الفرص لا تنتظر أحداً
كان الرئيس رفيق الحريري، عندما يختلف مع سورية أو مع حزب الله ينكفىء، أي يعود إلى المشهد الخلفي، من غير أن يعلن على الملأ عن الخلاف مع هؤلاء أو أولئك. لأنه عندما كان يعود إلى المشهد الخلفي كان يعمل بتؤدة على ترميم التباين حتى ينطلق من جديد. كان الرئيس رفيق الحريري يعلم أن حكم لبنان يتطلب علاقات مميزة مع سوريا وتعاون مع المقاومة وحزب الله. وفي الفترة ما قبل العملية الإجرامية التي أودت بحياته، كان الرئيس رفيق الحريري على نقاش مستمر مع السيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله. وكان موضوع النقاش كيفية حكم البلد. وكلنا يعلم أنه ترك الحكم نتيجة خلافه مع سوريا وحزب الله. ومع هذا لم تسؤ علاقاته لا مع سوريا ولا مع حزب الله. ما من أحد إلا ويعلم أن الرئيس رفيق الحريري كان يلقب وزير خارجية سوريا، لدفاعه عن سوريا في الأوساط الدولية التي كانت علاقاته فيها ممتازة.
الرئيس سعد الحريري يعلن على الملأ أنه لن يتخلى عن حلفائه. هذا الإعلان يبدو للوهلة الأولى صحيحاً، ولكنه ليس كذلك. فالشعار الصحيح أنه لن يتخلى عن حلفائه ما دام هذا التحالف يخدم البلد. ولكن عندما يتبين أن هذا التحالف يشكل خطراً على الوطن فعلى الرئيس سعد الحريري أن ينصح حلفائه السير في الإتجاه الذي يخدم الوطن وإلا سيضطر للتخلي عنهم لمصلحة العباد والبلاد. فالشعار الأول ليس شعاراً سياسياً يحمله سياسي من الطراز الأول، أي رئيس حكومة البلاد.
المحكمة الدولية تريد أن تصدر قراراً سياسياً باتهام عناصر من حزب الله باغتيال الرئيس المغدور رفيق الحريري. كما وأنها لم تناقش ولا هي أرادت أن تناقش القرائن التي أتى بها السيد حسن نصر الله، علماً أن العدو قد أقر بصحة هذه القرائن. وهذا الأمر بات بشبه المؤكد بعد أن أعلن عن ذلك السيد وليد المعلم وزير خارجية سوريا. هذا الاتهام لا تتحمله الساحة اللبنانية. ولنسلم جدلاً أن الرئيس سعد الحريري ليس فاعلاً على صعيد المحكمة الدولية، أي أنه لا يمكنه لا أن يؤجل هذا الإتهام ولا أن يلغيه. ولكن بإمكانه أن يفعل الكثير من أجل المحافظة على الساحة اللبنانية الداخلية من غير توترات. وبوصفه رئيساً لحكومة لبنان، عليه أن يحافظ على هدوء هذه الساحة لما فيه مصلحة الوطن بأكمله. ليس هذا وحسب، بل عليه ايضاً ان يحافظ على التفاهم على صعيد الحكم أيضاً.
إن الرئيس سعد الحريري، عندما لا ينظر إلى الأمور التي تحافظ على الإستقرار على الصعيد الشعبي وعلى الصعيد الحكومي، يغامر بمستقبله السياسي، علماً أنه غير مضطر لذلك. إن المحافظة على التحالف مع جعجع وسعيد وسمير فرنجية وعطا الله لا تستأهل المقامرة على مستقبل البلاد والعباد. والأمر في غاية البساطة، إما أن يلتزم هؤلاء بما يؤمن مصلحة البلد، إما التخلي عنهم. ولن تذرف السماء دمعة واحدة عليهم. نحن لا نقيم موازنة بين المصلحة الشخصية ومصلحة البلد. ولكن يبدو الآن أن هناك تماهياً بين المستقبل السياسي للرئيس سعد الحريري والهدوء في البلد على المستويين الشعبي والحكومي.
لماذا لا يكون موقفاً تاريخياً للرئيس سعد الحريري يعلن من خلاله أنه كولي لدم الرئيس رفيق الحريري وكرئيس لحكومة لبنان وجميع اللبنانيين، أنه لا يتهم حزب الله و عناصر من حزب الله بالجريمة المنكرة. إن من تولى تحرير الأرض لا يمكن أن يقتل من شرعن عمل المقاومة في سنة 1996 . هذا أولاً ثم يطلب ثانياً من المحاكم اللبنانية محاكمة شهود الزور، الطريق إلى معرفة المجرمين الحقيقيين لمحاكمتهم . وبعدها يجتمع الرئيس سعد الحريري والسيد حسن نصر الله لتنفيس جميع الاحتقان التي سببته وتسببه المحكمة الدولية وأولياؤها الأمريكان.
هذه هي الفرصة التاريخية. اللبيب هو من يحسن اقتناصها. الفرص لا تنتظر أحداً مهما علا شأنه.
30 أيلول 2010 حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق