بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الأحد، 14 يونيو 2015

إجتماع عون – جعجع

                             إجتماع عون – جعجع
حسن ملاط
بعد اجتماعات متتالية بين ممثلين للتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، توصل الطرفان إلى ما أسموه "اتفاق مبادىء" ينظم العلاقة بينهما. وهذا الإتفاق يُعتبر تطوراً إيجابياً مهماً بين هذين الطرفين المتخاصمين منذ عقود.
ظروف التقارب والتوافق
في ظل انسداد الأفق على الصعيد الإقليمي، وخاصة في سوريا، والذي ينعكس سلباً على الأوضاع الداخلية في لبنان، وفي ظل المذابح التي تحصل في الإقليم، سواء في العراق أو سوريا أو اليمن أو ليبيا... والتي تطال في كثير من الأحيان الأقليات الدينية والعرقية، بدا التخوف عند بعض اللبنانيين وكأنه لا يحتاج إلى تبرير. فقد أصبحوا يخافون على مستقبلهم في ظل التوحش السائد اليوم. وهذا النقاش يمتد من العراق إلى لبنان، مروراً بسوريا. ما مصير الأقليات المسيحية والتركمانية والسنية والشيعية والعلوية والكوردية، في حال انتصار أعدائهم؟ وهذا السؤال يعتبره البعض سؤالاً وجودياً، خاصة أن القادة المحليين والإقليميين قد صنفوا الكل أعداء للكل. ليس هذا فحسب، بل على الجميع الإلتزام بلغة العداء فقط.
في هذه الظروف، يصبح تكتل كل أقلية على نفسها ضرورة وجودية وعدم حصوله سوف يُعتبر خيانة للطائفة أو الملة. والموارنة ليسوا بعيدين عن هذه الأجواء. لذلك لا يملك أي طرف من الأطراف المارونية أو المسيحية مبرراً لعدم فتح حوار ضمن الطائفة لدراسة كيفية حماية أبنائها. وبذلك يكون اجتماع عون وجعجع طبيعياً ويأتي ضمن السياق الطبيعي لتطور الأحداث.
أما السبب الأهم بالنسبة للقوات اللبنانية فهو تبني جمهور القوات لمنطق التحالف مع حزب الله، وخاصة في المناطق المتفجرة في البقاع الشمالي خاصة وما يجاوره. ففي تقارير صحفية نُشرت منذ مدة وحتى الآن، تُبين بأن مسيحيي الأطراف الموالين للقوات اللبنانية يتعاونون مع حزب الله في جميع الأمور الأمنية التي تتعلق بالمعارك التي يخوضها الحزب مع الجماعات "التكفيرية". كما وأنهم غير مهتمين بموافقة قيادتهم على هذا التعاون. فحتى لا يخسر جعجع كل تاريخه التطرفي، كان لا بد له من التعاون مع حليف حزب الله الأساسي، العماد عون.
ما المصداقية التي يملكها هذا التوصيف؟
مرت على بلادنا الكثير من الحروب القبلية والدينية والعشائرية وغيرها. ولكن لا يزال في بلادنا الكلداني والأشوري والسرياني والكوردي والتركماني والمسيحي والمسلم والشيعي والسني والعلوي...إلخ إلخ. وفي هذا دلالة على أنه لم يكن بنية أحد إفناء الطرف الآخر. كما أن في ذلك دلالة أخرى على أن كل الدعايات التي نراها اليوم على نية طرف بإفناء طرف آخر ليست صحيحة رغم كل الوحشية التي تتمتع بها الأطراف المتقاتلة. نضيف إلى أن الدارسين للحالة السائدة اليوم، يقولون بأن القتل الذي يحصل، إنما يحصل استناداً إلى الفتاوى القديمة في الكتب الصفراء التي يحملها مختلف الأطراف المتقاتلة. إذا كان هذا الأمر صحيحاً، لماذا لم يفنوا بعضهم بعضاً في الزمن الغابر؟
الحياة المشتركة بين مختلف المذاهب والإتنيات في بلادنا قائمة منذ زمن بعيد وسوف تستمر بقوة التاريخ. أما ما يحصل اليوم، كما في الأمس، فهو مصالح سياسية متقابلة ومتناقضة، يستخدم كل طرف مختلف أنواع الأسلحة التي يملكها لمحاربة الخصم، ومنها سلاح المذاهب والطوائف والإتنيات.
المسيحيون موجودون في بلادنا قبل حروب الفرنجة وبعدها، وقبل فتح القسطنطينية وبعدها. ولم تتضاءل أعدادهم إلا بعد دخول الأوربيين إلى بلادنا والتدخل في سياسات الدولة العثمانية، وبعد اغتصاب فلسطين وطردهم من قبل الصهاينة من فلسطين. هذا لا يعني أن سياسات الدولة العثمانية كانت عادلة، إنما يعني أن التعامل مع الناس على أساس ديني أو مذهبي كان سياسة أوروبية بامتياز.
الشيء نفسه نقوله عن الشيعة الموجودين في بلادنا قبل الدولة الفاطمية وبعدها وكذلك قبل الدولة الصفوية وبعدها. كما وأنهم موجودون منذ ما قبل الثورة الإسلامية وما بعدها. وكذلك حال السنة وغيرهم من الأقليات العرقية أو المذهبية.
إن سياسة الإستعداء (سياسة الأقليات) التي فرضها الغرب على بلادنا، لا زالت تتحكم في كثير من الناس وبتأثير من الخارج الذي لا يريد مصلحة شعوبنا.
هذه سياسة الإفناء الذاتي، ولكن مستخدميها لا يعنيهم موت شعبنا أو فناءه أو استمراره... من أجل ذلك، لا بد من النظر الثاقب لهذه الأمور وتحديد السياسات بناء على الواقع وليس على التصورات.
ما قبل اللقاء
-         اجتمع رؤساء مختلف الطوائف الإسلامية وشددوا على ضرورة التعايش بين مختلف المذاهب الإسلامية وكذلك ما بين المسلمين والمسيحيين.
-         اجتمع لقاء سيدة الجبل في خلوته السنوية وصدر عنه مقررات لعلها الأكثر أهمية في تاريخه، لما فيها من نظرة ثاقبة للمستقبل. جاء في التوصيات ما يلي:
-         اتفق المشاركون على إنشاء لجنة تحضيرية، مهمتها الإعداد لإطلاق كتلة لبنانية عابرة للطوائف تعمل من أجل حماية لبنان، وذلك على الاسس الآتية:
أولاً: لا تمييز بين ارهاب وارهاب، لا يمكن ان نشعر بالاشمئزاز من جرائم "داعش" ونتغاضى عن جرائم الأسد.
ثانياً: الارهاب يطال الجميع، الاقليات كما الاكثرية. صحيح ان المسيحيين والاقليات يتعرضون للارهاب والتهجير على يد "داعش" الا ان معظم ضحايا "داعش" هم من المسلمين. ومن يتعرض للقتل في سوريا منذ ثلاث سنوات ليست الاقليات وإنما الاكثرية.
ثالثاً: حماية المسيحيين لا تكون من خلال تحالف الاقليات، وهو تحالف يضع المسيحيين في مواجهة عدائية، بل في حالة حرب، مع الاغلبية المسلمة. ان ربط مصير المسيحيين في الشرق بأنظمة أقلوية مستبدة، تحت شعار تحالف الاقليات، يشوه طبيعة الوجود المسيحي كشريك للمسلمين في بناء انظمة مدنية ديموقراطية.
رابعاً: ليس هناك حل مسيحي خاص لمشاكل المسيحيين، بل حل شامل لكل مشاكل المنطقة، وللمسيحيين دور فاعل فيه.
ومن الجدير ذكره أن ممثل القوات اللبنانية كان حاضراً لهذا الإجتماع والتي صدرت عنه هذه المقررات الاستراتيجية.
وبعد هذه اللقاءات كان لقاء عون وجعجع، الذي صدر عنه اتفاق مبادىء، أهم هذه المبادىء هو ذلك الذي ينص على ما يلي:
ــ اعتماد المبادئ السيادية في مقاربة المواضيع التي هي على ارتباط وثيق بالقضايا الإقليمية والدولية، على أن تؤخذ في الاعتبار إمكانات الدولة اللبنانية والمعادلات الإقليمية والدولية.
هذا المبدأ خطير لأنه ينسف جميع مقررات سيدة الجبل التي وافقت عليها القوات اللبنانية. كما وأنه يربط الأوضاع الداخلية اللبنانية بالأوضاع الإقليمية وليس بتوافق الأطراف اللبنانيين على الحياة الآمنة.
وقد حظي اللقاء برضى الطرف الأساسي المتحالف مع العماد عون، نعني حزب الله، رغم خلافه مع القوات اللبنانية. ولدى سؤال "النهار" احد نواب كتلة "الوفاء للمقاومة" عن نظرتهم الى لقاء الرابية وما "اذا كانوا مرتاحين"، جاء رده على الفور "نحن مسرورون".
وتنبع هذه الاجابة من الثقة الكاملة لـ"حزب الله" بحليفه عون "لأن الفائدة التي سيجنيها الرجل من هذا "الجمع المسيحي" سترتد على الجنرال وعلينا لأن الحزب لطالما ركز على اعادة التوازن المسيحي وانعكاسه على البلد بخلاف رؤية "تيار المستقبل" الذي لم يستقبل بارتياح مشهد الرجلين في الرابية لأن "التيار الازرق" عمل ولا يزال على ممارسة سياسة أحادية لفرض افكاره وطروحاته مع تركيزه على حسابات تضعف المسيحيين".
ومن هنا يحترم "حزب الله" خيارات عون وانفتاحه على سائر المكونات اللبنانية، وما عليه سوى فعل هذا الأمر في المربع المسيحي ليساهم في الحفاظ على تقديم نفسه انه المرشح الاول والأجدر لانتخابات الرئاسة، من دون أن يعني ذلك أن جعجع سيجاريه في نهاية المطاف في خياره الذي لن تتراجع عنه الرابية.
كما وتلى لقاء الرجلين اجتماع البطاركة المسيحيين في دمشق. وللمكان دلالته أيضاً. وصدر عنهم ما يلي: دعا البطاركة «المسيحيين ليتعاضدوا في ما بينهم، ويصلوا لأجل وحدتهم ويخدموا الفقراء بتفان، ويحملوا أوطانهم في فكرهم وصلواتهم، ويطلبوا بإلحاح أن يعم السلام ربوعها، وينعم أبناؤها جميعاً بالفرح الحقيقي، والمواظبة على أطيب العلاقات مع إخوانهم المسلمين، شركائهم في الوطن والمصير، ويعيشون معاً في هذه الأرض ويتقاسمون وإياهم في هذه الأيام ويلات العنف والإرهاب الناتجين عن الفكر التكفيري، وعبثية الحروب التي تؤججها مصالح الكبار مستخدمة تفسيرا مغلوطاً للدين».
هذا الكلام يشبه في شكله الكلام الذي صدر عن القمة الإسلامية. ولكن مضمونه مختلف من حيث مكان الإجتماع، حيث يصبح تفسير الكلام أن مشكلة سوريا القائمة تتعلق بوجود "التكفيريين" وليس بمطالب رفعها الشعب السوري وناضل ومات الكثير منه من أجلها. فالبطاركة لم يلتفتوا إلى معاناة الشعب السوري.
النتيجة
حتى لا نتوسع أكثر في هذا الموضوع، نرى بأن الإجتماع بين الرجلين مفيد من حيث آثاره على الشعور الجمعي عند شريحة لابأس بها من مكونات الشعب اللبناني. كما وأنها تترك مجالاً للإعتقاد أن الرجلين قد وضعا شيئاً في سلة هذا المعسكر وشيئاً آخر أيضاً في سلة المعسكر الآخر بحيث يكونان رابحين كيفما تطورت الأحداث. فاليوم، الغلبة في لبنان للمعسكر الذي تقوده إيران، من أجل ذلك يسكت الطرف القواتي عن الموضوع "السيادي" إلى أن تتوضح الأمور أكثر...إلخ
هذه السياسة النفعية لا تبني أوطاناً. مقررات اجتماع سيدة الجبل وضعت الأمور في نصابها الوطني المستقبلي. الشعب اللبناني عليه أن يبني مستقبله. لا مستقبل للمسيحي وحده، كما لا مستقبل للمسلم وحده. الحلول هي لمشاكل الشعب اللبناني، وهذا هو المنطق السليم.
                                                             14 حزيران 2015




ليست هناك تعليقات: