ميقاتي والمرجعية
عقد المجلس الاسلامي الشرعي الاعلى اجتماعاً في دار الفتوى امس، برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، شارك فيه ميقاتي بصفته عضواً. وافاد بيان لمكتب ميقاتي "انه شرح للمجتمعين الظروف التي تحوط عملية تشكيل الحكومة، مؤكداً أنه يعمل تحت سقف الدستور والصلاحيات المعطاة له على معالجة العقبات التي تعترض تشكيل الحكومة. وابدى تفاؤله بأن تساهم الاتصالات الجارية في تعجيل وتيرة العمل لانجاز التشكيلة الحكومية. وقال: أنا متأكد ان كل الافرقاء يدركون حجم المسؤولية الوطنية التي تستدعي التعاون لتقديم حكومة منتجة ترضي طموحات اللبنانيين".
وفي ختام الاجتماع، اصدر المجلس بياناً دعا فيه "المتنازعين على الكراسي الوزارية إلى استفاقةٍ عاجلة توفر للمواطنين حقهم في الحياة والعيش المستقر والمستند إلى أسس دستورية وديموقراطية سليمة نتمسك بها أساساً للعيش الوطني، ومن شأنها احترام القواعد والتقاليد والتوازنات المتعارف عليها في دور أيّ رئيس مكلف وصلاحياته في اختيار الوزراء بمسؤولية توفر التوازنات الوطنية والسياسية، وتسهل مهمة الرئيس ميقاتي الذي يحظى بثقتنا وتقديرنا لتشكيل حكومة قادرة على القيام بمسؤولياتها الوطنية والاجتماعية في الظروف الصعبة، عبر وزراء تتوافر فيهم كفايات علمية وخلقية مميزة ومتضامنة في أدائها لتقود البلاد والمواطنين إلى الثقة بوطنهم ومستقبلهم".
اللافت في هذا التحرك من قبل الرئيس ميقاتي هو محاولته ابتداع تقليد عند السياسين اللبنانيين، وهو عودتهم إلى مرجعياتهم الطائفية. وهذا لا ينفرد فيه من ينتمي إلى السنة في لبنان. فكل المراجع الطائفية تتبع الطرف الفاعل ضمن طائفتها، أو الطرف الذي ترى فيه الممثل الحقيقي لهذه المرجعية الطائفية. فجميع البيانات التي تصدر عن المجلس الشيعي تؤيد التوجه السياسي لحزب الله وحركة أمل. والمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى يؤيد آل الحريري. أما البطريركية المارونية فتؤيد سمير جعجع لأن الأخير يفترض أن المسيحيين هم جالية غربية في لبنان وهذا هو توجه البطركية المارونية في عهد البطرك صفير، كما أن البطرك الجديد لمح بشكل لافت إلى الحفاظ على نفس التوجه.
هل ما تقدم يعني أن المرجعية السنية سوف تعطي تأييدها للرئيس ميقاتي؟
نحن لا نعتقد ذلك، إنما نرى بأن الرئيس ميقاتي قد أقدم على خطوة لا يمكن إلا أن تُحرج من يدعون تمثيل سنة لبنان، فأجبرهم على اتخاذ موقف مؤيد له. أما بديل هذا الموقف من قبل المجلس الشرعي هو أن المجلس والعماد عون يضغطون على الرئيس ميقاتي لتحقيق مطالب عون وليس مطالب السنة اللبنانيين.
هل قبل السياسيون السنة بموقف المجلس الشرعي؟
لا يغرب عن بالنا أن أكثر هؤلاء يتبعون سياسياً للرئيس سعد الحريري. من أجل ذلك انبرى النائب المشنوق، وهو سني، إلى الرد على بيان المجلس الشرعي قائلاً: الرئيس الحريري وكتلته "لن يشاركوا او يفاوضوا في اي مسألة تتعلق بالحكومة الحالية او حكومة مقبلة قبل اخراج السلاح من الحياة السياسية". ورأى "ان كل الكلام عن ضغوط يتعرض لها الرئيس ميقاتي سببها اختياره التحالف مع الاكثرية الجديدة، والامر الطبيعي ان يدفع ثمن هذا التحالف. ولا يمكن ان يطلب مساعدة على حلفائه الجدد طالما انه هو من اختار التحالف مع حزب الله والعماد عون".
لقد تناسى المشنوق أن الثوابت الواردة في بيان المجلس الشرعي قد وافق هو عليها كما وافق عليها الرئيس الحريري. كما أنه لا يمكنه أن يُملي على الرئيس ميقاتي شكل الحكومة التي يريد تشكيلها. كما ونضيف أن أهل السنة في لبنان لا يقبلون من الرئيس ميقاتي أن يشكل حكومة على الطريقة التي شكل فيها الرئيس الحريري حكومته. ذلك أن من شكل حكومة الحريري هو العماد عون وحلفاؤه. وما فعله الرئيس الحريري هو الموافقة على هذه الحكومة مجبراً أو مختاراً. إن ما فعله الرئيس ميقاتي هو وضع من يمثلون السنة السياسية عند مسؤولياتهم، إما بتكريس السابقة التي عمل بها الرئيس الحريري، وهي أن يعلن العماد عون أسماء الوزراء وحقائبهم، أو العودة إلى الدستور بأن يشكل رئيس مجلس الوزراء الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية، ثم يصدر رئيس البلاد المراسيم ويذيعها رئيس مجلس الوزراء.
إن ما ذهب إليه النائب المشنوق ومن يمثل، يعني وبوضوح تام أن تيار المستقبل، ولأسباب كيدية، يريد أن يعرض أهم مركز للسنة في لبنان للخطر. فالضغوط التي تعرض لها الرئيس الحريري عند تشكيله حكومته الأولى، قد أدت به إلى التنازل عن صلاحياته للجنرال عون. أما الرئيس ميقاتي الذي يتعرض لنفس الضغوط لم يقبل بالتنازل عن صلاحياته لأي كان، بالرغم من أن النواب السنة لا يمحضونه تأييدهم. فهو في الميدان يرفض التنازل عن أي حق أعطاه إياه الدستور، حتى وإن كان وحيداً.
إن ادعاء من ادعى أن تيار الرئيس الحريري يمثل السنة في لبنان، تدحضه الوقائع التي نراها الآن. هذه الوقائع الذي أحسن الرئيس ميقاتي التصرف إزاءها. فهو قد وضع جميع المسؤولين أمام مسؤولياتهم، من دون أن يتهرب من حمله للمسؤولية.
حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق