أَفَمَنْ
أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ
أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ
جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {التوبة/109
حسن ملاط
كان الوضع السوري وتطوراته هو العامل الأهم بالوصول إلى
نوع من التوافق بين حزب الله والحريري على لجم الوضع في لبنان من التدهور. فالمآلات
لهذا الوضع غير واضحة بعد التدخل الروسي النشط، حيث أن الأهداف التي يعمل عليها كل
طرف تكاد تكون متناقضة. ما يريده الروس لا يتطابق مع ما يريده الإيراني أو النظام
السوري. وهذا ما يجعل المشاركة العسكرية لحزب الله في الساحة السورية غير محددة
بوقت معين، فهي مرهونة بالقرار الإيراني الذي يخضع لتجاذبات لا يعلم لها نهاية إلا
الله.
هذه الأوضاع تتطلب الهدوء في الساحة اللبنانية، الساحة
المخصصة لراحة المقاتلين العائدين من جبهات القتال.
أما بالنسبة للحريري، فغيابه المديد خارج لبنان جعل من
ساحته متشظية، فهو يحتاج إلى جعلها أكثر تماسكاً. ووجوده في البلاد يتطلب تعاوناً
أمنياً فعلياً مع حزب الله لبقائه واستقراره. من هنا تبدو الحاجات متبادلة. فهذا
توافق للخصوم وليس اتفاقاً على برنامج عمل مشترك في الساحة اللبنانية يؤسس لبرنامج
مستقبلي يُتفق على تنفيذه.
ماذا يريد حزب الله؟
ما يريده حزب الله هو الشيء ونقيضه. ففي الساحة الداخلية
يريد استقراراً لا يؤمنه إلا التعاون مع الحريري. ولكنه يريد الحريري ضعيفاً غير
فاعل. وضعف الأخير يقلل من فعاليته ويعطي المجال لبروز شخصيات أكثر تطرفاً لا
يمكنها أن تلعب دوراً على مساحة الأراضي اللبنانية. لذلك رأينا الوسائل الإعلامية
القريبة من الحزب تكتب المقالات عن انتصار الريفي في طرابلس وهزيمة الحريري
الشنيعة رغم العلاقات السيئة بين الحزب والريفي. وهذه الوسائل الإعلامية لا زالت
حتى الآن تركز على هذا الموضوع.
ما يغيب عن بال الذين يقررون السياسات في الحزب هو أن
بديل الحريري لا يمكن أن يكون إلا أكثر تطرفاً، ويشكل معضلة حقيقية للحزب على
الساحة الداخلية.
واستمرار التدخل في الحرب السورية والعراقية وفي كل
الساحات التي تتطلبها السياسات الإيرانية في الإقليم، يتطلب هدوءاً داخلياً لا يؤمنه
الربط بين التدخل الخارجي والإستقرار الداخلي. فمن غير الممكن أن يجد الحزب
سياسياً سنياً فاعلاً في الساحة الداخلية يؤيد تدخل الحزب في سوريا أو العراق. من
هنا، لا بديل للحريري في الوقت الحاضر مهما كان ضعيفاً أو قوياً. كما أن الحريري
نفسه لا يمكنه الإستمرار بالتنسيق مع الحزب إلا في ظل رفضه المعلن لدور الحزب في
الساحة الإقليمية.
إن توزع السنة في مختلف الساحات الداخلية اللبنانية يتطلب
من الحزب التعاون مع شخصية بإمكانها التواصل مع جميع الساحات. فالجميع يعلم أن
النواب السنة في البقاع الشمالي يؤيدون حزب الله ولكن السنة في البقاع الشمالي
يؤيدون الحريري وليس نوابهم. وكذلك بالنسبة للنائب السني في الجنوب.
وهذا التوزع السكاني لا يعني الحزب إلا من حيث ضرورة
تأمين الإستقرار. فنشوء أي حالة اعتراضية على الحريري في أي ساحة من الساحات
السنية لا تؤمن هذا الإنتشار. أما بالنسبة للحزب فهو لا يملك هذا الإنتشار السكاني
على كافة الساحات اللبنانية.
ما يريده الحريري هو استمرار تمكنه من التواصل مع
جمهوره، وهذا مرهون بتفاهمه مع الحزب. لذلك نراه يؤكد على التزامه باستمرار
الحوار. ليس هذا فحسب، بل إنه يشن حرباً على من يحاول عدم الإلتزام. هذا ما فعله
مع المشنوق عندما صرح الأخير بأنه لا فائدة من الحوار. فما كان من الحريري إلا أن
طالبه الإستمرار في الحوار. وهذا ماحصل. كما أن هناك قيادات مستقبلية صوبت سهامها
على عدم فائدة الحوار وكان الحريري هو من يزجرها.
إن إضعاف حزب الله المستبعد على أية حال، سيكون بديله
أقل "تطرفاً" من الحزب. وهذا يعني أن من مصلحة القوى المناهضة للحزب
إضعافه. وهذا ما لا يفعله الحريري. فهو يركز فقط على موضوع التدخل العسكري في
الساحات الخارجية، وهذا ما يراه الكثير سلبياً بالنسبة لجميع مكونات الشعب
اللبناني.
إن إعلان الحزب عن أن تمويله وسلاحه من إيران يعني
ارتباطه بساحة خارجية، تملك سياساتها الخاصة التي لا تمثل مصالح الشعب اللبناني.
أضف إلى ذلك موضوعة السيادة الوطنية. لم تكن ردود الأفعال الداخلية على مستوى هذا
التصريح وخاصة من القوى "السيادية" والحليفة مع الحزب لأن جميع الطبقة
السياسية ليس لديها شعور بالإنتماء "الوطني".
نأتي إلى موضوعة إنتاج السلطة. لا يوجد أي دليل على
إمكانية انتخابات رئاسية. كما وأن إيران لا ترضى التعاون في هذا الموضوع. فوزير
خارجية إيران ظريف، قال "أن قرار الحل يعود الى الشعب اللبناني وأي
قرار يتخذه الشعب اللبناني سنحترمه. وأننا نعمل مع فرنسا من أجل تسهيل التوصل الى
حل للازمة ولكن يعود الى اللبنانيين العمل في ما بينهم من أجل التوصل الى حل، ولا
يمكن لأحد فرض حلول من الخارج ولكن علينا العمل من اجل تسهيل التوصل الى حل". وهذا التصريح يعني أن إنتاج
السلطة ليس مطروحاً، حتى وإن كان الرئيس العتيد منسجم سياسياً مع الإتجاه
الإيراني.
ماذا ننتظر إذن؟
لا يمكن إيجاد أي حل للأزمة الداخلية اللبنانية قبل
اتضاح شروط الحل في سوريا وما يمكن أن يؤمنه من نفوذ إيراني فيها. وهذا يعني
أيضاً، أن عودة عسكر حزب الله من سوريا هي في دنيا الغيب. من هنا ضرورة إنتاج
توافق داخلي يؤمن نوعاً من الإستقرار في ظل هذه الظروف المأساوية التي يعيشها
اللبنانيون في مختلف توجهاتهم السياسية والمذهبية.
وبما أنه لا شيء يوحد الساحة الشعبية الداخلية إلا قتال
العدو الصهيوني، وبما أن هذا الإحتمال غير وارد على المدى المنظور، فإن وضع فرضية
إمكانية قيام الكيان الصهيوني بعدوان على لبنان يتطلب نوعاً من التهدئة في التجييش
المذهبي الذي تقوم به الأطراف التي تحتاج إلى إثارة الغرائز أكثر من عمل العقول.
وهذا ليس مطلباً أخلاقياً، إنما هو حاجة. وهذا ما يعرفه الجميع من خلال التجارب
السابقة التي رافقت الإعتداءات الصهيونية.
بقي أن نتساءل إن كان هناك احتمال لحاجة لتفجير الساحة
الداخلية. نحن نستبعد هذا الإحتمال رغم كل الوتيرة المرتفعة للتجييش الغرائزي.
25
حزيران 2016