بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الخميس، 25 نوفمبر 2010

التغيير الحكومي في لبنان (مجدداً)
عندما نقول أن الظروف الراهنة مؤاتية لفرض تغيير حكومي من قبل الأغلبية الجديدة (المعارضة سابقاً) في مجلس النواب اللبناني، فهذا لا يعني مطلقاً أن الظروف تبقى مؤاتية إلى ما لا نهاية. فالظروف هي مجموعة عوامل تتفاعل ما بين بعضها البعض لينتج عـنها عامل جديد. أما إذا كان من ضرورة لمساعدة هذا العامل على الوجود، ولم تحصل هذه المساعدة، فهذا العامل الجديد لا يظهر إلى الوجود.
لقد قلنا في مقالة سابقة أن الظروف أصبحت مؤاتية لتغيير حكومي، وحيث أن القوى المنوط بها القيام بهذا التغيير لم تقم بذلك، أصبح لزاماً علينا إعادة درس الظروف التي تساعد على هذا التغيير أو تمنعه. ففي المقالة السابقة قلنا أن العامل الأهم المساعد على التغيير هو أن الساحة السنية لم تعد موحدة وراء الرئيس سعد الحريري. ولكن هذا العامل لا يمكن تثبيته إلى ما شاء الله. فمثل هذه العوامل تكون زئبقية نتيجة حساسية الظروف اللبنانية، لا سيما أن هناك عملاً مستمراً على التوتير المذهبي تقوم به الإدارة الأمريكية وأعوانها من أطراف الرابع عشر من آذار. وحيث أن الأطراف الأخرى ليست منزهة عن الإنجرار إلى هذا النوع من التجييش، فيصبح بإمكاننا أن نتصور مدى حساسية الوضع وعدم الإطمئنان إلى استمرار التغير (في الساحة السنية) وخاصة إذا كان يتعلق بالشعور الغريزي المذهبي أو الطائفي.
ماو تسي تونغ في إحدى مقالاته يقول أن على الحزب الثوري أن تكون له الجرأة على استلام السلطة وأن تكون له الجرأة على الإحتفاظ بها. وأعتقد أنه محق بهذا الكلام. المعارضة في لبنان التي أصبحت أكثرية الآن ليس لها الجرأة على استلام السلطة. في نفس الآن يتصرف الطرف الآخر كما يحلو له بالموضوع المفصلي الذي يقوم عليه الوضع الراهن اللبناني، أعني به مسألة القرار الظني الذي سيصدر عن المحكمة الدولية المسيسة، والتي لا يمكنها أن تكون إلا مسيسة. والتسييس لا يأتي نتيجة التسريبات المخابراتية الإسرائيلية، التي تصب الزيت على نار التوتير بين الأطراف الطائفية اللبنانية، ولكن التسييس يأتي من حيث طبيعة هذه المحكمة، التي يسيطر عليها أطراف المجتمع الدولي المعادون لمقاومة الشعب اللبناني، وأصدقاء لأعداء لبنان والعرب والمسلمين، نعني إسرائيل. المعارضة لا تريد رئيساً لحكومة لبنان إلا سعد الحريري، وهذا الأخير أعلن أنه لن يتخلى عن المحكمة الدولية إلا بعد صدور القرار الظني. وهو يستخدم جميع مكامن قوته في هذا المجال، فهو يعتمد على تأييد أمريكي وأوروبي مشروط بعدم تفاهم الحريري مع حزب الله وهذا ما يتم في الواقع. أما المعارضة التي عليها أن تمنع التعامل مع القرار الظني من قبل الحكومة اللبنانية لا تقدم على هذه الخطوة الضرورية. هذا مع العلم أن هذه الخطوة دستورية ولا تشوبها شائبة.
نحن كنا في السابق نتهم الرئيس الحريري بالمماطلة لأن المماطلة لصالحه. ولكن المماطلة تتم الآن من قبل أطراف المعارضة وهي ليست لصالحها، خاصة أن مسألة استصدار القرار الظني ترتبط بمدى إمكانيته على تأمين أكبر قدر من الأذى للمقاومة وحزب الله. فهل الإنتظار يكون لصالح القوى الحية في المجتمع اللبناني؟
إن الظرف التاريخي هو مسألة على قدر كبير من الأهمية في علوم المجتمع. فاقتناص هذه الفرصة يكون النقطة الجوهرية بإمكانية استحداث تغيير ناجح. كما أن عدم اقتناص الفرصة يمكن أن يؤدي إلى حروب أهلية لا يعرف نتيجتها إلا الله. وحيث أن لبنان لا يتحمل مثل هذه الحروب، لأنها ليست ضرورية، فلماذا لا يتم التغيير بالطريقة الدستورية، التي لا يمكن لأحد الإعتراض عليها. إن خارطة مجلس النواب اللبناني تظهر أن الأكثرية أصبحت تميل لصالح المعارضة. لماذا لا يجري هذا التغيير الحكومي الذي يرفض المحكمة الدولية ومفاعيلها التي ستفرض على المجتمع اللبناني من قبل أطراف المجتمع الدولي. وبعد ذلك نترك الأمور تسير في لبنان على وتيرة الخلافات اللاعنفية بين مختلف القوى.
تبقى نقطة لا بد من الإشارة إليها، وهي التحجج بالمبادرة السورية السعودية. نحن كنا ولا نزال من مؤيدي هذه المبادرة. ولكن حيث أن كل المؤشرات تُظهر أن هذه المبادرة مجمدة نتيجة ظروف معروفة (مرض العاهل السعودي) وأخرى مجهولة (ميزان القوى الداخلي في السعودية نتيجة صراع الأطراف المختلفة)، فإن الإنتظار سوف يكون كارثياً بالنسبة لأطراف المعارضة اللبنانية. قلنا ولا نزال نقول أن الظروف في لبنان لا يمكن لأحد أن يحكم تغيرها وتطورها، كما لا يمكن لأحد أن يحكم تطورها، من هنا ضرورة اقتناص الفرصة المؤاتية، وهي مؤاتية الآن. ولكن لا يمكننا التأكيد أنها ستكون مؤاتية بعد أسبوع من الآن. مع التأكيد أننا نتحدث عن تغيير سلمي في السلطة.
25 تشرين الثاني 2010 حسن ملاط

ليست هناك تعليقات: