حسن ملاط
بات من المؤكد أن عودة الحريري إلى لبنان
كانت منسقة مع "حزب الله". ليس هذا فحسب، بل إنه يمكننا القول أن هناك
اتفاقاً على نهج كل من الطرفين اتجاه الآخر. فمهاجمة أحدهما الآخر هو من "عدة
الشغل"، أما موضوع الحرب في الداخل فهي خط أحمر. لذلك عمل الطرفان على تجنبها.
أما التدخل في سوريا، فهذا سيستمر من دون التأثير على استمرار الحكومة القائمة.
أما موضوع الملاحقات الأمنية فيجب أن تكون بتغطية من الطرفين، وهي كذلك. وموضوع
رئاسة الجمهورية فهو للتجاذب على أن لا يؤثر على العلاقة الحميمة بين الطرفين
المتخاصمين.
لماذا هذه الحرب الإعلامية الضروس على الشريك
الحريري؟
حزب الله يريد استمرار التعاون مع الحريري
لأنه قد أثبت فعاليته في الإستقرار الداخلي. وحزب الله يعلم أن ليس هناك أي قيادة
سنية يمكنها لعب الدور الذي يلعبه الرئيس الحريري في هذه المرحلة. ومع ذلك فهي تريد
الرئيس الحريري مهشماً، لا يملك القدرة على المقاومة. أي بلغة أخرى، الحزب يريد
حيثية الرئيس الحريري فقط.
في الإنتخابات البلدية، لم يحارب حزب الله
الحريري، وهذا ما أمن نجاح لائحته. والرئيس الحريري يعرف ذلك.
في طرابلس، كان إعلام الحزب يزغرد لنجاح
لائحة الريفي، علماً أن سبب استقالة الميقاتي من الحكومة هو رفض الحزب وحلفائه
التجديد للريفي. ولكن فجأة وقعوا في غرامه، ليس حباً به ولكن كرهاً بالحريري.
العلاقة بين السعودية والحريري ليست على ما
يرام. عودته إلى بيروت لم تكن منسقة معها. وهذه العودة كانت لبناء استقلالية له من
خلال موقعه في لبنان. ومنذ عودته، يركز إعلام الحزب على الضائقة المالية التي
يعيشها المستقبل. وهو يهتم بها يومياً، حتى أكثر من اهتمام الحريري نفسه بها. وكأن
الإلتزام السياسي يكون مرهوناً بالوضع المالي للسياسيين.
أما اللافت حالياً فهو أن المقربين من الحزب
يقترحون مخارج للحريري، ولكن بعد استعراض وضعه المأسوي مادياً.
يقول أحد المحللين السياسيين المهمين: " سعد الحريري
حليف السعودية الأول في لبنان، وهو على حافة إفلاس مالي يكاد يودي بزعامته.
المملكة لا تمد يد العون المالي للحريري وهي التي تغدق في العطاء على حلفائها.
إذاً، وراء الأكمة ما يوحي أن المملكة لم تعُد، على الأقل، تحرص على صورة حليفها
وموقعيته. لقد ثبت أن الشيخ سعد عاجز عن مجاراة القيادة السعودية الجديدة في
تصعيدها وجنونها".
ثم يقترح المخرج التالي: " لم يعد يجدي
«المستقبليين» تعطيل التفاهم على قانون الانتخابات النيابية منعاً لحصولها. الحل
أمامهم هو المضي بميشال عون رئيساً لضمان رئاسة الحكومة، والقبول بالنسبية للحفاظ
على كتلة وازنة تمثلهم في البرلمان المقبل".
وأما البديل الذي يهدد الحريري فهو، حسب
الكاتب: " ومهما سيق من
مبررات للتخفيف من وطأة انتصار ريفي، فإن الواقع الجديد يكشف عن ثنائية سنية تقوم
على تفوق ريفي في الشمال، مقابل حضور أقل قوة لـ «المستقبل» في بيروت والمناطق".
لاحظتم أنه هدد الحريري بالريفي وليس
بالميقاتي، علماً أن الجميع راهن على الميقاتي في الإنتخابات البلدية وليس على
الريفي!
أما الوسيلة الإعلامية الأخرى التي تحدثت
بنفس لهجة الأولى عن الأزمة المالية وبأن السعودية ليس بنيتها دفع الأموال قالت ما
يلي: "هل هناك خيارات أخرى؟ رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب
ميشال عون يقول إن نتائج البلديات الأخيرة باتت تحتّم على الحريري دعم وصوله إلى
رئاسة الجمهورية ليضمن «الشيخ سعد» عودته إلى السلطة، فيحمي ما تبقّى من سلطان،
وهو قال هذا الموقف للقائم بالأعمال الأميركي ريتشارد جونز في زيارة الأخير
الوداعية إلى الرابية قبل أيام".
ماذا توحي هذه الإقتراحات؟
إيران في حرب إعلامية طاحنة مع السعودية، وفي حرب غير مباشرة معها في
سوريا. والوسيلتان الإعلاميتان تقولان بأن الحريري رفض الإنخراط بحرب ضد حزب الله
مطلوبة من السعودية. ثم يقترحان على الحريري انتخاب عون. هل نفهم أن هناك مقايضة
تقوم على انتخاب عون مقابل حل الأزمة المادية للحريري؟
أما إذا كان المعنى هو إعلان الهزيمة ففي هذا براغماتية ممقوتة. بدلاً
من تحية الحريري لأنه لا يقبل بأن يدمر بلده إكراماً لطرف ثالث، حسب زعم الكاتبين،
فهذا ما يتطلب الوقوف إجلالاً له وليس تهشيمه!
ما نراه أن جميع الأطراف خرجت مهشمة من الإنتخابات البلدية. هذه
التجربة بينت لجميع القوى السياسية الحاكمة أن الناس يتوقون إلى التحرر من
هيمنتهم، بصرف النظر عن الشعارات التي يرفعونها. وبما أن هذه الطبقة مرتهنة
بمجموعها للخارج، فكل طرف يعتقد نفسه منصوراً إذا هشم خصمه. وهذا غير صحيح لأن
الجميع كما قلنا لم يخرج بسلامته من الإنتخابات.
ولكن يبقى احتمال أخير، وهو الأخطر: أن يكون ضرب الإستقرار في لبنان
أصبح مطلوباً. وهذا ما يستدعي قراءة مختلفة.
11 حزيران 2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق