فلسطين تنهض
حسن ملاط
"أعلنت وزارة
العدل الاسرائيلية توجيه تهمة محاولة القتل الى الفتى أحمد مناصرة، وعمره 13 سنة،
بعدما طعن اسرائيليين. وفي نص الاتهام انه أقدم مع ابن عمه على طعن يهود في
مستوطنة بسغات زئيف في القدس الشرقية، بعدما خرجا من المدرسة وتحدثا عن الوضع في
المسجد الاقصى وقررا أن يصيرا شهيدين". وهما حصلا على السكاكين من منازل
عائلتيهما في حي بيت حنينا القريب".
لم يذكر التاريخ اسم
المثقف الثوري الذي علم الإنسان الأول كيف يقطف الثمار ويأكلها. ولا ذاك الذي علمه
كيف يصطاد الحيوانات ليأكلها. وكذلك لم يذكر التاريخ اسم المثقف "العضوي"
(حسب تعبير غرامشي) الذي علم جدودنا الإنتقال من الصيد إلى تدجين الحيوانات ثم الزراعة.
نحن لا نحب المزاح،
ولكن ما يلفت الإنتباه كثيراً هو ذاك التنافس بين الفصائل على قيادة الإنتفاضة
التي يقوم بها الشباب الفلسطيني سواء في القدس أو الضفة أو حدود غزة، أو الجزء
المنسي من فلسطين تل أبيب، أو حيفا أو النقب...
هذا القيادي يعلن أن
الإنتفاضة لن تنتهي حتى تحقق هدفها برفع الحصار عن غزة!! (من أعلن هذا الهدف
للإنتفاضة؟). أما الآخر الأعلى رتبة، فيعلن أن هناك أربعة أهداف للإنتفاضة...
وعُقد اجتماع هام في
بيروت حضرته جميع الفصائل من أجل الإنتفاضة. وقيل أن هذا الإجتماع أخاف إسرائيل!
وعُقدت اجتماعات أخرى، وكلها من أجل الإنتفاضة. علماً أننا أصبحنا نميل إلى وجهة
نظر الأستاذ منير شفيق عندما قال نسألهم ماذا يريدون (المنتفضون) ونلبي طلبهم.
تجتمع قيادة منظمة
التحرير وتقرر عدم التنسيق مع سلطات الإحتلال الصهيوني. ولكن السلطة الفلسطينية
تستمر بالتنسيق ويعلن أحد القادة الأمنيين الصهاينة أن الرئيس عباس يساهم مساهمة
فعالة بمنع امتداد الإنتفاضة إلى مناطق جديدة، وذلك رداً على اتهام نتنياهو للرئيس
عباس بالتحريض. وهكذا يكون عباس المنظمة غير عباس السلطة. عباس أعلن مرات عدة بأنه
لن يسمح باندلاع انتفاضة جديدة.
إلى هذه اللحظة، يظهر
أن تأثير السلطة والمنظمات على الإنتفاضة معدوم. لذلك لا تزال مستمرة. والصهاينة
يعلمون أن أهم سبب لاستمرارها هو أن قرار المنتفضين من رأسهم ولا يخضع لأي تنسيق،
إلا بين العناصر المتقاربة أو المتجاورة. السياسة المتبعة من الصهاينة في قمع
الإنتفاضة تبين ذلك. يقتلون كل فلسطيني على الشبهة ومن دون أي تحقيق.. ولا يجدون
كبير فرق بين من هم داخل الخط الأخضر (48) أو خارجه، كله تصنيفه
"فلسطيني".
دعونا نفكر بمدلولات الأرقام التي جاء
بها المتخصص في الشؤون الفلسطينية آفي سيسخاروف والأجهزة الإسرائيلية في محاولاتهم
رسم وتحديد بروفايل الشباب المقاوم، فهي تتحدث عن: 74 شاباً وشابة نفذوا أو حاولوا
تنفيذ عمليات في الـ33 يوماً الأولى من الحراك المستمر. وهم موزعون كالتالي: 24
شاباً وشابة من القدس، 48 من الضفة الغربية، منهم 33 من مدينة الخليل وقراها،
اثنان من عرب الداخل، وفي المجمل 6 نساء فقط.
إلى ذلك، يتضح أن 45 منهم من سكان المدن و24 من سكان القرى، و4 من سكان المخيمات وجميعهم من مخيم شعفاط، شمالي القدس. أما المعدل العام لأعمارهم فهو 20 عاماً وعدة أشهر.
أخيراً، يلاحظ التقرير أن مخيم شعفاط هو الوحيد من المخيمات في الضفة الغربية الذي يشارك في الانتفاضة الحالية خلافاً للوضع في الانتفاضتين السابقتين، حيث كان شبان المخيمات في الضفة الغربية على رأس المشاركين في الانتفاضة وقادوا عمليات التصعيد فيها، إلا أن سكان المخيمات وبرغم ظروفهم السيئة للغاية إلا أنهم لا يشاركون في الانتفاضة الحالية.
إلى ذلك، يتضح أن 45 منهم من سكان المدن و24 من سكان القرى، و4 من سكان المخيمات وجميعهم من مخيم شعفاط، شمالي القدس. أما المعدل العام لأعمارهم فهو 20 عاماً وعدة أشهر.
أخيراً، يلاحظ التقرير أن مخيم شعفاط هو الوحيد من المخيمات في الضفة الغربية الذي يشارك في الانتفاضة الحالية خلافاً للوضع في الانتفاضتين السابقتين، حيث كان شبان المخيمات في الضفة الغربية على رأس المشاركين في الانتفاضة وقادوا عمليات التصعيد فيها، إلا أن سكان المخيمات وبرغم ظروفهم السيئة للغاية إلا أنهم لا يشاركون في الانتفاضة الحالية.
1-
عندما نقول
"سكان مدن"، فهذا يعني أنهم منفتحون على الثقافة والإعلام أكثر من
أقرانهم في الريف. كما وأنه يعني أيضاً تأثرهم اليومي بآلة القمع الصهيونية التي
تتعامل معهم. كما وأن رؤيتهم كيفية حياة أولئك الذين يغتصبون أرضهم ومقارنتها مع
كيفية حياتهم كمواطنين مسلوبي الحقوق، يؤدي إلى تعاظم الحقد على العدو. وهذا ما
يهيء الجو لردود أفعال عنفية. وهذا ما يفسر الممارسات الفردية للمقاومة ضد العدو
من دون تنسيق. هذه الظواهر أربكت العدو لأنها منعته من إمكانية توقع ما يمكن أن
يحصل. وكذلك تعذر عليه المراقبة أو التجسس، لأن المقاوم يفعل ما يراه مناسباً من
دون استشارة أحد.
2-
أساليب الحياة
الإستهلاكية التي تسود في المدن أكثر من الريف، لم تؤثر سلباً على التزام الشباب
الفلسطيني بقضيته. 59 مقاوماً من سكان المدن مقابل 25 من سكان القرى يؤكد ما ذهبنا
إليه.
3-
معدل أعمار المنتفضين
هو عشرون عاماً وعدة أشهر، أي ما بعد اتفاق أوسلو، يدلل على أن الفلسطيني يرفض
جميع الإغراءات التي تحثه على التخلي عن أرضه وتاريخه وأحلامه. كما وأنها تعطي
أملاً مضاعفاً أن آمال الفلسطيني سوف تتحقق بفضل نضاله رغم كل الفساد والإفساد الذي
تقوم به قوات الإحتلال والسلطة العميلة حتى ينسى الفلسطيني أنه صاحب الأرض!
4-
المنتفضون هم سكان
المدن وليس سكان المخيمات. وسكان المدن يكونون أكثر استقراراً من سكان المخيمات.
فانتفاضتهم ليست لأسباب اجتماعية، إنما هي لأسباب إيديولوجية وسياسية وعلى رأسها
إزالة الإحتلال واسترجاع الأرض المغتصبة.
5-
وعدم انتفاض سكان
المخيمات يدل على أن السلطة تشغل هؤلاء بهمومهم المعيشية، من جهة، وتُحكم عليهم
الحصار الأمني لمنعهم من تعكير الأمن الصهيوني، كما حصل في الإنتفاضات السابقة، وحتى
لا يشاركوا بأي نشاط وطني أو سياسي، من جهة ثانية.
6-
التحرك الشبابي هو
تحرك عفوي كانت شرارته الإعتداءات الصهيونية اليومية على الأقصى، أقدس المقدسات في
الأراضي الفلسطينية. ولكن هذا التحرك لا يمكن أن يستمر بشكل آلي. من أجل ذلك لا بد
من مساعدة شباب الإنتفاضة بشكل لا يسيء للتحرك. فالكثير يقولون بأن عسكرتها يمكن أن
تكون سلبية وتساهم بإخمادها لأنه يعطي شرعية لقمعها. ومن المؤكد أن المنتفضين هم
الأقدر على تحديد ما يريدونه. والإملاء عليهم من المنظمات سيكون سلبيا على التحرك.
فلو أن بإمكان المنظمات القيام بمثل هذا التحرك لقامت به من أجل تثميره تنظيمياً.
ولكن، بالمقابل يمكنها الإساءة إليه. هذا لا يعني أنها تريد الإساءة للإنتفاضة.
من هم المعنيون
بالإنتفاضة؟
أ-
اللبنانيون: نحن
معنيون بدعم الإنتفاضة والحفاظ عليها. فالكيان الصهيوني يشكل تهديداً وجودياً لنا،
حتى من قبل أن يتأسس؛ عندما أراد أن يمتد الإنتداب البريطاني على فلسطين إلى نهر
الليطاني لضمه إلى الكيان الإستيطاني المزمع إقامته. وهذه المحاولات لم تتوقف. فقد
حاول الكيان الصهيوني أن يستصدر قراراً دولياً بالشراكة بالمياه، علماً أنه يسرق
مياه الوزاني منذ احتلاله لجنوب لبنان. نحن بحاجة لإعادة الحق إلى نصابه وعودة
الفلسطينيين إلى أرضهم حتى نمنع الظلم عن إخوتنا وجيراننا ونمنع الإعتداء على
أرضنا وسرقة مياهنا والتهديد الوجودي عنا.
ب- العرب: كان زرع الكيان
الصهيوني في فلسطين كقاعدة متقدمة للإستعمار الأوروبي في بلادنا، وذلك لمنع الدول
العربية من التوحد فيما بينها. وكان كقاعدة عسكرية يمنع أي تحرك باتجاه التحرر من
التبعية للإستعمار الغربي. ففي مصر عندما أعلنت تأميمها لقناة السويس كان الإعتداء
الثلاثي الذي شارك فيه الكيان الصهيوني إلى جانب فرنسا وبريطانيا. ولم ينسحب من
سيناء إلا بضغط من الإدارة الأمريكية التي كانت تريد أن ترث الإستعمار القديم في
بلادنا. والكيان الصهيوني يفصل بين البلاد العربية الأسيوية والإفريقية، أي أن
موقعه الإستراتيجي يسمح له بلعب دور خطير في المهمات التي أُقيم من أجلها.
ت- المسلمون، وخاصة تركيا
وإيران؛ فالكيان الصهيوني المنخرط عضوياً في العولمة النيوليبيرالية، يهمه عدم
قيام تكتل كبير يمكنه أن ينحو أي منحىً استقلالي. فكتلة مؤلفة من تركيا وإيران
والبلاد العربية، التي تملك الموارد الطبيعية والبشرية والطاقة يمكنها أن تعيش
باستقلال عن مركز العولمة النيوليبيرالية، لذلك نرى الإدارة الأمريكية تفتعل
المشكلات فيما بين هذه الدول لتمنع آفاق تعاونها ليس توحيدها فقط. إن الدور الذي
يلعبه الكيان الصهيوني على هذا الصعيد هو خطر جداً على مستقبل هذا الإقليم.
هذه الأسباب تُحتم
على اللبنانيين والعرب والمسلمين دعم انتفاضة الشعب الفلسطيني من أجل مصالحهم
الآنية والمستقبلية ومن أجل مصالحهم الخاصة أيضاً، ومن أجل مساعدة هذا الشعب على
استعادة حقوقه المسلوبة واستعادة حقه في الحياة الكريمة على أرضه، في وطنه فلسطين.
إشكالية مستجدة
قيام الكيان الصهيوني
في قلب العالم العربي، كان على أساس أنه كيان غريب يمنع إمكانية توحد الكيانات
العربية. ولكن المستجد حالياً أن هذا الكيان لم يعد غريباً. مصر والأردن وسلطة
عباس تقيم علاقات كاملة معه. قطر والإمارات والسعودية وغيرها من دول الخليج تطبع
معه وتقيم علاقات ثقافية واقتصادية معه. تونس والمغرب وموريتانيا تقيم علاقات معه.
الإشكالية هي: في
السابق، كان التخطيط على أن الكيان الصهيوني هو عدو للجماهير العربية وللأنظمة في
نفس الوقت وغريب عنها. أما حالياً، فالجماهير العربية هي عدوة الكيان الصهيوني
وليس أنظمتها. هل هذا يعني أن الصراع مع العدو الصهيوني سيحمل طابعاً جديداً وهو
الصراع معه ومع الأنظمة التي لم تعد تعتبره كياناً غريباً؟
إن احتمالاً كهذا
يتطلب تغيير جميع الإستراتيجيات التي كانت متبعة.
حق العودة، حق
المواطنة، هدم الجدار ومنع قيام الغيتوات الفلسطينية على بعض الأراضي فقط، يمكن أن
تكون عناوين للنضال الفلسطيني. الإنتفاضة الحالية لم تطرح أي مطلب اقتصادي أو
إجتماعي، إنما هي تدافع عن الذاكرة الجمعية للإنسان الفلسطيني والعربي والمسلم
(هذه هي كلمات الأطفال التي صدرنا بها المقال). هذا النوع من النضال هو الأسمى على
الإطلاق. طفلان يريدان أن يصبحا شهداء دفاعاً عن الرمز (الأقصى).
ليس هذا فحسب، بل لا
بد من التساؤل عن أهمية إستمرار السلطة. أما المنظمات فلها دورها المهم أيضاً خارج
الديار، على أن تحرص على وحدة الشعب الفلسطيني وليس شرذمته كما هو حاصل حالياً.
المخيمات، الشتات، المثقفون .... لا بد من أن يحددوا أدوارهم بأنفسهم وبمساعدة
العلماء الفلسطينيين الموزعين على أربع جهات المعمورة...
فلسطين تنهض.. تشابك
الأيدي وتضافر الجهود لدعمها ونصرتها ضرورة.
14 كانون الأول 2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق