدم أبناءها ضحايا لهذا التفاهم بالإضافة إلى من تجندهم من
دول أخرى مثل أفغانستان والعراق وغيرهما من الدول.
وعندما
تريد روسيا ترتيب أوضاع الشمال السوري تتفاهم مع تركيا المجاورة لهذا البلد بشأن
هذا الموضوع. وفي النهاية، ترى لزاماً عليها استشارة الإدارة الأمريكية في جميع
هذه القرارات.
والبين
من هذا الأمر هو أن الدول الأجنبية هي التي تقرر مستقبل الإقليم فعلياً!
لماذا
التحدث عن الإقليم؟
نتحدث عن
الإقليم لأسباب تتعلق ببناء القاعدة المادية لإمكانية تحرر شعوبنا من الخضوع
للعولمة النيوليبيرالية التي تفرض على شعوبنا قيمها التي تتناقض مع جميع القيم
التي تؤمن بها شعوبنا. كما أنها تقوم بالإستيلاء على جميع خيراتنا، بالتفاهم مع
الحكام الظلمة الذين يحوزون بدورهم على الفتات التي يتركها لهم الجابي الأمريكي
وربما الروسي مستقبلاً.
الإدارة
الأمريكية تملك القوة العسكرية الأعظم في التاريخ، والتي بإمكانها أن تدمر الكرة
الأرضية مرات عديدة. وهي تملك القوة الإقتصادية الأقوى والأكثر تطوراً. كما أن
عملتها هي التي تهيمن، كما عسكرها وثقافتها.
تحرر
شعوبنا يتطلب تضامنها في وجه هذا الطاغوت. وتضامن شعوبنا يفرض على الإدارة
الأمريكية التراجع كما حصل في فيتنام على سبيل المثال. فمجابهة الشعوب لا تقدر
عليها أية قوة في العالم.
ما تقدم
يتطلب أن تفرض شعوب المنطقة على حكامها التضامن فيما بينها لاتخاذ قرارات تؤمن
التكامل الإقتصادي في الإقليم الذي ننتمي إليه. فتفكير كل دولة من دول الإقليم
بتأمين مصالح حكامها على حساب شعبها وشعوب المنطقة يؤدي بهذه الطبقة الحاكمة
لتقديم تنازلات إلى القوة التي تدير العولمة في العالم، وفي حالتنا الراهنة:
الإدارة الأمريكية وربما الروسية مستقبلاً.
1-
لماذا الحرب على تركيا وليست على إيران؟ إذا
استخدمنا نفس اللغة التي يستخدمها المعادون لتركيا من حلفاء إيران: مساعدتها لداعش
انقلبت عليها. لماذا لا تقوم داعش بأية عملية إرهابية في إيران مثلاً؟ لن يكون
الجواب: بسبب تواطؤ إيران مع داعش، فهذا الجواب يتسم بكثير من السطحية. إذا كانت
الولايات المتحدة تغذي الحرب بين السنة والشيعة، كما يقول الإيرانيون أنفسهم، وذلك
من أجل مصلحة الكيان الصهيوني، فهل الحرب على إيران تغذي الحرب المذهبية؟ الجواب
هو النفي. فالشيعة، والذين يمثلون أقلية مذهبية لا تنفع الحرب في مركزهم لتأجيج
الصراع. لذلك يكون الإرهاب في تركيا وليس في إيران. والنظام الإيراني ليس مقرراً
في هذا الموضوع.
هل السياسة التركية
تخدم وحدة الإقليم؟ الرئيس
التركي يتعدى على صلاحيات شركائه ويقرر السياسات، علماً أن الدستور يمنعه من ذلك.
هو يؤجج الخلافات الإتنية بين مختلف مكونات الشعب التركي حتى يتمكن من تعديل
الدستور. كما ويؤجج العداء المذهبي داخلياً من أجل الغاية نفسها.
إذا كان الدستور
التركي علمانياً، ما الذي يمنع من أن يكون رئيس حزب الشعب الجمهوري علوياً؟ وما
الذي يمنع حزب الشعوب الديموقراطية من ممارسة العمل السياسي بكل حرية؟ هذا الإتجاه
"الأردوغاني" هو لتأمين تغيير الدستور بحيث يصبح حاكماً مطلقاً كما
جيرانه في الإقليم.
هذا على الصعيد
الداخلي، أما على الصعيد الخارجي، فتتسم سياسة الحكم التركي بالبراغماتية المطلقة،
مصالح الرأسمالية التركية المتحالفة مع الرأسمال الأجنبي تتقدم على ما عداها.
هل السياسة المتبعة
تخدم وحدة شعوب الإقليم؟
بالطبع لا، الأكراد
على سبيل المثال مكون أساسي في الإقليم الذي ننتمي إليه. وعليه، ما هي المصلحة من
شن حرب تدميرية على هذا المكون المنتشر في سوريا والعراق وتركيا وإيران؟
2-
إيران دخلت إلى دول الإقليم من بابه العريض بسبب السياسات التي اتبعها
الإمام الخميني بالتماهي مع شعوب المنطقة بضرورة إزالة الكيان الصهيوني وعودة
الشعب الفلسطيني إلى أرضه المغتصبة، إضافة إلى الدعوة الجدية للوحدة الإسلامية.
عندما شن النظام العراقي الحرب على الجمهورية الناشئة بمعونة دول الخليج وبرعاية
الإدارة الأمريكية، قبل الإمام بوقف الحرب حتى لا يكون وقودها المسلمون، سواء
كانوا إيرانيين أو عراقيين.
السياسات المتبعة
حالياً تتناقض كلياً مع السياسات السابقة. فالحرب التي تشارك فيها إيران هي حرب
بين المسلمين فقط. ووقودها هم المسلمون فقط. والكيان الصهيوني يتفرج، يضرب متى شاء
وأينما شاء، من دون أي رد فعل من إيران. كما وأن إيران تخوض حرباً في العراق
بحماية العدوان الأمريكي الذي يمهد الطريق بطيرانه لدخول الميليشيات الطائفية والمذهبية
التي تقوم بعمليات التطهير المذهبي والطائفي. وهذا ما حصل في ديالى وصلاح الدين
والأنبار وفي بغداد نفسها حيث تمكنت هذه الميليشيات من طرد أهل سامراء من بيوتهم
ومدينتهم بسبب انتمائهم المذهبي.
أما في سورية فتتم
بحماية الغزاة الروس!
الحرب ضد الكيان
الصهيوني، والتي تزعمها في الآونة الأخيرة (بعد الفلسطينيين والحركة الوطنية)، حزب
الله اللبناني الذي أعطى نفسه الهوية الشيعية، ألم تؤد إلى توحيد الساحة الشعبية
العربية؟ هل وجد ولو لمرة واحدة ممارسات ذات طابع مذهبي؟ الجواب هو النفي. من هنا
فالتحجج بمحاربة عملاء الكيان الصهيوني أو التكفيريين بدل محاربة رأس الأفعى، أي
الكيان الصهيوني هي حجة مردودة أيضاً. فقد علمتنا التجربة العملية وخلال أجيال أن
ما يوحد الساحة الداخلية هي الحرب ضد العدو الصهيوني. وهذه الحجة استخدمتها
الأنظمة لقمع شعوبها واستغلالها على صعد عديدة.
الإنتصار على عدو
شعوب منطقتنا يتطلب توحيد طاقات هذه الشعوب والتأكيد على وحدتها في مجابهة هذا
العدو. لقد تحارب السنة والشيعة مع بعضهم البعض وخاصة في العراق، حتى من قبل أن
تصبح إيران شيعية، ولكنهم عادوا وتوحدوا. والوحدة ليست مستحيلة ولكنها تتطلب
ممارسات توحيدية وليس ممارسات تقسيمية. إيران دولة هامة في الإقليم، وجودها حاجة
أساسية للتخلص من هيمنة العولمة النيوليبيرالية على شعوبنا. وهذا يتطلب التخلص من
السياسات القومية والمذهبية والإلتزام بالسياسات التي تقسم العمل في الإقليم وترفض
بشكل حاسم تقسيم العمل على الصعيد الدولي.
3-
السعودية بدأت بتغذية الخلافات المذهبية بين شعوب الإقليم غداة نجاح
الثورة الإيرانية. ليس مستغرباً على هذا النظام تغذية هذه الخلافات. ذلك أن وجوده
في السلطة مرهون بحماية الإدارة الأمريكية له. والولايات المتحدة التي اصطدمت
الثورة الإسلامية معها أولاً بأول، كانت مصلحتها بتقويض هذه الثورة. السعودية لا
يمكن أن تسير بمشروع إقليمي يوحد الطاقات ضد الهيمنة الأمريكية ويقضي على الكيان
الغاصب إلا إذا أجبرها شعبها على ذلك. وهذا لا يتم إلا بمبادرة الشعوب الأخرى
الأكثر انفتاحاً على الثقافة أولاً.
خلاصة
الإقليم بحاجة إلى إنتاج سياسة توحيدية كي يتمكن من التحرر من الهيمنة
الأمريكية. جميع دول المنطقة خبرت التعاون مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة وكيف
أن مهمتها الأساسية قمع الشعوب، ونهب ثرواتها. فلماذا إعادة التجريب؟
لا يمكن لدولة واحدة في الإقليم أن تجابه السيطرة الأمريكية على جميع
مناحي الحياة: السياسية والإقتصادية والعلمية والعسكرية والثقافية في العالم أجمع.
روسيا تعمل على أن يكون لها حصة ولا تطمع بأكثر من ذلك. إنه طموح المشاركة في
العولمة النيوليبرالية، ومشاركة الولايات المتحدة الأميركية، وصراعها مع الأميركي
حول الحصة والدور لا أكثر. أما أمريكا فلا تقبل بأقل من فرض نظامها القيمي على
جميع الشعوب. هذا النظام الذي يتناقض مع قيمنا الدينية الإسلامية منها والمسيحية.
ما علينا إلا التحرر من النفق المذهبي والشوفيني والإنفتاح على العالم الرحب الذي
وضعنا فيه ربنا، تبارك في علاه: "الذين يتفكرون في خلق السماوات
والأرض...".
ولا يمكن إغفال وجهة نظر أخرى تؤكد أن الصحيح هو أن أمريكا تريد فرض نظام
مصالحها الاقتصادية والسياسية والهيمنة، ولا مشكلة عندها في تنوع باقي القيم
الثقافية والاجتماعية، بل هي تعمل على تدوير وإعادة تدوير القيم الدينية والروحية
والثقافية - السائدة عند الآخرين- لخدمة سياساتها واقتصادها. فإذا كانت
"السياسة تعبير مكثف عن الاقتصاد"، فلكم هي معبرة عبارة "إنه
الاقتصاد أيها الغبي" التي قالها جيمس كارفيل المستشار الاقتصادي للرئيس
الأمريكي بيل كلينتون. بل وكتبها في لافتة وعلقها على باب مكتب الحملة الانتخابية
للرئيس كلينتون في انتخابات 1992.
3 كانون الثاني 2017
هناك تعليقان (2):
مؤسسة صرف صحى بالدمام
مؤسسة صرف صحى بالجبيل
مؤسسة صرف صحى بالاحساء
مؤسسة صرف صحى بالخبر
مؤسسة صرف صحى بالقطيف
إرسال تعليق