حسن ملاط
هل يزور ماكرون لبنان حباً بشعبه؟
كوفيد 19 كان لها تأثير سلبي على اقتصادات جميع الدول،
ومنها فرنسا. ولأكثر من سنتين، شكلت حركة السترات الصفر قلقاً لماكرون وحزبه. ولم
يتمكن من ايجاد حلول اقتصادية واجتماعية لما يعانيه الشعب الفرنسي حتى قبل كارثة
كوفيد 19.
فماكرون، يمثل الاتجاه الأكثر توحشاً للعولمة
النيوليبيرالية. لذلك رأينا برامجه الاصلاحية ترتكز على "تشليح" الطبقة
العاملة الفرنسية كثيراً من المكتسبات التي حصلتها عبر نضالاتها لعقود عديدة من
الزمن. فما أن اعتلى سدة الرئاسة، حتى رفع سن التقاعد. ولم يكتف بذلك بل أراد رفعه
أكثر... الى غير ذلك من تقليص للتقديمات الاجتماعية. وكانت النتيجة العديد من
الاضرابات التي تُوجت بحركة السترات الصفر.
هذا الوضع الداخلي المتأزم، جعل ماكرون يتطلع الى خارج
فرنسا. وقد كانت باكورة تدخلاته في الساحل الافريقي، وخاصة مالي. ولكن هذه الخطوة
لم تكن منتجة رغم اصراره على الاكمال بها.
أعاد نشاط فرنسا التدخلي في ليبيا، الدولة النفطية
المفككة. لم يُسفر هذا التدخل عن نتائج ايجابية.
وحيث أنه لم يتمكن من ايجاد الحلول لأزماته في الداخل
الفرنسي، لجأ الى التدخلات الخارجية، لعله يجد الترياق في الخارج.
إصطدم الرئيس الفرنسي بالتدخلات التركية الناشطة جداً في
إقليمها الحيوي الذي جعل الرئيس اردوغان امتداده الى ليبيا.
هل يمكن اعتبار التدخل الفرنسي النشط في لبنان على علاقة بمجابهته للدور التركي؟
وأين يقع لبنان من هذه المجابهة؟
التفاهم القائم بين الادارة الأمريكية والفرنسيين على التحرك
في لبنان يوحي بأن هذه التدخلات لا تختص في الداخل اللبناني. الادارة الأمريكية
التي تتحضر للاعلان عن عقوبات جديدة بحق أصدقاء لحزب الله، لا يمكن أن توافق على
التعويم الذي قام به الرئيس ماكرون للحزب. إجتماعات علنية، وتكريس الحزب طرفاً
فاعلاً في الطبقة السياسية اللبنانية وخلوة مع ممثل الحزب...إلخ إذن، هذا يجعلنا
نستنتج أن هذا التعويم له علاقة بالاقليم.
فرنسا تخوض معركة مع "الارهاب الاسلامي" في
الساحل الافريقي. ثم جعلت هذه المعركة تتمدد إلى ليبيا بوقوفها العلني الى جانب أحد
أطراف النزاع الذي يقع على الطرف النقيض للطرف التي تدخلت تركيا داعمة له.
وكذلك، في الأجواء المشحونة في شرق المتوسط، حيث تخوض
تركيا بمفردها معركة ضد اليونان وقبرص وسورية ومصر وفرنسا، والتي تريد من خلالها
اثبات حقها في التنقيب عن النفط والغاز في البحر. وفي هذا المجال، علينا أن نستذكر
أنها وقّعت اتفاقاً مع ليبيا حول المياه الاقليمية والاقتصادية للبلدين والتي لم
توافق عليه الدول الأوروبية فرنسا وايطاليا وقبرص، وكذلك حذت مصر حذو هذه الدول،
وصعدت مع تركيا حتى التهديد بالحرب.
اذا نظرنا الى الخريطة التركية، نرى بأن الدول المحيطة
بهذا البلد هي سورية، العراق، ايران، جورجيا، أرمينيا واذربيجان، إضافة إلى
بلغاريا واليونان. لن تجد بين هذه الدول من يمكن اعتباره صديقاً لتركيا سوى
اذربيجان لأن أصول هذا الشعب تركية. أما إيران، وبالرغم من أن العلاقات الاقتصادية
بين البلدين هي ممتازة، حيث ارتفع حجم التبادل بينهما من خمسة مليارات إلى ما
يقارب الثلاثين ملياراً من الدولارات بالرغم من العقوبات الأمريكية، نرى بأنها لم
تنس حتى الآن سلسلة الحروب التي خاضتها مع الأتراك. إضافة الى العامل الايديولوجي
الهام من أجل تصليب التماسك المذهبي في ايران الشيعية ضد تركيا السنية: وهذه هي
عدة الشغل للأنظمة القمعية.
التقرب الفرنسي من ايران هو لتتمكن من اكمال الطوق حول
تركيا. وفرنسا تعلم أن الطريق المستقيم للوصول الى طهران يمر عبر حزب الله الذي
يلعب الدور الرئيسي في التمدد الايراني في دول الاقليم. من هنا أتى هذا الغزل
الرئاسي الفرنسي للحزب.
كيف يبدو المشهد حالياً؟
إيران والحزب استجابا اعلامياً لما طرحه الرئيس الفرنسي،
ولكن لا يبدو أن ما طلبه الرئيس الفرنسي بالنسبة للتشكيلة الحكومية سيلقى آذاناً
صاغية من ايران أو الحزب. فايران تعرف مدى حاجة الفرنسي لها من أجل تطويق تركيا.
ومع أن إضعاف تركيا يصب في مصلحة الفرنسي كما يصب في مصلحة الايراني، إلا أن ايران
تريد مضاعفة الضغوط على الفرنسي لأن الأخير لا يملك الكثير من الخيارات.
نجاح الفرنسي مرتبط بنتيجة الموازنة التي سيقوم بها
الايراني بين مصالحه الاقليمية ومصالحه الدولية. فلا أحد يمكنه التأكيد أن أمريكا
ستقبل بالضغوط على تركيا بشكل غير محدود. من هنا لن يقبل الايراني بخسارة التركي
من دون كسب الفرنسي ومن ورائه الأمريكي.
فهل يقبل الفرنسي ببعض المكاسب الاقتصادية في الداخل
اللبناني كثمن للتطبيع مع الحزب: اعادة تأهيل المرفأ، حاكمية مصرف لبنان، الكهرباء
والماء والنفط...الخ
نعود إلى بلدنا المنكوب... هل من مصلحة له بجميع هذه
التشابكات؟ لا! مصلحته تكمن بالتضامن بين مختلف الفئات الشعبية لازاحة هذه الطغمة
الفاسدة التي ستقضي على كل مستقبل للبنان من خلال سياساتها المدمرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق