حتى لا تُغدر إنتفاضة مصر
لا تزال تحركات الشعب المصري متواصلة منذ 25 فبراير/كانون الثاني. والملاحظ أن وتيرة هذا التحرك لم تتراجع. وهذا فيه دلالة على أن جذوة الحراك لا تزال متوقدة عند الشعب المصري الحي. وقد ترافق هذا الحراك مع جهود تُبذل من قبل شخصيات قريبة من النظام القائم، أي أنها لا توحي بالمصداقية. فإذا أخذنا على سبيل المثال محمد البرادعي، فهذه الشخصية قريبة من الأمريكان وموثوقة لديهم. ففي حال تسلم هذا الشخص مسؤولية التحدث باسم الحراك الشعبي فسوف يوصل الحراك حيث يريد السيد الأمريكي، أي مصالحة مع رموز النظام "المباركي" والإبقاء على إتفاقية كامب ديفيد التي فرضت الذل على الشعب المصري. وبذلك ينتقل الشعب المصري من إذلال "مبارك" إلى "مبارك" آخر. وبذلك تكون الإنتفاضة قد غُدرت.
أما عن الشخصية الثانية، عمرو موسى، فهو لا يختلف عن البرادعي، وكذلك لا يختلف عن الرئيس الحالي. وبذلك تكون الإنتفاضة قد ضحت بنفسها حتى لا يفوز الشعب المصري بأية إيجابية.
نحن لا ندعي بأننا أحرص على إنتفاضة الشعب المصري أكثر من الشعب نفسه. ولكن كل هذا الحرص من قبل أهل الإنتفاضة لا يعفينا من التحدث بالهواجس التي نحملها حفاظاً على هذه الإنتفاضة التي نحسب أنفسنا من جنودها.
عند بدء الإنتفاضة، تعطلت جميع الأعمال في مصر. ومع تطور هذا الحراك حاول النظام القضاء على هذا الحراك المبارك بواسطة الشرطة بلباسها الرسمي. ولكن الشرطة لم تتمكن من القضاء على هذا الحراك. وحيث أنه قد وقع عدد من الشهداء تحت سمع العالم، لذلك اضطر النظام القمعي إلى استبدال الشرطة بلباسها الرسمي إلى الشرطة بالثياب المدنية، وذلك بهدف تخفيف الضغط الدولي عليه. وكذلك لم يتمكن من القضاء على الإنتفاضة، لذلك لجأ إلى البلطجية من الخارجين على القانون وأمثالهم. وحتى بواسطة هؤلاء لم يتمكن النظام من القضاء على الإنتفاضة. لذلك لجأ إلى الحديث عن مفاوضة المعتصمين. وهنا بيت القصيد. فالإتفاق على شخصية المفاوضين هي النقطة الأهم بالنسبة للمفاوضات. فقد تبين أن المنتفضين لم يتفقوا على الشخصيات التي تقوم بالمفاوضات. خاصة إذا علمنا أن محركي الإنتفاضة لا يتبعون إلى الأحزاب الرسمية المعترف بها من قبل النظام ولا حتى الأحزاب الغير شرعية مثل الإخوان المسلمين، على سبيل المثال. فكيف تقوم إذن هذه بالمفاوضات. فاللجان المفاوضة لا تمثل بالفعل المنتفضين، فكيف تفاوض عنهم؟ هنا بيت القصيد. وقد شكلت لجنة، أطلقوا عليها إسم لجنة الحكماء، علماً ان المنتفضين لا يعملون بالحكمة، إنما يقومون بعمل إعتراضي من أجل القضاء على نظام ظالم استمر باضطهادهم لمدة ثلاثين سنة. فهذه اللجان يمكننا أن نعتبر أنها جزء من النظام بشكل أو بآخر. وبذلك تكون الإنتفاضة قد أجبرت النظام على مفاوضة نفسه. ومن المؤكد أن الإنتفاضة لم تقم من أجل ذلك.
ما العمل؟
إن عدم القيام بتطوير أساليب العمل الإعتراضي من قبل الإنتفاضة سوف يؤدي، عاجلاً أو آجلاً إلى تجميد الإنتفاضة. إن اقتصار العمل على الإعتصام في ميدان التحرير سوف يمكن النظام من الإلتفاف على الإنتفاضة. ويمكن أن يتم ذلك بعزل هذا الميدان عن آلية العمل خارج هذا الميدان، خاصة وأن القاهرة مدينة كبيرة. فيصبح الميدان نقطة منتفضة في بحر هادىء. وهذا لا يجعل البحر هائجاً.
من هنا ضرورة اللجوء إلى أساليب في النضال لا تمكن النظام من الإلتفاف على الإنتفاضة المباركة. نحن على يقين أن الشعب الذي قام بهذه الإنتفاضة المباركة يملك من المبادرات والبدائل ما يجعلنا نتعجب من إمكاناته على الإبداع والخلق. ولكن هذا لا يعفينا من الإقتراح. مثال ذلك الخروج من الميدان لتعطيل عجلة العمل التي يريدها النظام، لمحاصرة الإنتفاضة واعتبارها معزولة عن الشعب الذي تمثل مصالحه. كما ومن الممكن أن تلجأ إلى التظاهر في مختلف شوارع المدن، أي العديد من المظاهرات في مختلف شوارع المدن. وبذلك تبدو المدينة بكاملها منتفضة، وبالتالي مصر بمجموعها. أو القيام بإضرابات متلاحقة تعطل أي إمكانية للنظام بخلق نوع من الإستقرار يلتف به على الإنتفاضة المباركة. كما وأن هناك أشكال متعددة من الأساليب التي تمكن الإنتفاضة من تعطيل كل محاولات النظام التعطيلية.
ليس هذا فحسب، بل على الإنتفاضة أن تضع ضمن أولوياتها إمكانية طرح تشكيل حكومة من المنتفضين مهمتها إدارة البلاد بمعزل عن النظام، إذا أصر على عدم الإستجابة للمنتفضين. وخطوة كهذه يمكن أن تجبر الجيش على الإختيار بين النظام البائد والنظام الجديد. المهم أن البدائل يجب أن تكون حاضرة باستمرار. فالثورة خَلْق وإبداع.
"يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم". علينا أن نعيش للمستقبل. فاليوم نقوم بما علينا القيام به، ولكن باتجاه المستقبل. إن إعطاء الأعداء إمكانية الغدر بهذه الإنتفاضة سوف يكلف شعوبنا العربية ثمناً كبيراً. فمصر أم الدنيا وقبلة الشعوب العربية. وهذا ما يجعل مسؤولية المصريين مسؤولية مضاعفة. وهذا مايجعل قلوبنا معلقة بهذه الإنتفاضة المباركة، نتابعها ساعة بساعة ولحظة بلحظة. وأخيراً نقول "تفاءلوا بالخير تجدوه".
6 فبراير – شباط 2011 حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق