يا غيرة الدين!
عندما كلفت الأكثرية النيابية الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، تنادى أعضاء المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى للإجتماع بقيادة المفتي محمد رشيد قباني وبحضور رؤساء الوزارة والوزراء والنواب السابقين والحاليين من أهل السنة والجماعة. وقد تغيب الرئيس عمر كرامي. ما الخطب؟ هل بدأت إسرائيل بهدم المسجد الأقصى؟ هل دخل المشركون الحرم المكي؟ ربما الخطب أعظم. إنه إهانة للسنة في لبنان أن يُكلف غير الرئيس سعد الحريري بتشكيل الوزارة اللبنانية حتى وإن لم يحظ على الأكثرية. فالسنة في لبنان، حسب المجلس الشرعي الأعلى (لا يوجد أحد أعلى منه)، يجب أن يُختصروا بالرئيس سعد الحريري. أما الميقاتي، المتحدر من خدمة الدين الإسلامي تبعاً لكنيته، فلا يمكنه أن يمثل السنة في موقع رئاسة مجلس الوزراء. الظاهر لم ينتبه المجلس الموقر أن لا ميزة لسعد الحريري على الرئيس نجيب ميقاتي من حيث الخدمات التي يقدمها لعدد لا بأس به من اللبنانيين. ورغم هذا، لم يُرض تكليفه المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى. وحسب ما سُرب في الصحف أنهم طلبوا من الميقاتي رفض التكليف كرمى لعيون سعد. فلا يجوز أن يزعل سعد، فهو لا يزال شاباً في مقتبل العمر. أو ربما لأسباب أخرى نجهلها.
المهم أن الرئيس ميقاتي قد بدأ مشاوراته مع الكتل النيابية من أجل تشكيل الوزارة العتيدة. فأعطت كل كتلة مطالبها، وهذا حقها. وكان ما طلبته كتلة الحريري برئاسة السنيورة من الرئيس ميقاتي التعهد بتحقيق المطالب التي من أجلها استُقيل (على حد تعبير سركيس نعوم) الرئيس الحريري. أي بصيغة أخرى طلبوا من الرئيس ميقاتي التعهد بما لا يمكن لا للسنيورة ولا لسعد الحريري التعهد به. إذن كانت مطالبهم بقصد التعجيز وليس بقصد المساعدة لأن الرئيس ميقاتي ينتمي للطائفة التي ينتمي إليها سعد الحريري وفؤاد السنيورة. أما العماد عون فقد طالب ب12 وزيراً وبحقائب محددة ومنها حقيبة الداخلية واشترط عدم إعطاء الرئيس ميشال سليمان أية حقيبة أو يمكن التكرم عليه بوزير دولة، أي من دون حقيبة. ومن المعروف أن مطالب الرئيس عون تحظى دائماً بتأييد حزب الله. أي بصيغة أخرى، فمطالب العماد عون مطالب وازنة. فإذا أضفنا إلى حصة عون الوزراء الشيعة الستة وأربعة لجنبلاط أصبح العدد 22 وزيراً. أي أن الرئيس ميقاتي لا يمكنه أن يحكم. لأنه من المستحيل أن يتمكن من الحكم إن لم يكن يملك 11 وزيراً على الأقل.
ماذا يعني ما تقدم؟
هذا يعني: إذا كان سعد الحريري من جهة، والمجلس الإسلامي الشرعي الأعلى يريدون أن يكون الموقع الأول للسنة في لبنان مصاناً، كما مواقع الطوائف الأخرى، عليهم أن يعطوا الدعم المطلق للرئيس ميقاتي حتى يفاوض الآخرين من أرضية صلبة، وليس من موقع ضعف. هذا لا يعني أن الرئيس ميقاتي يفاوض الآخرين الآن من موقع ضعف، لأن الآخرين بحاجة لشخصية سنية مثل الميقاتي لتشكيل الحكومة في هذه الظروف الدولية الحساسة. والرئيس ميقاتي يعلم أنهم بحاجة إليه، أعني الأكثرية الجديدة. ولكن المفاوضة، إنطلاقاً من هذه المعطيات، مضافاً إليها تأييد عدد لابأس به من النواب سوف يعطي المسؤول السني الأول دعماً يحتاجه حتى يوازن الضغوطات التي يقوم بها حلفاؤه الجدد من غير أن يعاونه أحد. أللهم إلا رئيس الجمهورية لأنهما في نفس المركب.
يا غيرة الدين!
هل غيرة الدين هي من أجل الحريري ومن أجل الحريري فقط؟ لأسباب، ربما نجهلها! أم أن غيرة الدين هي للمحافظة على موقع الطائفة في حفلة التناتش التي تتم بين الطوائف في لبنان، أو بين ممثليهم بالرغم عنهم؟
للمجلس الإسلامي الشرعي الأعلى، وللذين اجتمعوا في المرة السابقة نقول: إن غيرتكم على الطائفة تترجم بدعمكم للرئيس ميقاتي في هذا الوقت بالذات. خاصة وأنكم جميعاً تعلمون أنه في حال عدم تشكيل الميقاتي لهذه الحكومة، فلن تُشكل حكومة في لبنان وحتى إشعار آخر. كما أن الله عز وجل وحده يعلم عندها إلى أين يتجه الوضع اللبناني. فالمطلوب إذن إجتماع جديد لمن اجتمعوا سابقاً ليعطوا كامل الدعم للرئيس ميقاتي في محاولته تشكيل الحكومة الجديدة.
25 شباط 2011 حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق