التدخل العسكري التركي
حسن ملاط
منذ أيام بدأت الطائرات التركية بقصف قواعد حزب العمال
الكردستاني في العراق وتلك التابعة للدولة الإسلامية في سوريا، مع التركيز على
الأولى. كما قيل أنها قصفت الأكراد السوريين المسلحين التابعين لصالح مسلم.
كيف يمكن قراءة هذه التطورات؟
1 – الأسباب الداخلية: كانت الإنتخابات الأخيرة التي جرت
في حزيران الفائت نكسة كبيرة لحزب العدالة والتنمية، الذي لم يتمكن من الحصول على
الأكثرية المطلقة في البرلمان، حتى يشكل الحكومة منفرداً، كما جرت العادة. كما وأن
هذه الإنتخابات كانت نكسة كبيرة للرئيس أردوغان الذي كان يمني النفس بالحصول على
ثلثي المقاعد حتى يتمكن من تغيير الدستور التركي، ويصبح رئيساً حاكماً. أما
بالنسبة إلى الرئيس أوغلو، فهي كانت كذلك أيضاً، لأن تجربته الإنتخابية الأولى،
كرئيس للحزب الحاكم ورئيس للحكومة، كانت انتكاسة له ولحزبه، للمرة الأولى منذ أكثر
من عقد من الزمان.
لم يتمكن الرئيس التركي من "هضم" هذه النتيجة.
فمنذ انتهاء الإنتخابات، بدأ التحضير للرد على هذه الإنتكاسة، والتي لن تكون إلا
بانتخابات مبكرة تُعيد حزبه إلى الحكم منفرداً.
حزب الشعب الجمهوري لعب الإنتخابات بشكل احترافي وذكي.
فقد أعطى 3،5% من أصواته لحزب الشعوب الديموقراطي، حتى يحرم حزب العدالة والتنمية
من حوالي 8% من الأصوات الكردية والتي ذهبت إلى دميرطاش. خلاف هذا التكتيك كان
بإمكان حزب العدالة والتنمية أن يحكم منفرداً لأن أصواته تصبح حوالي 50%.
الرابح الأكبر في الإنتخابات كان حزب الشعوب
الديموقراطي، هذا الحزب الذي لم يعرف استثمار نصره لصالح القضية الكردية التي
رفعته ليكون نجم الساحة السياسية التركية. والأيام القادمة ستُظهر كيف سيتحول هذا الحزب
إلى الخاسر الأكبر لأنه لم يقرأ الأوضاع السياسية التركية بشكل جيد.
لن نتحدث عن محاولات أردوغان زج دميرطاش بأمور قضائية
لها علاقة بالإرهاب، ولكن سنتحدث عن القضية الكردية. حكم تركيا حزب الشعب الجمهوري
وكذلك حزب الحركة القومية. الحزب الوحيد الذي حاول أن يجد حلاً للقضية الكردية هو
حزب العدالة والتنمية. فديميرطاش، لو فكر كردياً، كان عليه أن يسهل مهمة حزب
العدالة بالحكم، لا أن يفرح بانتصاراته الفارغة. ديميرطاش يعلم حق العلم أنه لن
يتمكن من أن يشارك يوماً في جنة الحكم إلا مع حزب العدالة والتنمية. كما أن
الحزبين الآخرين غير مستعدين للتباحث معه، في مطلق الظروف، بأي أمر، بسبب انتمائه
للأكراد. فماذا أراد حزب الشعوب الديموقراطي في موقفه هذا؟ أصبح بإمكان الحزب
الحاكم أن يوحد الشعب التركي حول المسألة القومية في حربه مع حزب العمال
الكردستاني. أي أن حزب الشعوب الديموقراطي قد فتح الطريق واسعاً للرئيس أردوغان
للحصول على الأغلبية التي تمكنه من العودة إلى الحكم منفرداً وذلك بحيازته على
أصوات حزب الشعوب الديموقراطي الذي لن يتمكن من الحصول على ال10% الضرورية لدخوله
البرلمان. فحزب الشعب الجمهوري لن يعطيه ال3،5% التي أعطاها إياه بسبب الحرب على
حزب العمال الكردستاني.
أما بالنسبة لحزب الحركة القومية، فمن الصعب أن يخوض
معركة قوية ضد حزب العدالة والتنمية في ظل الحرب التي يؤيدها.
هذه هي الأسباب الداخلية التي جعلت الحكومة التركية
تستعجل قتال الأكراد، داخلياً. انتخابات مبكرة مضمونة الفوز لحزب العدالة والتنمية
بسبب القراءة الخاطئة للأوضاع من قبل حزب الشعوب الديموقراطي.
2 – الأسباب الخارجية: وهي لا تقل أهمية عن الأسباب
الداخلية، لأنها تتعلق بمستقبل الإقليم، خاصة بعد الإتفاق الإيراني الأمريكي. الوضع
العراقي والسوري أيضاً، لا يمكن لأي حكومة تركية أن لا تأخذه بعين الإعتبار. فإقليم
نينوى، طالبت به تركيا منذ تأسيسها بعد القضاء الأوروبي على الدولة العثمانية. هذا
الإقليم تحكمه الدولة الإسلامية حالياً، ولا يمكن لأي حكومة تركية أن تقبل بتحديد
مستقبل هذا الإقليم بمعزل عن مصالحها. أما سوريا فتجاور تركيا على طول 950
كيلومتراً. هذا إذا لم نتحدث عن النية بإقامة إقليم كردي مجاور لتركيا ضمن الأراضي
السورية. وهذا بدا واضحاً من رد فعل صالح مسلم على ضرب الطائرات التركية للأكراد،
حيث طالب الجيش النظامي السوري بالعودة إلى المدن الكردية الثلاث القامشلي وكوباني
وعفرين، حيث كان يريد أن يقيم إقليمه.
مشاركة تركيا بالحرب هي لأسباب تركية أولاً. علماً بأنها
تساهم بتحسين العلاقات المتوترة مع الإدارة الأمريكية منذ زمن بعيد. كما أننا لا نعتقد
بأنها ستؤثر سلباً على العلاقات التركية الإيرانية، رغم مسارعة الإعلام المؤيد
لإيران بمهاجمة التدخل التركي ضد الأكراد والدولة الإسلامية، مع مزيد من التشكيك
بنوايا النظام التركي. تركيا تريد شمال سوريا لها وليس للأكراد وتريد نينوى لها
وليس للدولة الإسلامية. لا نعني تغيير خارطة سايكس بيكو، إنما نتحدث عن النفوذ.
1 آب 2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق