حول الإنتخابات
التركية
حسن ملاط
اعتبرت الأكثرية من المعلقين السياسيين أن الإنتخابات
التركية التي جرت يوم الأحد في 7/6 هي الأهم على الإطلاق. وإعطاءها هذه الأهمية
كان لأنه بنتيجتها يتعلق تغيير النظام السياسي في تركيا ونقله إلى النظام الرئاسي
بدلاً من البرلماني القائم الآن.
أما في بلادنا، كان الوضع مختلفاً، فقد نقل كل من الكتاب
انتماءهم السياسي أو المذهبي ( وهو متماه في أغلب الأحيان) كأداة لتحليل نتائج هذه
الإنتخابات. وهذا تبسيط للأمور وتسطيح للوعي.
تمكن حزب العدالة الحاكم من الحصول على 258 مقعداً. وكان
يود الحصول على 367 مقعداً حتى يتمكن من تعديل الدستور، أو على 330 مقعداً في أسوأ
الأحوال حتى يتمكن من طرح تعديل الدستور على استفتاء شعبي. وما لم يخطر على بال
قيادة الحزب هو عدم الحصول على 276 مقعداً حتى يتمكن من تشكيل الحكومة منفرداً.
ما تقدم يعني أن الحزب قد خسر الإنتخابات.
على جبهة المعارضة، حصل حزب الشعب الجمهوري على 132
نائباً والحركة القومية على 80 نائباً وحزب الشعوب الديموقراطي (الكردي) على 80
نائباً أيضاً. وتبعاً لهذه النتيجة، يُعتبر حزب الشعب الجمهوري خاسراً، لأنه فقد
2% من ناخبيه. والفائزان هما الحزب الكردي أولاً لأنه للمرة الأولى يدخل البرلمان،
والثاني الحركة القومية التي حسنت عدد مقاعدها.
ماذا تقول هذه النتائج؟
لتشكيل حكومة تركية جديدة، هناك الإحتمالات التالية:
1 – تشكيل حكومة أقلية بقيادة حزب العدالة، وتكون حكومة
غير مستقرة. وحيث أن الإقتصاد التركي أصبح مهدداً نتيجة عدم الثقة التي تركتها
نتائج الإنتخابات، فالليرة التركية تهاوت أمام الدولار واليورو، والبورصة نزلت
أرقامها حوالي 8%. لذلك فإن هذا الخيار لن يكون مرجحاً.
2 – تشكيل حكومة إئتلافية من الأحزاب الثلاثة. وهذا
الإحتمال غير مرجح أيضاً لأنه لا سبيل للإنسجام بين حزب الشعوب الديموقراطي
والحركة القومية لأن هذا الأخير لا يعترف بالشعب الكردي.
3 – تشكيل حكومة من الشعب الجمهوري والعدالة. هذا
الإحتمال ضعيف لأن كل من هذين الحزبين لا يقبل الآخر. فحزب العدالة جاء ليقضي على
الإرث الأتاتوركي وحزب الشعب الجمهوري هو حزب أتاتورك. على كل، هذا الإحتمال غير
مستبعد.
4 – تشكيل حكومة العدالة والحركة القومية. خطورة هذا الإحتمال
أنه سيوقف العمل على حل المشكلة الكردية، والذي بدأت به حكومات العدالة والتنمية.
وهذا سيؤدي حتماً إلى عدم استقرار سيؤثر سلباً على الإقتصاد التركي الذي يحتاج إلى
الإصلاح.
5 – الإحتمال المرجح هو تشكيل حكومة بين العدالة
والأكراد. هذا الإحتمال هو الذي يضفي على الوضع التركي نوعاً من الإستقرار يحتاجه
الإقتصاد المتعثر.
6 – الدعوة إلى انتخابات جديدة خلال ثلاثة أشهر. هذا
الإحتمال ممكن في حال عدم تمكن داوود أوغلو من تشكيل حكومة خلال 45 يوماً، بعد
تكليفه من قبل رئيس الجمهورية.
هذه الإحتمالات لا تلغي احتمالات أخرى لم نذكرها، مثال
الطلب من عبد الله غول تشكيل الحكومة لأنه مقبول من مختلف الأطراف...الخ
أما عن أسباب فشل حزب العدالة والتنمية من الإحتفاظ
بالأغلبية فيعود على الأرجح لأسباب عديدة، أهمها:
أ – حزب العدالة جاء إلى الحكم ممثلاً للبورجوازية
الصاعدة في تركيا، بعد سنين عديدة من عدم الإستقرار السياسي الذي أدى إلى عدة
انقلابات كان يقودها العسكر. وهذا مناخ غير مؤات للإقتصاد الذي يتطلب استقراراً
وأماناً. وقد أمنت الحكومات المتعاقبة للعدالة هذا الجو من الإستقرار وأبعدت
العسكر عن السلطة بما ينسجم مع الشروط السياسية للدخول إلى الإتحاد الأوروبي والذي
كانت تريده البورجوازية الصاعدة.
تمكن الحزب من رفع الدخل الفردي إلى ثلاثة أضعاف، وأدخل
إلى البلاد الكثير من الإستثمارات، ورفع البلاد إلى مصاف الدول الكبرى من حيث
الدخل القومي. كما وأمن نمواً كبيراً تجاوز 12% أحياناً.
هذا الإزدهار الإقتصادي أدى إلى تطور غير صحي في بنية
الإقتصاد التركي، حيث كانت الإستثمارات الأجنبية تتغلب بكثير على الإستثمارات
المحلية. وهذا النوع من الإستثمار يتميز بعدم الإستقرار وعدم الديمومة. من أجل
ذلك، حذر البنك الدولي تركيا من هذا الخلل البنيوي أكثر من مرة. ولكن الأسباب
السياسية جعلت المسؤولين لا يستجيبون لهذه التحذيرات. وكان أن تدخل الرئيس بمقررات
البنك المركزي التركي وكذلك بخطط وزير المال علي باباجان والذي يُقال أنه يحظى
بثقة الأطراف المستثمرة. هذه الأجواء أدت إلى عدم استقرار أدى إلى التلاعب باسعار
الليرة التركية مما أثر سلباً على صورة الحزب الذي أنقذ الإقتصاد التركي لأكثر من
عقد من الزمان.
وحيث أنه ليس في الأفق مبادرات لإعادة الحيوية للإقتصاد
التركي، انعكس عدم حماسة لدى الناخبين لدعم توجه الرئيس أردوغان لتعديل النظام
السياسي القائم، والذي كان شعار الإنتخابات التي جرت.
هذا باعتقادنا هو السبب الرئيس. وهذا لا ينفي وجود أسباب
أخرى.
ب – من الأسباب التقنية هو خسارة الحزب الأصوات الكردية
التي أعطيت للحزب الكردي.
ج – الهجرة السورية التي أدت إلى عدم استقرار في المناطق
التي سكنوها من حيث منافستهم لليد العاملة التركية. وهذا أدى إلى تدفيع الثمن لحزب
العدالة.
د – الدعاية الإنتخابية التي أثارت حساسيات مذهبية والتي
أدت إلى خسارة حزب العدالة للأصوات العلوية...
هذا لا يعفينا من الإشارة إلى أن السياسة التي تتسم
بالغموض والتي اتبعتها الحكومة التركية إزاء الأحداث في الدول المتاخمة مثل العراق
وسوريا، أدت إلى خوف لدى الناخب التركي، ما أدى بالتالي إلى الخسارة الإنتخابية.
في الإنتخابات البلدية كانت أصوات هذه المناطق لحزب العدالة، اما في هذه
الإنتخابات فقد كانت للأحزاب الأخرى...
التقييم
نعتقد أن الأسباب التي أدت إلى هيمنة حزب العدالة والتنمية
على الحياة السياسية في تركيا لم تعد موجودة، وتطوير بنية الإقتصاد التركي ليست
بالأمر الميسر سريعاً، لذلك نقول بأن الحزب يمر بفترة انحسار، وهذا ما يجعل الدعوة
إلى انتخابات مبكرة مستبعداً خوفاً من خسارة مزدوجة. لذلك، من المرجح أن يرتبط
الوضع التركي في الأيام المقبلة بأحداث البلاد المتاخمة وخاصة العراق وسوريا. صحيح
أن الإتفاق التركي الروسي والذي يريد أن يرفع حجم التبادلات إلى 100مليار دولاراً
بدلاً من 50 ملياراً، إضافة إلى خط الغاز الروسي تركش ستريم والذي سيساعد الإقتصاد
التركي المتعثر خاصة أنه من المتوقع أن تستخدمه إيران أيضاً لتصدير الغاز إلى
أوروبا، كل ذلك سيكون له انعكاسات إيجابية على الإقتصاد التركي، ولكنها لن تكون
سريعة. لذلك فإن تأثيرها السياسي لن يكون كبيراً. هذا لا يعني أن الحزب في حالة
انهيار. كلا، ما قدمه الحزب لتركيا كان حجمه كبيراً، ومع هذا فإن نجمه إلى أفول.
ولكن هذا الأفول لن يكون بوتيرة متسارعة.
9 حزيران 2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق