بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الخميس، 2 سبتمبر 2010

الموضوع الاقتصادي - الاجتماعي

"حزب الله" ومقاربة المسألة الاقتصادية-الاجتماعية؟
معظم حركات التحرر الوطني في العالم، كانت تطرح المسألة الوطنية والمسألة الاقتصادية-الاجتماعية بشكل متزامن. وممارستها هذه لم تكن عشوائية، إنما كانت تعبيراً عن واقع البلاد التي كانت تعمل فيها. فمن البديهي أن الناس الذين يملكون المصلحة بالتغيير كانوا في معظم الأحيان، إن لم يكن في جميع الأحايين الغالبية المسحوقة من المستضعفين من العمال والفلاحين وصغار المزارعين وجيش العاطلين عن العمل. فخطاب الامام الخميني مثلاً، كان في معظمه موجهاً للمستضعفين. كان المستضعفون مداد الثورة الذي لا ينضب. علماً أن الثورة الاسلامية كانت تتميز عن غيرها باسلاميتها. والاسلام دين لجميع الناس، وإن كان للمستضعفين ميزة. فلذلك وجدنا عدداً لا بأس به من الميسورين من عداد الثورة الاسلامية في إيران.
في الصين كان جل المنتمين إلى الثورة هم من الفلاحين والمزارعين الفقراء. ووجود الميسورين كان نادراً. لذلك رأينا هذه الثورة تطرح مسألة تحرير الصين من الغزو الياباني وتحرير الفلاحين من المرابين والاقطاعيين بشكل متزامن. وكذلك فعلت الثورة الفييتنامية فقد زاوجت ما بين تحرير الأرض من الأمريكان وتحرير العمال والفلاحين من مستغليهم. أما الثورة الجزائرية، الثورة المغدورة، فقد فشلت بسبب فصلها ما بين العمل على تحرير الانسان وتحرير الأرض في نفس الوقت من الاستعمار الفرنسي البغيض.
هذه الاطلالة وجدتها ضرورية لأن "حزب الله" يعمل على أن يكون حركة تحرر وطني، يعمل على تحرير الأرض اللبنانية من الاحتلال الصهيوني. كما أنه لا يملك وهم إمكانية الصلح مع العدو الاسرائيلي في يوم من الأيام ما دام هذا العدو يحتل الأرض الفلسطينية. فالثورة إذن مستمرة حتى زوال الكيان الاستعماري في فلسطين. من هنا ضرورة فرز القوى ولو على المستوى النظري. أي أن السؤال "من هي القوى التي تملك المصلحة في التغيير" سوف يطرحه الحزب على نفسه. حيث أن هذا السؤال لا يمكن تجاوزه. ربما لم يجد الحزب نفسه مضطراً لطرحه حتى الآن وذلك لعوامل عديدة. منها على سبيل المثال لا الحصر أن المسألة الوطنية كانت ولا تزال طاغية على ما عداها منذ مدة طويلة. مدة أوحت للناس إمكانية تناسيها (المسألة الاقتصادية-الاجتماعية) لمصلحة المسألة الوطنية. هذه كانت ممارسة جميع المجموعات والأحزاب الوطنية الذين عملوا مع المقاومة الفلسطينية. فالمسألة الفلسطينية غطت على ما عداها حتى بدا الحديث عن المشاكل التي يعاني منها الناس وكأنه خارج السياق. و "حزب الله" كان وريث هذه الحالة. فقد ورث المقاومة الفلسطينية في جهاد الصهاينة. وورث الأحزاب الوطنية بضرورة إعطاء الأولوية للمسألة الوطنية. فهو لم يكن بدعاً من العمل الحزبي. إنما ما ميز "حزب الله" هو تمكنه من نسج علاقات ود لا ينفصم ما بينه وبين قاعدته الأساسية.
ومنها (العوامل) أيضاً أن معظم الكوادر الأساسية العاملة في الحزب متفرغة للعمل الحزبي. وهذا العامل هو إيجابي من حيث الانتاجية وسلبي من حيث أن الكادر لا يملك جميع نبض الناس. فهو المؤثر فيهم وليس المتأثر بهم. وهذا أساسي وخاصة إذا أعطينا هذا العامل جميع أبعاده. فعلى سبيل المثال كان إبن الجنوب يحمل معه أينما كان هموم التبغ، لأن معظم الجنوبيين كانوا يعملون في زراعة التبغ. فالجنوبي الوطني كان يشارك في جميع التحركات التي كانت تعمل على زيادة المساحات المزروعة بالتبغ أو على زيادة أسعاره. هذه المسائل كانت تأكل معه في صحنه كما يقول المثل. أين هذه التحركات؟ لم نسمع بها منذ ستينات القرن الماضي! هذا الكلام ليس بقصد انتقاد الحزب، إنما للتأكيد أن تغير الظروف يجبر العاملين في الحقل العام، السياسي وغيره، على نمط معين من النشاط.
لقد أثلج صدرنا كثيراً السيد حسن نصر الله عندما بشرنا في خطابه بمناسبة الانتصار في بنت جبيل، بشرنا أن الحزب سوف يهتم بالقضايا الاقتصادية-الاجتماعية. ولكن لم يتمكن الحزب من تخصيص وقت كاف لهذا الموضوع. على كل حال ففي إطلالته الأخيرة تحدث عن مشكلة الكهرباء والماء. هل هذا يعني أن الانعطافة قد وُضعت على جدول الأعمال؟ نحن نتمنى ذلك!
من أين تأتي أهمية الموضوع؟
علينا أن نتذكر أن الوثيقة السياسية التي أصدرها الحزب كانت خطوة مهمة إلى الأمام. نقصد بأن الحزب كان يريد من خلال الوثيقة التأكيد على انتمائه لحركات التحرر الوطني. كما وأنه كان يؤكد أن أمريكا ومعسكر النيو ليبرالية هو المعسكر الذي علينا محاربته. من هنا بالذات تأتي أهمية الانفتاح على المسألة الاقتصادية – الاجتماعية. فانطلاقاً من هذه المسألة سيكون صدامنا مع المعسكر الغربي. وإذا طرحنا الموضوع من خلال العمل على محاربة إسرائيل وحلفائها، فسوف يكون صدامنا مع المعسكر الغربي. من هنا فإن المسألة الوطنية والمسألة الاقتصادية – الاجتماعية مترابطتان موضوعياً. إذن، عندما نهمل أي عامل من العوامل المترابطة، فهذا سوف يساهم بإعاقة النصر.
إن طرح السيد حسن نصر الله لمشكلة الكهرباء والماء على أنه (أي الحزب) هو جزء من الحكومة هو ما لم نكن نتمناه. إنما كانت منيتنا أن يُطرح الموضوع على أنه جزء لا يتجزأ من الحركة الشعبية المناهضة للطرح الحكومي في تخصيص الكهرباء والماء على مراحل. لأن التخصيص نهايته عولمة الماء والكهرباء. أي بيع القطاع العام للرأسمال المعولم، كما سوليدير مثلاً. لماذا لم يهتم أحد بطرح السفير الإيراني بأنه يحل مشكلة الكهرباء خلال ستة أشهر. ذلك أن الاتجاه الذي يتحدث فيه السفير الإيراني لا يصب في تخصيص الكهرباء وتسليمها ما من أحد يدري لمن. لأن الكهرباء عندما تعرض للبيع، يشتري صاحب رأس المال سواء كان وطنياً أو معادياً لأنه ما من أحد يمكنه معرفة هوية الرأسمال في الظروف الحالية. فحربنا ضد الصهاينة والمعسكر الغربي المؤيد لهم يستدعي محاربة هذا المعسكر على جميع الصعد، ومنها الصعيد الاقتصادي. نحارب الصهاينة عسكرياً، ونسمح لهم بالانفتاح على اقتصادنا من خلال الخصخصة.
هذه جهة هامة تتعلق بالخارج. أما الجهة التي تتعلق بالداخل والتي ترتدي أهمية كبيرة جداً، فهي ضرورة انفتاح الناس، الجماهير، على ترابط الحرب الوطنية والمسألة الاقتصادية – الاجتماعية. من هنا ضرورة العودة إلى النضالات الشعبية التي كنا نراها في ستينات وأوائل سبعينات القرن الماضي. إن هذه النضالات تساعد حتماً على دفن ما يسمى بالقضية الطائفية والمذهبية. إن ارتباط الجماهير بقضاياها الحقيقية سوف يؤكد قوة الروابط الداخلية فيما بينها. إن إحياء المذهبية وجعلها راهنة تجعل من أصحاب الرأسمال المعولم ممثلين لجماهير الكادحين من مذهبهم. هل هناك كذب ورياء أكثر من هذا الكذب والرياء. ما الذي يربط الكادحين والمستضعفين بأصحاب رؤوس الأموال؟ المصالح المشتركة؟ هموم الغذاء والدواء والكساء؟!
إن عدم انفتاحنا، كقوى مقاومة أو مؤيدة للمقاومة على المسألة الاقتصادية – الاجتماعية سوف يؤخر وعي الجماهير بارتباط هذه المسألة بمعركتنا ضد الاحتلال الاسرائيلي. كما أنه يساهم بارتباط هذه الجماهير بمراجعها الطائفية والمذهبية المعادية لها، بدل ارتباطها بالمقاومة التي سوف تحررها من قيودها، من فقرها ومن عوزها.
إن المعارك الجزئية التي تضطر المقاومة إلى خوضها في الساحة الداخلية سوف تصبح من اختصاص غيرها في حال أصبحت القضايا المطلبية حية في أذهان اصحاب المصلحة من جماهير الكادحين من أبناء شعبنا الذين يفضلون الحياة الكريمة على أخذ الحصص الغذائية من هذا المتاجر بدمائها أو ذاك.
1 أيلول – سبتمبر – 2010 حسن ملاط

ليست هناك تعليقات: