التوازنات الجديدة
وأخيراً تمت استقالة الحكومة بمبادرة من وزراء المعارضة الممثلة لتحالف ما يسمى ب8 آذار. ولم تكن ردود الفعل لما يسمى بيوم الغضب متناسبة مع حجم القوى البرلمانية لما يسمى ب14 آذار. فقد كانت ردود الفعل متواضعة و"غير حضارية" بمفهوم القوى الممثلة ل14 آذار. إذ كان هناك تكسير وحرائق...إلخ مما اضطر الرئيس سعد الحريري إلى استنكار ما حصل. وهناك أحد المعلقين الصحافيين الذي أدمن الدفاع عن 8 آذار قال أن قوى 14 آذار لم يعد بإمكانها التحدث عن هجمة 7 أيار 2008.(الرد الذي قام به حزب الله على القرارات التي اتخذتها حكومة السنيورة لمحاصرة المقاومة) وكأني بهذا الصحافي يعمل في تنور إحدى القرى الجبلية حيث تجلس النساء لإستغابة كل من يغيب عن التنور. فالمستوى المتدني للخطاب يُنسي الإنسان أننا ندافع عن الوطن واستقراره. كما أننا ندافع عن المقاومة التي حررت معظم الأراضي اللبنانية المحتلة من قبل إسرائيل. فهو يريد أن يقول "هذه بتلك". وكأنه غير مقتنع بالمبررات التي ساقتها المقاومة لما قامت به في7 أيار 2008 للدفاع عن أمنها.
السؤال الأول الذي يجب طرحه هو التالي: هل أن الرئيس نجيب ميقاتي يمثل طموح المعارضة؟ خاصة إذا علمنا أن الرئيس ميقاتي هو من كبار الرأسماليين كما الرئيس سعد الحريري. فهو إذن من نفس النادي ويمثل نفس المصالح الذي يمثلها الرئيس سعد الحريري. وفي رسالة مباشرة الى الرئيس سعد الحريري قال الميقاتي: "انا توّاق الى افضل علاقة مع سعد الحريري ولن اكون سبباً او غطاءً لأي شرخ وطني أو طائفي"، مؤكداً ان "لا خلاف شخصياً بيننا وفي السياسة نحن متفقون في العناوين الوطنية".
فهل اختيار الميقاتي يستأهل كل هذه المعارك التي خاضتها المعارضة بقيادة "حزب الله"؟ وهل بإمكان الميقاتي أن يحقق ما تريده المقاومة والذي يتمثل بسحب القضاة اللبنانيين من المحكمة الدولية ووقف التمويل اللبناني لهذه المحكمة وفك إرتباط لبنان بالمحكمة وأخيراً إحالة ما يسمى بشهود الزور إلى المجلس العدلي؟ جميع المداولات التي تجري الآن لا تتحدث عن المواضيع الآنفة الذكر. ولكن إلى متى يمكن السكوت عنها. نضيف إلى ما تقدم أن معيار نجاح المعارضة ليس بإزاحة الحريري من سدة رئاسة مجلس الوزراء والإتيان بحريري آخر. إنما النجاح يكون بالإتيان برئيس يمكنه أن يريحنا جميعاً من المحكمة الدولية وبرنامجها الأمريكي الإسرائيلي من حيث تأثيرها على المقاومة.
السؤال الثاني الموجه للمعارضة هو إن كان بإمكان الرئيس ميقاتي الذي اختاروه على الرئيس كرامي، التحرر من إلتزاماته مع السعودية وفرنسا، أو ما يسمى بالمجتمع الدولي. فالمقبولية التي يتمتع بها الرئيس ميقاتي تأتي من حيث تلبيته لمتطلبات ما يسمى بالمجتمع الدولي (كما الحريري). هذه المتطلبات التي لم تكن تُلزم الرئيس كرامي كما تُلزم الرئيس ميقاتي. من المؤكد أن هناك من يجيب أن متطلبات إزاحة الحريري كانت تستوجب إختيار الميقاتي من أجل كسب ثلاثة أصوات. ولكن هذه الثلاثة أصوات سوف تغير طبيعة المعركة المُخاضة ضد المحكمة الدولية.
التوازنات
سوف نتحدث عن الطوائف الثلاث الفاعلة، أعني السنة والشيعة والموارنة. والفعالية لا تأتي من حيث حجم كل مجموعة ولكن من حيث الدور الذي تلعبه. من المعيب التحدث بهذا الشكل ولكن هذا هو الواقع الذي لا يريد أحد تغييره، وخاصة بين القوى الفاعلة ضمن هذه الطوائف الثلاث.
الشيعة: وهي الطائفة الأكثر تماسكاً، والمؤلفة من قوتين منظمتين متفاهمتين على جميع التفاصيل. هاتان القوتان هما "حزب الله" وحركة "أمل" بقيادة الرئيس نبيه بري. فالحزب لا يهمه الإنخراط ضمن الدولة، كما محازبي الرئيس بري. لذلك لا يجد الرئيس بري بحزب الله منافساً له على هذا الصعيد. من هنا فلا مجال للخلاف بينهما. وحزب الله يتنازل لغير الرئيس بري في هذا المجال، فلماذا لا يتنازل لمن هو من طائفته. أما بالنسبة للعلاقات الإقليمية فحزب الله وأمل متفقان على ثابتة العلاقة مع سوريا.
الموارنة: وهي الطائفة الأكثر تشرذماً من بين الطوائف اللبنانية. وهذا طبيعي لأنها كانت تلعب الدور الرئيس سابقاً على صعيد الدولة اللبنانية، وقد تراجع هذا الدور نتيجة الحرب اللبنانية. وهي تنقسم بين 8 آذار و14 آذار. فالكتائب والقوات ينضويان في 14 آذار. وهذان الحزبان يرتبطان بالغرب إيديولوجياً وسياسياً وقد تحالفوا مع إسرائيل إبان الحرب اللبنانية. كما وأنهم معادون لسوريا. فهم يعتبرون أنفسهم وديعة الغرب في شرقنا العربي.
أما الطرف الثاني فهم العماد ميشال عون وما يمثل، وكذلك النائب سليمان فرنجية وما يمثل. فالنائب فرنجية يعتز بصداقته للسوريين منذ زمن بعيد، وليس بحاجة إلى أي تبرير إيديولوجي لعلاقته مع سوريا. أما الجنرال عون فقد تحدث محقاً عن المسيحية المشرقية وضرورة حياة المسيحيين مع جيرانهم من المسلمين وضرورة اقتناعهم أن الغرب لن يقدم لهم شيئاً، وأن عليهم الإتعاظ من تجربتهم خلال الحرب اللبنانية وكيف تخلى الغرب وإسرائيل عنهم. هذا الطرح متقدم جداً وينسجم مع الإرشاد الرسولي للكنيسة الكاثوليكية التي لم تلتزم به الكنيسة المارونية بقيادة بطريرك الموارنة الحالي. كما وأن طرح العماد عون ينسجم نسبياً مع مقررات السنودس للكنائس الشرقية الذي عقد أخيراً. وقد ساهم العماد عون برسالة إلى هذا السينودس، رسالة ترتدي أهمية كبيرة. ونحن من جانبنا نرى أن الإلتزام بطروحات العماد عون يساهم مساهمة فعالة بحماية الوجود المسيحي في شرقنا العربي. فالمرض الذي أصاب المسيحيين في شرقنا هو ارتباط قياداتهم التاريخي بالغرب الإستعماري. فلا يزال حتى الآن البطرك الماروني يقيم قداساً على نية فرنسا، الدولة التي استعمرت لبنان والتي سحلت دباباتها أكثر من ثلاثة عشر تلميذاً في طرابلس في سنة 1943.
العماد عون ومن يمثل وكذلك الوزير فرنجية يتحالفان مع قوى الثامن من آذار، بل هم من يمثل الركن المسيحي في هذا التحالف. كما وعلينا الإشارة إلى أن العماد عون يتشدد بضرورة الإصلاح ومحاسبة العهود السابقة من حيث ضياع المال العام والفساد الإداري والمالي.
السنة: لقد بذل الحريري جهوداً مضنية لتحويل السنة في لبنان إلى طائفة. فالخطاب المذهبي لم يكن يوماً خطاباً للسياسيين السنة وكذلك لأهل السنة العاديين. ولكن الجهود التي قامت بها الجماعات المرتبطة بالإستخبارات السعودية، وكذلك المرتبطة بالرئيس الحريري قد تمكنت من تحويل عدد لا بأس به من سنة لبنان إلى طائفة. فدفاع حزب الله عن سلاح المقاومة يراه هؤلاء دفاع عن تسلح طائفة بمواجهة الطوائف الأخرى، هذا رغم الإنتصارات التي سطرتها المقاومة الإسلامية على العدو الإسرائيلي. كما أنه لا يمكننا أن ننسى أن هناك ممارسات من الطرف الآخر يمكن أن تصب في هذا الإتجاه.
السنة في لبنان يرتبط القسم الأعظم منهم بالحريري الأب وبإرثه. صحيح أن الوريث لا يملك نفس الكاريزما الذي كان يملكها الرئيس رفيق الحريري ولكن لا تزال كاريزماه طاغية، أي أنه يمكن استثمارها لخدمة المشروع الذي تحمله قوى الرابع عشر من آذار.
هل من مستقبل للمشروع الذي تحمله قوى الرابع عشر من آذار بقيادة الرئيس سعد الحريري؟
يحد لبنان من الجنوب فلسطين المغتصبة من قبل العدو الإسرائيلي. أما من الشرق والشمال فجارة لبنان هي سوريا. إذن جارنا الوحيد هو سوريا. وبابنا إلى الداخل العربي هو سوريا. إذن الجغرافيا تحتم على كل عاقل التعامل مع سوريا. أما العاقل أكثر فيقول التحالف مع سوريا، بغض النظر عن النظام القائم فيها. والمؤسف أن قوى المعارضة الجديدة لا تزال حتى الآن تهاجم سوريا، وكأن جميع المعارك الفاشلة التي خاضتها لم تفدها علماً. حتى الآن لم تجد هذه القوى ضرورة النقد الذاتي لممارساتها التي أوصلت جماهيرها إلى الطريق المسدود. إذا كانت جماهير الحريري موجودة بأكثريتها في عكار، والمواطن العكاري لا يمكنه أن يعيش إلا بعلاقته اليومية مع السوريين، فكيف يمكنه أن يهاجم السوريين ليل نهار؟ قوى الرابع عشر من آذار تريد جمهورها شيزوفرينياً! مصاباً بانفصام الشخصية. الرئيس رفيق الحريري لم يعاد سوريا رغم كل الخلافات التي كانت تحصل مع السوريين لأنه حفظ درس الجغرافيا. نحن لا نقدم درساً للرئيس سعد الحريري، إنما نفتش عن الإستقرار في بلدنا. الإستقرار لا تؤمنه المحكمة الدولية التي تخدم الولايات المتحدة وحلفاءها. لذلك يدافعون عنها. الإستقرار في لبنان لا تؤمنه سوى العلاقة الوثيقة مع سوريا بغض النظر عن الإعجاب أو عدم الإعجاب بالنظام.
إن علاقة مستقرة بين القيادات السنية في لبنان، بغض النظر عن انتماآتهم الإيديولوجية، مع سوريا هي التي تؤمن الإستقرار في لبنان. وبانتظار ذلك ستظل قوى الرابع عشر من آذار بقيادة "المستقبل" تخوض المعارك الخاسرة التي يدفع تكاليفها المواطن اللبناني، وخاصة ذلك الذي ينتمي إلى أهل السنة والجماعة.
2 شباط 2011 حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق