الخليج.. فارسي أم عربي؟
لم تكتف الولايات المتحدة الأمريكية بالسيطرة على نفط الخليج، ولم تكتف بجعل ما يسمى بدول الخليج سوقاً لمنتجاتها، ولم تكتف باستنزاف أموال النفط من خلال بورصات الخليج، أو الأسواق المالية، ولم تكتف بتحويل مختلف إمارات الخليج إلى ترسانات أسلحة مدفوعة الثمن، وغير صالحة للإستعمال من أجل حماية الخليج، وعلاوة على ما تقدم، تريد الإدارة الأمريكية أن تُحضر لفتنة مذهبية حول عروبة أو فارسية الخليج!
سلمان الفارسي، رضي الله عنه وأرضاه قطع مئات الكيلومترات ليلتحق بالنبي العربي، صلوات الله وسلامه عليه، ماراً أو قاطعاً على أغلب الظن الخليج من دون أن يسأل عن هويته، لأن هويته الفارسية أو العربية لن تفيد في الحق شيئاً. ما يفيد أن يصبح الناس مسلمون حقاً حتى لا يسألوا عن هوية الخليج، الذي سيصبح إسلامياً بالضرورة، عندما يصبح خيار الناس إسلامهم.
ولكن علينا أن نسأل عن السبب في إثارة مثل هذه القضايا السخيفة. سخيفة لأنها لا تقدم ولا تؤخر. ولكن حيث أنني رأيت أن هناك كلاماً عنها من قبل أناس من "صفوة" المجتمع رأيت نفسي مضطراً لإعادة هذا الموضوع إلى حجمه الحقيقي. هذا علماً أنني على يقين أن إثارة هذا الموضوع ليس بريئاً، إنما يستهدف على وجه التحديد التصويب على المساعدات السخية التي تقدمها إيران للمقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية. فعرب أمريكا ومن يستمع إليهم لا يرحمون ولا يسمحون بنزول الرحمة على من يرفع رؤوس العرب والمسلمين، أعني المقاومة اللبنانية والفلسطينية.
جاء في دائرة المعارف الإلكترونية "ويكيبيديا": "أقدم اسم معروف (للخليج) هو اسم "بحر أرض الإله" ولغاية الألف الثالثة قبل الميلاد. ثم أصبح إسمه "بحر الشروق الكبير" حتى الألف الثاني قبل الميلاد. وسمي "بحر بلاد الكلدان" في الألف الأول قبل الميلاد. ثم أصبح اسمه "بحر الجنوب" خلال النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد.
سماه الآشوريون والبابليون والأكاديون: "البحر الجنوبي" أو "البحر السفلي" كما أطلق عليه الآشوريون نارمرتو أي "البحر المر".
سماه الفرس "بحر فارس". قيل التسمية عرفت في أول الأمر من قبل الملك الفارسي داريوش الأول521-486) ق.م) في كلامه "على البحر الذي يربط بين مصر وفارس".
سماه الرومان "الخليج العربي". وممن أطلق تلك التسمية المؤرخ الروماني بليني Pliny the Younger في القرن الأول للميلاد. قال بليني: «خاراكس(المحمرة) مدينة تقع في الطرف الأقصى من الخليج العربي، حيث يبدأ الجزء الأشد بروزاً من العربية السعيدة، وهي مبنية على مرتفع اصطناعي.
سماه العرب "خليج البصرة" أو "خليج عمان" أو "خليج البحرين" أو "خليج القطيف" لأن هذه المدن الثلاث كانت تتخذه منطلقاً للسفن التي تمخر عبابه وتسيطر على مياهه. ويعود اسم "بحر البصرة" إلى فترة الفتح الإسلامي في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب. ونجد النحويين الأوائل يستعملونها مثل الخليل بن أحمد الفراهيدي توفي 160هـ. كما استعملها الجفرافيون مثل ياقوت الحموي والمؤرخون مثل خليفة بن خياط والذهبي. وعلماء الدين مثل ابن تيمية . وإن كان اسم "بحر فارس" شائعاً كذلك في العصر الإسلامي، خاصة بين المسلمين الفرس. حتى أن البعض قد يستعمل الاسمين معاً في نفس الصفحة. كما أسماه بعض العرب أثناء الخلافة العباسية "خليج العراق"، لكن تسمية الخليج العربي بقيت مستعملة. يقول د. عماد الحفيظ: "إن تسمية الخليج العربي ظلت معروفة منذ قبل الإسلام واستمرت إلى ما بعد الإسلام لدى سكان شبه الجزيرة العربية وما جاورها".
سماه العثمانيون "خليج البصرة" (بصرة كورتري).
المؤرخ الألماني كارستن نيبور، سنة 1762 يسمي الخليج بالفارسي مع أنه يقر بأن السكان على الضفتين هم من العرب.
كما كتب جون بيير فينون أستاذ المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية في باريس في كانون الثاني 1990 دراسة في مجلة اللوموند الفرنسية حول الخليج تؤكد تسميته الخليج بالعربي.
إن العديد من الأطالس والمراجع الجغرافية الأوروبية (مثل موسوعة أونيفرساليس هاشيت ومعظم الموسوعات الأوروبية) بدأت منذ النصف الثاني من القرن العشرين باستخدام التعبير العلمي التاريخي – الجغرافي المتوازن وهو «الخليج العربي – الفارسي». وقامت «الجمعية الوطنية للجغرافيا» التي تصدر مجلة "ناشيونال جيوغرافيك"، وهي المرجع الرئيسي للجغرافيا في الولايات المتحدة، بوضع اسم الخليج العربي تحت اسم الخليج الفارسي. في حين فضلت بعض الجامعات والمنظمات الغربية (مثل: Times Atlas of the World ومتحف اللوفر ) استعمال تعبير "الخليج" (The Gulf) بدون ذكر كلمة عربي أو فارسي".
مما تقدم نرى أن لا اتفاق نهائي بين المؤرخين أو الجغرافيين على تسمية الخليج لا بالعربي ولا بالفارسي، وهذا منذ أمد طويل يمتد قروناً. فما معنى إثارة هذا الموضوع من جديد؟
نحن نعتقد أن هذا الأمر علينا أن نعيده إلى الخلاف القائم ما بين بعض الدول العربية والجمهورية الإسلامية حول الخيارات الإستراتيجية لكل منها. فالخلاف القائم ما بين إيران والإدارة الأمريكية تجعل الأخيرة تجند حلفاءها الخليجيين في هذا الصراع. وحيث أن الخليجيين يريدون أن يستخدموا جميع إمكاناتهم في الصراع، لذلك فتحوا معركة التسمية. سوريا تسمي الخليج بالعربي، ولكن لا صراع بين سوريا وإيران، إنما هناك تحالف استراتيجي.
أصبح الأمر واضحاً، ولا داعي للإطالة، ولكن لا بأس من التساؤل المشروع: هل أن علماء «السنة» الفرس أو الذين من أصل غير عربي كالبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة وابو حنيفة والترمذي وابو داود، والواقدي، والاوحدي، والثعلبي، ومالك، والرازي، والغزالي وابن خزيمة، والحاكم، ويعقوب ابن سفيان والقرطبي والجرجاني والرازي وصاحب القاموس والزمخشري والتفتزاني والبلخي والقفال والمرزوي والنيسابوري والراغب الاصفهاني والخطيب التبريزي وغيرهم كثير أستطيع أن أورد أكثر من مئة عالم من أئمة الفقه والمذاهب ومن ألف أمهات الكتب، تساءلوا إن كان عليهم طاعة النبي عليه الصلاة والسلام، لأنه عربي قبل أن يؤمنوا بالله ويخدموا العربية طيلة حياتهم. هل يمكننا القول أنهم علموا وقاموا بما قاموا به لأنهم مؤمنون حقاً، ويعرفون أنه "لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي إلا بالتقوى".
يقول تبارك وتعالى: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم". لذا علينا العمل متضامنين، عرباً وفرساً لننزع عن خليجنا صفته الأمريكية ونعيده إلى أمتنا الإسلامية، ولا بأس عندها، إن كان فارسياً أو عربياً.
31 آذار 2011 حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق