التبشير المبكر بعودة محاكم التفتيش
أجرت جريدة "الحياة" اللندنية حديثاً مع الأمير نايف بن عبد العزيز، وزير الداخلية السعودي منذ أمد بعيد في 1 – 4 - 2009. فهو الرئيس الفخري لمجلس وزراء الداخلية العرب لأنه وحده من بين جميع الوزراء الذي لم يتغير ولم يتبدل. وقد منّ عليه خادم الحرمين الشريفين أخيرا بمنصب النائب الثاني لمجلس الوزراء. وهذا المنصب يعني أنه أصبح "مرشح ملك" لأن ولي العهد الحالي الأمير سلطان يعاني من المرض المزمن. وحيث يعلم أهمية هذا التعيين، فقد بادر الأمير الى التعبير عن خطته المستقبلية ان كان على صعيد المملكة أو على صعيد الوطن العربي. قال الأمير للحياة أن "الدولة تنتهج تطبيق الشريعة والسنة منذ أن تأسست وهو أمر سيستمر – ان شاء الله – ما بقيت الحياة". ان أهم ما يميز العقيدة الاسلامية، حتى بالمفهوم المعتمد في السعودية، أن الانسان المسلم لا يوالي أعداء المسلمين، ومن يفعل ذلك يعتبر مرتدا. وما من أحد الا ويعلم ارتباط النظام السعودي بالولايات المتحدة الأمريكية رغم عداء هذه الأخيرة للعرب والمسلمين من طنجة الى جاكرتا. فتطبيق سنة النبي صلى الله عليه وسلم تستدعي الجهر بالعداء لمن يحتل أرض المسلمين ظلماً وجوراً، وبمعاونة من النظام السعودي وغيره من الأنظمة المرتبطة بالادارة الأمريكية. يقول تبارك وتعالى: "ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا".
ان ما تقدم يعتبر أقل خطراً على شعوب أمتنا من الاقتراح الآخر "لمرشح ملك" على رأس المملكة العربية السعودية صاحبة أكبر احتياطي نفطي في العالم. اسمعوا الى ما يقوله الأمير: "نحن نقول لا بد من وجود أمن فكري وهذا في الحقيقة ما ندعو إليه في المملكة وعندما تم عرضه على طاولة وزراء الداخلية الجميع أجمعوا على ذلك. وهو أنه لا بد من أمن فكري يهتم به اهتماماً لا يقل عن الاهتمام بالأمن العام، وأنا على قناعة كاملة أن الأمن الفكري يأتي بالدرجة الأولى لأنه محاربة الفكر بالفكر وتنقية الأفكار الشاذة من الأذهان، ومنع تأثر كل من يمكن أن يكونوا فريسة لتوجيهات خارجية أن يقابلهم رجال مهتمون بتنقية الأذهان من الشوائب الخاطئة التي لا تتفق مع العقيدة والشريعة الإسلامية ولا تتفق أيضاً مع المصالح الوطنية. ولذلك نحن دعونا الجامعات العربية ورجال الفكر والقلم، وربما يكون للإعلام، دوره البارز في هذا الأمر، وتم هذا أيضاً كما تعرف في لقاء سابق بيننا وبين وزراء الإعلام. ونحن نرى أنه لا بد أن يكون للإعلام دور أكبر في هذا الأمر ليس فقط في تأييد الأمن ولكن حتى بإبداء الملاحظات بالشكل الإيجابي حتى نحقق الأمن الفكري ونغير الأفكار الشاذة التي غزت عقول شبابنا بأشياء لا تتفق في أي حال مع الأحوال مع مصلحة الوطن والمواطن.
وأعتقد أنك سمعت ما صدر عن جامعة الملك سعود ومديرها الدكتور عبدالله العثمان في وقت سابق أنه سيكون هناك مؤتمر للأمن الفكري وسيتشرف المؤتمر برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسينشئ كراسي بحث في ذلك وإيجاد جوائز لأفضل بحث. وما طلبناه نحن من الجامعات هو أن يطلبوا من المفكرين ورجال العلم وأساتذة الجامعات أن يهتموا بتقديم مشاريع أمن فكري تستطيع أن تحقق الأمن وتنقية الأفكار الخاطئة من أذهان المغرر بهم. ما يحز في النفس هو أن أصحاب الفكر الشاذ يخدعون ويؤثرون على بقية الشباب لينخرطوا في عمليات الإرهاب، وأظن الاعترافات التي أدلوا بها من أتوا وعادوا للوطن كانت تعبر عن هذا ولذلك فأننا نصر على ضرورة وجود أمن فكري يقوم به الرجال المؤهلون لهذا العمل".
هذا الكلام أبلغ من أن يعلق عليه. انه دعوة صريحة لانشاء محاكم تفتيش على الطريقة التي قامت في أوروبا على يد الكنيسة الكاثوليكية في القرون الوسطى، والتي كانت تحاكم عقول البشر. كانت قد بدأت ثورة الأفكار في أوروبا، وكان المسيطرون على الكنيسة متخلفين عن ركب الأفكار الحديثة من جهة، وكانوا الممثلين لسلطة الاقطاع في الوقت التي كانت الثورة البورجوازية تتقدم لازاحة السلطة المتخلفة للاقطاع. من هنا كان عليهم استخدام شتى أنواع القمع للقضاء على بذور المجتمع الجديد.
لقد بينا في مقالة سابقة ان الادارة الأمريكية قد "طلبت"، حتى لا نقول "أمرت" حلفاءها بتغيير المناهج التعليمية التي تأمر بقتال الأعداء، أعداء الناس أي أعداء الله. وكان نشوء تيار الوسطية على أيدي خدم الملك الأردني، الذين يحاولون جاهدين وبمعاونة مختلف الأنظمة العربية والاسلامية على استبدال الاسلام بالوسطية مبشرين بضرورة اقناع أعداء الأمة أن لا يكونوا أعداء. ذلك أنه ليس بامكانهم اعطاء صفة للكيان الصهيوني والغرب الداعم لهذا الكيان غير صفة العداء. ولو فعلوا غير ذلك لانفض الناس من حولهم، ولا يعود بامكانهم تصدير أفكارهم المسمومة. المهم في هذا المقام أنه رغم الجهود الحثيثة، والمدعومة، لم يتمكن هؤلاء من بعث تيار له ثقل سياسي يجعل هذه الأنظمة تستغني عن القمع المباشر وبأشكال متعددة. بل على العكس من ذلك رأينا أن تيار المقاومة قد حقق انتصارات لها ثقلها على صعيد الأمة. ان اضطرار الادارة الأمريكية الى التفتيش عن "هروب مشرف" لها من العراق، هو انتصار بشكل أو بآخر للمقاومة العراقية. والصومال الذي لايوجد فيه مجتمع متماسك، لم يتمكن الأمريكان من الاستقرار فيه، لذلك استخدموا القوات الاثيوبية لتقوم مقامهم. والجميع يعلم أن هذه القوات قد انسحبت تحت ضربات المقاومة. أما في لبنان فان أول انتصار حقيقي على العدو الاسرائيلي حققته مقاومة الشعب اللبناني في الألفين والانتصار الآخر كان في الألفين وستة. هذا اذا لم نعرج على أفغانستان وباكستان. اذن لم يتمكن تيار الوسطية من بث روح التخاذل عند شعوبنا العربية أو الاسلامية، فلا بد اذن من أن تكشف السلطات عن معدنها الحقيقي: "نحن نقول لا بد من وجود أمن فكري". هذا ما قاله الأمير. أي بصيغة أخرى: على جميع الناس أن يفكروا كما تفكر السلطات والا يكون الأمن الفكري مهددا. وهناك الكثير من المرغبات للمسؤولين عن الأفكار، أي المثقفين، "ولذلك نحن دعونا الجامعات العربية ورجال الفكر والقلم"، هكذا يقول الأمير. فالمثقفون مدعوون الى تغطية الاتجاه الى اقامة محاكم التفتيش، ولكل منهم أجره. ونحن نعلم السخاء والكرم عندما يتعلق الأمر باستعباد الناس.
ما تقدم هو التطبيق القمعي لأوامر الادارة الأمريكية بتغيير المناهج التعليمية التي تأمر باستعداء الأعداء. أما الأخطر من ذلك كله أن الأمير يصرح بأن: "هذا في الحقيقة ما ندعو إليه في المملكة وعندما تم عرضه على طاولة وزراء الداخلية الجميع أجمعوا على ذلك". انها بشرى سارة الى جميع الأقلام التي لا تكتب بناءً لأوامر السلطان لتأخذ حذرها أو ليحضر الأحرار أنفسهم لمقاومة محاكم التفتيش المنوي انشاءها.
على جميع المثقفين اثارة هذا الموضوع في جميع المنتديات الثقافية والشعبية حتى لا يأخذوا على حين غرة، ولات ساعة مندم.
حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق