من سيرة المصطفى – 14 –
يا أيها المدثر، قم فأنذر
تحدثنا في المقالة السابقة عن الأمر الرباني لنبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، "إقرأ باسم ربك الذي خلق". وسواء كان أمراً أم نداءً، فنحن سنطيع. ولكن نتساءل هل أن الأمر موجه للنبي عليه السلام وحده، أم أنه موجه لأمة سيدنا محمد عليه السلام. نحن نميل إلى أنه موجه لنا جميعاً. فالنبي عليه السلام أجاب جبريل "ما أنا بقارىء" وفي الثالثة أجابه "ما أقرأ". وحيث أن النبي عليه السلام ليس بقارىء، فالمقصود إذن من النداء الإلهي القراءة بمعناها الواسع، قراءة الكون. ولكنها قراءة بنوعية جديدة، قراءة باسم الله، تختلف عن جميع القراءات التي سبقتها، حتى تلك التي كان يمارسها محمد قبل أن يكون نبياً. لقد تساءلنا ما الذي كان يفعله محمد في غار حراء قبل أن يرسله الله للناس كافة بشيراً ونذيراً. والسؤال يحمل صفة المشروعية لأن رسولنا كان يعيش مع الناس في أماكن عملهم وفي أماكن تجمعهم، كما وأنه يحمل ميزات لا يحملها غيره. عندما جاءه جبريل عليه السلام وغطه المرات الثلاث، حتى أنه آلمه كثيراً؛ وعاد إلى خديجة، ماذا قالت له؟ قالت له قالة علينا أن نفكر فيها ملياً. جاء في أسباب النزول للواحدي:"أخبرني عروة عن عائشة أنها قالت اول ما بديء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء فكان يأتي حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى فجأه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال: اقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقلت ما أنا بقارئ قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد فقال (اِقرَأ بِاِسمِ رَبِّكَ الَّذي خَلَقَ) حتى بلغ ما لم يعلم فرجع بها يرجف فؤاده حتى دخل على خديجة فقال: زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال: يا خديجة ما لي وأخبرها الخبر وقال: قد خشيت علي فقالت له: كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق". رواه البخاري عن يحيى بن بكير ورواه مسلم عن محمد بن رافع كلاهما عن عبد الرزاق. فالنبي عليه السلام، كان في مكة يقوم بمهام جليلة، مع قراءته المجتمع الذي يعيش في كنفه، كان محمد يصل الرحم، وكان صادقاً، وكان يحمل الكل، وكان يقري الضيف، ليس هذا فحسب، بل كان أيضاً يعين على نوائب الحق. إن إنساناً يقوم بجميع هذه المهام يحضر نفسه إلى القيام بمهام لا يقوى عليها إلا أولو العزم.
كانت مكة، وأنحاء الجزيرة العربية بشرقها وغربها، بشمالها وجنوبها، تضج بأن موعد بعثة النبي الجديد قد حان وقته. وكان محمد يسمع هذه الأحاديث وكذلك كانت خديجة تسمع هذه الأحاديث خاصة من النصارى المقربين من نسيبها ورقة بن نوفل. فما يقوم به محمد يهيأه لأن يكون من الذين يحملون الأثقال الكبيرة. يقول رب العزة: "إنا عرضنا الأمانة على السماوات والجبال والأرض فأبين أن يحملنها، وأشفقن منها، وحملها الإنسان..." لقد اختصر رب العزة جنس الإنسان بمن اختاره لحمل الأمانة، بمن اختاره أن يكون نبياً للعالمين.
لقد كان محمد عليه السلام النبي المصطفى. ناداه جبريل فخاف منه وذهب إلى خديجة رضي الله عنها، يريد أن تدثره أحتماءً: "أخرج الشيخان عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جاورت بحراء شهراً فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت الوادي فنوديت فلم أر أحداً فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء فرجعت فقلت دثروني فأنزل الله يا أيها المدثر قم فأنذر". لا راحة بعد الآن: يا أيها المدثر قم فأنذر. ذهب النبي عليه السلام إلى خديجة وقال لها أنه لا راحة بعد الآن. وعى أبعاد الإنذار الذي لا ينتهي إلا بانتهاء الحياة. ودعى خديجة إلى الإسلام: "وآمنت به خديجة بنت خويلد، وصدقت بما جاءه من الله، ووازرته على أمره، وكانت أول من آمن بالله وبرسوله، وصدق بما جاء منه. فخفف الله بذلك عن نبيه صلى الله عليه وسلم، لا يسمع شيئا مما يكرهه من رد عليه وتكذيب له، فيحزنه ذلك، إلا فرج الله عنه بها إذا رجع إليها، تثبته وتخفف عليه، وتصدقه وتهون عليه أمر الناس، رحمها الله تعالى".
ودعا علياً بن أبي طالب، ابن عمه، وكان لا يزال فتىً فآمن معه: "قال ابن إسحاق: ثم كان أول ذَكَر من الناس آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى معه وصدق بما جاءه من الله تعالى: علي بن أبي طالب ابن عبدالمطلب بن هاشم، رضوان الله وسلامه عليه، وهو يومئذ ابن عشر سنين".
ثم دعا زيداً مولاه: "قال ابن إسحاق: ثم أسلم زيد بن حارثة بن شرحبيل بن كعب بن عبدالعزى ابن امرئ القيس الكلبي، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أول ذكر أسلم، وصلى بعد علي بن أبي طالب".
ولم يترك الوقت يمر، بل كان محمد عليه الصلاة والسلام يستغل وقته كاملاً في إنذار الناس. دعا أبا بكر إلى الإسلام: "قال ابن إسحاق: ثم أسلم أبو بكر بن أبي قحافة، واسمه عتيق، واسم أبي قحافة: عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر".
كان أبو بكر واعياً لأهمية ما كان يقوم به المصطفى عليه السلام، فراح يفعل مثله ويدعو الناس للإسلام: "قال فأسلم بدعائه - فيما بلغني - عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبدالرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، فجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استجابوا له فأسلموا وصلوا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، فيما بلغني: ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت فيه عنده كبوة، ونظر وتردد، إلا ما كان من أبي بكر بن أبي قحافة، ما عكم عنه حين ذكرته له، وما تردد فيه".
ثم أسلم أبو عبيدة بن الجراح، وأبو سلمة، والأرقم بن أبي الأرقم .
ثم أسلم عثمان بن مظعون وأخواه قدامة وعبدالله ابنا مظعون بن حبيب.
ثم أسلم عبيدة بن الحارث، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل؛ وامرأته فاطمة بنت الخطاب، أخت عمر بن الخطاب .
قال ابن إسحاق : ثم دخل الناس في الإسلام أرسالا من الرجال والنساء، حتى فشا ذكر الإسلام بمكة، وتُحُدث به. ثم إن الله عز وجل أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يصدع بما جاءه منه، وأن يبادي الناس بأمره، وأن يدعو إليه؛ وكان بين ما أخفى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره واستتر به إلى أن أمره الله تعالى بإظهار دينه ثلاث سنين - فيما بلغني - من مبعثه؛ ثم قال الله تعالى له: ( فاصدع بما تؤمر، وأعرض عن المشركين ). وقال تعالى : ( وأنذر عشيرتك الأقربين. واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين ).
وعندما جاءه هذا الأمر دعا قرابته، ومنهم أبو لهب، عمه، فكان رده على رسول الله عليه السلام سيئاً: قال ابن إسحاق: وحُدثت أنه كان يقول بعض ما يقول: يعدني محمد أشياء لا أراها، يزعم أنها كائنة بعد الموت، فماذا وضع في يديّ بعد ذلك؟ ثم ينفخ في يديه ويقول: تباً لكما، ما أرى فيكما شيئاً مما يقول محمد. فأنزل الله تعالى فيه: ( تبت يدا أبي لهب وتبَّ ).
وحيث أن النبي عليه السلام قد راح يدعو الناس بعد ما أنزل الله تعالى: "واصدع بما تؤمر"، فما كان من عتاة قريش إلا ردوا عليه بالأذى. فاضطر هو وأصحابه أن يخرجوا للصلاة خارج مكة. قال ابن إسحاق: وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلوا، ذهبوا في الشعاب، فاستخفوا بصلاتهم من قومهم، فبينا سعد بن أبي وقاص في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعب من شعاب مكة، إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلون، فناكروهم، وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم، فضرب سعد بن أبي وقاص يومئذ رجلا من المشركين بِلَحْي بعير، فشجه، فكان أول دم هُريق في الإسلام.
ولم يفتر النبي عليه السلام بدعوته لتوحيد الله عز وجل، هو وأصحابه. ولكن قريش لم تتركهم: قال ابن إسحاق: فلما بادى رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه بالإسلام وصدع به كما أمره الله، لم يبعد منه قومه، ولم يردوا عليه - فيما بلغني - حتى ذكر آلهتهم وعابها؛ فلما فعل ذلك أعظموه وناكروه، وأجمعوا خلافه وعداوته، إلا من عصم الله تعالى منهم بالإسلام، وهم قليل مستخفون، وحدب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمُّه أبو طالب، ومنعه وقام دونه، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر الله، مظهراً لأمره، لا يرده عنه شيء.
فلما رأت قريش، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعتبهم من شيء أنكروه عليه، من فراقهم وعيب آلهتهم، ورأوا أن عمه أبا طالب قد حدب عليه، وقام دونه، فلم يسلمه لهم، مشى رجال من أشراف قريش إلى أبي طالب، عتبة وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس وأبو سفيان بن حرب.
ثم أن القبائل هجمت على من ينتمي إليها من المسلمين لأذيتهم بدينهم: قال ابن إسحاق: ثم إن قريشاً تذامروا بينهم على من في القبائل منهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أسلموا معه، فوثبت كل قبيلة على من فيهم من المسلمين يعذبونهم، ويفتنونهم عن دينهم، ومنع الله رسوله صلى الله عليه وسلم منهم بعمه أبي طالب، وقد قام أبو طالب، حين رأى قريشاً يصنعون ما يصنعون في بني هاشم وبني المطلب، فدعاهم إلى ما هو عليه، من منع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقيام دونه؛ فاجتمعوا إليه، وقاموا معه، وأجابوه إلى ما دعاهم إليه، إلا ما كان من أبي لهب، عدو الله الملعون.
لم يكتف المشركون بذلك، بل إنهم تآمروا على إيذاء النبي بما يقوم به، وهذا من أشد أنواع الأذية: ثم إن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش، وكان ذا سن فيهم، وقد حضر الموسم فقال لهم: يا معشر قريش، إنه قد حضر هذا الموسم، وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فأجمعوا فيه رأياً واحداً، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضاً، ويرد قولكم بعضه بعضاً؛ قالوا: فأنت يا أبا عبد شمس، فقلْ وأقمْ لنا رأياً نقول به؛ قال: بل أنتم فقولوا أسمعْ؛ قالوا: نقول كاهن؛ قال: لا والله ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه؛ قالوا: فنقول: مجنون؛ قال: ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون وعرفناه، فما هو بخنقه، ولا تخالجه، ولا وسوسته؛ قالوا: فنقول: شاعر؛ قال: ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه، فما هو بالشعر؛ قالوا: فنقول: ساحر؛ قال: ما هو بساحر، لقد رأينا السحار وسحرهم، فما هو بنفثهم ولا عقدهم؛ قالوا: فما نقول يا أبا عبد شمس؟ قال: والله إن لقوله لحلاوة، وإن أصله لعذق، وإن فرعه لجناة - قال ابن هشام: ويقال لغَدَق - وما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلا عُرف أنه باطل، وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا ساحر، جاء بقول هو سحر يفرق به بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وعشيرته.
فتفرقوا عنه بذلك، فجعلوا يجلسون بسبل الناس حين قدموا الموسم، لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه، وذكروا لهم أمره.
وهنا لا بد أن نشير بأن تحذير القبائل من محمد عليه السلام قد لعب دوراً إيجابياً، حيث أن هؤلاء تحمسوا لرؤية هذا الرجل.
قال ابن إسحاق: فجعل أولئك النفر يقولون ذلك في رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن لقوا من الناس، وصدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فانتشر ذكره في بلاد العرب كلها.
فلما انتشر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في العرب، وبلغ البلدان، ذكر بالمدينة، ولم يكن حي من العرب أعلم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر، وقبل أن يذكر من هذا الحي من الأوس والخزرج، وذلك لما كانوا يسمعون من أحبار اليهود، وكانوا لهم حلفاء، ومعهم في بلادهم.
قال ابن إسحاق: ثم إن قريش اشتد أمرهم للشقاء الذي أصابهم في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أسلم معه منهم، فأغروا برسول الله صلى الله عليه وسلم: سفهاءهم، فكذبوه وآذوه، ورموه بالشعر والسحر والكهانة والجنون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مظهر لأمر الله لا يستخفي به، مباد لهم بما يكرهون من عيب دينهم، واعتزال أوثانهم، وفراقه إياهم كفرهم.
ومن أشد ما أوذي به رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال ابن إسحاق: فحدثني يحيى بن عروة بن الزبير، عن أبيه، عن عبدالله بن عمرو بن العاص، قال: قلت له: ما أكثر ما رأيت قريشاً أصابوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كانوا يُظهرون من عداوته؟ قال: حضرتهم، وقد اجتمع أشرافهم يوماً في الحجر، فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل قط، سفه أحلامنا، وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرق جماعتنا، وسب آلهتنا، لقد صبرنا منه على أمر عظيم، أو كما قالوا: فبينا هم في ذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل يمشي حتى استلم الركن، ثم مر بهم طائفاً بالبيت، فلما مر بهم غمزوه ببعض القول. قال: فعرفت ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: ثم مضى، فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها، فعرفت ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثم مر الثالثة فغمزوه بمثلها، فوقف، ثم قال: أتسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفسي بيده، لقد جئتكم بالذبح. قال: فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع، حتى إن أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ليرفَؤُه بأحسن ما يجد من القول، حتى إنه ليقول: انصرف يا أبا القاسم، فوالله ما كنت جهولاً.
قال: فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم؛ فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم، وما بلغكم عنه، حتى إذا باداكم بما تكرهون تركتموه. فبينما هم في ذلك طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوثبوا إليه وثبة رجل واحد، وأحاطوا به، يقولون: أنت الذي تقول كذا وكذا، لما كان يقول من عيب آلهتهم ودينهم؛ فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، أنا الذي أقول ذلك. قال: فلقد رأيت رجلاً منهم أخذ بمجمع ردائه.
قال: فقام أبو بكر رضي الله عنه دونه، وهو يبكي ويقول: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟ ثم انصرفوا عنه، فإن ذلك لأشد ما رأيت قريشاً نالوا منه قط.
هل منع هذا الأذى النبي عليه السلام من متابعته إنذار قومه؟ قال ابن هشام: حدثني بعض أهل العلم: أشد ما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش أنه خرج يوماً فلم يلقه أحد من الناس إلا كذبه وآذاه، لا حر ولا عبد، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منـزله، فتدثر من شدة ما أصابه ، فأنزل الله تعالى عليه: ( يا أيها المدثر، قم فأنذر ).
وعندما وجد القوم إصرار النبي عليه السلام على الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، رأوا أن يفاوضوه: قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي، قال: حدثت أن عتبة بن ربيعة، وكان سيداً، قال يوماً وهو جالس في نادي قريش، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده: يا معشر قريش، ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أموراً لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء، ويكف عنا؟ وذلك حين أسلم حمزة، ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون؛ فقال: بلى يا أبا الوليد، قم إليه فكلمه؛ فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا ابن أخي، إنك منا حيث قد علمت من السِّطَة في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها.
قال فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل يا أبا الوليد، أسمعْ؛ قال: يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفاً سودناك علينا، حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا؛ وإن كان هذا الذي يأتيك رَئيِّا تراه لا تستيطع رده عن نفسك، طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يُداوى منه، أو كما قال له.
حتى إذا فرغ عتبة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه، قال: أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، قال: فاسمع مني؛ قال: أفعل؛
فقال: ( بسم الله الرحمن الرحيم. حم. تنـزيل من الرحمن الرحيم. كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون. بشيراً ونذيراً، فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون. وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه ) ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه. فلما سمعها منه عتبة، أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما يسمع منه؛ ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها، فسجد ثم قال: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك.
فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني قد سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كُفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به؛ قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه؛ قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم.
ولكن القوم استكبروا حتى على ما عرضه عليهم مندوبهم إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام. وأتوا النبي بمن يعرف القصص والحكايات، حيث أنهم هذه القصص قد تفتن القوم: وكان النضر بن الحارث من شياطين قريش، وممن كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينصب له العداوة، وكان قد قدم الحيرة، وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس، وأحاديث رستم واسبنديار، فكان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلساً فذكَّر فيه بالله، وحذر قومه ما أصاب من قبلهم من الأمم من نقمة الله، خلفه في مجلسه إذا قام، ثم قال: أنا والله يا معشر قريش، أحسن حديثاً منه، فهلم إلي، فأنا أحدثكم أحسن من حديثه، ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم واسبنديار، ثم يقول: بماذا محمد أحسن حديثاً مني؟
ولم يكتف المشركون بأذى النبي عليه السلام وحده، بل راحوا يؤذون أتباعه، وخاصة المستضعفين منهم: قال ابن إسحاق: ثم إنهم عدوا على من أسلم، واتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه، فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين، فجعلوا يحبسونهم، ويعذبونهم بالضرب والجوع والعطش، وبرمضاء مكة إذا اشتد الحر، من استضعفوا منهم، يفتنونهم عن دينهم، فمنهم من يُفتن من شدة البلاء الذي يصيبه، ومنهم من يصلب لهم، ويعصمه الله منهم.
قال ابن إسحاق: وكانت بنو مخزوم يخرجون بعمار بن ياسر، وبأبيه وأمه، وكانوا أهل بيت إسلام، إذا حميت الظهيرة، يعذبونهم برمضاء مكة، فيمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول، فيما بلغني: صبراً آل ياسر، موعدكم الجنة. فأما أمه فقتلوها، وهي تأبى إلا الإسلام.
لم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم بدعوته لقريش بل راح يدعو القبائل، وخاصة في المواسم: قال ابن إسحاق: ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، وقومه أشد ما كانوا عليه من خلافه وفراق دينه إلا قليلاً مستضعفين ممن آمن به. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه في المواسم إذا كانت على قبائل العرب يدعوهم إلى الله ويخبرهم أنه نبي مرسل ويسألهم أن يصدقوه ويمنعوه حتى يبين عن الله ما بعثه به.
قال ابن إسحاق: وحدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، قال سمعت ربيعة بن عباد يحدثه أبي، قال إني لغلام شاب مع أبي بمنى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على منازل القبائل من العرب، فيقول يا بني فلان إني رسول الله إليكم، يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد وأن تؤمنوا بي، وتصدقوا بي، وتمنعوني، حتى أبين عن الله ما بعثني به.
قال وخلفه رجل أحول وضيء له غديرتان عليه حلة عدنية فإذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله وما دعا إليه قال ذلك الرجل يا بني فلان إن هذا إنما يدعوكم أن تسلخوا اللات والعزى من أعناقكم وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقيش إلى ما جاء به من البدعة والضلالة فلا تطيعوه ولا تسمعوا منه.
قال فقلت لأبي: يا أبت من هذا الذي يتبعه ويرد عليه ما يقول؟ قال هذا عمه عبد العزى بن عبد المطلب، أبو لهب.
قال ابن إسحاق: حدثنا ابن شهاب الزهري: أنه أتى كندة في منازلهم وفيهم سيد لهم يقال له مليح فدعاهم إلى الله عز وجل وعرض عليهم نفسه فأبوا عليه.
________________________________________
وذكر السهيلي عرضه نفسه - صلى الله عليه وسلم - على القبائل ليؤمنوا به ولينصروه قبيلة قبيلة فذكر بني حنيفة، وهم أهل اليمامة، وأصحاب مسيلمة الكذاب.
وذكر بيحرة بن فراس العامري وقوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم أفنهدف نحورنا، للعرب دونك. نهدف أي نجعلها هدفاً لسهامهم والهدف الغرض.
قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حصين أنه أتى كلباً في منازلهم إلى بطن منهم يقال لهم بنو عبد الله فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه حتى إنه ليقول لهم يا بني عبد الله إن الله عز وجل قد أحسن اسم أبيكم فلم يقبلوا منه ما عرض عليهم.
قال ابن إسحاق: وحدثني بعض أصحابنا عن عبد الله بن كعب بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بني حنيفة في منازلهم فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه فلم يكن أحد من العرب أقبح عليه رداً منهم.
قال ابن إسحاق: وحدثني الزهري أنه أتى بني عامر بن صعصعة فدعاهم إلى الله عز وجل وعرض عليهم نفسه فقال له رجل منهم - يقال له بيحرة بن فراس.
قال ابن هشام: فراس بن عبد الله بن سلمة بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش، لأكلت به العرب، ثم قال أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟
قال الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء قال فقال له أفنهدف نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا لا حاجة لنا بأمرك، فأبوا عليه.
فلما صدر الناس رجعت بنو عامر إلى شيخ لهم قد كانت أدركته السن، حتى لا يقدر أن يوافي معهم المواسم فكانوا إذا رجعوا إليه حدثوه بما يكون في ذلك الموسم فلما قدموا عليه ذلك العام سألهم عما كان في موسمهم فقالوا: جاءنا فتى من قريش، ثم أحد بني عبد المطلب، يزعم أنه نبي، يدعونا إلى أن نمنعه ونقوم معه ونخرج به إلى بلادنا.
قال فوضع الشيخ يديه على رأسه ثم قال يا بني عامر هل لها من تلاف هل لذناباها من مطلب والذي نفس فلان بيده ما تقولها إسماعيلي قط، وإنها لحق، فأين رأيكم كان عنكم.
نحن لا نطيل، إنما نتحدث عن إنذار النبي للناس كما أمره ربه تبارك وتعالى. وحيث أننا معنيون بالإنذار كما كان معني به نبينا عليه السلام، فعلينا أن نعرف كم تحمل من الجهد والأذى وكم علينا أن نتحمل في سبيل الله، إن كنا مؤمنين حقاً.
قال ابن إسحاق: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك من أمره كلما اجتمع له الناس بالموسم أتاهم يدعو القبائل إلى الله وإلى الإسلام ويعرض عليهم نفسه وما جاء به من الله من الهدى والرحمة وهو لا يسمع بقادم يقدم مكة من العرب له اسم وشرف إلا تصدى له فدعاه إلى الله وعرض عليه ما عنده.
وذكر السهيلي عرضه نفسه على كندة، وسمي كندة لأنه كند أباه أي عقه وسمى ابنه مرتعاً لأنه كان يجعل لمن أتاه من قومه مرتعاً، فهم بنو مرتع بن ثور وقد قيل إن ثوراً هو مرتع وكندة أبوه.
وذكر غير ابن إسحاق ما لم يذكر ابن إسحاق مما رأيت إملاء بعضه في هذا الكتاب تتمة لفائدته.
ذكر قاسم بن ثابت والخطابي عرضه نفسه على بني ذهل بن ثعلبة ثم على بني شيبان بن ثعلبة فذكر الخطابي وقاسم جميعاً ما كان من كلام أبي بكر مع دغفل بن حنظلة الذهلي زاد قاسم تكملة الحديث فرأينا أن نذكر زيادة قاسم فإنها مما تليق بهذا الكتاب.
قال ثم دفعنا إلى مجلس آخر عليهم السكينة والوقار فتقدم أبو بكر فسلم قال علي: وكان أبو بكر مقدماً في كل خير فقال ممن القوم فقالوا: من شيبان بن ثعلبة فالتفت أبو بكر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال بأبي أنت وأمي، هؤلاء غرر في قومهم وفيهم مفروق بن عمرو وهانئ بن قبيصة، ومثنى بن حارثة والنعمان بن شريك وكان مفروق بن عمرو قد غلبهم جمالاً ولساناً وكانت له غديرتان تسقطان على تريبتيه وكان أدنى القوم مجلساً من أبي بكر.
فقال أبو بكر كيف العدد فيكم؟ قال له مفروق إنا لنزيد على الألف ولن تغلب ألف من قلة.
فقال أبو بكر كيف المنعة فيكم؟ فقال مفروق علينا الجهد ولكل قوم جد.
فقال أبو بكر كيف الحرب بينكم وبين عدوكم؟ فقال مفروق إنا لأشد ما نكون غضباً لحين نلقى، وإنا لأشد ما نكون لقاءً حين نغضب وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد والسلاح على اللقاح والنصر من عند الله يديلنا مرة ويديل علينا، لعلك أخو قريش؟
فقال أبو بكر أوقد بلغكم أنه رسول الله فها هو ذا، فقال مفروق قد بلغنا أنه يذكر ذلك فإلى م تدعو إليه يا أخا قريش؟ فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأني رسول الله وإلى أن تؤووني، وتنصروني، فإن قريشاً قد ظاهرت على أمر الله وكذبت رسوله واستغنت بالباطل عن الحق والله هو الغني الحميد.
فقال مفروق وإلى م تدعو أيضاً يا أخا قريش؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قل تعالوا { أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون } [ الأنعام 151 ]
فقال مفروق وإلى م تدعو أيضاً يا أخا قريش؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم – { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون } [ النحل 90 ]
فقال مفروق دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال والله لقد أفك قوم كذبوك، وظاهروا عليك، وكأنه أراد أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة، فقال وهذا هانئ بن قبيصة شيخنا، وصاحب ديننا، فقال هانئ قد سمعت مقالتك يا أخا قريش، وإني أرى أن تركنا ديننا واتباعنا إياك على دينك لمجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر زلة في الرأي وقلة نظر في العاقبة وإنما تكون الزلة مع العجلة ومن ورائنا قوم نكره أن نعقد عليهم عقداً، ولكن ترجع ونرجع وتنظر وننظر وكأنه أحب أن يشركه في الكلام المثنى، فقال وهذا المثنى بن حارثة شيخنا وصاحب حربنا، فقال المثنى: قد سمعت مقالتك يا أخا قريش، والجواب هو جواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا، واتباعنا إياك لمجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر وإنا إنما نزلنا بين صريان اليمامة والسماوة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما هذان الصريان؟ فقال أنهار كسرى، ومياه العرب، فأما ما كان من أنهار كسرى، فذنب صاحبيه غير مغفور وعذره غير مقبول وأما ما كان من مياه العرب، فذنبه مغفور وعذره مقبول وإنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى أن لا نحدث حدثاً ولا نؤوي محدثاً، وإني أرى هذا الأمر الذي تدعونا إليه هو مما تكرهه الملوك فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب، فعلنا.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق وإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلاً حتى يورثكم الله أرضهم وأموالهم ويفرشكم نساءهم أتسبحون الله وتقدسونه.
فقال النعمان بن شريك اللهم لك ذا، فتلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم { إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً } [ الأحزاب : 46 ] ثم نهض النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذ بيدي فقال يا أبا بكر يا أبا حسن أية أخلاق في الجاهلية ما أشرفها بها يدفع الله بأس بعضهم عن بعض وبها يتحاجزون فيما بينهم.
قال ثم دفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج، فما نهضنا حتى بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا صدقاء صبراء وروى في حديث مسند إلى طارق قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين رأيته بسوق ذي المجاز يعرض نفسه على القبائل يقول يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا وخلفه رجل له غديرتان يرجمه بالحجارة حتى أدمى كعبيه يقول يا أيها الناس لا تسمعوا منه فإنه كذاب فسألت عنه فقيل هو غلام عبد المطلب، قلت: ومن الرجل يرجمه؟ فقيل لي: هو عمه عبد العزى أبو لهب وذكر الحديث بطوله. خرجه الدارقطني، ووقع أيضاً في السيرة من رواية يونس.
قال ابن إسحاق: وحدثني الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن محمود بن لبيد، قال لما قدم أبو الحيسر أنس بن رافع، مكة ومعه فتية من بني عبد الأشهل فيهم إياس بن معاذ، يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج، سمع بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتاهم فجلس إليهم فقال لهم " هل لكم في خير مما جئتم له " ؟ فقالوا له وما ذاك؟ قال أنا رسول الله بعثني إلى العباد أدعوهم إلى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً، وأنزل علي الكتاب. قال ثم ذكر لهم الإسلام وتلا عليهم القرآن.
قال فقال إياس بن معاذ، وكان غلاماً حدثاً: أي قوم هذا والله خير مما جئتم له.
لم ييأس محمد عليه السلام من الدعوة إلى الله رغم كثرة الصدود التي عاناها. فها هو يعود إلى دعوة قومه في قريش: قال ابن إسحاق: ثم إن الإسلام جعل يفشو بمكة في قبائل قريش في الرجال والنساء وقريش تحبس من قدرت على حبسه وتفتن من استطاعت فتنته من المسلمين ثم إن أشراف قريش من كل قبيلة - كما حدثني بعض أهل العلم عن سعيد بن جبير، وعن عكرمة مولى ابن عباس، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال اجتمع عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو سفيان بن حرب، والنضر بن الحارث، أخو بني عبد الدار، وأبو البختري بن هشام والأسود بن المطلب بن أسد، وزمعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبو جهل بن هشام - لعنه الله - وعبد الله بن أبي أمية، والعاص بن وائل، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج السهميان، وأمية بن خلف، أو من اجتمع منهم.
قال اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، ثم قال بعضهم لبعض ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه فبعثوا إليه إن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك، فأتهم فجاءهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سريعاً، وهو يظن أن قد بدا لهم فيما كلمهم فيه بداء وكان عليهم حريصاً يحب رشدهم ويعز عليه عنتهم حتى جلس إليهم فقالوا له يا محمد إنا قد بعثنا إليك; لنكلمك، وإنا والله ما نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه مثل ما أدخلت على قومك، لقد شتمت الآباء وعبت الدين وشتمت الآلهة وسفهت الأحلام وفرقت الجماعة فما بقي أمر قبيح إلا قد جئته فيما بيننا وبينك - أو كما قالوا له - فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت إنما تطلب به الشرف فينا، فنحن نسودك علينا، وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً تراه قد غلب عليك - وكانوا يسمون التابع من الجن رئياً - فربما كان ذلك بذلنا لك أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه أو نعذر فيك، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم – "ما بي ما تقولون، ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم. ولكن الله بعثني إليكم رسولاً، وأنزل علي كتاباً، وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً، فبلغتكم رسالات ربي، ونصحت لكم فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم" أو كما قال - صلى الله عليه وسلم - قالوا: يا محمد فإن كنت غير قابل منا شيئاً مما عرضناه عليك، فإنك قد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلداً، ولا أقل ماءً ولا أشد عيشاً منا، فسل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا، وليبسط لنا بلادنا، وليفجر لنا فيها أنهاراً كأنهار الشام والعراق، وليبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب، فإن كان شيخ صدق فنسألهم عما تقول أحق هو أم باطل فإن صدقوك، وصنعت ما سألناك، صدقناك، وعرفنا به منزلتك من الله وأنه بعثك رسولاً - كما تقول - فقال لهم صلوات الله وسلامه عليه: "ما بهذا بعثت إليكم إنما جئتكم من الله بما بعثني به وقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله تعالى، حتى يحكم الله بيني وبينكم" قالوا: فإذا لم تفعل هذا لنا، فخذ لنفسك، سل ربك أن يبعث معك ملكاً يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك وسله فليجعل لك جناناً وقصوراً وكنوزاً من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك تبتغي، فإنك تقوم بالأسواق كما نقوم وتلتمس المعاش كما نلتمسه حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولاً كما تزعم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أنا بفاعل وما أنا بالذي يسأل ربه هذا، وما بعثت إليكم بهذا، ولكن الله بعثني بشيراً ونذيراً" - أو كما قال – "فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم" قالوا: فأسقط السماء علينا كسفاً كما زعمت أن ربك لو شاء فعل فإنا لا نؤمن لك إلا أن تفعل قال فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – "ذلك إلى الله إن شاء أن يفعله بكم فعل" قالوا: يا محمد أفما علم ربك أنا سنجلس معك، ونسألك عما سألناك عنه ونطلب منك ما نطلب فيتقدم إليك فيعلمك ما تراجعنا به ويخبرك ما هو صانع في ذلك بنا، إذا لم نقبل منك ما جئتنا به إنه قد بلغنا أنك إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له الرحمن وإنا والله لا نؤمن بالرحمن أبداً، فقد أعذرنا إليك يا محمد وإنا والله لا نتركك وهي بنات الله.
وقال قائلهم لن نؤمن لك حتى تأتينا بالله وبالملائكة قبيلاً. فلما قالوا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام عنهم وقام معه عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وهو ابن عمته فهو لعاتكة بنت عبد المطلب - فقال له يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم ثم سألوك لأنفسهم أموراً، ليعرفوا بها منزلتك من الله كما تقول ويصدقوك ويتبعوك فلم تفعل ثم سألوك أن تأخذ لنفسك ما يعرفون به فضلك عليهم ومنزلتك من الله فلم تفعل ثم سألوك أن تعجل لهم بعض ما تخوفهم به من العذاب فلم تفعل - أو كما قال له - فوالله لا أؤمن بك أبداً حتى تتخذ إلى السماء سلماً، ثم ترقى فيه وأنا أنظر إليك حتى تأتيها، ثم تأتي معك أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول. وأيم الله أن لو فعلت ذلك ما ظننت أني أصدقك، ثم انصرف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أهله حزيناً آسفاً لما فاته مما كان يطمع به من قومه حين دعوه ولما رأى من مباعدتهم إياه.
ولكن خديجة لم تكن لتتركه حزيناً، إنما كانت تشد من أزره، وتقول له أن الله لن يخزيه أبداً.
هذه صورة عن إنذار النبي لقومه في بداية الدعوة، عندما كان المسلمون مستضعفين. وبعد أن اشتد ساعدهم، وسادوا، هل أوقف النبي عليه السلام الدعوة إلى الله؟
قال ابن إسحاق: وكان من حديث عبد الله بن سلام، كما حدثني بعض أهله عنه. وعن إسلامه حين أسلم، وكان حبراً عالماً، قال: لما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت صفته واسمه وزمانه الذي كنا نتوكف له فكنت مسراً لذلك صامتاً عليه حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فلما نزل بقباء في بني عمرو بن عوف، أقبل رجل حتى أخبر بقدومه وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها، وعمتي خالدة بنة الحارث تحتي جالسة فلما سمعت الخبر بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم كبرت، فقالت لي عمتي، حين سمعت تكبيري: خيبك الله والله لو كنت سمعت بموسى بن عمران قادماً ما زدت، قال فقلت لها: أي عمة هو والله أخو موسى بن عمران وعلى دينه بعث بما بعث به.
قالت أي ابن أخي، أهو النبي الذي كنا نخبر أنه يبعث مع نفس الساعة؟
قال فقلت لها: نعم. قال فقالت فذاك إذاً. قال ثم خرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت، ثم رجعت إلى أهل بيتي، فأمرتهم فأسلموا، وأسلمت عمتي خالدة بنت الحارث فحسن إسلامها.
لقد وعى أن الإسلام يستدعي القيام بالدعوة إلى الله، لذلك رأينا عبد الله بن سلام يدعو أهله للإسلام ما أن قفل عائداً من عند رسول الله. وهذا يذكرنا بالمقدم بالخير أبي بكر الصديق، الذي ما أن آمن حتى راح يدعو الناس إلى الإيمان بما آمن به. وجاء رسول الله عليه الصلاة والسلام بكوكبة من المؤمنين بدعوته إياهم للإسلام.
قال ابن إسحاق: وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يهود خيبر، فيما حدثني مولى لآل زيد بن ثابت عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب موسى وأخيه والمصدق لما جاء به موسى: ألا إن الله قد قال لكم يا معشر أهل التوراة، وإنكم لتجدون ذلك في كتابكم: محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما. وإني أنشدكم بالله، وأنشدكم بما أنزل عليكم وأنشدكم بالذي أطعم من كان قبلكم من أسباطكم المن والسلوى، وأنشدكم بالذي أيبس البحر لآبائكم حتى أنجاهم من فرعون وعمله إلا أخبرتموني: هل تجدون فيما أنزل الله عليكم أن تؤمنوا بمحمد؟ فإن كنتم لا تجدون ذلك في كتابكم فلا كره عليكم. قد تبين الرشد من الغي - فأدعوكم إلى الله وإلى نبيه.
قال ابن اسحاق: ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود من أهل الكتاب إلى الإسلام ورغبهم فيه وحذرهم عذاب الله ونقمته فقال له رافع بن خارجة، ومالك بن عوف بل نتبع يا محمد ما وجدنا عليه آباءنا، فهم كانوا أعلم وخيراً منا. فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهما: وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون.
ولما أصاب الله عز وجل قريشاً يوم بدر جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود في سوق بني قينقاع، حين قدم المدينة، فقال يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم الله بمثل ما أصاب به قريشاً، فقالوا له يا محمد لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفراً من قريش، كانوا أغماراً لا يعرفون القتال إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس وأنك لم تلق مثلنا، فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم: قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار. [ آل عمران : 12 ، 13 ] .
نحن نرى أن الرسول عليه السلام لم يفتر عن إنذار الناس أبداً.
قال ابن اسحاق: ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدراس على جماعة من يهود فدعاهم إلى الله فقال له النعمان بن عمرو، والحارث بن زيد على أي دين أنت يا محمد؟ قال على ملة إبراهيم ودينه قالا: فإن إبراهيم كان يهودياً. فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلم إلى التوراة، فهي بيننا وبينكم فأبيا عليه. فأنزل الله تعالى فيهما: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون.
وقال أبو رافع القرظي، حين اجتمعت الأحبار من يهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الإسلام أتريد منا يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم؟ وقال رجل من أهل نجران نصراني، يقال له الربيس ( ويروى : الريس ، والرئيس ) : أوذاك تريد منا يا محمد وإليه تدعونا؟ أو كما قال. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: معاذ الله أن أعبد غير الله أو آمر بعبادة غيره فما بذلك بعثني الله ولا أمرني. أو كما قال. فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهما: ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون. إلى قوله تعالى: بعد إذ أنتم مسلمون.
قال ابن هشام : الربانيون العلماء الفقهاء السادة واحدهم رباني.
ولم يفتر النبي عن دعوة اليهود إلى الدين الحق رغم صدودهم المتمادي.
والتقى النبي عليه السلام عبد الله بن صوريا الأعور وكعب بن أسد، فقال لهم: يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا، فوالله إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به لحق، قالوا: ما تعرف ذلك يا محمد فجحدوا ما عرفوا، وأصروا على الكفر. فأنزل الله تعالى فيهم: يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا.
قال ابن إسحاق: ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود إلى الإسلام ورغبهم فيه وحذرهم غير الله وعقوبته فأبوا عليه وكفروا بما جاءهم به فقال لهم معاذ بن جبل، وسعد بن عبادة وعقبة بن وهب: يا معشر يهود اتقوا الله، فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله ولقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه وتصفونه لنا بصفته.
فقال رافع بن حريملة، ووهب بن يهوذا: ما قلنا لكم هذا قط، وما أنزل الله من كتاب بعد موسى، ولا أرسل بشراً ولا نذيراً بعد فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهما: يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير.
أما عن إنذاره النصارى فيروي لنا السهيلي: فلما كلمه الحبران، قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلما، قالا: قد أسلمنا، قال إنكما لم تسلما، فأسلما، قالا: بلى، قد أسلمنا قبلك. قال كذبتما، يمنعكما من الإسلام دعاؤكما لله ولداً، وعبادتكما الصليب وأكلكما الخنزير. قالا: فمن أبوه يا محمد؟ فصمت عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم - فلم يجبهما.
فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من الله عنه والفضل من القضاء بينه وبينهم وأمر بما أمر به من ملاعنتهم إن ردوا ذلك عليه دعاهم إلى ذلك فقالوا له يا أبا القاسم دعنا ننظر في أمرنا، ثم نأتيك بما نريد أن نفعل فيما دعوتنا إليه فانصرفوا عنه ثم خلوا بالعاقب وكان ذا رأيهم فقالوا: يا عبد المسيح ماذا ترى؟ فقال والله يا معشر النصارى لقد عرفتم إن محمداً لنبي مرسل ولقد جاءكم بالفضل من خبر صاحبكم ولقد علمتم ما لاعن قوم نبياً قط فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم وأنه للاستئصال منكم إن فعلتم فإن كنتم قد أبيتم إلا إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل ثم انصرفوا إلى بلادكم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم قد رأينا ألا نلاعنك، وأن نتركك على دينك ونرجع على ديننا، ولكن ابعث معنا رجلاً من أصحابك ترضاه لنا، يحكم بيننا في أشياء اختلفنا فيها من أموالنا، فإنكم عندنا رضاً.
وبعد أن سوده الله تبارك وتعالى على أعدائه، لم يوقف النبي عليه السلام إنذار الناس. فنراه، عليه السلام في عام الوفود يدعو الناس بلا كلل ولا ملل إلى الله:
قال فخرجت حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فدخلت عليه وهو في مسجده، فسلمت عليه، فقال: من الرجل؟ فقلت: عدي بن حاتم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق بي إلى بيته، فوالله إنه لعامد بي إليه، إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة، فاستوقفته، فوقف لها طويلاً تكلمه في حاجتها.
قال: قلت في نفسي: والله ما هذا بملك!
قال: ثم مضى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا دخل في بيته، تناول وسادة في أدم محشوة ليفاً، فقذفها إلي، فقال: اجلس على هذه، قال: قلت: بل أنت فاجلس عليها، فقال: بل أنت، فجلست عليها، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض.
قال: قلت في نفسي: والله ما هذا بأمر ملك.
ثم قال: إيه يا عدي بن حاتم، ألم تك ركوسياً؟ قال: قلت: بلى، قال: أو لم تكن تسير في قومك بالمرباع؟ قال: قلت: بلى، قال: فإن ذلك يكن يحل لك في دينك، قال: قلت: أجل والله.
وقال: وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يجهل.
ثم قال: لعلك يا عدي إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم، فوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه. ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم، وقلة عددهم، فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت، لا تخاف. (نبينا عليه السلام يستشف المستقبل). ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم، وأيم الله، ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم، قال: فأسلمت.
وكان عدي يقول: قد مضت اثنتان وبقيت الثالثة، والله لتكونن، قد رأيت القصور البيض من أرض بابل قد فتحت، وقد رأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها، لا تخاف حتى تحج هذا البيت، وأيم الله لتكون الثالثة، ليفيض المال حتى لا يوجد من يأخذه.
ثم كان إسلام زيد الخير في وفد طيء: قال ابن إسحاق: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد طيئ، فيهم زيد الخيل، وهو سيدهم، فلما انتهوا إليه كلموه وعرض عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، فأسلموا، فحسن إسلامهم؛ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني من لا أتهم من رجال طيئ : ما ذكر لي رجل من العرب بفضل ثم جاءني، إلا رأيته دون ما يقال فيه، إلا زيد الخيل، فإنه لم يبلغ كل ما كان فيه. ثم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم : زيد الخير، وقطع له فيداً وأرضين معه؛ وكتب له بذلك.
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني حنيفة ، فيهم مسيلمة بن حبيب الحنفي الكذاب .
ثم أسلم المنذر بن ساوى: قال ابن إسحاق: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث العلاء بن الحضرمي قبل فتح مكة إلى المنذر بن ساوى العبدي، فأسلم فحسن إسلامه، ثم هلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ردة أهل البحرين، والعلاء عنده أميراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم على البحرين.
قال ابن إسحاق : وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الجارود بن عمرو بن خنش أخو عبدالقيس.
قال ابن هشام :الجارود بن بشر بن المعلى في وفد عبدالقيس وكان نصرانياً.
قال ابن إسحاق : حدثني من لا أتهم عن الحسن قال: لما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمه، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، ودعاه إليه، ورغبه فيه، فقال: يا محمد إني قد كنت على دين، وإني تارك ديني لدينك، أفتضمن لي ديني؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، أنا ضامن أن قد هداك الله إلى ما هو خير منه. قال: فأسلم وأسلم أصحابه، ثم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحملان، فقال: والله ما عندي ما أحملكم عليه، قال: يا رسول الله، فإن بيننا وبين بلادنا ضوال من ضوال الناس، أفنتبلغ عليها إلى بلادنا؟ قال: لا، إياك وإياها. فإنما تلك حرق النار.
قال ابن إسحاق : وبعث بنو سعد بن بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا منهم يقال له ضمام بن ثعلبة. قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن الوليد بن نويفع عن كريب، مولى عبدالله بن عباس، عن ابن عباس قال: بعثت بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدم عليه وأناخ بعيره على باب المسجد، ثم عقله، ثم دخل إلى المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه.
وكان ضمام رجلاً جلداً أشعر ذا غديرتين، فأقبل حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه، فقال: أيكم ابن عبدالمطلب قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا ابن عبدالمطلب. قال: أمحمد؟ قال: نعم. قال: ياابن عبدالمطلب، إني سائلك ومغلظ عليك في المسألة، فلا تجدن في نفسك، قال: لا أجد في نفسي، فسل عما بداً لك.
قال: أنشدك الله، إلهك وإله من كان قبلك، وإله من كائن بعدك، آلله بعثك إلينا رسولاً؟ قال: اللهم نعم.
قال: فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك، وإله من هو كائن بعدك، آلله أمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده لا نشرك به شيئاً، وأن نخلع هذه الأنداد التي كان آباؤنا يعبدون معه؟ قال: اللهم نعم.
قال: فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك، وإله من هو كائن بعدك، آلله أمرك أن تصلى هذه الصلوات الخمس؟ قال: اللهم نعم.
قال: ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة: الزكاة والصيام والحج وشرائع الإسلام كلها، ينشده عند كل فريضة منها كما ينشده في التي قبلها، حتى إذا فرغ، قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وسأؤدي هذه الفرائض، وأجتنب ما نهيتني عنه، ثم لا أزيد ولا أنقص، ثم انصرف إلى بعيره راجعاً.
قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن صدق ذو العقيصتين دخل الجنة.
وحيث أنه فهم الإسلام راح يدعو قومه. قال فأتى بعيره فأطلق عقاله، ثم خرج حتى قدم على قومه، فاجتمعوا إليه، فكان أول ما تكلم به أن قال: بئست اللات والعزى! قالوا: مه، يا ضمام اتق البرص، اتق الجنون، قال: ويلكم إنهما والله لا يضران ولا ينفعان، إن الله قد بعث رسولاً، وأنزل عليه كتاباً استنقذكم به مما كنتم فيه، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وقد جئتكم من عنده بما أمركم به، وما نهاكم عنه، قال: فوالله ما أمسى من ذلك اليوم في حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلماً.
قال: يقول عبدالله بن عباس: فما سمعنا بوافد قدم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة.
وكان قدوم الأشعث بن قيس في وفد كندة. قال ابن إسحاق: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الأشعث بن قيس، في وفد كندة فحدثني الزهري بن شهاب أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمانين راكباً من كندة، فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده، وقد رجلوا جممهم وتكحلوا، وعليهم جبب الحبرة، وقد كففوها بالحرير، فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألم تسلموا؟ قالوا: بلى، قال: فما بال هذا الحرير في أعناقكم؟ قال: فشقوه منها، فألقوه.
ثم كان قدوم صرد بن عبدالله الأزدي مسلما. وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم صرد بن عبدالله الأزدي، فأسلم، وحسن إسلامه، في وفد من الأزد، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه، وأمره أن يجاهد بمن أسلم من كان يليه من أهل الشرك، من قبل اليمن.
ولم يكتف بإعلانه إسلامه فقط بل راح يجاهد الشرك: فخرج صرد بن عبدالله يسير بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى نزل بجرش، وهي يومئذ مدينة مغلقة، وبها قبائل من قبائل اليمن، وقد ضوت إليهم خثعم، فدخلوها معهم حين سمعوا بسير المسلمين إليهم، فحاصروهم فيها قريباً من شهر، وامتنعوا فيها منه ثم رجع عنهم قافلاً، حتى إذا كان إلى جبل لهم يقال له شكر، ظن أهل جرش أنه إنما ولي عنهم منهزماً، فخرجوا في طلبه، حتى إذا أدركوه عطف عليهم، فقتلهم قتلاً شديداً.
ولا بد من الإشارة إلى أن النبي عليه السلام قد بعث البعوث إلى الملوك يدعوهم إلى دين الله وينذرهم: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلاً من أصحابه، وكتب معهم كتباً إلى الملوك يدعوهم فيها إلى الإسلام.
فبعث دحية بن خليفة الكلبي، إلى قيصر ملك الروم.
وبعث عبدالله بن حذافة السهمي، إلى كسرى ملك الفرس.
وبعث عمرو بن أمية الضمري، إلى النجاشي ملك الحبشة.
وبعث حاطب بن أبي بلتعة، إلى المقوقس ملك الإسكندرية.
وبعث عمرو بن العاص السهمي، إلى جيفر وعياد ابني الجلندي الأزديين ملكي عمان.
وبعث سليط بن عمرو أحد بني عامر بن لؤي، إلى ثمامة بن أثال، وهوذة بن علي الحنفيين، ملكي اليمامة.
وبعث العلاء بن الحضرمي، إلى المنذر بن ساوى العبدي ملك البحرين.
وبعث شجاع بن وهب الأسدي، إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ملك تخوم الشام.
قال ابن هشام: بعث شجاع بن وهب، إلى جبلة بن الأيهم الغساني، وبعث المهاجر ابن أبي أمية المخزومي، إلى الحارث بن عبد كلال الحميري، ملك اليمن.
ومن اللافت وصية الرسول معاذاً حين بعثه إلى اليمن. قال ابن إسحاق: وحدثني عبدالله بن أبي بكر أنه حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين بعث معاذاً أوصاه، وعهد إليه، ثم قال له: يسر ولا تعسر، وبشر ولا تنفر، وإنك ستقدم على قوم من أهل الكتاب، يسألونك ما مفتاح الجنة؟ فقل: شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فخرج معاذ، حتى إذا قدم اليمن قام بما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتته امرأة من أهل اليمن، فقالت: يا صاحب رسول الله، ما حق زوج المرأة عليها؟ قال: ويحك! إن المرأة لا تقدر على أن تؤدي حق زوجها، فأجهدي نفسك في أداء حقه ما استطعت، قال: والله لئن كنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك لتعلم ما حق الزوج على المرأة. قال: ويحك! لو رجعت إليه فوجدته تنثعب منخراه قيحاً ودماً فمصصت ذلك حتى تذهبيه ما أديت حقه.
لقد أعطى النبي عليه السلام معذاً سر الدعوة الناجحة: يسر ولا تعسر، بشر ولا تنفر.
ولا بد من أن نعرج على الإنذار الأخير لقومه قبل أن يذهب إلى الرفيق الأعلى. إنها خطبة الوداع. قال ابن إسحاق: ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على حجة، فأرى الناس مناسكهم، وأعلمهم سنن حجهم، وخطب الناس خطبته التي بين فيها ما بين، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال:
أيها الناس، اسمعوا قولي، فإني لا أدرى لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا، وكحرمة شهركم هذا، وإنكم ستلقون ربكم، فيسألكم عن أعمالكم، وقد بلغت، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها.
وإن كل ربا موضوع، ولكن لكم رؤوس أموالكم، لا تظلمون ولا تظلمون، قضى الله أنه لا ربا، وإن ربا عباس بن عبدالمطلب موضوع كله.
وإن كل دم كان في الجاهلية موضوع، وإن أول دمائكم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب، وكان مسترضعاً في بني ليث، فقتلته هذيل، فهو أول ما أبداً به من دماء الجاهلية.
أما بعد: أيها الناس، فإن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبداً، ولكنه إن يطع فيما سوى ذلك فقد رضى به مما تحقرون من أعمالكم، فاحذروه على دينكم. ...
أما بعد: أيها الناس، فإن لكم على نسائكم حقاً، ولهن عليكم حقاً...
واستوصوا بالنساء خيراً ...
وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً، أمراً بيناً، كتاب الله وسنة نبيه.
أيها الناس، اسمعوا قولي واعقلوه، تعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم، وأن المسلمين إخوة، فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه، فلا تظلمن أنفسكم؛ اللهم هل بلغت.
فذكر لي أن الناس قالوا: اللهم نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اشهد.
وكان آخر ما فعله، صلى الله عليه ويلم قبل أن يُتوفى أمره بإنفاذ بعث أسامة: قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، وغيره من العلماء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استبطأ الناس في بعث أسامة بن زيد، وهو في وجعه، فخرج عاصباً رأسه حتى جلس على المنبر، وقد كان الناس قالوا: في إمرة أسامة: أمر غلاماً حدثاً على جلة المهاجرين والأنصار. فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل، ثم قال: أيها الناس أنفذوا بعث أسامة، فلعمري لئن قلتم في إمارته لقد قلتم في إمارة أبيه من قبله، وإنه لخليق للإمارة، وإن كان أبوه لخليقاً لها .
وهكذا رأينا أن الرسول عليه السلام قد بدأ إنذار الناس منذ أن جاءه أمر ربه: يا أيها المدثر قم فأنذر، حتى قبضه الله عز وجل. وقد فعل صحابته، الذين وعوا دعوة الله بشكل جلي، كما كان يفعل النبي عليه السلام. أما وأن الإنذار لا ينتهي فقد أصبحنا نحن من يتحمل مهمة الإنذار.
14 تشرين الثاني 2010 حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق