التغيير الحكومي في لبنان، هل أصبح ضرورة؟
المتتبع للوضع اللبناني يلاحظ أن كلاً من الأطراف المتصارعة ينظر إلى نفسه من غير النظر إلى الآخر. من هنا، لا يمكن للمتتبع أن يرى بصيص أمل لإمكانية التوافق بين هذه الأطراف. فالطرف الذي يود التوافق مع الآخر، عليه أن ينظر إلى ما يريد هو، ومن ثم إلى ما يريده الغير. بعد ذلك يقوم بدراسة مطالبه تبعاً لما يريده الآخر ويستنتج أين يمكنه أن يجد نقطة التلاقي حتى ينطلق إلى المفاوضات. وحيث أننا لسنا بموقع يمكننا من الضغط على الأطراف المتصارعة للأخذ برأينا، فما علينا إلا أن ندرس الوضع القائم حالياً حتى نصل إلى معرفة اتجاهاته.
الساحة اللبنانية، أو بالأحرى المشهد السياسي اللبناني يحوي اللاعبين اللبنانيين سعد الحريري ومن يتبعه من "القوى" و حزب الله ومن يتبعه من"القوى". أما على الصعيد الإقليمي والدولي فهناك الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الأوروبيون، وخاصة فرنسا بمجابهة سوريا بشكل رئيسي وحلفاؤها المملكة العربية السعودية وإيران.
لم نتحدث عن قوى إقليمية سوى سوريا وحليفتها السعودية لأن الدور المصري والمؤيد لما تريده أمريكا من دون تحفظ، ليس دوراً فاعلاً على الصعيد اللبناني، أي يمكننا إهماله.
أما الدور السعودي فهو لايزال يتماهى مع الدور السوري، ذلك أن الضغوطات الأمريكية لم تفعل فعلها مع السعودية بالرغم من الإتصال الذي قام به الرئيس أوباما بنفسه بالعاهل السعودي. وحيث أن سمير جعجع قائد القوات اللبنانية، الحزب اليميني المرتبط بالولايات المتحدة الأمريكية، والذي يرى أن أمريكا لا يمكن مجابهتها، إعتقد أن مجرد الإتصال من أوباما سوف يخرب العلاقات السعودية السورية، لذلك صرح قائلاً عن زيارة الرئيس الأسد إلى السعودية: وقال في حوار مع صحيفة "الأنباء" الكويتية ينشر اليوم عن زيارة الرئيس بشار الاسد الى الرياض "لم تكن ناجحة كثيرا"، موضحا "أن الاجتماع الثلاثي للسفراء يقف وراءه الاخوة السوريون والايرانيون لحض جماعتهم وضبطهم ومنعهم من استعمال العنف في لبنان".
أما عن إجتماع السفراء الثلاثة، السوري والسعودي والإيراني فقد صرح السفير السوري علي عبد الكريم العلي، بما يلي: وعن الغداء السوري – السعودي - الايراني، قال: "ثمة مبالغة في هذا الغداء الطبيعي والعلاقة الاخوية بين سفراء دول تربطها علاقة طيبة واخوية وحرص وغيرة. الجو كان أخويا وأكدنا اهمية الحوار اللبناني - اللبناني ومواجهة الاستهدافات الاسرائيلية لئلا تصل الى زراعة الفتن والانقسام بين اشقاء هذا البلد العزيز. التوافق كان ايجابيا وكبيرا". ورأى ان "تأجيل جلسة مجلس الوزراء شأن لبناني، وسوريا والسعودية تباركان اي وفاق لبناني - لبناني، وتحرصان على وصول الامور الى خواتيمها بايجابية سليمة".
أما السفير السعودي فقد قال: وأكد عسيري عزمه ونظيريه على عقد لقاءات أخرى، وقال: «نحن زملاء مهنة والعلاقات الطيبة بين بلداننا ستنعكس على عملنا المهني»، لافتاً إلى أنه «يجب استغلال أي جهد ممكن من خلاله تشجيع كل الفرقاء في لبنان على الحوار البناء وإيجاد مخرج، وتحصين البلد ضد أي تحديات تواجهه".
وفي حين أوضح عسيري أن موعد الاجتماع المقبل بين السفراء الثلاثة لم يتحدد موعده بعد بسبب اقتراب إجازة الحج، إلا أنه أكد أن لقاءات مماثلة ستعقد في المستقبل.
وعن إمكان أن يكون مثل هذا اللقاء تمهيداً لبدء صفحة جديدة في شكل علاقات هذه البلدان الثلاثة مع لبنان، قال: «العلاقات بين البلدان الثلاثة ممتازة وقادتها على تواصل، وهذا ينعكس على أدائنا المهني، وهو ما يجعلنا ننشط على الساحة السياسية، فنحن ننطلق من سياسات بلداننا ونقتدي بقادتها»، مضيفاً أن القيادات «حريصة على أن تهدأ الأوضاع في لبنان، وأن يكون هناك حوار بين الفرقاء اللبنانيين لتحصين البلد ضد أي مفاجأة".
ما تقدم يبين أن التفهم الثلاثي لا زال قائماً بين السفراء الثلاثة من الوضع اللبناني.
ماذا تريد الولايات المتحدة؟
إن النقطة المركزية اليوم بتأزم الوضع اللبناني يعود إلى تدخل الولايات المتحدة الأمريكية لتخريب العلاقة بين مختلف الأطراف. فزيارة الأسد الناجحة إلى الرياض والتي أعقبها المبادرة السعودية التي ساهمت بزعزعة السياسة الأمريكية في العراق وبمباركة سورية، أعقبها إتصال أوباما بالعاهل السعودي الذي لم يستجب للضغط الأمريكي.
أما في لبنان، فقد قامت أمريكا بخطوات عديدة لتخريب الوضع الداخلي.
1 - تصريح فيلتمان الذي انتقد فيه سوريا لمساهمتها بتهدئة الوضع اللبناني وترتيبه حتى لا يصل إلى وضع لا تُحمد عقباه: حثّ مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان سوريا على ممارسة ضغوط على ايران و"حزب الله" لكبح انشطتهما في لبنان في حال أرادت ترميم علاقاتها مع واشنطن، معرباً عن قلق الولايات المتحدة الشديد على الوضع في لبنان.
وقال فيلتمان في مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست" إن "سوريا والولايات المتحدة قامتا بخطوات متواضعة لرؤية ما إذا كان باستطاعتنا تحسين العلاقات الثنائية"، مضيفاً "لا يمكن أن يذهب ذلك بعيداً طالما يقوّض اصدقاء سوريا الاستقرار في لبنان". وتابع فيلتمان قائلاً إن بلاده اوضحت للسوريين أن ثمة "تكلفة" للعلاقات الثنائية بين البلدين تستند الى ما يقوم به اصدقاؤها في لبنان.
وأشار فيلتمان، من جهة أخرى الى أن سوريا لن تتمكن من استرجاع هضبة الجولان التي تحتلها اسرائيل إلا من خلال إصلاح علاقاتها مع واشنطن، وقال: "أعلنت سوريا أنها ترغب بتلبية توقعاتها (استرجاع الاراضي) من خلال اتفاق سلام مع اسرائيل وهي تعرف الدور الأساسي التي يمكن أن نلعبه لتحقيق ذلك".
وأوضح انه يعتقد أن "سوريا مهتمة باقامة علاقات أفضل معنا ولكن اهتمامنا بالتوصل الى سلام شامل لا يعني أننا سنبدأ بتبادل اهتماماتنا الأخرى في العراق ولبنان بغية جعل دمشق تحبنا اكثر".
وقال فيلتمان إن الادارة الأميركية "قلقة بشدة" من الوضع في لبنان، مضيفاً إن زيارته الأخيرة للبنان كانت بغية إظهار الدعم للرئيس ميشال سليمان وتأكيد التزام المحكمة الدولية التي تحقق باغتيال الحريري.
وأوضح أن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون اتصلت بالرئيس سليمان الذي يواجه صعوبات في ادارة الساحة السياسية المنقسمة بشدة.
وأضاف فيلتمان أن لبنان يشهد "انقساماً سياسياً حاداً ومن الواضح أيَّ جانب من الانقسام تدعم سوريا وإيران"، ومن المهم للولايات المتحدة وحلفائها "إظهار انه لا يوجد فراغ على الجانب الآخر" أي الدولة وليس تحالف 14 آذار فقط، وتأكيد أن "عمل المحكمة الخاصة بلبنان مستمر" على رغم كل الكلام الذي يدلي به "حزب الله".
واستبعد فيلتمان أن يكون لزيارة الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد للبنان أي أثر على المدى البعيد، قائلاً انه يواجه مشاكل داخل ايران ويسعى الى التركيز على السياسة الخارجية و"القيام بجولة خارجية تبدو منتصرة"، كعادة السياسيين الذين يواجهون مشاكل داخل بلادهم.
2 - أما سوزان رايس مندوبة الولايات المتحدةالأمريكية في مجلس الأمن فقد سارت بنفس إتجاه فيلتمان: وفي نيويورك، أعلنت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس أمس عن تبرع الولايات المتحدة بمبلغ إضافي قيمته 10 ملايين دولار للمحكمة، «وهذا يمثل كامل قيمة التمويل الأميركي للمحكمة البالغة 30 مليون دولاراً منذ إنشائها... ونحن نشجّع الأسرة الدولية بأكملها على الاستمرار في دعم المحكمة، مالياً وسياسياً». واضافت: «اننا ننوه بالعمل الشجاع والدؤوب لموظفي المحكمة المستمرين في القيام بمهماتهم بصورة مهنية، لا سياسية".
ووصفت رايس الهجوم على موظفين تابعين للمحكمة في ضاحية بيروت بأنه «محاولة أخرى لخلق خيار زائف بين العدالة والاستقرار في لبنان ولمنع المحكمة المستقلة من تنفيذ الولاية التي أوكلها إليها مجلس الأمن".
وقالت: «إننا ندين مثل هذه الأفعال ونؤكد مرة أخرى على أن جهود تشويه سمعة المحكمة أو عرقلتها أو التاثير على أعمالها لا يمكن تحمّلها. فالمحكمة يجب أن تمضي بالعمل طبقاً لأعلى مقاييس الاستقلال القضائي وكرامته. ونحن على ثقة كاملة بأنها قادرة على ذلك".
وقالت السفيرة الأميركية إن «إنشاء المحكمة كان مؤشراً واضحاً على أن سيادة لبنان غير قابلة للتفاوض. اننا على ثقة بأن عمل المحكمة قادر على المضي بالمساعدة على ردع المزيد من العنف وعلى إنهاء عهد الإفلات من العقاب للاغتيالات السياسية في لبنان... والى حين تمكّن لبنان من تحقيق ذلك، سيكون من الصعب جداً ضمان السلام والاستقرار الذي يستحقه جميع المواطنين اللبنانيين".
3 - أما كلينتون فلم تكتف بما قام به مرؤوسوها، فقد اتصلت بالرئيس الحريري لتقوي من عزمه: وأفاد مراسل "النهار" في واشنطن انه في سياق المواقف والقرارات الاميركية المتعاقبة الهادفة الى دعم الدولة اللبنانية ومؤسساتها، أجرت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون امس اتصالا هاتفيا بالرئيس الحريري "لاعادة تأكيد الالتزام الاميركي القوي لسيادة لبنان واستقلاله واستقراره"، كما جاء في بيان أصدرته وزارة الخارجية الاميركية. وتطرقت كلينتون الى "التطورات الاخيرة والقضايا السياسية في المنطقة وأعربت عن تقدير الولايات المتحدة لقيادة رئيس الوزراء الحريري الثابتة نيابة عن الشعب اللبناني". وأشار البيان الى ان كلينتون أكدت مجددا الأهمية التي تعلقها الولايات المتحدة على لبنان مسالم ومستقل والتزامنا تقوية مؤسسات الدولة اللبنانية من خلال برامج المساعدات الامنية والاقتصادية التي نقدمها".
4 - ولم تكتف كلينتون بما قامت به هي ومظفوها بل حركت مجلس الأمن أيضا": وأفاد مراسل "النهار" في الأمم المتحدة أن المشاورات تكثفت أمس بين عواصم صنع القرار عشية اجتماع طارئ "يرجح جداً" أن يعقده مجلس الأمن ربما اليوم للنظر في التطورات الأخيرة الخاصة بالمحكمة الخاصة بلبنان، مع تداول ممثلي الدول الخمس الدائمة العضوية في المجلس مشروع بيان يندد خصوصاً بالتعرض لمحققي مكتب المدعي العام للمحكمة دانيال بلمار.
اصبح المشهد واضحاً لما تريده الولايات المتحدة الأمريكية من لبنان. إنها تريد الإستمرار بتحريض حلفائها، سعد الحريري ومن يتبعه، للتمسك بتبرئة شهود الزور وعدم تقديمهم للقضاء، والإصرار على الإستمرار بدعم المحكمة الدولية التي تريد أن تتهم عناصر من حزب الله، زوراً وبهتاناً، باغتيال الرئيس رفيق الحريري. إن الولايات المتحدة متأكدة أن تَبَني أطراف لبنانيين لاتهام أفراد من حزب الله سوف يوتر الوضع اللبناني بشكل يصبح من شبه المستحيل استدراكه. والرئيس الحريري يعلم ذلك جيداً، ورغم ذلك نراه يصرح بدعمه للمحكمة الدولية. وقال الحريري في حديث الى تلفزيون "بي بي سي" باللغة الانكليزية تم بثه ليل الثلاثاء "ان عمل المحكمة مستمر وهناك العديد من المحققين في لبنان وهم يقومون بعملهم الخاص".
وردا على سؤال عما اذا كان يدعم المحكمة بنسبة مئة في المئة، قال "نعم"، مشيرا الى انه لن يقطع العلاقات مع المحكمة.
من جهة ثانية وصف نائب الامين العام لحزب الله نعيم قاسم في مقابلة وزعت الثلاثاء، القرار الظني المنتظر صدوره عن المحكمة الخاصة بلبنان بانه "فتيل انذار وتفجير وخطر على لبنان قد يؤدي الى نتائج سلبية".
وقلل الحريري في حديثه الى "بي بي سي" من احتمالات حصول اعمال عنف على خلفية التوتر الحالي، معتبرا ان عدم قطع العلاقات مع المحكمة كما يطلب حزب الله، لا يشكل خطرا على استقرار لبنان.
واضاف "اعتقد ان الخطر يكمن في عدم الحوار حول المسائل الصعبة فعلا في البلاد، واعتقد ان هذه هي احدى المسائل الصعبة في لبنان".
هل يمكن الربط بين هذين التصريحين؟ هذا ما تريده الولايات المتحدة: تفجير الوضع اللبناني حتى تتمكن إسرائيل من الإنتقام من لبنان، وقواه الحية الذين هزموها في جولتين متتاليتين في ال2000 وال2006 .
إن الوضع في لبنان إذا ما استمر على ما هو عليه ينبىء بأسوأ العواقب. فالصحافة اللبنانية بدأت، غير مبالية، بعواقب ما تقوم به، برسم سيناريوهات حرب أهلية ومنها "الأخبار" وصحيفة "النهار" التي تعتبر جادة ورصينة. إلى جانب تصريح "حربجي" للنائب عاصم قانصوه: وانتقد النائب عاصم قانصوه "تلطي" رئيس الجمهورية "مع كل احترامنا له وراء اجتماعات جلسات الحوار"، داعياً إياه الى "ان يأخذ دوره ويطرح الأمور في شكل دستوري لأن الحياد والتأجيل ليسا من مصلحته والحسم في مجلس الوزراء ضروري هذا الاسبوع قبل الأسبوع المقبل وليكن التصويت". وحذر من "مؤشرات على الأرض" توحي بالمواجهة وقال: "اذا استمروا في التعنت والفوقية حيالنا فليحدث ما يحدث وسيكون هناك 7 أيار كبيرة هذه المرة". وأضاف ان "معراب لن تأخذ معنا ساعتين. لقد طفح الكيل".
لا ينفع التفرج على ما هو قائم. هناك ضرورة لتغيير حكومي ببرنامج واضح يُبعد أو يُلغي إمكانية إنفجار الوضع في لبنان، أي كشف شهود الزور والتبرأ من القرار الظني التي يريد بلمار أن يُصدره باتهام عناصر من حزب الله باغتيال الرئيس الحريري.
أما عن شخص الرئيس فالحريري إن أراد ذلك. أما إن لم يرد ذلك، فالسنة يملكون الكثير من الشخصيات التي يمكنها أن تتبوأ هذا المنصب. والتخوف من ردة فعل سلبية إزاء التغيير الحكومي فهي لم تعد قائمة. فمن ينظر إلى واقع الساحة السنية، وخاصة في أماكن ثقلها، يعلم أن الإعتراض الشعبي لايمكن أن يتم. فتيار المستقبل لا يملك إمكانية تجييش الساحة السنية بالإتجاه الذي يريده. أضف إلى ذلك أن الزيارة الأخيرة التي قام بها السفير السعودي إلى طرابلس لم تكن إلى شخصيات تابعة للرئيس الحريري.
تبقى نقطة أخيرة، وهي أن المرجعية الدينية لا يمكنها التحرك لدعم الحريري لأنها لا تملك إجماعاً حولها، ولن تتمكن من جمع الزعماء السنة على طاولتها فالرئيس الحص لن يشارك وكذلك الرئيس كرامي ويمكننا أن نضيف الرئيس ميقاتي أيضاً.
إذن لا مخرج من هذه الأزمة إلا بالتغيير الحكومي. والمعارضة السابقة يمكنها القيام بهذه الخطوة منفردة إذا لم يرد الرئيس سعد الحريري أن يحل هذه الأزمة نتيجة إعطاء أذنه لكلينتون وموظفيها.
5 تشرين الثاني 2010 حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق