بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الجمعة، 19 يونيو 2015

ما هو حجم الدور الأردني؟

                        ما هو حجم الدور الأردني؟
حسن ملاط
أحداث المنطقة مفتوحة على آفاق عديدة. لذا، فإن أي تحرك من قبل طرف من أطرافها، يترك انطباعاً أن هناك تطوراً ما مستجد سوف يبدل اتجاه الأحداث القائمة. وهذا ناتج عن عدم وضوح الرؤية عند أكثر الأطراف، يُستثنى، ربما، صاحب الدور الرئيسي. مع العلم أن هذا الطرف قد يُضطر لتغيير سياساته تبعاً لتحرك ما حتى من أضعف أطراف اللعبة.
جمع الملك الأردني شيوخ القبائل الأردنية، والتي تربطهم القرابة بالعشائر العراقية والسورية، وأعلن مساندته لهذه القبائل وذلك بضرورة تسليحها بعد تدريبها. وقد سبق له أن سلم الراية الهاشمية لقائد جيشه، تعبيراً عن استعداده للحرب.
هذا التحرك الملكي أثار الكثير من التكهنات عند مختلف الأطراف. كما أن السلطات الأردنية استكتبت بعض الصحفيين للتحدث عن تحرك الملك ووظفته باتجاه تكبير حجم الأردن، أي بضم بعض الأراضي العراقية وبعض الأراضي السورية، إلى جانب إدارة بعض الأراضي الفلسطينية. ومنهم من تحدث عن تغيير حتى الصفة الأردنية إلى هوية هاشمية تجمع الناس على رابطة تاريخية لها كل التقدير عند معظم الناس، ترتبط بالنبي عليه السلام.
التدخل الأردني وتطوره
بدأت الإنتفاضة الشعبية السورية ضد تصرفات النظام من درعا المحاذية للحدود الأردنية. ومن المعروف أن هناك تداخلاً سكانياً بين هذه المدينة والبلدات الأردنية المجاورة. وهذا يعني أن التعاطف سوف يلعب دوراً هاماً بتأثير الحراك السوري على الداخل الأردني. ثم تطورت الإنتفاضة إلى أن تمكن النظام من عسكرتها وإبعاد الناس عن الإنتفاضة السلمية إلا من حيث القمع الذي طالهم من أجهزة النظام القمعية. وتحولت الإنتفاضة الشعبية السورية إلى استثمار عند الدول المعادية للنظام السوري وخاصة السعودية وقطر. وهكذا تمت سرقة انتفاضة الشعب من أعداء الشعب السوري من النظام والخليجيين، وتحول الحراك الشعبي إلى استثمار دولي تديره أمريكا وأهم لاعبيه هم إيران وروسيا كداعم للنظام والسعودية وقطر وتركيا كداعم لأعداء النظام.
في هذه المعمعة، حاول النظام تقديم أوراق اعتماده لمختلف اللاعبين، أمريكا التي اتخذت من الأردن قاعدة متقدمة لحركتها كما وقامت باستخدام الأراضي الأردنية لتدريب بعض المعارضة السورية. ولكن المساعدات الأميركية لم ترض الأردن. فتقدم إلى قطر بعد أن أصبح خلافها مع السعودية علنيا. ولكن الملك الأردني لم يحصل على ما يريده من مساعدات. كما أن السعوديين قد جعلوا غرفة القيادة للتحرك ضد النظام السوري في الأردن، ولكن المساعدات لم تكن بالقدر الذي يرضي النظام الأردني الذي تأثر كثيراً من الأحداث في سوريا، إن من حيث استقباله مئات آلاف اللاجئين، أو من حيث تأثير الأحداث على التوازن الهش القائم بين مختلف القوى السياسية والنظام. كما وأن علينا أن نشير أن من الجانب الآخر هناك مئات آلاف اللاجئين العراقيين.
كما أن السلطات الأردنية قد تأثرت سلباً في جنوب البلاد المحاذي للسعودية والمتداخل معها، بحيث نشأت بعض الحراكات ذات الطابع المتشدد.
كما علينا الإشارة إلى أن الأردن فتح خطاً مع إيران، ولكن لم يلق النجاح المطلوب.
رأى الأردن نفسه في وسط الميدان: السعودية من الجنوب، سوريا من الشمال، العراق من الشرق والحركات المتشددة للإسلاميين في الداخل. يدفع ثمن كل هذه الحراكات من دون أن يكون لها مردود إيجابي، لا إقتصادياً ولا سياسياً.
هل يمكن أن يستفيد الأردن من هذه الحراكات؟
من المؤكد أن أي حراك للسلطة الأردنية لا يمكن أن يكون إلا من ضمن التوجه العام للسياسة الأمريكية في المنطقة. وهذه السياسة درجت عليها المملكة منذ انعتاقها من النفوذ البريطاني ودخولها تحت الحماية الأمريكية.
كان الأمريكي يهتم ولا يزال بالحركات الإسلامية وتطورها. والأردن يريد أن يتحرك من ضمن هذا التوجه. ولكن كيف؟
1 – إن أول إسلام مسيس اصطدمت معه الإدارة الأمريكية هو الإسلام الأزهري إبان حكم الرئيس جمال عبد الناصر، في أوج النهوض الوطني والقومي الذي قاده هذا الرئيس. فقد انتقلت العداوة من الكفار الشيوعيين إلى المستعمرين الجدد أي الإدارة الأمريكية. ولكن هذا النمط من التدين كان معلباً، يتحرك بضوابط يحددها الأمن السياسي، لذلك لم يملك الجاذبية التي تربط الجماهير به، رغم حبها الشديد لعبد الناصر.
2 – التجربة الثانية من التدين كانت تلك التي قادتها السعودية وعلى مستويات متعددة، العنيف منها والدعوي. وكانت الأسوأ بالنسبة للإدارة الأمريكية. فقد تبين أن المتدينين على الطريقة السعودية لا يمكن ضبطهم، حتى بواسطة المال. فالتجربة المرة التي خاضتها الإدارة الأمريكية مع القاعدة وأخواتها كانت تجربة مرة حيث أن آثارها لم تنته، وما من أحد يمكنه تحديد نقطة نهايتها.
3 – التجربة الثالثة هي تلك التي قامت بها الثورة الإسلامية في إيران. والمميز لهذه التجربة هي انضباطيتها شبه المطلقة. فهذه التجربة من التدين تكاد تكون نسخة طبق الأصل عن التجربة السوفياتية، وخاصة بعد وفاة الإمام الخميني. إن إصرار الرئيس الأمريكي على عقد اتفاق مع إيران هو معرفته الأكيدة أن اتفاقاً كهذا يمكن أن يضبط نصف الساحة الإسلامية في إقليمنا. وكذلك في الفالق الثاني من آسيا.
4 – التجربة الرابعة هي تلك التي خاضها الإخوان المسلمون، بعد أن تم تسييسهم بالجبر وليس بالإختيار، عن طريق السلطات المتعاقبة في مصر وفي البلدان الأخرى. ولكن هذه التجربة لم يُكتب لها الحياة بسبب بيروقراطية كوادر هذه المنظمة وعدم تجربتها السياسية وضحالة وعيها السياسي. فشل رهان الإدارة الأمريكية على الإخوان المسلمين. هذا لا يعني أن الإخوان كانوا يأتمرون بما تمليه الإدارة الأمريكية. ولكن يعني أن الإدارة الأمريكية اعتقدت بإمكانيتها على التعاون مع تدين على النمط الإخواني.
هذه التجارب أدت إلى الوصول إلى نمطين من التدين، أحدهما مضبوط وهو التدين الذي تقوده إيران، رغم وجود العديد من التنظيمات، والآخر تدين التنظيمات السنية الذي لا يمكن لأي سلطة أن تقوده. لذلك لا بد من القضاء عليه حسب ما تريده الإدارة الأمريكية.
وبما أن جميع التجارب في الساحة السنية قد فشلت، لذلك فتقدم ملك الأردن للقيام بتجربة جديدة ستلقى قبولاً ما لدى الإدارة الأمريكية، ويمكن أن تحل الأزمة الإقتصادية التي يعيشها النظام الأردني.
الملك الأردني هاشمي يصل نسبه إلى رسول الله عليه السلام، فهو يحظى باحترام المتدينين وخاصة الشيعة التقليديين، الذين يحترمون كل من ينتسب إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والملك تربطه علاقة قوية بالقبائل الموزعة في الأردن والعراق وسوريا وكذلك السعودية. والأهم، في زمن الإنقسامات المذهبية التي أججتها إيران والسعودية، يمكننا القول أن الملك على علاقة طيبة مع القبائل السنية في كل من العراق وسوريا.
في اللقاء الأخير مع الإمام الخامنئي، لم يلق العبادي المقبولية من الإمام. فقد ركز الأخير على دور الحشد الشعبي الشيعي ولم يذكر ولو مرة واحدة الجيش العراقي. فكأنه يقول للعبادي، ليس لك مكان إنما الدور هو للمالكي، القائد الفعلي للحشد الشعبي. وهذا مبرر لقيادة الملك الأردني للحشد الشعبي السني، ليس لمجابهة الحشد الشيعي، إنما للقضاء على المجموعات السنية غير المنضبطة.
هل يستدعي ذلك تجاوز سايكس بيكو؟
الدولة الإسلامية قضت على الحدود، من هنا يمكن اعتماد هذه الذريعة لإعادة الأمور إلى نصابها من غير أي تغيير في الحدود المرسومة بين الدول رسمياً.
الأردن يقوم بدور إعادة ضبط الساحة في الإقليم المتفجر، بالتعاون مع الجانب الإيراني تحت قيادة الولايات المتحدة.
هل ينجح الأردن بما لم ينجح به غيره حتى الآن؟ كل ما يمكن اتنبؤ به أنه يملك بعض الحظوظ ولكنها ليست مضمونة النتائج..

                                                                  19 حزيران 2015

ليست هناك تعليقات: