"آخر الدواء" في تشكيل الحكومة اللبنانية
صحيح أن تكليف الرئيس نجيب ميقاتي جاء نتيجة توافق أطراف الثامن من آذار مع كتلة النائب وليد جنبلاط، ولكن هذا الكلام لا يعني أن هؤلاء وحدهم هم المعنيون بتشكيل الحكومة. الأوضاع القائمة في لبنان أو في المنطقة العربية ليست أوضاعاً طبيعية، ولكنها إستثنائية في جميع المقاييس، مما يحتم النظر إلى تشكيل الحكومة بمعايير مختلفة عن تلك التي تكون سائدة في الأوقات الطبيعية، بمعنى أن المزايدات التي تقوم بها الكتل البرلمانية ليست مستساغة في هذه الظروف.
بصيغة أخرى، ليس الكلام الذي يُنقل عن أطراف "المستقبل" وحلفائه في الرابع عشر من آذار مقبولاً في حالة البلاد اليوم. فتحميل الرئيس ميقاتي المسؤولية بعدم تشكيل الحكومة منفرداً، أو حتى بالتشارك مع أطراف الثامن من آذار ليس عادلاً. كما وأن مختلف فئات الثامن من آذار ليس لهم الحق بأن يعتبروا كتلهم هي وحدها المعنية في تشكيل الحكومة. إن الأوضاع في المنطقة رمادية بامتياز. فالثورة المصرية لم تحفر اتجاهها النهائي حتى الآن. الوضع في اليمن لم يستقر على اتجاه، فالوساطة الخليجية لا يمكننا الركون إلى قبولها. في البحرين، الأحداث لا زالت مستمرة، ولا زال القمع على أشده. وفي سوريا لم يصل الوضع إلى الإستقرار بالرغم من الحديث عن الإصلاحات. أي باختصار شديد، ما من أحد يمكنه معرفة نهاية للأوضاع الإقليمية، وعلام سوف تستقر. ولكن ما يمكن تأكيده أن الأوضاع لا يمكن أن تظل على ما كانت عليه.
ماذا يعني هذا الكلام لبنانياً؟
ما من أحد من الأطراف اللبنانية يمكنه الإطمئنان إلى إنعكاس الأوضاع الإقليمية على الساحة اللبنانية، لأن ذلك يدخل ضمن نطاق التنجيم. نقول هذا الحديث لأن العوامل المؤثرة في اتجاه الأحداث متعددة بحيث لا يمكننا أن نحدد منذ الآن علاقاتها فيما بينها(العوامل) وأي منها يلعب الدور الموجه لهذه الأحداث. ولكن ما يمكننا الجزم به، هو ان التدخل الأمريكي والأوروبي لا يمكن أن يبشر بالخير، إنما هو نذير شؤم وشر. لذلك لا يمكننا إلا أن نتمنى أن تأخذ جميع الأطراف الحريصة على مصالح شعبنا وأمتنا هذا الأمر بكثير من الجدية بحيث لا تتيح الفرصة لهؤلاء بالتدخل في بلادنا، كما حصل في ليبيا على سبيل المثال.
نقطة أخرى لا تقل أهمية عن الأولى، وهي أن لا تكون الأطراف اللبنانية من السذاجة بحيث تختلف فيما بينها على بيع جلد الدب قبل أن تصطاده. فإذا بادر كل من الأطراف اللبنانية على المراهنة على الشكل الذي يتمناه لتطور الأحداث ويقيم تكتيكاته على هذا الأساس، فهذا يعني أو يستتبع عدم إمكانية هذه الأطراف على التوافق الضروري في هذه الظروف الإستثنائية. وهذا ما سوف تكون انعكاساته سلبية جداً على تطور الأوضاع اللبنانية الداخلية.
إن الحرص على مصلحة البلد تستدعي التفكير الجدي بتشكيل حكومة مصغرة من جميع الأطراف الفاعلة على الساحة اللبنانية، بقصد تمرير هذه الأوضاع الإستثنائية. ولا بأس بعدها من العودة إلى الصراع.
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروراً على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا ، فإذا تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً (رواه البخاري). هذه هي صورة الوضع اللبناني الحالي. إنه يستوجب مشاركة جميع الأطراف في تحمل المسؤولية من أجل حل المشاكل التي لا يمكن تأجيلها: الوضع الإقتصادي الضاغط، الوضع الإداري الكارثي، عدم النمو التي بشرت به وزيرة المال وكأنها تريد أن تشير إلى أن الدولة لا يمكنها الإستمرار بتحمل مسؤولياتها اتجاه موظفيها. أي بكلمة واحدة إن الوضع كارثي.
في حال عدم قبول هذه الأطراف بالتوافق على حكومة شراكة وطنية لإنقاذ لبنان، ما العمل المتوجب على الرئيس ميقاتي القيام به؟
نحن نعتقد أن حكومة من طرف واحد غير مؤهلة لقيادة هذه المرحلة، ليس لقصور عندها ولكن تبعاً للمهام المطروحة عليها والتي قلنا عنها أنها إستثنائية. فهذه الأوضاع لا تتحمل التجاذبات. وحكومة سياسية لا يمكن أن تكون دون تجاذبات. من هنا ضرورة تشكيل حكومة تكنوقراط تتحمل مسؤولية قيادة هذه المرحلة بتوافق جميع الأطراف. ولترحل عندما تستقر الأوضاع الإقليمية. أما من يعتقد أن عليه أن يُقدم ليستغل الوضع في هذه المرحلة الرمادية، يكون كمن يتآمر على إستقرار الوطن. إن الظروف الإستثنائية تتطلب حكومة إستثنائية.
هذه هي صورة الوضع الراهن، والذي لا يتحمل أية خطوات غير محسوبة بدقة متناهية. الصراع السياسي الداخلي لا بد منه، ولكن مصلحة الوطن تقتضي تجميد هذا الصراع إلى أن تمر هذه العاصفة عن منطقتنا.
30 نيسان 2011 حسن ملاط
بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية
حسن ملاط
- فكر وتربية
- القلمون, طرابلس, Lebanon
- كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.
السبت، 30 أبريل 2011
الأحد، 24 أبريل 2011
قراءة في تنظير "علي فياض" للثورات العربية
نشر الدكتور علي فياض مقالتين نظريتين في جريدة "السفير" اللبنانية، الأولى مؤرخة في 4 شباط 2011 والثانية مؤرخة في 14 نيسان 2011. وتبدو الثانية متممة للأولى. وأزعم أن هذه الدراسة بقسميها الأول والثاني ترتدي أهمية كبيرة، وهذا ما دفعني لقراءتها.
سأبدأ من حيث أنهى حديثه الأول، حيث قال: "يبقى علينا أن ننتظر فعلياً ما سيؤول إليه الحدث المصري، الذي خفتت أمامه كل الاستحقاقات الأخرى وبدت باهتة جداً. لأننا سنكون عندها كما ذكرنا أمام زمن آخر. زمن أكدنا فيه أن إسرائيل قابلة للهزيمة وهنا نحن نؤكد أن التغيير ممكنٌ في هذا العالم العربي الذي يستحق أن نضع حداً لمعاناته". إن أهم ما في هذا الكلام هو التأكيد على محورية مصر أولاً وعلى الإنتماء ثانياً. من هنا نقول بأن علي فياض لم يكتب من أجل التنظير فقط، إنما كتب من أجل أن تفيد أمتنا من هذا التنظير، بقصد إفادة أمتنا من هذا التغيير وبقصد تحرير فلسطين.
كما وأنه في الجزء الثاني من الدراسة، كان منه إصرار على نفس الوجهة: "هل وقعت هذه المقاربة في المبالغة والاستعجال؟ وهل تنطوي على رومانسية ما تناقض ما سعت إليه أصلاً؟ ربما، وربما كان علينا أن نتريث قليلاً، وان نتحّفظ في إطلاق الاستنتاجات، بانتظار أن نتبيّن نتائج الثورات العربية ووجهتها والمدى الذي ستبلغه، بيد أن علينا أن لا ننكر في أي حال، الوظيفة التحفيزية للأفكار، ولا سيَّما عندما تكون نتاجاً لثقافة عضوية تولد من قلب خندق المواجهة".
لقد اتفقنا في بعض الأمور مع دكتورنا العزيز واختلفنا معه في بعض الأمور. يقول الدكتور، بعد أن طرح بعض التساؤلات المنهجية: "هذه التساؤلات المنهجية الشائكة، نجد لها بدورها إجابات سهلة لكن عميقة في المقاربة الدينية للتحليل السياسي والاجتماعي، لأنه «لا يعلم جنود ربك إلا هو»، وبالتالي فالعوامل الغيبية تتكفل دائماً بتفسير ما لا يمكن تفسيره من تحولات فجائية، وهي تتآزر جنباً إلى جنب مع العوامل الأخرى التي تكمن في صلب الواقع الاجتماعي... والتي قد يتحول الثانوي فيها إلى أساسي في لحظة، أو قد تتضافر بعضها إلى بعض في توليفة زمنية استثنائية غير مفهومة مما يُفجَّر لحظة التغيير... ". إن مهمة العالم هو تفسير هذه الظواهر، ولا يمكنه أن يقول أن هذه الظواهر غير مفهومة أو لا يمكن فهمها. كما وأن القرآن الكريم عندما يتصدى للظواهر، يتصدى لها بقصد مساعدة المؤمنين على فهمها. فالله تبارك وتعالى قد وعد المؤمنين بالنصر الإلهي عندما يلتزمون بمعايير معينة، لم يغفلها القرآن الكريم، إنما ذكرها. فقد قال تعالى: "إن تنصروا الله ينصركم". فهنا شرط للنصر على المؤمن الإلتزام به حتى يصل إلى نصر الله. كما ورد في القرآن أيضاً: " وإذا عزمت فتوكل على الله". والعزم هو تأمين جميع الشروط المادية التي يحتاجها عمل ما أو ممارسة معينة. فإذا قام الإنسان بجميع هذه الشروط، عندها يتوكل على الله، وعندها ينصره الله. هذا ما جعلنا نقول أن النصر الذي حققته المقاومة في تموز وآب 2006 كان نصراً إلهياً. ذلك أن المقاومة استعدت بالقدر الذي يمكنها من أجل مجابهة العدو، طاعة لله. من أجل ذلك نصرها الله مع العلم أن الآلة العسكرية للعدو أكبر بكثير من آلة المقاومة العسكرية. وبالرغم من اعتراف السيد حسن نصر الله أن النصر كان إلهياً، ولكن لم يمنع ذلك المقاومة من دراسة التجربة بجميع حذافيرها، حتى تستفيد منها في مواجهاتها القادمة. القرآن الكريم لا يضع أحجيات لا يمكن حلها، إنما يضع منهجاً علينا اكتشافه من أجل الإلتزام به. وليس علينا الركون إلى أن هذا يدخل من ضمن الغيبيات ونستكين إلى هذا القول. ولكن عندما نعجز عن التفسير العلمي نسلم أمرنا إلى الله لأننا نؤمن به ونؤمن أنه سوف يؤآزرنا في عملنا، إذا كان في سبيله.
أما القول بأن بعض التناقضات الثانوية يمكن أن تصبح أساسية في لحظة من اللحظات، فهذا طبيعي ويحصل في جميع المجتمعات، وليس استثنائياً. ومهمة السياسي أو العالم رصد هذه التغيرات حتى يتمكن من وضع الاستراتيجيات أو التكتيكات لمجابهتها، لا أن يستسلم لها ويحيل الأمر إلى القوى الغيبية. إن بعدنا عن الساحة التونسية والمصرية هو الذي جعل ظاهرة البوعزيزي ظاهرة غير مفهومة. ولكن المناضلين التونسيين الذين استشعروا أن الأوضاع التونسية أصبحت جاهزة للتغيير هو الذي مكنهم من استغلال هذا الوضع ومتابعة النضال إلى حصول التغيير. نحن ليس بإمكاننا أن نفسر ذلك لبعدنا عن الساحة. ولكن لا يمكننا القول أن هذه الظاهرة لا يمكن تفسيرها.
أما في مصر، فقد كان التغيير مفاجئاً لنا أيضاً، لأننا لم نكن متتبعين للحالة المصرية أيضاً. جاء في دراسة للدكتور جوزيف عبد الله: "صحيح أن الثورة المصرية لم تعرف قائداً ملهماً، ولكن المناضلين الشباب المتمرسين بتجربة عميقة امتدت منذ العام 2004 تقريباً بشكل متواصل، شكلوا شبكة من القيادات الميدانية الصادقة التي نجحت في صيانة الثورة ورفعت من وتيرتها، ووضعت حداً للمتسلقين على ظهرها، وتمكنت في جو الاستياء العام من النظام من اكتساب الملايين من المصريين على تنوع فئاتهم".
ثم يضيف: "ولم تنفع مع الثورة المصرية كل المحاولات الأميركية لإخراج مبارك مرفوع الرأس من السلطة، أو محافظاً على ماء الوجه. فبعد إعلانه، بناءً لرغبة أميركية، عن التنازل عن ترشيح نفسه (أو توريث إبنه) لفترة رئاسية مقبلة، وبعد قيامه بتعيين عمر سليمان نائباً له، وتشكيله حكومة جديدة، وبعد إخفاق استخدامه للأجهزة الأمنية و"البلطجية" و"الأتباع" من الموظفين والمستفيدين من النظام لقمع المتظاهرين والمعتصمين... بعد كل ذلك وسط الدعوة الأميركية لتأمين ما سماه أوباما "الانتقال السلس للسلطة"، جاء خلع مبارك من الرئاسة بضغط من الجماهير المصرية الثائرة، إثر تدخل الجيش المصري الذي وجدت قيادته صغار الضباط ينتقلون إلى "ميدان التحرير" ملتحقين بالثورة. لم يكن بوسع القيادة التاريخية للجيش المصري قمع الثورة خشية انهيار كامل المؤسسة العسكرية".
أما مختار شعيب فيقول في دراسته: "ثورة 25 يناير المصرية (تحولت) من حركات احتجاجية إلى ثورة كاسحة. فكيف تطور فعل تلك الحركات إلى فعل جماهيري منظم أطاح نظاماً هيمن على مقدرات البلاد لثلاثين عاماً. ربما كانت المرة الأولى التي تنطلق فيها دعوات التغيير بصوت احتجاجي مسموع في عام 2003 عقب التظاهرات الضخمة المناهضة لغزو العراق التي احتلت ميدان التحرير، أكبر ميادين العاصمة في 20 آذار (مارس) من العام نفسه. كانت تلك التظاهرات بداية للموجة الأولى وتتويجاً لحركة احتجاجات ممتدة لطلاب جامعات القاهرة والإسكندرية والمنصورة اندلعت مع بدء انتفاضة الأقصى في أيلول (سبتمبر) 2000 للتضامن معها والاحتجاج على المواقف الرسمية للنظام، ومثّلت قطعاً مع حال الركود التي سادت خلال تسعينات القرن الماضي".
ثم قدم الكاتب توصيفاً تاريخياً لحركات الإحتجاج التي قامت بها الجماهير المصرية على اختلاف فئاتها: القضاة، الموظفون، العمال، الفلاحون، المزارعون، الطلاب والصيادون. هذا التوصيف هو الذي يسمح لنا بالقول أن المجتمع المصري لا يمكنه الإستمرار بنفس الطريقة التي كان عليها. وهذه هي مواصفات المجتمع الناضج ثورياً. والوضع عندما يكون ثورياً يصبح بحاجة للصاعق الذي يؤدي إلى التغيير. أما القول بضرورة وجود الحزب القائد أو القائد الملهم من أجل قيادة هذا التغيير، فهو ناتج عن التجربة التاريخية في أماكن أخرى. إنما ما يجعلنا نقول ذلك هو الدور الذي لعبه الحزب الشيوعي الروسي بقيادة ثورة أوكتوبر، أو الدور الذي لعبه الحزب الشيوعي الصيني، أو الثورة التي قادها الحزب الشيوعي الفييتنامي، مع عد إغفالنا لدور لينين وماو تسي تونغ وهو شي منه. وحيث لا نملك تجربة تجعلنا نقول بعدم ضرورة وجود الحزب القائد، لذلك افترضنا أنه لا إمكانية للثورة بدون الحزب القائد. إن من يقود التغيير في مصر مجموعات غير متجانسة من المناضلين، والذين أثبتوا عملياً قدرتهم على قيادة العمل النضالي. وجميع الدلائل تشير ألى إصرارهم على النصر النهائي، وهذه هي مبشرات النصر. في هذا المجال يقول الدكتور علي فياض: "علينا أن نلحظ الوتيرة المتسارعة لحركة المجتمعات المعاصرة المعولمة والتي ترتكز حركات التغيير فيها، كما في الحالة العربية، إلى أدوات التواصل الالكتروني، مما يشكل تغيراً جوهرياً في وتيرة التغيير. في الواقع إن التواصل الالكتروني سمح بتجاوز، ليس فقط المشكلة التنظيمية، إنما أيضاً بتجاوز الاستئثار الفئوي والحصرية الحزبية. ذلك أن أداة الاتصال الالكتروني فتحت الطريق أمام غلبة «العقل الاتصالي» على ما عداه". وهذه ميزة يمكن إضافتها لما سبق.
ثم يضيف: "إذن إن ما نشهده يأخذ من الناحية الشكلية ومن حيث النتائج القريبة شكل انتفاضة، لكن من حيث العملية المترتبة عليها والقابلة للتدحرج إنما هي ثورة، والناتج المباشر لها هو تغيير في رأس النظام وفي السلطة التنفيذية، لكن ثمة استمرار لبعض هياكل النظام الأساسية كالجيش والمخابرات والأجهزة الدبلوماسية والبنية الإدارية. إذن نحن أمام صنف جديد من الثورات: ليس هناك قيادة فردية للثورة، ليس هناك زعيم رمز وليس هناك إيديولوجية واحدة للثورة، وليس هناك تخطيط مسبق لانفجارها، فالثورة تنتج قيادتها الجماعية بعيد اندلاعها، وتنتج خطابها في مجرى تحققها".
نحن لا نوافق على "وليس هناك تخطيط مسبق لانفجارها" ذلك أن جميع النضالات التي قامت بها مختلف فئات المجتمع المصري هي باتجاه الوصول إلى التغيير على مستوى النظام الذي لا يمكن الإستمرار في الحياة تحت ظله، ودليلنا على ذلك هو النضالات اليومية التي تدل على استحالة الإستمرار. يضيف علي فياض: "وها نحن أمام مرحلة استثنائية، من حيث وطأة تأثيراتها، إنها أكثر من حصاة في بركة الركود العربي، أنها زلزال بتموجات وارتدادات سريعة أو متباطئة ومتلاحقة، بيد أن مما لا شك فيه، أن المسارات طويلة ومتأرجحة وغامضة". ونحن نوافق على هذا التوصيف.
ثم يضيف متأسفاً: "للأسف، كان لمعظم موضوعات علم السياسة ومفاهيمه أن تولد في رحم التجربة الغربية، انطلاقاً من هيمنة تلك التجربة على ما عداها من تجارب في المجتمعات الأخرى، بما فيها مجتمعاتنا التي بدت مستلحقة وتابعة، والتي جرى إخضاعها لإشكاليات ومنهجيات هي في أحيان كثيرة غريبة عنها ولا تصلح لها". إذا كان هو من يشكو فماذا تركنا للآخرين؟!
ثم يصب الدكتور علي فياض جام غضبه على العلم: "فإذا كان العلم قد انتقل من «الحتمية» إلى «الاحتمالية»، فإننا بصدد انتقاله من «الاحتمالية» إلى «التفسيرية»، دون أي إضافة مبالغة تتصل بقدرته على التوقع أو التنبؤ. وعلى علماء الاجتماع والسياسة، أن ينصرفوا إلى تفسير الظواهر بعد تشكلها ودراسة الثورات بعد انفجارها، والسعي لبناء النسق مفهومياً بهدف الفهم والتحليل، لكن «لحظة البوعزيزي» ستعكر على رهط العلماء هؤلاء صفو ركونهم إلى قدراتهم الواثقة، في بناء المسارات المستقبلية للظواهر. إن «لحظة البوعزيزي» اقرب إلى أن تكون «سندروم Syndrome» لأنها تزامن أو تناذر مجموعة أعراض ترتد إلى سبب واحد لكنه مولد لنتائج غير محسوبة، إن «البوعزيزي سندروم»، ستقطع على المفاهيم مطامحها وادعاءاتها وستكشف غرورها المقيت، وستظهر عجزنا العلمي عن الإحاطة الشاملة بالظواهر الإنسانية".
هذا الكلام يطرح عدة قضايا. منها أولاً أن نقيض الحتمية هو اللاحتمية ونقيض "الإحتمالية" هو "اللاإحتمالية"، ونقيض "التفسيرية" هو "اللاتفسيرية". إذن لا تناقض بين الحتمية والإحتمالية. فإذا كنا نقوم بدراسة مجتمع معين، يمكن أن نضع الكثير من الإحتمالات. وهذه الإحتمالات، حتى ترتدي الطابع العلمي عليها أن تنطلق من مقدمات موضوعية. أما في حال عدم إمكانيتنا الحصول على المعطيات التي يمكن أن تكون مقدمات لوضع الإحتمالات الممكنة، فكيف لنا أن نضع هذه الإحتمالات؟ ففي الوضع التونسي حيث أنه قد تبين أن الكثير من الذين كتبوا لم يملك المعطيات التي تمكنه من وضع احتمالات للتغيير في تونس، فهل يمكننا أن نقول أن "العلم" قد انتقل من الإحتمالي إلى التفسيري؟ ما يمكننا قوله هو أن المعطيات التي نملكها عن الوضع التونسي لا تمكننا من وضع إحتمالات ذات طابع علمي لإمكانية التغيير في الوضع التونسي. ما أقوم به ليس محاولة تبرير العلم عن القصور، ولكنه الواقع الذي بين أيدينا عن الوضع التونسي. أما بالنسبة لظاهرة البوعزيزي والذي أحب أن يسميها الدكتور علي فياض "سندروم"، فدعنا نضع التوصيف التالي: المجتمعات، جميع المجتمعات تعيش في شواش كبير CHAOS . وهذا الشواش يستدعي طرح الكثير من الإحتمالات لإمكانية التغيير. وجميع هذه الإحتمالات تكون نظرية، إلى أن يتبين إمكانية وضعها موضع التنفيذ. فلماذا لا نسمي لحظة البوعزيزي "إنهيار" في نظام المجتمع الساكن AVALANCHE. وعندما نقول انهياراً في المجتمع الساكن نكون قد عدنا إلى التوصيف الذي وضعه الصحافي في جريدة النيويورك تايمس، صاحب الدكتور علي فياض. وهذا بالتالي ينسجم مع ما ذهبنا إليه بما سبق من الكلام عندما تحدثنا عن توصيف المجتمع الثوري. وبذلك تكون لحظة البوعزيزي هي الصاعق أو ال AVALANCHE الذي فجر الوضع التونسي. لا يمكننا القول أن العلم يفسر ولا يتوقع، وإلا لم يعد من ضرورة لوجود العلماء. إذا كان العلم قاصراً، بسبب من تقصير العلماء، عن تفسير ظاهرة معينة، فهذا لا يُعتبر نقيصة للعلم. إنما هو نقيصة للعلماء الذين لم يتمكنوا من تفسير هذه الظاهرة. إن مهمة العلم تفسير الظواهر، كما أن من مهماته أيضاً طرح الإحتمالات التي يمكن أن تعين على توقع تطور ظاهرة ما ووضع الإتجاهات لتطورها. وبذلك لا يمكننا الموافقة على ما يقوله الدكتور فياض في هذا المجال: "إن دراسة النسق الاجتماعي - السياسي للظاهرة، أمر طبيعي. بيد أن لحظة التحول وعتبة القطيعة الفجائية، التي تشكل «البوعزيزي سندروم» نموذجها الأمثل ومبدأها الذي يجب أن يدخل علمي السياسة والاجتماع من بابهما العريض، كمبدأ غامض، له قيمة المعامل الكيميائي الذي يغير التركيبة الكيميائية برمتها، ولربما صح القول هنا أن نستعير دلالة «باولو كويلو» في رائعته الروائية «الخيميائي» لنقول ان «البوعزيزي سندروم» هي خيمياء الواقع الاجتماعي- السياسي. حيث الغموض سيد الموقف، وحيث التأثير والنتائج، تبدو وكأنها رقية صوفية، أو كأن فعلها هبط من السماء تعبيراً عن إرادة إلهية نافذة، وهي على كل حال، بصورة أو أخرى، «عودة الميتافيزيقا» إلى حلبة العلم، بعد أن ظن كثيرون أنها غادرت إلى غير رجعة.
مما لا شك فيه أن كثيرين سيجهدون في محاولة عقلنة «البوعزيزي سندروم» بيد أن ذلك لن يكون مقنعاً كفاية، بل سيشي بشيء من «الانتهازية المعرفية". ويضيف: "فما نصبو إليه هو بناء النسق بهدف فهمه وتفسيره، وليس بهدف الجزم والتنبؤ، لأن لحظة الانفجار التي تشيد عتبة التحول، إنما ترتبط بلحظة غير قابلة للتوقع المسبق، كما أنها غير قابلة للعقلنة إلا جزئياً، ولهذه الأسباب فهي اقرب إلى الميتافيزيق منها إلى المبادىء الامبريقية أو الواقعية".
أما بالنسبة ل"لحظة الإنفجار" "الغير قابلة للتوقع" فأضيف ما يلي: بما أن التغير النوعي يختلف عن التغير الكمي بأن الأول يكون دائماً فجائياً، لذلك لا يمكن تحديد وقت معين لحصول هذا الإنفجار. ولكن هذا لا يمنع إمكانية وضع إحتمالات لوقوعه في وقت معين. فنحن لا نوافق أن هذا يقع في نطاق الميتافيزيق، لأن العلم أصبح إحتمالياً كما قال الدكتور فياض.
نصل إلى مفهوم "الكرامة" الذي طرحه الدكتور علي فياض إنطلاقاً من الآية الكريمة "ولقد كرمنا بني آدم..." . "إن استيعاب دور مفهوم الكرامة بوصفه بنية كلية تتجاوز التحليل المجتزأ، الذي ينزلق إلى اختزال حركة الشارع ببعد محدد أو وفقاً لعامل أوحد دون سواه، من شأنه أن يساعد بصورة جوهرية على فهم ميكانيزمات تحريك الشارع العربي واتجاهاته والكيفية التي يجب أن تعتمد في التعامل معه... "
في الثورة الصينية وفي الثورة الفيتنامية كان العاملان الوطني والإجتماعي متلازمين. ولكن في بعض الأحايين كان أحد العوامل يتقدم على الآخر، فيلعب دور العامل الموجه coeficient directeur . ولا بد باستمرار من عامل موجه، فهذه مسألة مفروضة وضرورية وليست معيارية. فهل مفهوم "الكرامة" يمكن أن يكون العامل الموجه للثورات في العالم العربي؟ أنا أميل إلى هذا الخيار الذي وضعه الدكتور علي فياض، مضيفاً التساؤل التالي: ماهي القضية التي تختزل مفهوم الكرامة عند الإنسان العربي؟ أجيب أنها القضية الفلسطينية. هل هذا يعني أنها العامل الوحيد، والدكتور علي يقول أنه ليس هناك من عامل وحيد؟ نقول أن هناك عاملاً يمكن أن يكون "جماعاً" لكثير من العوامل، ،résultante ، أو كما هو مفهوم "الكفاية" compétence و الأهداف objectifs على الصعيد التربوي والتعليمي. أي أن الكفاية ليست مجموعة الأهداف، إنما تقاطعها، كما أن جماع العوامل ليس مجموع هذه العوامل، لأن جماع العوامل يكون أكبر من مجموعها، وهذا مبدأ فيزيائي. أي بصيغة أخرى إن العمل على تحرير فلسطين من براثن الصهيونية هو العامل الذي يجسد الكرامة عند الإنسان العربي. هل هذا عامل واحد؟ نقول كلا! لأنه جماع جميع العوامل التي يحتاجها الإنسان العربي في نضاله ضد البؤس والتخلف... وهذا ما يجعلنا نوافق على ما ذهب إليه كاتبنا العزيز، والذي يؤكده قائلاً: "كما أن هذا المناخ الإقليمي ينطوي كذلك على خيبات عاصفة لدى المجتمعات العربية من وعود الدولة العربية المعاصرة. لقد نكثت هذه الدولة بكل وعودها التي تتصل بالكرامة العربية من السيادة إلى الحرية إلى التنمية والتحديث وسيادة القانون. والى الإحساس العربي اليومي بالذل والمهانة جراء ما تمارسه إسرائيل بحق الفلسطينيين من دون أن يكون للأنظمة العربية أي دور فاعل سوى ما يقوم به البعض من تآمر ومضي في مساعدة العدو".
ننهي مع ما يقوله علي فياض في نهاية بحثه الهام: "لقد عاشت المجتمعات العربية ركوداً غير مبرر على مدى عقود من السنوات، رغم ما لحق بهذه المجتمعات من حوادث وعواصف فاجعة، كان عليها أن تفجّر غضب هذه المجتمعات وتخرج ما في داخلها من احباطات، إلا أن هذا لم يحصل، يُستثنى من ذلك ظاهرة المقاومة التي لها سياقها الخاص، والتي شكلت تعبيراً مبكراً عن علاقة التجاور الخلاَّق بين العقلانية السياسية والميتافيزيقا، ولنقل الإيمان ببعده الغيبي، وبوصفه محركاً ثرياً للإرادات الحرة".
إن الإشارة إلى ظاهرة المقاومة تبدو بالنسبة لنا هي زبدة القول، مع أننا لا نوافق مع الباحث على أنها لاإنسانية، أي غيبية. إن المقاومة الإسلامية هي نتاج المجتمع اللبناني. هذا المجتمع الذي يتسم بسمات خاصة مكنته من أن يُنتج المقاومة وبمواصفات خاصة أيضاً. والإنسان، كل إنسان يملك جانباً غيبياً، لنقل صوفياً. اليس الإيمان بالغيب هو نوع من الصوفية. والمقاومة في بلادنا المشرقية تتطلب الكثير من هذا الجانب الصوفي. لذلك فظاهرة المقاومة هي نتاج طبيعي لمجتمعنا. أما لماذا في لبنان وليس في مكان آخر؟ فهذا يعود إلى خصوصية الوضع اللبناني.
كان الحري بعلي فياض أن يقدم أفقاً ما لتطور ظاهرة المقاومة بحيث تعم المجتمع اللبناني بأكمله وتتعداه إلى المجتمعات العربية الأخرى، خاصة وأن ظاهرة المقاومات الشعبية قد ظهرت في مجتمعاتنا العربية والإسلامية في القرن العاشر والحادي عشر في كثير من المدن العربية والتي كانت تجابه الغزاة فقط، أي أنها لم تشارك في الحروب ما بين الزعماء المحليين. ومن هذه المدن دمشق وحلب وصور...
إن وضع أفق معين لتطور الأوضاع في بلادنا العربية يتطلب الحديث عن دور ما للمقاومة.
سلمت يدا الدكتور علي فياض الذي يقوم بدوره كمثقف في أمتنا، يعرف ماهو مطلوب منه. فقد بدأ بالتنظير للدفاع الإستراتيجي، كمثقف عضوي في هذا النطاق. وهو اليوم ينظر للثورة العربية من منظار الكرامة الذي يختصر الأفق العربي بتجسيده بالصراع المطلق مع العدو الصهيوني من خلال الكرامة التي نجدها في المقاومة الإسلامية.
23 نيسان 2011 حسن ملاط
نشر الدكتور علي فياض مقالتين نظريتين في جريدة "السفير" اللبنانية، الأولى مؤرخة في 4 شباط 2011 والثانية مؤرخة في 14 نيسان 2011. وتبدو الثانية متممة للأولى. وأزعم أن هذه الدراسة بقسميها الأول والثاني ترتدي أهمية كبيرة، وهذا ما دفعني لقراءتها.
سأبدأ من حيث أنهى حديثه الأول، حيث قال: "يبقى علينا أن ننتظر فعلياً ما سيؤول إليه الحدث المصري، الذي خفتت أمامه كل الاستحقاقات الأخرى وبدت باهتة جداً. لأننا سنكون عندها كما ذكرنا أمام زمن آخر. زمن أكدنا فيه أن إسرائيل قابلة للهزيمة وهنا نحن نؤكد أن التغيير ممكنٌ في هذا العالم العربي الذي يستحق أن نضع حداً لمعاناته". إن أهم ما في هذا الكلام هو التأكيد على محورية مصر أولاً وعلى الإنتماء ثانياً. من هنا نقول بأن علي فياض لم يكتب من أجل التنظير فقط، إنما كتب من أجل أن تفيد أمتنا من هذا التنظير، بقصد إفادة أمتنا من هذا التغيير وبقصد تحرير فلسطين.
كما وأنه في الجزء الثاني من الدراسة، كان منه إصرار على نفس الوجهة: "هل وقعت هذه المقاربة في المبالغة والاستعجال؟ وهل تنطوي على رومانسية ما تناقض ما سعت إليه أصلاً؟ ربما، وربما كان علينا أن نتريث قليلاً، وان نتحّفظ في إطلاق الاستنتاجات، بانتظار أن نتبيّن نتائج الثورات العربية ووجهتها والمدى الذي ستبلغه، بيد أن علينا أن لا ننكر في أي حال، الوظيفة التحفيزية للأفكار، ولا سيَّما عندما تكون نتاجاً لثقافة عضوية تولد من قلب خندق المواجهة".
لقد اتفقنا في بعض الأمور مع دكتورنا العزيز واختلفنا معه في بعض الأمور. يقول الدكتور، بعد أن طرح بعض التساؤلات المنهجية: "هذه التساؤلات المنهجية الشائكة، نجد لها بدورها إجابات سهلة لكن عميقة في المقاربة الدينية للتحليل السياسي والاجتماعي، لأنه «لا يعلم جنود ربك إلا هو»، وبالتالي فالعوامل الغيبية تتكفل دائماً بتفسير ما لا يمكن تفسيره من تحولات فجائية، وهي تتآزر جنباً إلى جنب مع العوامل الأخرى التي تكمن في صلب الواقع الاجتماعي... والتي قد يتحول الثانوي فيها إلى أساسي في لحظة، أو قد تتضافر بعضها إلى بعض في توليفة زمنية استثنائية غير مفهومة مما يُفجَّر لحظة التغيير... ". إن مهمة العالم هو تفسير هذه الظواهر، ولا يمكنه أن يقول أن هذه الظواهر غير مفهومة أو لا يمكن فهمها. كما وأن القرآن الكريم عندما يتصدى للظواهر، يتصدى لها بقصد مساعدة المؤمنين على فهمها. فالله تبارك وتعالى قد وعد المؤمنين بالنصر الإلهي عندما يلتزمون بمعايير معينة، لم يغفلها القرآن الكريم، إنما ذكرها. فقد قال تعالى: "إن تنصروا الله ينصركم". فهنا شرط للنصر على المؤمن الإلتزام به حتى يصل إلى نصر الله. كما ورد في القرآن أيضاً: " وإذا عزمت فتوكل على الله". والعزم هو تأمين جميع الشروط المادية التي يحتاجها عمل ما أو ممارسة معينة. فإذا قام الإنسان بجميع هذه الشروط، عندها يتوكل على الله، وعندها ينصره الله. هذا ما جعلنا نقول أن النصر الذي حققته المقاومة في تموز وآب 2006 كان نصراً إلهياً. ذلك أن المقاومة استعدت بالقدر الذي يمكنها من أجل مجابهة العدو، طاعة لله. من أجل ذلك نصرها الله مع العلم أن الآلة العسكرية للعدو أكبر بكثير من آلة المقاومة العسكرية. وبالرغم من اعتراف السيد حسن نصر الله أن النصر كان إلهياً، ولكن لم يمنع ذلك المقاومة من دراسة التجربة بجميع حذافيرها، حتى تستفيد منها في مواجهاتها القادمة. القرآن الكريم لا يضع أحجيات لا يمكن حلها، إنما يضع منهجاً علينا اكتشافه من أجل الإلتزام به. وليس علينا الركون إلى أن هذا يدخل من ضمن الغيبيات ونستكين إلى هذا القول. ولكن عندما نعجز عن التفسير العلمي نسلم أمرنا إلى الله لأننا نؤمن به ونؤمن أنه سوف يؤآزرنا في عملنا، إذا كان في سبيله.
أما القول بأن بعض التناقضات الثانوية يمكن أن تصبح أساسية في لحظة من اللحظات، فهذا طبيعي ويحصل في جميع المجتمعات، وليس استثنائياً. ومهمة السياسي أو العالم رصد هذه التغيرات حتى يتمكن من وضع الاستراتيجيات أو التكتيكات لمجابهتها، لا أن يستسلم لها ويحيل الأمر إلى القوى الغيبية. إن بعدنا عن الساحة التونسية والمصرية هو الذي جعل ظاهرة البوعزيزي ظاهرة غير مفهومة. ولكن المناضلين التونسيين الذين استشعروا أن الأوضاع التونسية أصبحت جاهزة للتغيير هو الذي مكنهم من استغلال هذا الوضع ومتابعة النضال إلى حصول التغيير. نحن ليس بإمكاننا أن نفسر ذلك لبعدنا عن الساحة. ولكن لا يمكننا القول أن هذه الظاهرة لا يمكن تفسيرها.
أما في مصر، فقد كان التغيير مفاجئاً لنا أيضاً، لأننا لم نكن متتبعين للحالة المصرية أيضاً. جاء في دراسة للدكتور جوزيف عبد الله: "صحيح أن الثورة المصرية لم تعرف قائداً ملهماً، ولكن المناضلين الشباب المتمرسين بتجربة عميقة امتدت منذ العام 2004 تقريباً بشكل متواصل، شكلوا شبكة من القيادات الميدانية الصادقة التي نجحت في صيانة الثورة ورفعت من وتيرتها، ووضعت حداً للمتسلقين على ظهرها، وتمكنت في جو الاستياء العام من النظام من اكتساب الملايين من المصريين على تنوع فئاتهم".
ثم يضيف: "ولم تنفع مع الثورة المصرية كل المحاولات الأميركية لإخراج مبارك مرفوع الرأس من السلطة، أو محافظاً على ماء الوجه. فبعد إعلانه، بناءً لرغبة أميركية، عن التنازل عن ترشيح نفسه (أو توريث إبنه) لفترة رئاسية مقبلة، وبعد قيامه بتعيين عمر سليمان نائباً له، وتشكيله حكومة جديدة، وبعد إخفاق استخدامه للأجهزة الأمنية و"البلطجية" و"الأتباع" من الموظفين والمستفيدين من النظام لقمع المتظاهرين والمعتصمين... بعد كل ذلك وسط الدعوة الأميركية لتأمين ما سماه أوباما "الانتقال السلس للسلطة"، جاء خلع مبارك من الرئاسة بضغط من الجماهير المصرية الثائرة، إثر تدخل الجيش المصري الذي وجدت قيادته صغار الضباط ينتقلون إلى "ميدان التحرير" ملتحقين بالثورة. لم يكن بوسع القيادة التاريخية للجيش المصري قمع الثورة خشية انهيار كامل المؤسسة العسكرية".
أما مختار شعيب فيقول في دراسته: "ثورة 25 يناير المصرية (تحولت) من حركات احتجاجية إلى ثورة كاسحة. فكيف تطور فعل تلك الحركات إلى فعل جماهيري منظم أطاح نظاماً هيمن على مقدرات البلاد لثلاثين عاماً. ربما كانت المرة الأولى التي تنطلق فيها دعوات التغيير بصوت احتجاجي مسموع في عام 2003 عقب التظاهرات الضخمة المناهضة لغزو العراق التي احتلت ميدان التحرير، أكبر ميادين العاصمة في 20 آذار (مارس) من العام نفسه. كانت تلك التظاهرات بداية للموجة الأولى وتتويجاً لحركة احتجاجات ممتدة لطلاب جامعات القاهرة والإسكندرية والمنصورة اندلعت مع بدء انتفاضة الأقصى في أيلول (سبتمبر) 2000 للتضامن معها والاحتجاج على المواقف الرسمية للنظام، ومثّلت قطعاً مع حال الركود التي سادت خلال تسعينات القرن الماضي".
ثم قدم الكاتب توصيفاً تاريخياً لحركات الإحتجاج التي قامت بها الجماهير المصرية على اختلاف فئاتها: القضاة، الموظفون، العمال، الفلاحون، المزارعون، الطلاب والصيادون. هذا التوصيف هو الذي يسمح لنا بالقول أن المجتمع المصري لا يمكنه الإستمرار بنفس الطريقة التي كان عليها. وهذه هي مواصفات المجتمع الناضج ثورياً. والوضع عندما يكون ثورياً يصبح بحاجة للصاعق الذي يؤدي إلى التغيير. أما القول بضرورة وجود الحزب القائد أو القائد الملهم من أجل قيادة هذا التغيير، فهو ناتج عن التجربة التاريخية في أماكن أخرى. إنما ما يجعلنا نقول ذلك هو الدور الذي لعبه الحزب الشيوعي الروسي بقيادة ثورة أوكتوبر، أو الدور الذي لعبه الحزب الشيوعي الصيني، أو الثورة التي قادها الحزب الشيوعي الفييتنامي، مع عد إغفالنا لدور لينين وماو تسي تونغ وهو شي منه. وحيث لا نملك تجربة تجعلنا نقول بعدم ضرورة وجود الحزب القائد، لذلك افترضنا أنه لا إمكانية للثورة بدون الحزب القائد. إن من يقود التغيير في مصر مجموعات غير متجانسة من المناضلين، والذين أثبتوا عملياً قدرتهم على قيادة العمل النضالي. وجميع الدلائل تشير ألى إصرارهم على النصر النهائي، وهذه هي مبشرات النصر. في هذا المجال يقول الدكتور علي فياض: "علينا أن نلحظ الوتيرة المتسارعة لحركة المجتمعات المعاصرة المعولمة والتي ترتكز حركات التغيير فيها، كما في الحالة العربية، إلى أدوات التواصل الالكتروني، مما يشكل تغيراً جوهرياً في وتيرة التغيير. في الواقع إن التواصل الالكتروني سمح بتجاوز، ليس فقط المشكلة التنظيمية، إنما أيضاً بتجاوز الاستئثار الفئوي والحصرية الحزبية. ذلك أن أداة الاتصال الالكتروني فتحت الطريق أمام غلبة «العقل الاتصالي» على ما عداه". وهذه ميزة يمكن إضافتها لما سبق.
ثم يضيف: "إذن إن ما نشهده يأخذ من الناحية الشكلية ومن حيث النتائج القريبة شكل انتفاضة، لكن من حيث العملية المترتبة عليها والقابلة للتدحرج إنما هي ثورة، والناتج المباشر لها هو تغيير في رأس النظام وفي السلطة التنفيذية، لكن ثمة استمرار لبعض هياكل النظام الأساسية كالجيش والمخابرات والأجهزة الدبلوماسية والبنية الإدارية. إذن نحن أمام صنف جديد من الثورات: ليس هناك قيادة فردية للثورة، ليس هناك زعيم رمز وليس هناك إيديولوجية واحدة للثورة، وليس هناك تخطيط مسبق لانفجارها، فالثورة تنتج قيادتها الجماعية بعيد اندلاعها، وتنتج خطابها في مجرى تحققها".
نحن لا نوافق على "وليس هناك تخطيط مسبق لانفجارها" ذلك أن جميع النضالات التي قامت بها مختلف فئات المجتمع المصري هي باتجاه الوصول إلى التغيير على مستوى النظام الذي لا يمكن الإستمرار في الحياة تحت ظله، ودليلنا على ذلك هو النضالات اليومية التي تدل على استحالة الإستمرار. يضيف علي فياض: "وها نحن أمام مرحلة استثنائية، من حيث وطأة تأثيراتها، إنها أكثر من حصاة في بركة الركود العربي، أنها زلزال بتموجات وارتدادات سريعة أو متباطئة ومتلاحقة، بيد أن مما لا شك فيه، أن المسارات طويلة ومتأرجحة وغامضة". ونحن نوافق على هذا التوصيف.
ثم يضيف متأسفاً: "للأسف، كان لمعظم موضوعات علم السياسة ومفاهيمه أن تولد في رحم التجربة الغربية، انطلاقاً من هيمنة تلك التجربة على ما عداها من تجارب في المجتمعات الأخرى، بما فيها مجتمعاتنا التي بدت مستلحقة وتابعة، والتي جرى إخضاعها لإشكاليات ومنهجيات هي في أحيان كثيرة غريبة عنها ولا تصلح لها". إذا كان هو من يشكو فماذا تركنا للآخرين؟!
ثم يصب الدكتور علي فياض جام غضبه على العلم: "فإذا كان العلم قد انتقل من «الحتمية» إلى «الاحتمالية»، فإننا بصدد انتقاله من «الاحتمالية» إلى «التفسيرية»، دون أي إضافة مبالغة تتصل بقدرته على التوقع أو التنبؤ. وعلى علماء الاجتماع والسياسة، أن ينصرفوا إلى تفسير الظواهر بعد تشكلها ودراسة الثورات بعد انفجارها، والسعي لبناء النسق مفهومياً بهدف الفهم والتحليل، لكن «لحظة البوعزيزي» ستعكر على رهط العلماء هؤلاء صفو ركونهم إلى قدراتهم الواثقة، في بناء المسارات المستقبلية للظواهر. إن «لحظة البوعزيزي» اقرب إلى أن تكون «سندروم Syndrome» لأنها تزامن أو تناذر مجموعة أعراض ترتد إلى سبب واحد لكنه مولد لنتائج غير محسوبة، إن «البوعزيزي سندروم»، ستقطع على المفاهيم مطامحها وادعاءاتها وستكشف غرورها المقيت، وستظهر عجزنا العلمي عن الإحاطة الشاملة بالظواهر الإنسانية".
هذا الكلام يطرح عدة قضايا. منها أولاً أن نقيض الحتمية هو اللاحتمية ونقيض "الإحتمالية" هو "اللاإحتمالية"، ونقيض "التفسيرية" هو "اللاتفسيرية". إذن لا تناقض بين الحتمية والإحتمالية. فإذا كنا نقوم بدراسة مجتمع معين، يمكن أن نضع الكثير من الإحتمالات. وهذه الإحتمالات، حتى ترتدي الطابع العلمي عليها أن تنطلق من مقدمات موضوعية. أما في حال عدم إمكانيتنا الحصول على المعطيات التي يمكن أن تكون مقدمات لوضع الإحتمالات الممكنة، فكيف لنا أن نضع هذه الإحتمالات؟ ففي الوضع التونسي حيث أنه قد تبين أن الكثير من الذين كتبوا لم يملك المعطيات التي تمكنه من وضع احتمالات للتغيير في تونس، فهل يمكننا أن نقول أن "العلم" قد انتقل من الإحتمالي إلى التفسيري؟ ما يمكننا قوله هو أن المعطيات التي نملكها عن الوضع التونسي لا تمكننا من وضع إحتمالات ذات طابع علمي لإمكانية التغيير في الوضع التونسي. ما أقوم به ليس محاولة تبرير العلم عن القصور، ولكنه الواقع الذي بين أيدينا عن الوضع التونسي. أما بالنسبة لظاهرة البوعزيزي والذي أحب أن يسميها الدكتور علي فياض "سندروم"، فدعنا نضع التوصيف التالي: المجتمعات، جميع المجتمعات تعيش في شواش كبير CHAOS . وهذا الشواش يستدعي طرح الكثير من الإحتمالات لإمكانية التغيير. وجميع هذه الإحتمالات تكون نظرية، إلى أن يتبين إمكانية وضعها موضع التنفيذ. فلماذا لا نسمي لحظة البوعزيزي "إنهيار" في نظام المجتمع الساكن AVALANCHE. وعندما نقول انهياراً في المجتمع الساكن نكون قد عدنا إلى التوصيف الذي وضعه الصحافي في جريدة النيويورك تايمس، صاحب الدكتور علي فياض. وهذا بالتالي ينسجم مع ما ذهبنا إليه بما سبق من الكلام عندما تحدثنا عن توصيف المجتمع الثوري. وبذلك تكون لحظة البوعزيزي هي الصاعق أو ال AVALANCHE الذي فجر الوضع التونسي. لا يمكننا القول أن العلم يفسر ولا يتوقع، وإلا لم يعد من ضرورة لوجود العلماء. إذا كان العلم قاصراً، بسبب من تقصير العلماء، عن تفسير ظاهرة معينة، فهذا لا يُعتبر نقيصة للعلم. إنما هو نقيصة للعلماء الذين لم يتمكنوا من تفسير هذه الظاهرة. إن مهمة العلم تفسير الظواهر، كما أن من مهماته أيضاً طرح الإحتمالات التي يمكن أن تعين على توقع تطور ظاهرة ما ووضع الإتجاهات لتطورها. وبذلك لا يمكننا الموافقة على ما يقوله الدكتور فياض في هذا المجال: "إن دراسة النسق الاجتماعي - السياسي للظاهرة، أمر طبيعي. بيد أن لحظة التحول وعتبة القطيعة الفجائية، التي تشكل «البوعزيزي سندروم» نموذجها الأمثل ومبدأها الذي يجب أن يدخل علمي السياسة والاجتماع من بابهما العريض، كمبدأ غامض، له قيمة المعامل الكيميائي الذي يغير التركيبة الكيميائية برمتها، ولربما صح القول هنا أن نستعير دلالة «باولو كويلو» في رائعته الروائية «الخيميائي» لنقول ان «البوعزيزي سندروم» هي خيمياء الواقع الاجتماعي- السياسي. حيث الغموض سيد الموقف، وحيث التأثير والنتائج، تبدو وكأنها رقية صوفية، أو كأن فعلها هبط من السماء تعبيراً عن إرادة إلهية نافذة، وهي على كل حال، بصورة أو أخرى، «عودة الميتافيزيقا» إلى حلبة العلم، بعد أن ظن كثيرون أنها غادرت إلى غير رجعة.
مما لا شك فيه أن كثيرين سيجهدون في محاولة عقلنة «البوعزيزي سندروم» بيد أن ذلك لن يكون مقنعاً كفاية، بل سيشي بشيء من «الانتهازية المعرفية". ويضيف: "فما نصبو إليه هو بناء النسق بهدف فهمه وتفسيره، وليس بهدف الجزم والتنبؤ، لأن لحظة الانفجار التي تشيد عتبة التحول، إنما ترتبط بلحظة غير قابلة للتوقع المسبق، كما أنها غير قابلة للعقلنة إلا جزئياً، ولهذه الأسباب فهي اقرب إلى الميتافيزيق منها إلى المبادىء الامبريقية أو الواقعية".
أما بالنسبة ل"لحظة الإنفجار" "الغير قابلة للتوقع" فأضيف ما يلي: بما أن التغير النوعي يختلف عن التغير الكمي بأن الأول يكون دائماً فجائياً، لذلك لا يمكن تحديد وقت معين لحصول هذا الإنفجار. ولكن هذا لا يمنع إمكانية وضع إحتمالات لوقوعه في وقت معين. فنحن لا نوافق أن هذا يقع في نطاق الميتافيزيق، لأن العلم أصبح إحتمالياً كما قال الدكتور فياض.
نصل إلى مفهوم "الكرامة" الذي طرحه الدكتور علي فياض إنطلاقاً من الآية الكريمة "ولقد كرمنا بني آدم..." . "إن استيعاب دور مفهوم الكرامة بوصفه بنية كلية تتجاوز التحليل المجتزأ، الذي ينزلق إلى اختزال حركة الشارع ببعد محدد أو وفقاً لعامل أوحد دون سواه، من شأنه أن يساعد بصورة جوهرية على فهم ميكانيزمات تحريك الشارع العربي واتجاهاته والكيفية التي يجب أن تعتمد في التعامل معه... "
في الثورة الصينية وفي الثورة الفيتنامية كان العاملان الوطني والإجتماعي متلازمين. ولكن في بعض الأحايين كان أحد العوامل يتقدم على الآخر، فيلعب دور العامل الموجه coeficient directeur . ولا بد باستمرار من عامل موجه، فهذه مسألة مفروضة وضرورية وليست معيارية. فهل مفهوم "الكرامة" يمكن أن يكون العامل الموجه للثورات في العالم العربي؟ أنا أميل إلى هذا الخيار الذي وضعه الدكتور علي فياض، مضيفاً التساؤل التالي: ماهي القضية التي تختزل مفهوم الكرامة عند الإنسان العربي؟ أجيب أنها القضية الفلسطينية. هل هذا يعني أنها العامل الوحيد، والدكتور علي يقول أنه ليس هناك من عامل وحيد؟ نقول أن هناك عاملاً يمكن أن يكون "جماعاً" لكثير من العوامل، ،résultante ، أو كما هو مفهوم "الكفاية" compétence و الأهداف objectifs على الصعيد التربوي والتعليمي. أي أن الكفاية ليست مجموعة الأهداف، إنما تقاطعها، كما أن جماع العوامل ليس مجموع هذه العوامل، لأن جماع العوامل يكون أكبر من مجموعها، وهذا مبدأ فيزيائي. أي بصيغة أخرى إن العمل على تحرير فلسطين من براثن الصهيونية هو العامل الذي يجسد الكرامة عند الإنسان العربي. هل هذا عامل واحد؟ نقول كلا! لأنه جماع جميع العوامل التي يحتاجها الإنسان العربي في نضاله ضد البؤس والتخلف... وهذا ما يجعلنا نوافق على ما ذهب إليه كاتبنا العزيز، والذي يؤكده قائلاً: "كما أن هذا المناخ الإقليمي ينطوي كذلك على خيبات عاصفة لدى المجتمعات العربية من وعود الدولة العربية المعاصرة. لقد نكثت هذه الدولة بكل وعودها التي تتصل بالكرامة العربية من السيادة إلى الحرية إلى التنمية والتحديث وسيادة القانون. والى الإحساس العربي اليومي بالذل والمهانة جراء ما تمارسه إسرائيل بحق الفلسطينيين من دون أن يكون للأنظمة العربية أي دور فاعل سوى ما يقوم به البعض من تآمر ومضي في مساعدة العدو".
ننهي مع ما يقوله علي فياض في نهاية بحثه الهام: "لقد عاشت المجتمعات العربية ركوداً غير مبرر على مدى عقود من السنوات، رغم ما لحق بهذه المجتمعات من حوادث وعواصف فاجعة، كان عليها أن تفجّر غضب هذه المجتمعات وتخرج ما في داخلها من احباطات، إلا أن هذا لم يحصل، يُستثنى من ذلك ظاهرة المقاومة التي لها سياقها الخاص، والتي شكلت تعبيراً مبكراً عن علاقة التجاور الخلاَّق بين العقلانية السياسية والميتافيزيقا، ولنقل الإيمان ببعده الغيبي، وبوصفه محركاً ثرياً للإرادات الحرة".
إن الإشارة إلى ظاهرة المقاومة تبدو بالنسبة لنا هي زبدة القول، مع أننا لا نوافق مع الباحث على أنها لاإنسانية، أي غيبية. إن المقاومة الإسلامية هي نتاج المجتمع اللبناني. هذا المجتمع الذي يتسم بسمات خاصة مكنته من أن يُنتج المقاومة وبمواصفات خاصة أيضاً. والإنسان، كل إنسان يملك جانباً غيبياً، لنقل صوفياً. اليس الإيمان بالغيب هو نوع من الصوفية. والمقاومة في بلادنا المشرقية تتطلب الكثير من هذا الجانب الصوفي. لذلك فظاهرة المقاومة هي نتاج طبيعي لمجتمعنا. أما لماذا في لبنان وليس في مكان آخر؟ فهذا يعود إلى خصوصية الوضع اللبناني.
كان الحري بعلي فياض أن يقدم أفقاً ما لتطور ظاهرة المقاومة بحيث تعم المجتمع اللبناني بأكمله وتتعداه إلى المجتمعات العربية الأخرى، خاصة وأن ظاهرة المقاومات الشعبية قد ظهرت في مجتمعاتنا العربية والإسلامية في القرن العاشر والحادي عشر في كثير من المدن العربية والتي كانت تجابه الغزاة فقط، أي أنها لم تشارك في الحروب ما بين الزعماء المحليين. ومن هذه المدن دمشق وحلب وصور...
إن وضع أفق معين لتطور الأوضاع في بلادنا العربية يتطلب الحديث عن دور ما للمقاومة.
سلمت يدا الدكتور علي فياض الذي يقوم بدوره كمثقف في أمتنا، يعرف ماهو مطلوب منه. فقد بدأ بالتنظير للدفاع الإستراتيجي، كمثقف عضوي في هذا النطاق. وهو اليوم ينظر للثورة العربية من منظار الكرامة الذي يختصر الأفق العربي بتجسيده بالصراع المطلق مع العدو الصهيوني من خلال الكرامة التي نجدها في المقاومة الإسلامية.
23 نيسان 2011 حسن ملاط
السبت، 23 أبريل 2011
إتجاهات الوضع الحكومي في لبنان
مر ثلاثة أشهر على تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة العتيدة، ولكنها لم تتشكل بعد. وكثير من الأطراف لا يزعجهم عدم تشكيل الحكومة. والبعض الآخر يغتبط لعدم تشكيلها، ولكنه يوحي للآخرين أنه يضغط باتجاه تشكيلها. والطرف الأخير هو الذي يريد أن لا تتشكل الحكومة، حتى يقول أن عدم وجوده في السلطة هو المانع من تشكيل الحكومة. أو بصيغة أخرى، ما من أحد غيره يمكنه تشكيل حكومة في لبنان.
ما هي المواقف الحقيقية للأطراف اللبنانية من تشكيل الحكومة الجديدة؟
1 – نبدأ من تيار المستقبل، فهو يحمل رغبة متناقضة. فهو يعتقد أن عدم تشكيل الحكومة سوف يقلل من صدقية قوى الثامن من آذار عند محازبيهم. لذلك لا يريد أن تُشكل الحكومة. ومن جهة ثانية يعلم أن الحكومة العتيدة إذا شُكلت في هذا الوقت بالذات، لن تكون حكومة طويلة العمر، لأن الإتجاهات الإقليمية غير واضحة المعالم من حيث اتجاه تطورها. فهو يريد أن تُشكل حتى يُحضر نفسه لوراثتها سريعاً. أما إذا لم يتم تشكيلها، فإن التشكيل المتأني سوف يكون لصالح الرئيس ميقاتي بحيث أن عمر الحكومة سوف يكون مديداً. لذلك فتيار المستقبل لا يعلم ما هو الموقف الذي عليه الإلتزام به. أما عن شكل الحكومة، فهو لا يمكنه الركون إلى شكل محدد، حيث أن حكومة تكنوقراط هي الحكومة الملائمة للرئيس ميقاتي، بحيث أنها سوف تكون حكومة منتجة من جميع النواحي. فالأمور المعيشية والإجتماعية ضاغطة بشكل لا يمكن أي طرف سياسي من تحمل نتائج سلبية لهذا الوضع. وما يريح السياسيين هو تحميل تبعة هذا الوضع لحكومة لا سياسية. ومن جهة أخرى فإن حكومة لا سياسية تمكن أعضاءها من أخذ القرار العلمي من دون خوف أو وجل على مستقبلهم السياسي لأنها حكومة غير سياسية.
2 – أطراف الثامن من آذار، نحن نميل إلى أن حزب الله وحركة أمل يتساوى عندهما الرغبة وعدم الرغبة في تشكيل الحكومة. فإذا كانت القضية المركزية هي الحفاظ على سلاح المقاومة، فما من أحد يمكنه التأثير على سلاح المقاومة. كما أنهما على يقين أنه في حال عدم تشكيل الحكومة من قبل الرئيس ميقاتي وعاد الحريري إلى الحكم (وهذا يكاد يكون مستحيلاً) فليس لديه خيار إلا تشريع سلاح المقاومة. ولكن حزب الله يعلم أن (بيضة القبان) في الحفاظ على سلاح المقاومة هو الوضع الإقليمي، وليس الوضع المحلي. إن تطور الأوضاع الإقليمية لم تصبح، حتى الآن، ضاغطة على الوضع اللبناني، ولكن لا يمكن التنبؤ باتجاهها في وضع معقد تعيشه الساحات العربية. من هنا نرى أن هذه النقطة بالتحديد هي التي يمكن أن تضغط على الحزب باتجاه العمل على تشكيل الحكومة سريعاً. ولكن حيث أن حكومة سياسية (من لون واحد) لا يمكنها أن تغطي حزب الله عند أطراف المجتمع الدولي (وهو من دون فعالية عند حزب الله في الوقت الراهن)، هذا ما يمكن أن يطرح التفكير بحكومة تكنوقراط. فحكومة كهذه لا يتمكن المجتمع الدولي من الضغط عليها لأنها عملياً من دون تغطية سياسية. أعتقد أن حكومة تكنوقراط هي الحكومة التي تريح حزب الله والمقاومة في هذه المرحلة الرمادية بكل ما في الكلمة من معنى.
أما عون والتيار الوطني الحر، فهو يعتقد أن حكومة تكنوقراط هي حكومة تسووية، لذلك فهو لا يقبل بها. فهو يريد حكومة سياسية تترجم انتصار أطراف الثامن من آذار على خصومهم السياسيين. أما عون، فخصومه السياسيون تتسع دائرتهم حتى تبلغ الرئيس ميشال سليمان. وحكومة تكنوقراط سوف تريح الرئيسين سليمان وميقاتي، وبالتالي لا مصلحة لعون بهكذا حكومة.
ما هو المتوقع حصوله؟
هناك احتمالان، الأول هو أن تراوح الأمور في مكانها حتى تتوضح الصورة الإقليمية. وهذا يمكن أن يفرض العودة إلى دعوة حكومة تصريف الأعمال إلى الإنعقاد حتى تتمكن من حل أمور المواطنين المتراكمة، والتي لا يمكن تأجيلها إلى ما شاء الله. إن حركة كهذه سوف تأكل من رصيد أطراف الثامن من آذار.
اما الإحتمال الثاني، فهو تشكيل حكومة (بمن حضر) أي حكومة تكنوقراط لا تحظى بموافقة جميع الأطراف، ولكن تكون حلاً لأزمة لا يمكن استكشاف آفاقها بشكل جلي. وبالتالي تكون حكومة مؤقتة يتم الإستغناء عنها عندما تتوضح الأمور الإقليمية أكثر. نحن نعتقد ان حكومة كهذه يمكنها التعامل مع جميع الأمور أو المشكلات التي يمكنها أن تُطرح من قبل المجتمع الدولي من دون أن تُحمل الأطراف السياسية أية تبعات. كما أنه يمكنها أن تجد الحلول لبعض المشاكل المعقدة (البناء على أملاك الدولة وأملاك الغير).
23 نيسان 2011 حسن ملاط
مر ثلاثة أشهر على تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة العتيدة، ولكنها لم تتشكل بعد. وكثير من الأطراف لا يزعجهم عدم تشكيل الحكومة. والبعض الآخر يغتبط لعدم تشكيلها، ولكنه يوحي للآخرين أنه يضغط باتجاه تشكيلها. والطرف الأخير هو الذي يريد أن لا تتشكل الحكومة، حتى يقول أن عدم وجوده في السلطة هو المانع من تشكيل الحكومة. أو بصيغة أخرى، ما من أحد غيره يمكنه تشكيل حكومة في لبنان.
ما هي المواقف الحقيقية للأطراف اللبنانية من تشكيل الحكومة الجديدة؟
1 – نبدأ من تيار المستقبل، فهو يحمل رغبة متناقضة. فهو يعتقد أن عدم تشكيل الحكومة سوف يقلل من صدقية قوى الثامن من آذار عند محازبيهم. لذلك لا يريد أن تُشكل الحكومة. ومن جهة ثانية يعلم أن الحكومة العتيدة إذا شُكلت في هذا الوقت بالذات، لن تكون حكومة طويلة العمر، لأن الإتجاهات الإقليمية غير واضحة المعالم من حيث اتجاه تطورها. فهو يريد أن تُشكل حتى يُحضر نفسه لوراثتها سريعاً. أما إذا لم يتم تشكيلها، فإن التشكيل المتأني سوف يكون لصالح الرئيس ميقاتي بحيث أن عمر الحكومة سوف يكون مديداً. لذلك فتيار المستقبل لا يعلم ما هو الموقف الذي عليه الإلتزام به. أما عن شكل الحكومة، فهو لا يمكنه الركون إلى شكل محدد، حيث أن حكومة تكنوقراط هي الحكومة الملائمة للرئيس ميقاتي، بحيث أنها سوف تكون حكومة منتجة من جميع النواحي. فالأمور المعيشية والإجتماعية ضاغطة بشكل لا يمكن أي طرف سياسي من تحمل نتائج سلبية لهذا الوضع. وما يريح السياسيين هو تحميل تبعة هذا الوضع لحكومة لا سياسية. ومن جهة أخرى فإن حكومة لا سياسية تمكن أعضاءها من أخذ القرار العلمي من دون خوف أو وجل على مستقبلهم السياسي لأنها حكومة غير سياسية.
2 – أطراف الثامن من آذار، نحن نميل إلى أن حزب الله وحركة أمل يتساوى عندهما الرغبة وعدم الرغبة في تشكيل الحكومة. فإذا كانت القضية المركزية هي الحفاظ على سلاح المقاومة، فما من أحد يمكنه التأثير على سلاح المقاومة. كما أنهما على يقين أنه في حال عدم تشكيل الحكومة من قبل الرئيس ميقاتي وعاد الحريري إلى الحكم (وهذا يكاد يكون مستحيلاً) فليس لديه خيار إلا تشريع سلاح المقاومة. ولكن حزب الله يعلم أن (بيضة القبان) في الحفاظ على سلاح المقاومة هو الوضع الإقليمي، وليس الوضع المحلي. إن تطور الأوضاع الإقليمية لم تصبح، حتى الآن، ضاغطة على الوضع اللبناني، ولكن لا يمكن التنبؤ باتجاهها في وضع معقد تعيشه الساحات العربية. من هنا نرى أن هذه النقطة بالتحديد هي التي يمكن أن تضغط على الحزب باتجاه العمل على تشكيل الحكومة سريعاً. ولكن حيث أن حكومة سياسية (من لون واحد) لا يمكنها أن تغطي حزب الله عند أطراف المجتمع الدولي (وهو من دون فعالية عند حزب الله في الوقت الراهن)، هذا ما يمكن أن يطرح التفكير بحكومة تكنوقراط. فحكومة كهذه لا يتمكن المجتمع الدولي من الضغط عليها لأنها عملياً من دون تغطية سياسية. أعتقد أن حكومة تكنوقراط هي الحكومة التي تريح حزب الله والمقاومة في هذه المرحلة الرمادية بكل ما في الكلمة من معنى.
أما عون والتيار الوطني الحر، فهو يعتقد أن حكومة تكنوقراط هي حكومة تسووية، لذلك فهو لا يقبل بها. فهو يريد حكومة سياسية تترجم انتصار أطراف الثامن من آذار على خصومهم السياسيين. أما عون، فخصومه السياسيون تتسع دائرتهم حتى تبلغ الرئيس ميشال سليمان. وحكومة تكنوقراط سوف تريح الرئيسين سليمان وميقاتي، وبالتالي لا مصلحة لعون بهكذا حكومة.
ما هو المتوقع حصوله؟
هناك احتمالان، الأول هو أن تراوح الأمور في مكانها حتى تتوضح الصورة الإقليمية. وهذا يمكن أن يفرض العودة إلى دعوة حكومة تصريف الأعمال إلى الإنعقاد حتى تتمكن من حل أمور المواطنين المتراكمة، والتي لا يمكن تأجيلها إلى ما شاء الله. إن حركة كهذه سوف تأكل من رصيد أطراف الثامن من آذار.
اما الإحتمال الثاني، فهو تشكيل حكومة (بمن حضر) أي حكومة تكنوقراط لا تحظى بموافقة جميع الأطراف، ولكن تكون حلاً لأزمة لا يمكن استكشاف آفاقها بشكل جلي. وبالتالي تكون حكومة مؤقتة يتم الإستغناء عنها عندما تتوضح الأمور الإقليمية أكثر. نحن نعتقد ان حكومة كهذه يمكنها التعامل مع جميع الأمور أو المشكلات التي يمكنها أن تُطرح من قبل المجتمع الدولي من دون أن تُحمل الأطراف السياسية أية تبعات. كما أنه يمكنها أن تجد الحلول لبعض المشاكل المعقدة (البناء على أملاك الدولة وأملاك الغير).
23 نيسان 2011 حسن ملاط
الأربعاء، 6 أبريل 2011
لبنان.. أزمة سياسية، أم أزمة وطنية؟
معظم السياسيين اللبنانيين تهمهم مصالحهم الشخصية في الدرجة الأولى. ولا بأس إن كان هناك تقاطع ما بين مصالحهم الشخصية والمصالح الوطنية. نقول هذا الكلام نتيجة الأزمة الوزارية المستمرة منذ التكليف الأول للرئيس سعد الحريري، ثم التكليف الثاني الذي أعقبه تشكيل ما اتُفق على تسميته "حكومة الوحدة الوطنية"، ثم إقالة الحكومة وتكليف الرئيس نجيب ميقاتي بعد أخذ ورد.
لماذا افترضنا أن الأزمة بدأت منذ ذلك الحين؟ نقول ذلك لأن المتابع للأوضاع الداخلية اللبنانية يعرف وبجلاء تام أن حكومة الرئيس الحريري لم تتمكن من الحكم، ولم تتمكن من الإهتمام بقضايا الناس. منهم من يقول أنها لا تهتم بالناس وقضاياهم. ومنهم من يقول أنه لم يُسمح لها بأن تحكم. وما نقوله هو رأي الأطراف السياسية المتنازعة، نعني من يسمون بأطراف 8 آذار و 14 آذار. وهذا ما يدفعنا للتساؤل المشروع: هل التناقض بين قوى الثامن من آذار والرابع عشر منه هو تناقض رئيسي أم تناقض ثانوي؟ الجواب عن هذا السؤال يستدعي عرض أمور كثيرة.
1 – مسألة المحكمة الدولية: قوى الثامن من آذار ترفض بالمطلق الإعتراف بالمحكمة الدولية وهي تعتبرها إسرائيلية. أما قوى الرابع عشر من آذار فهي تعتبرها أي المحكمة حجر الرحى في جميع سياساتها. نضيف هنا أنه رغم هذا التناقض فقد تشكلت حكومة شاركت فيها قوى الثامن من آذار رغم نصها على الإلتزام بالمحكمة الدولية وبمفاعيلها؟
2 – سلاح المقاومة: قوى الرابع عشر من آذار لا توافق على أن يكون سلاح المقاومة مستقلاً عن سلطة الدولة، من أجل ذلك كان هذا السلاح هو البند الوحيد على طاولة الحوار التي كانت تضم جميع القوى الأساسية على الساحة اللبنانية. ورغم ذلك نص البيان الوزاري لحكومة الحريري على بند سلاح المقاومة بصيغة الشعب والجيش والمقاومة.
3 – حرب تموز: سجلت المقاومة انتصاراً باهراً على العدو الإسرائيلي، لا زال حتى الآن يعاني منه "المجتمع الإسرائيلي". هذا الإنتصار لم تعترف به قوى الرابع عشر من آذار برغم اعتراف حتى العدو الإسرائيلي به. وكانت حجتهم أنه قد وقع دمار في البنية التحتية اللبنانية. وهذا هراء! كان الإتحاد السوفياتي يحتفل بانتصاره على النازية مع أنه قدم 22 مليون قتيل في هذه الحرب. فعدم اعتراف هذه القوى بالإنتصار ناتج عن تقديمهم التناقض مع "حزب الله" على التناقض مع العدو الإسرائيلي.
4 – التعاطي مع المحكمة الدولية والسلاح: كان طرفا الصراع في لبنان يعرفان التناقض القائم بينهما حول السلاح والمقاومة، وكان تعاطيهما بالنسبة لهذا الموضوع يتميز بالحدة التي تُظهر وكأن هذا التناقض رئيسي. فلماذا قبلا بأن يشكلا حكومة واحدة؟
5 – التعاطي مع حرب تموز: اتهم "حزب الله" الحكومة إبان حرب تموز بالتعاطي السيء. وهذا صحيح. لأنها كانت تريد سحب سلاح المقاومة من دون سحب السلاح الإسرائيلي. وهذا يعني ترك البلاد مكشوفة أمام العدو الإسرائيلي. ورغم ما تقدم قبل الحزب بالإشتراك في حكومة تضم رموز من تآمر عليه خلال حرب تموز، مع معرفته بذلك. لماذا؟
6 – وثائق ويكيليكس: يتعاطى جميع أطراف الثامن من آذار مع هذه الوثائق وكأنها الحقيقة المطلقة. فإذا كانت كذلك فهذا يعني أن أطراف الرابع عشر من أذار هم عملاء للإسرائيلي، فما هو مبرر التعايش معهم، أو بالأحرى لماذا لا نحاربهم؟
7 – التعامل مع أزمة البحرين والخليج: كان موقف حزب الله من أزمة البحرين موقفاً مبدئياً، وهو الوقوف مع مطالب الشعب البحريني. فكان التعاطي مع هذا الموقف على أنه موقف مذهبي أدى إلى تأزيم العلاقة مع دول الخليج، مما يهدد وجود عدد من اللبنانيين في الخليج. وهذه بالتالي أزمة وطنية وليست أزمة طائفية أو مذهبية.
8 – التعامل مع أزمة ساحل العاج: تعاطت بعض الأطراف بشكل متسرع مع أزمة ساحل العاج مما أدى إلى إرتدادات سلبية، فُسرت على أساس مذهبي. هذا مع العلم أن هذا التفسير فيه الكثير من التبسيط. وهذه أزمة فعلية لأن أعداد اللبنانيين في ساحل العاج كبيرة، وعودتهم هم وأقرانهم في الخليج سوف تشكل أزمة لبنانية كبيرة. وإذا أضفنا أن أطراف الثامن من آذار سوف يجدون صعوبة كبيرة في التعامل مع هذه الأزمات، نرى عندها أهمية عدم التعاطي مع هذه الأزمات على أساس سياسي، إنما ضرورة التعامل معها على أساس أنها أزمات وطنية، وهي كذلك.
جميع ما تقدم يُظهر أن الأزمة التي يعاني منها لبنان هي أزمة وطنية وليست أزمة سياسية، تستدعي تضافر جميع الجهود للتمكن من مجابهتها أو التعامل معها. هذا ما يدفعنا إلى القول أن الحكومة القادمة يجب أن لا تكون حكومة سياسية، إنما حكومة من التكنوقراط، وليست حكومة مختلطة.
إن حكومة من التكنوقراط هي فقط من بإمكانها التعامل مع هذه الأزمات. أما البديل فهي الكارثة الوطنية، حيث سوف نرى حكومة لا يقبل بالتعامل معها أولئك الذين نحن بحاجة ان نتعامل معهم حتى لا تقع البلاد بمشاكل وأزمات لا إمكانية لحلها. كما أن حكومة تكنوقراط لن تحمل الصفة السياسية التي يحب البعض أن يعطيها لحكومة الرئيس ميقاتي لتصويرها وكأنها متصادمة مع المجتمع الدولي. نضيف إلى ما تقدم أن الكثير من المرجعيات السياسية يميلون إلى هذا الخيار، كما أن المرجعيات الدينية تؤيد هذا الخيار. أضف إلى ذلك أن التعامل التصادمي بين مختلف الأطراف السياسية يحتم هذا الخيار حتى لا يكون البديل حرباً داخلية لا تنتهي، نتخوف من أن تصبح غير باردة.
6 نيسان 2011 حسن ملاط
معظم السياسيين اللبنانيين تهمهم مصالحهم الشخصية في الدرجة الأولى. ولا بأس إن كان هناك تقاطع ما بين مصالحهم الشخصية والمصالح الوطنية. نقول هذا الكلام نتيجة الأزمة الوزارية المستمرة منذ التكليف الأول للرئيس سعد الحريري، ثم التكليف الثاني الذي أعقبه تشكيل ما اتُفق على تسميته "حكومة الوحدة الوطنية"، ثم إقالة الحكومة وتكليف الرئيس نجيب ميقاتي بعد أخذ ورد.
لماذا افترضنا أن الأزمة بدأت منذ ذلك الحين؟ نقول ذلك لأن المتابع للأوضاع الداخلية اللبنانية يعرف وبجلاء تام أن حكومة الرئيس الحريري لم تتمكن من الحكم، ولم تتمكن من الإهتمام بقضايا الناس. منهم من يقول أنها لا تهتم بالناس وقضاياهم. ومنهم من يقول أنه لم يُسمح لها بأن تحكم. وما نقوله هو رأي الأطراف السياسية المتنازعة، نعني من يسمون بأطراف 8 آذار و 14 آذار. وهذا ما يدفعنا للتساؤل المشروع: هل التناقض بين قوى الثامن من آذار والرابع عشر منه هو تناقض رئيسي أم تناقض ثانوي؟ الجواب عن هذا السؤال يستدعي عرض أمور كثيرة.
1 – مسألة المحكمة الدولية: قوى الثامن من آذار ترفض بالمطلق الإعتراف بالمحكمة الدولية وهي تعتبرها إسرائيلية. أما قوى الرابع عشر من آذار فهي تعتبرها أي المحكمة حجر الرحى في جميع سياساتها. نضيف هنا أنه رغم هذا التناقض فقد تشكلت حكومة شاركت فيها قوى الثامن من آذار رغم نصها على الإلتزام بالمحكمة الدولية وبمفاعيلها؟
2 – سلاح المقاومة: قوى الرابع عشر من آذار لا توافق على أن يكون سلاح المقاومة مستقلاً عن سلطة الدولة، من أجل ذلك كان هذا السلاح هو البند الوحيد على طاولة الحوار التي كانت تضم جميع القوى الأساسية على الساحة اللبنانية. ورغم ذلك نص البيان الوزاري لحكومة الحريري على بند سلاح المقاومة بصيغة الشعب والجيش والمقاومة.
3 – حرب تموز: سجلت المقاومة انتصاراً باهراً على العدو الإسرائيلي، لا زال حتى الآن يعاني منه "المجتمع الإسرائيلي". هذا الإنتصار لم تعترف به قوى الرابع عشر من آذار برغم اعتراف حتى العدو الإسرائيلي به. وكانت حجتهم أنه قد وقع دمار في البنية التحتية اللبنانية. وهذا هراء! كان الإتحاد السوفياتي يحتفل بانتصاره على النازية مع أنه قدم 22 مليون قتيل في هذه الحرب. فعدم اعتراف هذه القوى بالإنتصار ناتج عن تقديمهم التناقض مع "حزب الله" على التناقض مع العدو الإسرائيلي.
4 – التعاطي مع المحكمة الدولية والسلاح: كان طرفا الصراع في لبنان يعرفان التناقض القائم بينهما حول السلاح والمقاومة، وكان تعاطيهما بالنسبة لهذا الموضوع يتميز بالحدة التي تُظهر وكأن هذا التناقض رئيسي. فلماذا قبلا بأن يشكلا حكومة واحدة؟
5 – التعاطي مع حرب تموز: اتهم "حزب الله" الحكومة إبان حرب تموز بالتعاطي السيء. وهذا صحيح. لأنها كانت تريد سحب سلاح المقاومة من دون سحب السلاح الإسرائيلي. وهذا يعني ترك البلاد مكشوفة أمام العدو الإسرائيلي. ورغم ما تقدم قبل الحزب بالإشتراك في حكومة تضم رموز من تآمر عليه خلال حرب تموز، مع معرفته بذلك. لماذا؟
6 – وثائق ويكيليكس: يتعاطى جميع أطراف الثامن من آذار مع هذه الوثائق وكأنها الحقيقة المطلقة. فإذا كانت كذلك فهذا يعني أن أطراف الرابع عشر من أذار هم عملاء للإسرائيلي، فما هو مبرر التعايش معهم، أو بالأحرى لماذا لا نحاربهم؟
7 – التعامل مع أزمة البحرين والخليج: كان موقف حزب الله من أزمة البحرين موقفاً مبدئياً، وهو الوقوف مع مطالب الشعب البحريني. فكان التعاطي مع هذا الموقف على أنه موقف مذهبي أدى إلى تأزيم العلاقة مع دول الخليج، مما يهدد وجود عدد من اللبنانيين في الخليج. وهذه بالتالي أزمة وطنية وليست أزمة طائفية أو مذهبية.
8 – التعامل مع أزمة ساحل العاج: تعاطت بعض الأطراف بشكل متسرع مع أزمة ساحل العاج مما أدى إلى إرتدادات سلبية، فُسرت على أساس مذهبي. هذا مع العلم أن هذا التفسير فيه الكثير من التبسيط. وهذه أزمة فعلية لأن أعداد اللبنانيين في ساحل العاج كبيرة، وعودتهم هم وأقرانهم في الخليج سوف تشكل أزمة لبنانية كبيرة. وإذا أضفنا أن أطراف الثامن من آذار سوف يجدون صعوبة كبيرة في التعامل مع هذه الأزمات، نرى عندها أهمية عدم التعاطي مع هذه الأزمات على أساس سياسي، إنما ضرورة التعامل معها على أساس أنها أزمات وطنية، وهي كذلك.
جميع ما تقدم يُظهر أن الأزمة التي يعاني منها لبنان هي أزمة وطنية وليست أزمة سياسية، تستدعي تضافر جميع الجهود للتمكن من مجابهتها أو التعامل معها. هذا ما يدفعنا إلى القول أن الحكومة القادمة يجب أن لا تكون حكومة سياسية، إنما حكومة من التكنوقراط، وليست حكومة مختلطة.
إن حكومة من التكنوقراط هي فقط من بإمكانها التعامل مع هذه الأزمات. أما البديل فهي الكارثة الوطنية، حيث سوف نرى حكومة لا يقبل بالتعامل معها أولئك الذين نحن بحاجة ان نتعامل معهم حتى لا تقع البلاد بمشاكل وأزمات لا إمكانية لحلها. كما أن حكومة تكنوقراط لن تحمل الصفة السياسية التي يحب البعض أن يعطيها لحكومة الرئيس ميقاتي لتصويرها وكأنها متصادمة مع المجتمع الدولي. نضيف إلى ما تقدم أن الكثير من المرجعيات السياسية يميلون إلى هذا الخيار، كما أن المرجعيات الدينية تؤيد هذا الخيار. أضف إلى ذلك أن التعامل التصادمي بين مختلف الأطراف السياسية يحتم هذا الخيار حتى لا يكون البديل حرباً داخلية لا تنتهي، نتخوف من أن تصبح غير باردة.
6 نيسان 2011 حسن ملاط
الأحد، 3 أبريل 2011
ميقاتي والمرجعية
عقد المجلس الاسلامي الشرعي الاعلى اجتماعاً في دار الفتوى امس، برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، شارك فيه ميقاتي بصفته عضواً. وافاد بيان لمكتب ميقاتي "انه شرح للمجتمعين الظروف التي تحوط عملية تشكيل الحكومة، مؤكداً أنه يعمل تحت سقف الدستور والصلاحيات المعطاة له على معالجة العقبات التي تعترض تشكيل الحكومة. وابدى تفاؤله بأن تساهم الاتصالات الجارية في تعجيل وتيرة العمل لانجاز التشكيلة الحكومية. وقال: أنا متأكد ان كل الافرقاء يدركون حجم المسؤولية الوطنية التي تستدعي التعاون لتقديم حكومة منتجة ترضي طموحات اللبنانيين".
وفي ختام الاجتماع، اصدر المجلس بياناً دعا فيه "المتنازعين على الكراسي الوزارية إلى استفاقةٍ عاجلة توفر للمواطنين حقهم في الحياة والعيش المستقر والمستند إلى أسس دستورية وديموقراطية سليمة نتمسك بها أساساً للعيش الوطني، ومن شأنها احترام القواعد والتقاليد والتوازنات المتعارف عليها في دور أيّ رئيس مكلف وصلاحياته في اختيار الوزراء بمسؤولية توفر التوازنات الوطنية والسياسية، وتسهل مهمة الرئيس ميقاتي الذي يحظى بثقتنا وتقديرنا لتشكيل حكومة قادرة على القيام بمسؤولياتها الوطنية والاجتماعية في الظروف الصعبة، عبر وزراء تتوافر فيهم كفايات علمية وخلقية مميزة ومتضامنة في أدائها لتقود البلاد والمواطنين إلى الثقة بوطنهم ومستقبلهم".
اللافت في هذا التحرك من قبل الرئيس ميقاتي هو محاولته ابتداع تقليد عند السياسين اللبنانيين، وهو عودتهم إلى مرجعياتهم الطائفية. وهذا لا ينفرد فيه من ينتمي إلى السنة في لبنان. فكل المراجع الطائفية تتبع الطرف الفاعل ضمن طائفتها، أو الطرف الذي ترى فيه الممثل الحقيقي لهذه المرجعية الطائفية. فجميع البيانات التي تصدر عن المجلس الشيعي تؤيد التوجه السياسي لحزب الله وحركة أمل. والمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى يؤيد آل الحريري. أما البطريركية المارونية فتؤيد سمير جعجع لأن الأخير يفترض أن المسيحيين هم جالية غربية في لبنان وهذا هو توجه البطركية المارونية في عهد البطرك صفير، كما أن البطرك الجديد لمح بشكل لافت إلى الحفاظ على نفس التوجه.
هل ما تقدم يعني أن المرجعية السنية سوف تعطي تأييدها للرئيس ميقاتي؟
نحن لا نعتقد ذلك، إنما نرى بأن الرئيس ميقاتي قد أقدم على خطوة لا يمكن إلا أن تُحرج من يدعون تمثيل سنة لبنان، فأجبرهم على اتخاذ موقف مؤيد له. أما بديل هذا الموقف من قبل المجلس الشرعي هو أن المجلس والعماد عون يضغطون على الرئيس ميقاتي لتحقيق مطالب عون وليس مطالب السنة اللبنانيين.
هل قبل السياسيون السنة بموقف المجلس الشرعي؟
لا يغرب عن بالنا أن أكثر هؤلاء يتبعون سياسياً للرئيس سعد الحريري. من أجل ذلك انبرى النائب المشنوق، وهو سني، إلى الرد على بيان المجلس الشرعي قائلاً: الرئيس الحريري وكتلته "لن يشاركوا او يفاوضوا في اي مسألة تتعلق بالحكومة الحالية او حكومة مقبلة قبل اخراج السلاح من الحياة السياسية". ورأى "ان كل الكلام عن ضغوط يتعرض لها الرئيس ميقاتي سببها اختياره التحالف مع الاكثرية الجديدة، والامر الطبيعي ان يدفع ثمن هذا التحالف. ولا يمكن ان يطلب مساعدة على حلفائه الجدد طالما انه هو من اختار التحالف مع حزب الله والعماد عون".
لقد تناسى المشنوق أن الثوابت الواردة في بيان المجلس الشرعي قد وافق هو عليها كما وافق عليها الرئيس الحريري. كما أنه لا يمكنه أن يُملي على الرئيس ميقاتي شكل الحكومة التي يريد تشكيلها. كما ونضيف أن أهل السنة في لبنان لا يقبلون من الرئيس ميقاتي أن يشكل حكومة على الطريقة التي شكل فيها الرئيس الحريري حكومته. ذلك أن من شكل حكومة الحريري هو العماد عون وحلفاؤه. وما فعله الرئيس الحريري هو الموافقة على هذه الحكومة مجبراً أو مختاراً. إن ما فعله الرئيس ميقاتي هو وضع من يمثلون السنة السياسية عند مسؤولياتهم، إما بتكريس السابقة التي عمل بها الرئيس الحريري، وهي أن يعلن العماد عون أسماء الوزراء وحقائبهم، أو العودة إلى الدستور بأن يشكل رئيس مجلس الوزراء الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية، ثم يصدر رئيس البلاد المراسيم ويذيعها رئيس مجلس الوزراء.
إن ما ذهب إليه النائب المشنوق ومن يمثل، يعني وبوضوح تام أن تيار المستقبل، ولأسباب كيدية، يريد أن يعرض أهم مركز للسنة في لبنان للخطر. فالضغوط التي تعرض لها الرئيس الحريري عند تشكيله حكومته الأولى، قد أدت به إلى التنازل عن صلاحياته للجنرال عون. أما الرئيس ميقاتي الذي يتعرض لنفس الضغوط لم يقبل بالتنازل عن صلاحياته لأي كان، بالرغم من أن النواب السنة لا يمحضونه تأييدهم. فهو في الميدان يرفض التنازل عن أي حق أعطاه إياه الدستور، حتى وإن كان وحيداً.
إن ادعاء من ادعى أن تيار الرئيس الحريري يمثل السنة في لبنان، تدحضه الوقائع التي نراها الآن. هذه الوقائع الذي أحسن الرئيس ميقاتي التصرف إزاءها. فهو قد وضع جميع المسؤولين أمام مسؤولياتهم، من دون أن يتهرب من حمله للمسؤولية.
حسن ملاط
عقد المجلس الاسلامي الشرعي الاعلى اجتماعاً في دار الفتوى امس، برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، شارك فيه ميقاتي بصفته عضواً. وافاد بيان لمكتب ميقاتي "انه شرح للمجتمعين الظروف التي تحوط عملية تشكيل الحكومة، مؤكداً أنه يعمل تحت سقف الدستور والصلاحيات المعطاة له على معالجة العقبات التي تعترض تشكيل الحكومة. وابدى تفاؤله بأن تساهم الاتصالات الجارية في تعجيل وتيرة العمل لانجاز التشكيلة الحكومية. وقال: أنا متأكد ان كل الافرقاء يدركون حجم المسؤولية الوطنية التي تستدعي التعاون لتقديم حكومة منتجة ترضي طموحات اللبنانيين".
وفي ختام الاجتماع، اصدر المجلس بياناً دعا فيه "المتنازعين على الكراسي الوزارية إلى استفاقةٍ عاجلة توفر للمواطنين حقهم في الحياة والعيش المستقر والمستند إلى أسس دستورية وديموقراطية سليمة نتمسك بها أساساً للعيش الوطني، ومن شأنها احترام القواعد والتقاليد والتوازنات المتعارف عليها في دور أيّ رئيس مكلف وصلاحياته في اختيار الوزراء بمسؤولية توفر التوازنات الوطنية والسياسية، وتسهل مهمة الرئيس ميقاتي الذي يحظى بثقتنا وتقديرنا لتشكيل حكومة قادرة على القيام بمسؤولياتها الوطنية والاجتماعية في الظروف الصعبة، عبر وزراء تتوافر فيهم كفايات علمية وخلقية مميزة ومتضامنة في أدائها لتقود البلاد والمواطنين إلى الثقة بوطنهم ومستقبلهم".
اللافت في هذا التحرك من قبل الرئيس ميقاتي هو محاولته ابتداع تقليد عند السياسين اللبنانيين، وهو عودتهم إلى مرجعياتهم الطائفية. وهذا لا ينفرد فيه من ينتمي إلى السنة في لبنان. فكل المراجع الطائفية تتبع الطرف الفاعل ضمن طائفتها، أو الطرف الذي ترى فيه الممثل الحقيقي لهذه المرجعية الطائفية. فجميع البيانات التي تصدر عن المجلس الشيعي تؤيد التوجه السياسي لحزب الله وحركة أمل. والمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى يؤيد آل الحريري. أما البطريركية المارونية فتؤيد سمير جعجع لأن الأخير يفترض أن المسيحيين هم جالية غربية في لبنان وهذا هو توجه البطركية المارونية في عهد البطرك صفير، كما أن البطرك الجديد لمح بشكل لافت إلى الحفاظ على نفس التوجه.
هل ما تقدم يعني أن المرجعية السنية سوف تعطي تأييدها للرئيس ميقاتي؟
نحن لا نعتقد ذلك، إنما نرى بأن الرئيس ميقاتي قد أقدم على خطوة لا يمكن إلا أن تُحرج من يدعون تمثيل سنة لبنان، فأجبرهم على اتخاذ موقف مؤيد له. أما بديل هذا الموقف من قبل المجلس الشرعي هو أن المجلس والعماد عون يضغطون على الرئيس ميقاتي لتحقيق مطالب عون وليس مطالب السنة اللبنانيين.
هل قبل السياسيون السنة بموقف المجلس الشرعي؟
لا يغرب عن بالنا أن أكثر هؤلاء يتبعون سياسياً للرئيس سعد الحريري. من أجل ذلك انبرى النائب المشنوق، وهو سني، إلى الرد على بيان المجلس الشرعي قائلاً: الرئيس الحريري وكتلته "لن يشاركوا او يفاوضوا في اي مسألة تتعلق بالحكومة الحالية او حكومة مقبلة قبل اخراج السلاح من الحياة السياسية". ورأى "ان كل الكلام عن ضغوط يتعرض لها الرئيس ميقاتي سببها اختياره التحالف مع الاكثرية الجديدة، والامر الطبيعي ان يدفع ثمن هذا التحالف. ولا يمكن ان يطلب مساعدة على حلفائه الجدد طالما انه هو من اختار التحالف مع حزب الله والعماد عون".
لقد تناسى المشنوق أن الثوابت الواردة في بيان المجلس الشرعي قد وافق هو عليها كما وافق عليها الرئيس الحريري. كما أنه لا يمكنه أن يُملي على الرئيس ميقاتي شكل الحكومة التي يريد تشكيلها. كما ونضيف أن أهل السنة في لبنان لا يقبلون من الرئيس ميقاتي أن يشكل حكومة على الطريقة التي شكل فيها الرئيس الحريري حكومته. ذلك أن من شكل حكومة الحريري هو العماد عون وحلفاؤه. وما فعله الرئيس الحريري هو الموافقة على هذه الحكومة مجبراً أو مختاراً. إن ما فعله الرئيس ميقاتي هو وضع من يمثلون السنة السياسية عند مسؤولياتهم، إما بتكريس السابقة التي عمل بها الرئيس الحريري، وهي أن يعلن العماد عون أسماء الوزراء وحقائبهم، أو العودة إلى الدستور بأن يشكل رئيس مجلس الوزراء الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية، ثم يصدر رئيس البلاد المراسيم ويذيعها رئيس مجلس الوزراء.
إن ما ذهب إليه النائب المشنوق ومن يمثل، يعني وبوضوح تام أن تيار المستقبل، ولأسباب كيدية، يريد أن يعرض أهم مركز للسنة في لبنان للخطر. فالضغوط التي تعرض لها الرئيس الحريري عند تشكيله حكومته الأولى، قد أدت به إلى التنازل عن صلاحياته للجنرال عون. أما الرئيس ميقاتي الذي يتعرض لنفس الضغوط لم يقبل بالتنازل عن صلاحياته لأي كان، بالرغم من أن النواب السنة لا يمحضونه تأييدهم. فهو في الميدان يرفض التنازل عن أي حق أعطاه إياه الدستور، حتى وإن كان وحيداً.
إن ادعاء من ادعى أن تيار الرئيس الحريري يمثل السنة في لبنان، تدحضه الوقائع التي نراها الآن. هذه الوقائع الذي أحسن الرئيس ميقاتي التصرف إزاءها. فهو قد وضع جميع المسؤولين أمام مسؤولياتهم، من دون أن يتهرب من حمله للمسؤولية.
حسن ملاط
الجمعة، 1 أبريل 2011
السيرة النبوية.. لماذا نقرأها وكيف؟
نحن نعتقد أن جميع الناس، على مختلف عقائدهم ومذاهبهم معنيون بقراءة سيرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
فبالنسبة للمسلمين، فهم مأمورون بنص كتاب الله بالتأسي برسول الله: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، لمن كان يرجو الله واليوم الآخر". وجميع المؤمنين من المسلمين يرجون الله واليوم الآخر. فبالنسبة لهؤلاء، الأمر بغاية البساطة: حتى يكون ممارساً صحيحاً لإيمانه، عليه أن يعرف كيف مارس النبي صلى الله عليه وسلم إيمانه ثم يسير على خطاه. ولن يتأتى له ذلك إن لم يقرأ السيرة.
رب قائل يقول، يمكنه الإستغناء عن قراءة السيرة بقراءة كتب السنة المعروفة. هذا الكلام يحمل الكثير من المصداقية، ولكنه من وجهة نظرنا غير كاف، لأن الكثير من الأحاديث الشريفة لا نعرف بأي ظرف قيلت. وبذلك تكون منزوعة من سياقها، فهي بالتالي تحمل معنى العمومية المطلقة. وهذا يعني أن المرء يستخدمها كما يريد (إلا من رحم ربي)، من دون أن تؤدي إلى الغاية التي أرادها النبي عليه السلام. وبذلك لا يكون المرء مستناً بالنبي بالرغم من أنه يعتبر نفسه مالكاً للدليل.
إن المثال الشائع على ما ذهبنا إليه هو التالي: لقد حلل بعض رجال الدين لأنور السادات الصلح مع العدو الصهيوني. في نفس الآن، حرم بعض الفقهاء الصلح مع العدو الصهيوني الذي قام به السادات. علماً أن هؤلاء وأولئك أتوا بالدليل من الكتاب والسنة!
حلل بعض العلماء السعوديين لملكهم الإستعانة بالأجنبي الأمريكي لغزو العراق من الأراضي السعودية. في نفس الوقت حرم بعض الفقهاء غزو العراق من الأراضي السعودية من قبل الأجنبي. والدليل موجود.
بعض الناس يقولون أن خلاف الفقهاء فيه رحمة. لا إعتراض شريطة أن لا يؤدي هذا الخلاف إلى هلاك الأمة كما فعل السادات أو الملك السعودي.
إن ما يضبط هذه الفتاوى هو العودة إلى السيرة المطهرة ورؤية ما فعله الرسول، صلى الله عليه وسلم، في ظروف مشابهة للقياس عليه أو للبحث في الأسباب التي دعت النبي عليه السلام للقيام بما قام به.
يُروى أن علياً بن أبي طالب أرسل عبد الله بن عباس لمناقشة الخوارج بعد انشقاقهم عليه بعد حادثة التحكيم. لم يُوفق ابن عباس بمهمته. فسأله علي بم ناقشهم. فأجابه ابن عباس أنه ناقشهم بالقرآن. فقال له علي لا تناقشهم بالقرآن فإنه حمال أوجه، ولكن ناقشهم بالسنة. فالسنة معروفة من الجميع لأنهم جميعهم عاصروا النبي عليه السلام. فلا إمكانية للخلاف. وعندما فعل ابن عباس ذلك تراجع الكثير من الخوارج عن ضلالتهم.
اليوم القرآن نص عام، والسنة كذلك. أما السيرة فليست كذلك. لذلك يمكن ضبط الكثير من الأمور عبر السيرة. ولا أقول جميعها. وهذا هو الأسلم.
أما بالنسبة للآخرين فلماذا يقرأون السيرة المطهرة؟
إن العاملين في الحقل الإجتماعي أو السياسي، والعاملين على تغيير المجتمع في الإتجاه الإيجابي، عليهم أن يستفيدوا من جميع التجارب الإجتماعية. وحيث أن التجارب الناجحة لها الكثير من الجاذبية، فإن فيها الدليل على إمكانية النجاح. لذلك، كان من المنطقي دراسة سيرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، لأنها كانت تجربة ناجحة في جميع المعايير. فخلال ثلاث وعشرين عاماً، تمكن الرسول الكريم من بناء مجتمع جديد في كل معايير الجدة. كانت الرابطة التي تربط الناس فيما بينهم هي رابطة القبيلة ومتفرعاتها. ولكن النبي عليه السلام تمكن من استبدال هذه العلاقة بعلاقة جديدة أسماها علاقة الأخوة: إنما المؤمنون إخوة. وهذه العلاقة تدمر العلاقات العشائرية، لأن الرابط العصبي أصبح ممجوجاً واستُبدل برابط آخر أكثر حضارية لا يقوم على رابطة الدم والولاء للعصبية، إنما يقوم على الإلتزام العقائدي الذي لم تعرفه الجزيرة العربية من قبل. رب قائل أن هناك من كان يلتزم بدين السيد المسيح عليه السلام، وهذا صحيح. ولكن الملتزم كانت القبيلة. أما الملتزمون الأفراد فكانوا قلة مثل ورقة بن نوفل.
وهناك عامل آخر لا يمكن إغفاله، هو أن تجربة النبي حصلت في بلادنا، مع أبناء جلدتنا، وهذا ما يساعدنا على التفاؤل بإمكانية التغيير في بلادنا. فكل التجارب التي ندرسها كانت في بلاد أجنبية، سواء في فرنسا، أو روسيا أو الصين أو الفييتنام أو اللاوس... أما التجربة الرائدة في بلادنا ام نكلف نفسنا عناء دراستها. وفي هذا المجال أشير بشكل محدد إلى الحركات اليسارية في بلادنا.
كيف نقرأ السيرة؟
نحن نقرأ السيرة حتى نتمكن من تمثُل تجربة النبي صلى الله عليه وسلم، في مختلف مراحل حياته من دون استثناء. وما أورده هنا يتعلق بالمؤمنين وبغير المؤمنين. كيف عاش النبي قبل البعثة؟ وكيف بدأ النبي بدعوته للناس؟ بمن بدأ ولماذا؟ هل ظلت الدعوة على وتيرة واحدة أم أنها تغيرت؟ لماذا تغيرت، أو ما هي الظروف التي استجدت حتى دفعت النبي عليه السلام إلى تغيير أساليب الدعوة إلى الله. نحن نعلم أن النبي سافر إلى المدينة واستوطنها. لماذا قام بالهجرة. ما هي الأسئلة التي سألها لنفسه من أجل اتخاذ هذا القرار؟ ما هي الأمور التي قام بها تحضيراً لهجرة وما هي دلالاتها على الدعوة وأساليبها. ما الذي جعل النبي عليه السلام أن يقرر استخدام العنف مع المشركين؟ ...
لا أريد أن أطرح جميع الأسئلة ولكنني ما أقوم به هو إعطاؤكم نمط الأسئلة التي يجب طرحها على أنفسنا عند قراءة السيرة. أنا أتساءل أحياناً ماهي الآليات العقلية التي استخدمها البي عليه السلام لاتخاذ هذا القرار؟
هكذا نقرأ السيرة. هل من أمثلة عملية على هذه الكيفية في قراءة السيرة؟ الجواب نعم!
أرجو أن لا أكون قد أطلت، ولكني أعتقد أن هذا يكفي لفهم اتجاه التفكير الذي نقوم به، والذي أدعو جميع المهتمين للقيام به. ونحن على استعداد للإجابة على جميع الأسئلة من ضمن إمكاناتنا، والله الموفق.
1 نيسان 2011 حسن ملاط
نحن نعتقد أن جميع الناس، على مختلف عقائدهم ومذاهبهم معنيون بقراءة سيرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
فبالنسبة للمسلمين، فهم مأمورون بنص كتاب الله بالتأسي برسول الله: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، لمن كان يرجو الله واليوم الآخر". وجميع المؤمنين من المسلمين يرجون الله واليوم الآخر. فبالنسبة لهؤلاء، الأمر بغاية البساطة: حتى يكون ممارساً صحيحاً لإيمانه، عليه أن يعرف كيف مارس النبي صلى الله عليه وسلم إيمانه ثم يسير على خطاه. ولن يتأتى له ذلك إن لم يقرأ السيرة.
رب قائل يقول، يمكنه الإستغناء عن قراءة السيرة بقراءة كتب السنة المعروفة. هذا الكلام يحمل الكثير من المصداقية، ولكنه من وجهة نظرنا غير كاف، لأن الكثير من الأحاديث الشريفة لا نعرف بأي ظرف قيلت. وبذلك تكون منزوعة من سياقها، فهي بالتالي تحمل معنى العمومية المطلقة. وهذا يعني أن المرء يستخدمها كما يريد (إلا من رحم ربي)، من دون أن تؤدي إلى الغاية التي أرادها النبي عليه السلام. وبذلك لا يكون المرء مستناً بالنبي بالرغم من أنه يعتبر نفسه مالكاً للدليل.
إن المثال الشائع على ما ذهبنا إليه هو التالي: لقد حلل بعض رجال الدين لأنور السادات الصلح مع العدو الصهيوني. في نفس الآن، حرم بعض الفقهاء الصلح مع العدو الصهيوني الذي قام به السادات. علماً أن هؤلاء وأولئك أتوا بالدليل من الكتاب والسنة!
حلل بعض العلماء السعوديين لملكهم الإستعانة بالأجنبي الأمريكي لغزو العراق من الأراضي السعودية. في نفس الوقت حرم بعض الفقهاء غزو العراق من الأراضي السعودية من قبل الأجنبي. والدليل موجود.
بعض الناس يقولون أن خلاف الفقهاء فيه رحمة. لا إعتراض شريطة أن لا يؤدي هذا الخلاف إلى هلاك الأمة كما فعل السادات أو الملك السعودي.
إن ما يضبط هذه الفتاوى هو العودة إلى السيرة المطهرة ورؤية ما فعله الرسول، صلى الله عليه وسلم، في ظروف مشابهة للقياس عليه أو للبحث في الأسباب التي دعت النبي عليه السلام للقيام بما قام به.
يُروى أن علياً بن أبي طالب أرسل عبد الله بن عباس لمناقشة الخوارج بعد انشقاقهم عليه بعد حادثة التحكيم. لم يُوفق ابن عباس بمهمته. فسأله علي بم ناقشهم. فأجابه ابن عباس أنه ناقشهم بالقرآن. فقال له علي لا تناقشهم بالقرآن فإنه حمال أوجه، ولكن ناقشهم بالسنة. فالسنة معروفة من الجميع لأنهم جميعهم عاصروا النبي عليه السلام. فلا إمكانية للخلاف. وعندما فعل ابن عباس ذلك تراجع الكثير من الخوارج عن ضلالتهم.
اليوم القرآن نص عام، والسنة كذلك. أما السيرة فليست كذلك. لذلك يمكن ضبط الكثير من الأمور عبر السيرة. ولا أقول جميعها. وهذا هو الأسلم.
أما بالنسبة للآخرين فلماذا يقرأون السيرة المطهرة؟
إن العاملين في الحقل الإجتماعي أو السياسي، والعاملين على تغيير المجتمع في الإتجاه الإيجابي، عليهم أن يستفيدوا من جميع التجارب الإجتماعية. وحيث أن التجارب الناجحة لها الكثير من الجاذبية، فإن فيها الدليل على إمكانية النجاح. لذلك، كان من المنطقي دراسة سيرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، لأنها كانت تجربة ناجحة في جميع المعايير. فخلال ثلاث وعشرين عاماً، تمكن الرسول الكريم من بناء مجتمع جديد في كل معايير الجدة. كانت الرابطة التي تربط الناس فيما بينهم هي رابطة القبيلة ومتفرعاتها. ولكن النبي عليه السلام تمكن من استبدال هذه العلاقة بعلاقة جديدة أسماها علاقة الأخوة: إنما المؤمنون إخوة. وهذه العلاقة تدمر العلاقات العشائرية، لأن الرابط العصبي أصبح ممجوجاً واستُبدل برابط آخر أكثر حضارية لا يقوم على رابطة الدم والولاء للعصبية، إنما يقوم على الإلتزام العقائدي الذي لم تعرفه الجزيرة العربية من قبل. رب قائل أن هناك من كان يلتزم بدين السيد المسيح عليه السلام، وهذا صحيح. ولكن الملتزم كانت القبيلة. أما الملتزمون الأفراد فكانوا قلة مثل ورقة بن نوفل.
وهناك عامل آخر لا يمكن إغفاله، هو أن تجربة النبي حصلت في بلادنا، مع أبناء جلدتنا، وهذا ما يساعدنا على التفاؤل بإمكانية التغيير في بلادنا. فكل التجارب التي ندرسها كانت في بلاد أجنبية، سواء في فرنسا، أو روسيا أو الصين أو الفييتنام أو اللاوس... أما التجربة الرائدة في بلادنا ام نكلف نفسنا عناء دراستها. وفي هذا المجال أشير بشكل محدد إلى الحركات اليسارية في بلادنا.
كيف نقرأ السيرة؟
نحن نقرأ السيرة حتى نتمكن من تمثُل تجربة النبي صلى الله عليه وسلم، في مختلف مراحل حياته من دون استثناء. وما أورده هنا يتعلق بالمؤمنين وبغير المؤمنين. كيف عاش النبي قبل البعثة؟ وكيف بدأ النبي بدعوته للناس؟ بمن بدأ ولماذا؟ هل ظلت الدعوة على وتيرة واحدة أم أنها تغيرت؟ لماذا تغيرت، أو ما هي الظروف التي استجدت حتى دفعت النبي عليه السلام إلى تغيير أساليب الدعوة إلى الله. نحن نعلم أن النبي سافر إلى المدينة واستوطنها. لماذا قام بالهجرة. ما هي الأسئلة التي سألها لنفسه من أجل اتخاذ هذا القرار؟ ما هي الأمور التي قام بها تحضيراً لهجرة وما هي دلالاتها على الدعوة وأساليبها. ما الذي جعل النبي عليه السلام أن يقرر استخدام العنف مع المشركين؟ ...
لا أريد أن أطرح جميع الأسئلة ولكنني ما أقوم به هو إعطاؤكم نمط الأسئلة التي يجب طرحها على أنفسنا عند قراءة السيرة. أنا أتساءل أحياناً ماهي الآليات العقلية التي استخدمها البي عليه السلام لاتخاذ هذا القرار؟
هكذا نقرأ السيرة. هل من أمثلة عملية على هذه الكيفية في قراءة السيرة؟ الجواب نعم!
أرجو أن لا أكون قد أطلت، ولكني أعتقد أن هذا يكفي لفهم اتجاه التفكير الذي نقوم به، والذي أدعو جميع المهتمين للقيام به. ونحن على استعداد للإجابة على جميع الأسئلة من ضمن إمكاناتنا، والله الموفق.
1 نيسان 2011 حسن ملاط
الخليج.. فارسي أم عربي؟
لم تكتف الولايات المتحدة الأمريكية بالسيطرة على نفط الخليج، ولم تكتف بجعل ما يسمى بدول الخليج سوقاً لمنتجاتها، ولم تكتف باستنزاف أموال النفط من خلال بورصات الخليج، أو الأسواق المالية، ولم تكتف بتحويل مختلف إمارات الخليج إلى ترسانات أسلحة مدفوعة الثمن، وغير صالحة للإستعمال من أجل حماية الخليج، وعلاوة على ما تقدم، تريد الإدارة الأمريكية أن تُحضر لفتنة مذهبية حول عروبة أو فارسية الخليج!
سلمان الفارسي، رضي الله عنه وأرضاه قطع مئات الكيلومترات ليلتحق بالنبي العربي، صلوات الله وسلامه عليه، ماراً أو قاطعاً على أغلب الظن الخليج من دون أن يسأل عن هويته، لأن هويته الفارسية أو العربية لن تفيد في الحق شيئاً. ما يفيد أن يصبح الناس مسلمون حقاً حتى لا يسألوا عن هوية الخليج، الذي سيصبح إسلامياً بالضرورة، عندما يصبح خيار الناس إسلامهم.
ولكن علينا أن نسأل عن السبب في إثارة مثل هذه القضايا السخيفة. سخيفة لأنها لا تقدم ولا تؤخر. ولكن حيث أنني رأيت أن هناك كلاماً عنها من قبل أناس من "صفوة" المجتمع رأيت نفسي مضطراً لإعادة هذا الموضوع إلى حجمه الحقيقي. هذا علماً أنني على يقين أن إثارة هذا الموضوع ليس بريئاً، إنما يستهدف على وجه التحديد التصويب على المساعدات السخية التي تقدمها إيران للمقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية. فعرب أمريكا ومن يستمع إليهم لا يرحمون ولا يسمحون بنزول الرحمة على من يرفع رؤوس العرب والمسلمين، أعني المقاومة اللبنانية والفلسطينية.
جاء في دائرة المعارف الإلكترونية "ويكيبيديا": "أقدم اسم معروف (للخليج) هو اسم "بحر أرض الإله" ولغاية الألف الثالثة قبل الميلاد. ثم أصبح إسمه "بحر الشروق الكبير" حتى الألف الثاني قبل الميلاد. وسمي "بحر بلاد الكلدان" في الألف الأول قبل الميلاد. ثم أصبح اسمه "بحر الجنوب" خلال النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد.
سماه الآشوريون والبابليون والأكاديون: "البحر الجنوبي" أو "البحر السفلي" كما أطلق عليه الآشوريون نارمرتو أي "البحر المر".
سماه الفرس "بحر فارس". قيل التسمية عرفت في أول الأمر من قبل الملك الفارسي داريوش الأول521-486) ق.م) في كلامه "على البحر الذي يربط بين مصر وفارس".
سماه الرومان "الخليج العربي". وممن أطلق تلك التسمية المؤرخ الروماني بليني Pliny the Younger في القرن الأول للميلاد. قال بليني: «خاراكس(المحمرة) مدينة تقع في الطرف الأقصى من الخليج العربي، حيث يبدأ الجزء الأشد بروزاً من العربية السعيدة، وهي مبنية على مرتفع اصطناعي.
سماه العرب "خليج البصرة" أو "خليج عمان" أو "خليج البحرين" أو "خليج القطيف" لأن هذه المدن الثلاث كانت تتخذه منطلقاً للسفن التي تمخر عبابه وتسيطر على مياهه. ويعود اسم "بحر البصرة" إلى فترة الفتح الإسلامي في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب. ونجد النحويين الأوائل يستعملونها مثل الخليل بن أحمد الفراهيدي توفي 160هـ. كما استعملها الجفرافيون مثل ياقوت الحموي والمؤرخون مثل خليفة بن خياط والذهبي. وعلماء الدين مثل ابن تيمية . وإن كان اسم "بحر فارس" شائعاً كذلك في العصر الإسلامي، خاصة بين المسلمين الفرس. حتى أن البعض قد يستعمل الاسمين معاً في نفس الصفحة. كما أسماه بعض العرب أثناء الخلافة العباسية "خليج العراق"، لكن تسمية الخليج العربي بقيت مستعملة. يقول د. عماد الحفيظ: "إن تسمية الخليج العربي ظلت معروفة منذ قبل الإسلام واستمرت إلى ما بعد الإسلام لدى سكان شبه الجزيرة العربية وما جاورها".
سماه العثمانيون "خليج البصرة" (بصرة كورتري).
المؤرخ الألماني كارستن نيبور، سنة 1762 يسمي الخليج بالفارسي مع أنه يقر بأن السكان على الضفتين هم من العرب.
كما كتب جون بيير فينون أستاذ المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية في باريس في كانون الثاني 1990 دراسة في مجلة اللوموند الفرنسية حول الخليج تؤكد تسميته الخليج بالعربي.
إن العديد من الأطالس والمراجع الجغرافية الأوروبية (مثل موسوعة أونيفرساليس هاشيت ومعظم الموسوعات الأوروبية) بدأت منذ النصف الثاني من القرن العشرين باستخدام التعبير العلمي التاريخي – الجغرافي المتوازن وهو «الخليج العربي – الفارسي». وقامت «الجمعية الوطنية للجغرافيا» التي تصدر مجلة "ناشيونال جيوغرافيك"، وهي المرجع الرئيسي للجغرافيا في الولايات المتحدة، بوضع اسم الخليج العربي تحت اسم الخليج الفارسي. في حين فضلت بعض الجامعات والمنظمات الغربية (مثل: Times Atlas of the World ومتحف اللوفر ) استعمال تعبير "الخليج" (The Gulf) بدون ذكر كلمة عربي أو فارسي".
مما تقدم نرى أن لا اتفاق نهائي بين المؤرخين أو الجغرافيين على تسمية الخليج لا بالعربي ولا بالفارسي، وهذا منذ أمد طويل يمتد قروناً. فما معنى إثارة هذا الموضوع من جديد؟
نحن نعتقد أن هذا الأمر علينا أن نعيده إلى الخلاف القائم ما بين بعض الدول العربية والجمهورية الإسلامية حول الخيارات الإستراتيجية لكل منها. فالخلاف القائم ما بين إيران والإدارة الأمريكية تجعل الأخيرة تجند حلفاءها الخليجيين في هذا الصراع. وحيث أن الخليجيين يريدون أن يستخدموا جميع إمكاناتهم في الصراع، لذلك فتحوا معركة التسمية. سوريا تسمي الخليج بالعربي، ولكن لا صراع بين سوريا وإيران، إنما هناك تحالف استراتيجي.
أصبح الأمر واضحاً، ولا داعي للإطالة، ولكن لا بأس من التساؤل المشروع: هل أن علماء «السنة» الفرس أو الذين من أصل غير عربي كالبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة وابو حنيفة والترمذي وابو داود، والواقدي، والاوحدي، والثعلبي، ومالك، والرازي، والغزالي وابن خزيمة، والحاكم، ويعقوب ابن سفيان والقرطبي والجرجاني والرازي وصاحب القاموس والزمخشري والتفتزاني والبلخي والقفال والمرزوي والنيسابوري والراغب الاصفهاني والخطيب التبريزي وغيرهم كثير أستطيع أن أورد أكثر من مئة عالم من أئمة الفقه والمذاهب ومن ألف أمهات الكتب، تساءلوا إن كان عليهم طاعة النبي عليه الصلاة والسلام، لأنه عربي قبل أن يؤمنوا بالله ويخدموا العربية طيلة حياتهم. هل يمكننا القول أنهم علموا وقاموا بما قاموا به لأنهم مؤمنون حقاً، ويعرفون أنه "لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي إلا بالتقوى".
يقول تبارك وتعالى: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم". لذا علينا العمل متضامنين، عرباً وفرساً لننزع عن خليجنا صفته الأمريكية ونعيده إلى أمتنا الإسلامية، ولا بأس عندها، إن كان فارسياً أو عربياً.
31 آذار 2011 حسن ملاط
لم تكتف الولايات المتحدة الأمريكية بالسيطرة على نفط الخليج، ولم تكتف بجعل ما يسمى بدول الخليج سوقاً لمنتجاتها، ولم تكتف باستنزاف أموال النفط من خلال بورصات الخليج، أو الأسواق المالية، ولم تكتف بتحويل مختلف إمارات الخليج إلى ترسانات أسلحة مدفوعة الثمن، وغير صالحة للإستعمال من أجل حماية الخليج، وعلاوة على ما تقدم، تريد الإدارة الأمريكية أن تُحضر لفتنة مذهبية حول عروبة أو فارسية الخليج!
سلمان الفارسي، رضي الله عنه وأرضاه قطع مئات الكيلومترات ليلتحق بالنبي العربي، صلوات الله وسلامه عليه، ماراً أو قاطعاً على أغلب الظن الخليج من دون أن يسأل عن هويته، لأن هويته الفارسية أو العربية لن تفيد في الحق شيئاً. ما يفيد أن يصبح الناس مسلمون حقاً حتى لا يسألوا عن هوية الخليج، الذي سيصبح إسلامياً بالضرورة، عندما يصبح خيار الناس إسلامهم.
ولكن علينا أن نسأل عن السبب في إثارة مثل هذه القضايا السخيفة. سخيفة لأنها لا تقدم ولا تؤخر. ولكن حيث أنني رأيت أن هناك كلاماً عنها من قبل أناس من "صفوة" المجتمع رأيت نفسي مضطراً لإعادة هذا الموضوع إلى حجمه الحقيقي. هذا علماً أنني على يقين أن إثارة هذا الموضوع ليس بريئاً، إنما يستهدف على وجه التحديد التصويب على المساعدات السخية التي تقدمها إيران للمقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية. فعرب أمريكا ومن يستمع إليهم لا يرحمون ولا يسمحون بنزول الرحمة على من يرفع رؤوس العرب والمسلمين، أعني المقاومة اللبنانية والفلسطينية.
جاء في دائرة المعارف الإلكترونية "ويكيبيديا": "أقدم اسم معروف (للخليج) هو اسم "بحر أرض الإله" ولغاية الألف الثالثة قبل الميلاد. ثم أصبح إسمه "بحر الشروق الكبير" حتى الألف الثاني قبل الميلاد. وسمي "بحر بلاد الكلدان" في الألف الأول قبل الميلاد. ثم أصبح اسمه "بحر الجنوب" خلال النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد.
سماه الآشوريون والبابليون والأكاديون: "البحر الجنوبي" أو "البحر السفلي" كما أطلق عليه الآشوريون نارمرتو أي "البحر المر".
سماه الفرس "بحر فارس". قيل التسمية عرفت في أول الأمر من قبل الملك الفارسي داريوش الأول521-486) ق.م) في كلامه "على البحر الذي يربط بين مصر وفارس".
سماه الرومان "الخليج العربي". وممن أطلق تلك التسمية المؤرخ الروماني بليني Pliny the Younger في القرن الأول للميلاد. قال بليني: «خاراكس(المحمرة) مدينة تقع في الطرف الأقصى من الخليج العربي، حيث يبدأ الجزء الأشد بروزاً من العربية السعيدة، وهي مبنية على مرتفع اصطناعي.
سماه العرب "خليج البصرة" أو "خليج عمان" أو "خليج البحرين" أو "خليج القطيف" لأن هذه المدن الثلاث كانت تتخذه منطلقاً للسفن التي تمخر عبابه وتسيطر على مياهه. ويعود اسم "بحر البصرة" إلى فترة الفتح الإسلامي في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب. ونجد النحويين الأوائل يستعملونها مثل الخليل بن أحمد الفراهيدي توفي 160هـ. كما استعملها الجفرافيون مثل ياقوت الحموي والمؤرخون مثل خليفة بن خياط والذهبي. وعلماء الدين مثل ابن تيمية . وإن كان اسم "بحر فارس" شائعاً كذلك في العصر الإسلامي، خاصة بين المسلمين الفرس. حتى أن البعض قد يستعمل الاسمين معاً في نفس الصفحة. كما أسماه بعض العرب أثناء الخلافة العباسية "خليج العراق"، لكن تسمية الخليج العربي بقيت مستعملة. يقول د. عماد الحفيظ: "إن تسمية الخليج العربي ظلت معروفة منذ قبل الإسلام واستمرت إلى ما بعد الإسلام لدى سكان شبه الجزيرة العربية وما جاورها".
سماه العثمانيون "خليج البصرة" (بصرة كورتري).
المؤرخ الألماني كارستن نيبور، سنة 1762 يسمي الخليج بالفارسي مع أنه يقر بأن السكان على الضفتين هم من العرب.
كما كتب جون بيير فينون أستاذ المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية في باريس في كانون الثاني 1990 دراسة في مجلة اللوموند الفرنسية حول الخليج تؤكد تسميته الخليج بالعربي.
إن العديد من الأطالس والمراجع الجغرافية الأوروبية (مثل موسوعة أونيفرساليس هاشيت ومعظم الموسوعات الأوروبية) بدأت منذ النصف الثاني من القرن العشرين باستخدام التعبير العلمي التاريخي – الجغرافي المتوازن وهو «الخليج العربي – الفارسي». وقامت «الجمعية الوطنية للجغرافيا» التي تصدر مجلة "ناشيونال جيوغرافيك"، وهي المرجع الرئيسي للجغرافيا في الولايات المتحدة، بوضع اسم الخليج العربي تحت اسم الخليج الفارسي. في حين فضلت بعض الجامعات والمنظمات الغربية (مثل: Times Atlas of the World ومتحف اللوفر ) استعمال تعبير "الخليج" (The Gulf) بدون ذكر كلمة عربي أو فارسي".
مما تقدم نرى أن لا اتفاق نهائي بين المؤرخين أو الجغرافيين على تسمية الخليج لا بالعربي ولا بالفارسي، وهذا منذ أمد طويل يمتد قروناً. فما معنى إثارة هذا الموضوع من جديد؟
نحن نعتقد أن هذا الأمر علينا أن نعيده إلى الخلاف القائم ما بين بعض الدول العربية والجمهورية الإسلامية حول الخيارات الإستراتيجية لكل منها. فالخلاف القائم ما بين إيران والإدارة الأمريكية تجعل الأخيرة تجند حلفاءها الخليجيين في هذا الصراع. وحيث أن الخليجيين يريدون أن يستخدموا جميع إمكاناتهم في الصراع، لذلك فتحوا معركة التسمية. سوريا تسمي الخليج بالعربي، ولكن لا صراع بين سوريا وإيران، إنما هناك تحالف استراتيجي.
أصبح الأمر واضحاً، ولا داعي للإطالة، ولكن لا بأس من التساؤل المشروع: هل أن علماء «السنة» الفرس أو الذين من أصل غير عربي كالبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة وابو حنيفة والترمذي وابو داود، والواقدي، والاوحدي، والثعلبي، ومالك، والرازي، والغزالي وابن خزيمة، والحاكم، ويعقوب ابن سفيان والقرطبي والجرجاني والرازي وصاحب القاموس والزمخشري والتفتزاني والبلخي والقفال والمرزوي والنيسابوري والراغب الاصفهاني والخطيب التبريزي وغيرهم كثير أستطيع أن أورد أكثر من مئة عالم من أئمة الفقه والمذاهب ومن ألف أمهات الكتب، تساءلوا إن كان عليهم طاعة النبي عليه الصلاة والسلام، لأنه عربي قبل أن يؤمنوا بالله ويخدموا العربية طيلة حياتهم. هل يمكننا القول أنهم علموا وقاموا بما قاموا به لأنهم مؤمنون حقاً، ويعرفون أنه "لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي إلا بالتقوى".
يقول تبارك وتعالى: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم". لذا علينا العمل متضامنين، عرباً وفرساً لننزع عن خليجنا صفته الأمريكية ونعيده إلى أمتنا الإسلامية، ولا بأس عندها، إن كان فارسياً أو عربياً.
31 آذار 2011 حسن ملاط
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)