السيرة النبوية.. لماذا نقرأها وكيف؟
نحن نعتقد أن جميع الناس، على مختلف عقائدهم ومذاهبهم معنيون بقراءة سيرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
فبالنسبة للمسلمين، فهم مأمورون بنص كتاب الله بالتأسي برسول الله: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، لمن كان يرجو الله واليوم الآخر". وجميع المؤمنين من المسلمين يرجون الله واليوم الآخر. فبالنسبة لهؤلاء، الأمر بغاية البساطة: حتى يكون ممارساً صحيحاً لإيمانه، عليه أن يعرف كيف مارس النبي صلى الله عليه وسلم إيمانه ثم يسير على خطاه. ولن يتأتى له ذلك إن لم يقرأ السيرة.
رب قائل يقول، يمكنه الإستغناء عن قراءة السيرة بقراءة كتب السنة المعروفة. هذا الكلام يحمل الكثير من المصداقية، ولكنه من وجهة نظرنا غير كاف، لأن الكثير من الأحاديث الشريفة لا نعرف بأي ظرف قيلت. وبذلك تكون منزوعة من سياقها، فهي بالتالي تحمل معنى العمومية المطلقة. وهذا يعني أن المرء يستخدمها كما يريد (إلا من رحم ربي)، من دون أن تؤدي إلى الغاية التي أرادها النبي عليه السلام. وبذلك لا يكون المرء مستناً بالنبي بالرغم من أنه يعتبر نفسه مالكاً للدليل.
إن المثال الشائع على ما ذهبنا إليه هو التالي: لقد حلل بعض رجال الدين لأنور السادات الصلح مع العدو الصهيوني. في نفس الآن، حرم بعض الفقهاء الصلح مع العدو الصهيوني الذي قام به السادات. علماً أن هؤلاء وأولئك أتوا بالدليل من الكتاب والسنة!
حلل بعض العلماء السعوديين لملكهم الإستعانة بالأجنبي الأمريكي لغزو العراق من الأراضي السعودية. في نفس الوقت حرم بعض الفقهاء غزو العراق من الأراضي السعودية من قبل الأجنبي. والدليل موجود.
بعض الناس يقولون أن خلاف الفقهاء فيه رحمة. لا إعتراض شريطة أن لا يؤدي هذا الخلاف إلى هلاك الأمة كما فعل السادات أو الملك السعودي.
إن ما يضبط هذه الفتاوى هو العودة إلى السيرة المطهرة ورؤية ما فعله الرسول، صلى الله عليه وسلم، في ظروف مشابهة للقياس عليه أو للبحث في الأسباب التي دعت النبي عليه السلام للقيام بما قام به.
يُروى أن علياً بن أبي طالب أرسل عبد الله بن عباس لمناقشة الخوارج بعد انشقاقهم عليه بعد حادثة التحكيم. لم يُوفق ابن عباس بمهمته. فسأله علي بم ناقشهم. فأجابه ابن عباس أنه ناقشهم بالقرآن. فقال له علي لا تناقشهم بالقرآن فإنه حمال أوجه، ولكن ناقشهم بالسنة. فالسنة معروفة من الجميع لأنهم جميعهم عاصروا النبي عليه السلام. فلا إمكانية للخلاف. وعندما فعل ابن عباس ذلك تراجع الكثير من الخوارج عن ضلالتهم.
اليوم القرآن نص عام، والسنة كذلك. أما السيرة فليست كذلك. لذلك يمكن ضبط الكثير من الأمور عبر السيرة. ولا أقول جميعها. وهذا هو الأسلم.
أما بالنسبة للآخرين فلماذا يقرأون السيرة المطهرة؟
إن العاملين في الحقل الإجتماعي أو السياسي، والعاملين على تغيير المجتمع في الإتجاه الإيجابي، عليهم أن يستفيدوا من جميع التجارب الإجتماعية. وحيث أن التجارب الناجحة لها الكثير من الجاذبية، فإن فيها الدليل على إمكانية النجاح. لذلك، كان من المنطقي دراسة سيرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، لأنها كانت تجربة ناجحة في جميع المعايير. فخلال ثلاث وعشرين عاماً، تمكن الرسول الكريم من بناء مجتمع جديد في كل معايير الجدة. كانت الرابطة التي تربط الناس فيما بينهم هي رابطة القبيلة ومتفرعاتها. ولكن النبي عليه السلام تمكن من استبدال هذه العلاقة بعلاقة جديدة أسماها علاقة الأخوة: إنما المؤمنون إخوة. وهذه العلاقة تدمر العلاقات العشائرية، لأن الرابط العصبي أصبح ممجوجاً واستُبدل برابط آخر أكثر حضارية لا يقوم على رابطة الدم والولاء للعصبية، إنما يقوم على الإلتزام العقائدي الذي لم تعرفه الجزيرة العربية من قبل. رب قائل أن هناك من كان يلتزم بدين السيد المسيح عليه السلام، وهذا صحيح. ولكن الملتزم كانت القبيلة. أما الملتزمون الأفراد فكانوا قلة مثل ورقة بن نوفل.
وهناك عامل آخر لا يمكن إغفاله، هو أن تجربة النبي حصلت في بلادنا، مع أبناء جلدتنا، وهذا ما يساعدنا على التفاؤل بإمكانية التغيير في بلادنا. فكل التجارب التي ندرسها كانت في بلاد أجنبية، سواء في فرنسا، أو روسيا أو الصين أو الفييتنام أو اللاوس... أما التجربة الرائدة في بلادنا ام نكلف نفسنا عناء دراستها. وفي هذا المجال أشير بشكل محدد إلى الحركات اليسارية في بلادنا.
كيف نقرأ السيرة؟
نحن نقرأ السيرة حتى نتمكن من تمثُل تجربة النبي صلى الله عليه وسلم، في مختلف مراحل حياته من دون استثناء. وما أورده هنا يتعلق بالمؤمنين وبغير المؤمنين. كيف عاش النبي قبل البعثة؟ وكيف بدأ النبي بدعوته للناس؟ بمن بدأ ولماذا؟ هل ظلت الدعوة على وتيرة واحدة أم أنها تغيرت؟ لماذا تغيرت، أو ما هي الظروف التي استجدت حتى دفعت النبي عليه السلام إلى تغيير أساليب الدعوة إلى الله. نحن نعلم أن النبي سافر إلى المدينة واستوطنها. لماذا قام بالهجرة. ما هي الأسئلة التي سألها لنفسه من أجل اتخاذ هذا القرار؟ ما هي الأمور التي قام بها تحضيراً لهجرة وما هي دلالاتها على الدعوة وأساليبها. ما الذي جعل النبي عليه السلام أن يقرر استخدام العنف مع المشركين؟ ...
لا أريد أن أطرح جميع الأسئلة ولكنني ما أقوم به هو إعطاؤكم نمط الأسئلة التي يجب طرحها على أنفسنا عند قراءة السيرة. أنا أتساءل أحياناً ماهي الآليات العقلية التي استخدمها البي عليه السلام لاتخاذ هذا القرار؟
هكذا نقرأ السيرة. هل من أمثلة عملية على هذه الكيفية في قراءة السيرة؟ الجواب نعم!
أرجو أن لا أكون قد أطلت، ولكني أعتقد أن هذا يكفي لفهم اتجاه التفكير الذي نقوم به، والذي أدعو جميع المهتمين للقيام به. ونحن على استعداد للإجابة على جميع الأسئلة من ضمن إمكاناتنا، والله الموفق.
1 نيسان 2011 حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق