ميكيافلي ينحر ميكيافلي
ما من أحد استمع إلى خطاب الرئيس سعد الحريري في البيال إلا وأصابته الدهشة. هل نحن إزاء رجل سياسة أم أمام واعظ ديني أو أخلاقي. هذا لا يعني أن السياسي لا يتمتع بأخلاقيات معينة. ولكن هذا يعني أن لكل مقام مقال؛ أو كما قال المتنبي أن وضع الندى في موضع السيف في العلى مضر كوضع السيف في موضع الندى. من هنا كان العجب! فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. نُذَكّر الرئيس الحريري لأنه لجأ إلى المفتي والمجلس الشرعي. أما بالنسبة للمفتي فقد تغيرت الأوضاع كثيراً، كثيراً. فاللجوء إلى مقام الإفتاء الذي أمعن السياسيون المسلمون بالحط من قدره وذلك بسبب استخدامهم له في كل حين، حتى أضحى غير صالح للإستخدام. والدليل هذه المظاهرة العلمائية التي كان همها الإعتراض على إستخدام مقام الإفتاء في الصراع السياسي بين السياسيين الذين يتبعون نفس الخط. فالرئيس الحريري والرئيس الميقاتي هما من نفس الطينة. فلا مصلحة للمفتي بالوقوف مع أحدهم ضد الآخر خاصة وأنهما، كما صرح الميقاتي، لا يختلفان في السياسة. فالشعارات التي رفعها المجلس الشرعي تم التوافق عليها بوجود الرئيس الميقاتي. فلماذا من الواجب أن يقوم الحريري على تنفيذها وليس الميقاتي؟ لا مبرر للإعتراض على الميقاتي.
وهل بإمكان الحريري أن يخدم الشعارات التي رفعها، وهو لم يتعلم، حتى الآن، أن العمل السياسي يتطلب سلوكاً يحافظ على المبادىء، من جهة، ويمكّن السياسي من الوصول إلى تحقيق ما يريد تحقيقه. فخطابه الناري في البيال يسمح لنا بالإستنتاج أن الرئيس الحريري قد أخذ قراراً حاسماً بتطليق رئاسة الوزارة إلى أن تتغير الجغرافيا، أو إلى أن تصبح الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الأوروبيون بوضع يسمح لهم بإملاء أوامرهم على من يريدون.
أما الجغرافيا فما من أحد يمكنه تغييرها. والفطن هو من يتعامل مع الواقع كما هو مفروض. وعليه أن يقتنع أنه مفروض عليه التعامل مع الواقع الجغرافي بطيبة خاطر، وكأنه هو من أراده كذلك. نحن على قناعة أن الرئيس بشار الأسد قد أعطى الرئيس الحريري فرصة ذهبية للتعامل مع الحكومة السورية. كما وأننا مقتنعون أن الرئيس الحريري لم يحسن تلقف هذه الفرصة. فرصة لو اغتنمها الرئيس الحريري، لم يكن ليحتاج أن يودع الحياة السياسية كما يوحي الخطاب الذي قرأه في البيال في ذكرى الرئيس رفيق الحريري. كيف يمكن أن يكون رئيساً لوزراء لبنان ومعاد لسوريا. مع العلم أنه ما من أحد إلا ويعلم أن من يريد أن يحكم في لبنان، عليه أن يكون صديقاً لسوريا بغض النظر عن القائم على النظام في سوريا. كما وأن عليه أن يعلم أن العلاقات المميزة يمكن أن تفرض النقاش في كثير من الأمور، إن لم يكن بجميع الأمور. أمريكا تعطي الأوامر وتخون "حلفاءها" من دون أن تذرف الدموع. لقد طلب أوباما من مبارك التنحي. مبارك الذي تخلى عن مصر كرمى لعيون الأمريكان. حتى يتمكن الحاكم اللبناني أن يعادي النظام في سوريا عليه أن يحمل لبنان ويضعه في مكان لا يكون فيه محاذياً لسوريا. وهذا غير ممكن. الممكن إذن هو صداقة السوريين.
الأمر الثاني الذي يدلل أن الرئيس الحريري لم يتعلم من تجربته في رئاسة حكومة لبنان، هو هجومه على سلاح المقاومة. إن من يقرأ تعليقات المسؤولين الإسرائيليين أو كتاب الرأي في الصحف الإسرائيلية، يعلم أهمية سلاح المقاومة. فكيف لرئيس وزراء لبنان المحتل قسم من أرضه أن يهاجم سلاح المقاومة كما يفعل حلفاء إسرائيل في الحرب اللبنانية. إن سلاح المقاومة يجب أن يرتدي قدسية، توازي قدسية أرض لبنان. من هنا ضرورة الحفاظ على هذا السلاح. إذن على الرئيس الحريري أن يبتدع الطريقة التي تمكنه من حكم لبنان والحفاظ على سلاح المقاومة بالشكل الذي يريح المقاومة. إن من يريد أن يحكم لبنان لا يقول أن سلاح المقاومة مسألة خلافية. المسألة الخلافية بامتياز هي تحالف الرئيس الحريري مع الأحزاب التي تعادي المقاومة بسبب تحالف هذه الأحزاب مع إسرائيل. إن الرئيس الحريري يمثل المسلمين في السلطة اللبنانية، والمسلمون أعداء لإسرائيل بامتياز. فتمثيل الحريري للمسلمين يفرض عليه التحالف مع المقاومة، وليس المطالبة بسحب سلاح المقاومة، أو حتى اعتبار هذا السلاح مسألة خلافية.
إن خطاب الرئيس الحريري في البيال يعني أن الرئيس الحريري قد اتخذ قراراً نهائياً بتطليق العمل السياسي. أما إذا كان يريد من هذا الخطاب شد أواصر محازبيه وشد عصبهم. فعليه بالتالي أن يبدأ منذ الآن التفتيش على كيفية ردم الهوة التي تفصله عن المقاومة، وكذلك ردم الهوة مع سوريا. وهذا يتطلب فيما يتطلبه لجم الخطاب التحريضي الذي أدمنته بعض الرموز "المستقبلية". كما ويتطلب أن يكون جمع آذار في الرابع عشر هو باتجاه إعادة وصل ما انقطع لما فيه مصلحة الوضع اللبناني من جهة أولى، ومصلحة الرئيس الحريري من جهة ثانية.
17 شباط 2011 حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق