"آخر الدواء" في تشكيل الحكومة اللبنانية
صحيح أن تكليف الرئيس نجيب ميقاتي جاء نتيجة توافق أطراف الثامن من آذار مع كتلة النائب وليد جنبلاط، ولكن هذا الكلام لا يعني أن هؤلاء وحدهم هم المعنيون بتشكيل الحكومة. الأوضاع القائمة في لبنان أو في المنطقة العربية ليست أوضاعاً طبيعية، ولكنها إستثنائية في جميع المقاييس، مما يحتم النظر إلى تشكيل الحكومة بمعايير مختلفة عن تلك التي تكون سائدة في الأوقات الطبيعية، بمعنى أن المزايدات التي تقوم بها الكتل البرلمانية ليست مستساغة في هذه الظروف.
بصيغة أخرى، ليس الكلام الذي يُنقل عن أطراف "المستقبل" وحلفائه في الرابع عشر من آذار مقبولاً في حالة البلاد اليوم. فتحميل الرئيس ميقاتي المسؤولية بعدم تشكيل الحكومة منفرداً، أو حتى بالتشارك مع أطراف الثامن من آذار ليس عادلاً. كما وأن مختلف فئات الثامن من آذار ليس لهم الحق بأن يعتبروا كتلهم هي وحدها المعنية في تشكيل الحكومة. إن الأوضاع في المنطقة رمادية بامتياز. فالثورة المصرية لم تحفر اتجاهها النهائي حتى الآن. الوضع في اليمن لم يستقر على اتجاه، فالوساطة الخليجية لا يمكننا الركون إلى قبولها. في البحرين، الأحداث لا زالت مستمرة، ولا زال القمع على أشده. وفي سوريا لم يصل الوضع إلى الإستقرار بالرغم من الحديث عن الإصلاحات. أي باختصار شديد، ما من أحد يمكنه معرفة نهاية للأوضاع الإقليمية، وعلام سوف تستقر. ولكن ما يمكن تأكيده أن الأوضاع لا يمكن أن تظل على ما كانت عليه.
ماذا يعني هذا الكلام لبنانياً؟
ما من أحد من الأطراف اللبنانية يمكنه الإطمئنان إلى إنعكاس الأوضاع الإقليمية على الساحة اللبنانية، لأن ذلك يدخل ضمن نطاق التنجيم. نقول هذا الحديث لأن العوامل المؤثرة في اتجاه الأحداث متعددة بحيث لا يمكننا أن نحدد منذ الآن علاقاتها فيما بينها(العوامل) وأي منها يلعب الدور الموجه لهذه الأحداث. ولكن ما يمكننا الجزم به، هو ان التدخل الأمريكي والأوروبي لا يمكن أن يبشر بالخير، إنما هو نذير شؤم وشر. لذلك لا يمكننا إلا أن نتمنى أن تأخذ جميع الأطراف الحريصة على مصالح شعبنا وأمتنا هذا الأمر بكثير من الجدية بحيث لا تتيح الفرصة لهؤلاء بالتدخل في بلادنا، كما حصل في ليبيا على سبيل المثال.
نقطة أخرى لا تقل أهمية عن الأولى، وهي أن لا تكون الأطراف اللبنانية من السذاجة بحيث تختلف فيما بينها على بيع جلد الدب قبل أن تصطاده. فإذا بادر كل من الأطراف اللبنانية على المراهنة على الشكل الذي يتمناه لتطور الأحداث ويقيم تكتيكاته على هذا الأساس، فهذا يعني أو يستتبع عدم إمكانية هذه الأطراف على التوافق الضروري في هذه الظروف الإستثنائية. وهذا ما سوف تكون انعكاساته سلبية جداً على تطور الأوضاع اللبنانية الداخلية.
إن الحرص على مصلحة البلد تستدعي التفكير الجدي بتشكيل حكومة مصغرة من جميع الأطراف الفاعلة على الساحة اللبنانية، بقصد تمرير هذه الأوضاع الإستثنائية. ولا بأس بعدها من العودة إلى الصراع.
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروراً على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا ، فإذا تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً (رواه البخاري). هذه هي صورة الوضع اللبناني الحالي. إنه يستوجب مشاركة جميع الأطراف في تحمل المسؤولية من أجل حل المشاكل التي لا يمكن تأجيلها: الوضع الإقتصادي الضاغط، الوضع الإداري الكارثي، عدم النمو التي بشرت به وزيرة المال وكأنها تريد أن تشير إلى أن الدولة لا يمكنها الإستمرار بتحمل مسؤولياتها اتجاه موظفيها. أي بكلمة واحدة إن الوضع كارثي.
في حال عدم قبول هذه الأطراف بالتوافق على حكومة شراكة وطنية لإنقاذ لبنان، ما العمل المتوجب على الرئيس ميقاتي القيام به؟
نحن نعتقد أن حكومة من طرف واحد غير مؤهلة لقيادة هذه المرحلة، ليس لقصور عندها ولكن تبعاً للمهام المطروحة عليها والتي قلنا عنها أنها إستثنائية. فهذه الأوضاع لا تتحمل التجاذبات. وحكومة سياسية لا يمكن أن تكون دون تجاذبات. من هنا ضرورة تشكيل حكومة تكنوقراط تتحمل مسؤولية قيادة هذه المرحلة بتوافق جميع الأطراف. ولترحل عندما تستقر الأوضاع الإقليمية. أما من يعتقد أن عليه أن يُقدم ليستغل الوضع في هذه المرحلة الرمادية، يكون كمن يتآمر على إستقرار الوطن. إن الظروف الإستثنائية تتطلب حكومة إستثنائية.
هذه هي صورة الوضع الراهن، والذي لا يتحمل أية خطوات غير محسوبة بدقة متناهية. الصراع السياسي الداخلي لا بد منه، ولكن مصلحة الوطن تقتضي تجميد هذا الصراع إلى أن تمر هذه العاصفة عن منطقتنا.
30 نيسان 2011 حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق