خيارات ما قبل الانفجار
لقد كان لافتاً دخول السفير الفرنسي في بيروت السيد دوني بييتون على خط الخلاف الداخلي اللبناني من خلال تصريحه لجريدة النهار البيروتية والتي نفته الخارجية الفرنسية. ونفي الخارجية هو الذي أضفى أهمية إضافية على هذا التصريح، كما وأعطاه مصداقية مضافة.
ماذا قال بييتون؟ جاء في صحيفة "النهار"نقلاً عن السفير الفرنسي: "أن توجيه الاتهام إلى عناصر من "حزب الله" لن يغير شيئا في تعامل فرنسا معه ولا لجهة رفض وضعه على لائحة الإرهاب الأوروبية، وهو ما اعترضت عليه في الماضي (فرنسا) وستعترض عليه في المستقبل إذا ما طرح مجددا".
لقد كان التعامل مع هذا التصريح مقتصراً على جانب واحد منه، وهو الجانب الذي يتحدث عن القرار الظني. وتم إغفال الجانب الآخر وهو الجانب الأخطر في التصريح، والذي يركز على استمرار التعاون مع "حزب الله"، ولكن أي حزب الله؟
إن دخول المحكمة الدولية في بازار تصفية المقاومة المسلحة للكيان الصهيوني كان هو التطور اللافت بعد انتصار المقاومة الاسلامية على الكيان الصهيوني في حرب تموز 2006 . لم يتمكن تحالف أمريكا والكيان الصهيوني مع أطراف لبنانيين من تحقيق انتصار ما على حزب الله، فكان لا بد من التفتيش عن مكان آخر يمكنهم فيه تحقيق انتصار محقق على الحزب والمقاومة. فكانت المحكمة الدولية. تم اختيار الضحية الأولى وهي سوريا(بحيث أنها حليفة للمقاومة) بعد أن تم سحب جيشها من لبنان، على افتراض ضعف موقفها. ولكن هذا الخيار لم ينجح فتم تحويل الاتهام في وجهة أخرى تريح الكيان الصهيوني أكثر بكثير من اتهام سوريا. وكان اتهام حزب الله. وتم تسريب هذا الكلام عبر جريدة ال"لوفيغارو" الفرنسية و ال"دير شبيغل" الألمانية، وذلك لرصد ردود الأفعال. إن اتهام حزب الله يؤمن مكاسب مضاعفة للعدو. هذا الاتهام يؤدي إلى فتنة داخلية ويؤدي بالتالي، إن أمكن، لاسمح الله، إلى القضاء على سلاح المقاومة. وهذا ما تريده إسرائيل. إن أهم عامل في نجاح المقاومة في انتصارها على إسرائيل هو الوحدة الداخلية. فالقضاء على هذه الوحدة يكاد يوازي انتزاع سلاح المقاومة.
يريد المجتمع الدولي أن يضع المقاومة أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التخلي عن السلاح من خلال القبول بالذهاب إلى المحكمة الدولية، أو التخلي عن السلاح بالقبول بأن الجناح المسلح في الحزب هو المتهم في اغتيال الرئيس رفيق الحريري. والخياران كما نرى ليسا قضائيين، إنما سياسيان بامتياز.
ما هو المطلوب إذن؟
هناك ثابتان، الأول هو الحفاظ على المقاومة وسلاحها. والثابت الآخر هو الحفاظ على السلم الأهلي. أما تقديمنا للمقاومة وسلاحها فهو تأكيد للمؤكد. فالمقاومة هي التي حافظت على لبنان وجوداً وكياناً، في مجابهة العدوان الاسرائيلي الذي يريد الكثير من لبنان. فهو يريد مياهه ويريد توطين الفلسطينيين فيه ويريد أيضاً فكفكة اللحمة القائمة بين أبنائه حتى يصبح كياناً مفككاً يمكن القضاء عليه ساعة يشاء الكيان الصهيوني. ولكن المقاومة الاسلامية بنجاحها بدحر العدو تمكنت من القضاء على جميع هذه المخططات كما وتمكنت أيضاً من الحفاظ على الكيان اللبناني.
أما السلم الأهلي فهو جوهر وجود لبنان، وهو الذي يساعد المقاومة ويمكنها من الانتصار مجدداً على العدو الصهيوني عندما يريد هذا الأخير أن يعتدي على لبنان.
هل من إمكانية تؤمن الحفاظ على المقاومة وحماية السلم الأهلي في نفس الآن؟
ما من أحد في لبنان إلا ويريد معرفة الحقيقة في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كما ويريد أيضاً محاكمة قتلته أيضاً وإيقاع العقاب الذي يستأهلونه. ولكن كل ما تقدم يتطلب أن تكون المحكمة التي تقوم بمحاكمة هؤلاء محكمة نزيهة، محكمة يفرضها الشعب اللبناني. لامحكمة يهربها حفنة ممن يُشك بولائهم للوطن. إن المحكمة الدولية جاءت لاتهام الطرف الذي يعيق مخططات الادارة الأمريكية وإسرائيل. هذه المحكمة، المسماة دولية غير مؤهلة لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري. من هنا وجب التفتيش عن خيار آخر.
إن الرئيس سعد الحريري هو رئيس حكومة لبنان. وهو بصفته هذه، عليه أولاً الحفاظ على لبنان، ومن ضمن مهامه معرفة قتلة الرئيس رفيق الحريري ومحاكمتهم. ومن يعتقد أن الرئيس الحريري في الحكم من أجل المحكمة الدولية والمحافظة عليها يكون مخطئاً. فعندما تكون مهمة هذه المحكمة القضاء على أسس الكيان اللبناني تصبح مهمة رئيس مجلس الوزراء الحفاظ على لبنان وليس على المحكمة. من هنا فالموازنة المطروحة هي معرفة الأولوية لمن للمحكمة الدولية أم للحفاظ على لبنان. من البديهي أن يكون جواب رئيس مجلس الوزراء هو الحفاظ على لبنان.
هل هذا يعني التخلي عن التفتيش عن المجرمين، قتلة الرئيس الحريري؟ بالطبع كلا!
تتسلم المحاكم اللبنانية ملف الشهود الزور وتتولى محاكمتهم وإصدار الأحكام العادلة بحقهم وبحق الذين فبركوهم وحرضوهم. هذه بداية طريق محاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري. ثم تتسلم المحاكم الوطنية القرائن التي جاء بها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وتدرسها باتجا معرفة المجرمين الحقيقيين وتحاكمهم وتُصدر الأحكام العادلة بحقهم. وهكذا نحافظ على العدالة وعلى الوطن.
نحن اللبنانيين، نريد الحفاظ على المقاومة، المقاومة بأظافر حادة تؤذي الأعداء. كما وأننا نريد إحقاق حكم العدالة بحق قتلة الرئيس رفيق الحريري. كما ونريد رئيساً لحكومتنا يؤمن لنا ما نطلبه.
الرجال التاريخيون هم أولئك الذين يصنعون الحدث، أولئك الذين يصنعون التاريخ. هل هناك ما يمنع الرئيس سعد الحريري من التوجه إلى اللبنانيين ويقول لهم أنه تخلى عن وهم أن المحكمة الدولية تأتي بالحقيقة، وأن القضاء اللبناني هو وحده من يؤمن العدالة لورثة الرئيس رفيق الحريري، وللشعب اللبناني. هل هناك ما يمنعه من أن يقول للبنانيين أن مهمته كرئيس لمجلس وزراء لبنان تحتم عليه أن يحافظ على لبنان، كل لبنان. هذه هي المواقف التاريخية، التي تجعل من الشخص شخصية تاريخية!
27 أيلول 2010 حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق