لبنان.. أزمة سياسية، أم أزمة وطنية؟
معظم السياسيين اللبنانيين تهمهم مصالحهم الشخصية في الدرجة الأولى. ولا بأس إن كان هناك تقاطع ما بين مصالحهم الشخصية والمصالح الوطنية. نقول هذا الكلام نتيجة الأزمة الوزارية المستمرة منذ التكليف الأول للرئيس سعد الحريري، ثم التكليف الثاني الذي أعقبه تشكيل ما اتُفق على تسميته "حكومة الوحدة الوطنية"، ثم إقالة الحكومة وتكليف الرئيس نجيب ميقاتي بعد أخذ ورد.
لماذا افترضنا أن الأزمة بدأت منذ ذلك الحين؟ نقول ذلك لأن المتابع للأوضاع الداخلية اللبنانية يعرف وبجلاء تام أن حكومة الرئيس الحريري لم تتمكن من الحكم، ولم تتمكن من الإهتمام بقضايا الناس. منهم من يقول أنها لا تهتم بالناس وقضاياهم. ومنهم من يقول أنه لم يُسمح لها بأن تحكم. وما نقوله هو رأي الأطراف السياسية المتنازعة، نعني من يسمون بأطراف 8 آذار و 14 آذار. وهذا ما يدفعنا للتساؤل المشروع: هل التناقض بين قوى الثامن من آذار والرابع عشر منه هو تناقض رئيسي أم تناقض ثانوي؟ الجواب عن هذا السؤال يستدعي عرض أمور كثيرة.
1 – مسألة المحكمة الدولية: قوى الثامن من آذار ترفض بالمطلق الإعتراف بالمحكمة الدولية وهي تعتبرها إسرائيلية. أما قوى الرابع عشر من آذار فهي تعتبرها أي المحكمة حجر الرحى في جميع سياساتها. نضيف هنا أنه رغم هذا التناقض فقد تشكلت حكومة شاركت فيها قوى الثامن من آذار رغم نصها على الإلتزام بالمحكمة الدولية وبمفاعيلها؟
2 – سلاح المقاومة: قوى الرابع عشر من آذار لا توافق على أن يكون سلاح المقاومة مستقلاً عن سلطة الدولة، من أجل ذلك كان هذا السلاح هو البند الوحيد على طاولة الحوار التي كانت تضم جميع القوى الأساسية على الساحة اللبنانية. ورغم ذلك نص البيان الوزاري لحكومة الحريري على بند سلاح المقاومة بصيغة الشعب والجيش والمقاومة.
3 – حرب تموز: سجلت المقاومة انتصاراً باهراً على العدو الإسرائيلي، لا زال حتى الآن يعاني منه "المجتمع الإسرائيلي". هذا الإنتصار لم تعترف به قوى الرابع عشر من آذار برغم اعتراف حتى العدو الإسرائيلي به. وكانت حجتهم أنه قد وقع دمار في البنية التحتية اللبنانية. وهذا هراء! كان الإتحاد السوفياتي يحتفل بانتصاره على النازية مع أنه قدم 22 مليون قتيل في هذه الحرب. فعدم اعتراف هذه القوى بالإنتصار ناتج عن تقديمهم التناقض مع "حزب الله" على التناقض مع العدو الإسرائيلي.
4 – التعاطي مع المحكمة الدولية والسلاح: كان طرفا الصراع في لبنان يعرفان التناقض القائم بينهما حول السلاح والمقاومة، وكان تعاطيهما بالنسبة لهذا الموضوع يتميز بالحدة التي تُظهر وكأن هذا التناقض رئيسي. فلماذا قبلا بأن يشكلا حكومة واحدة؟
5 – التعاطي مع حرب تموز: اتهم "حزب الله" الحكومة إبان حرب تموز بالتعاطي السيء. وهذا صحيح. لأنها كانت تريد سحب سلاح المقاومة من دون سحب السلاح الإسرائيلي. وهذا يعني ترك البلاد مكشوفة أمام العدو الإسرائيلي. ورغم ما تقدم قبل الحزب بالإشتراك في حكومة تضم رموز من تآمر عليه خلال حرب تموز، مع معرفته بذلك. لماذا؟
6 – وثائق ويكيليكس: يتعاطى جميع أطراف الثامن من آذار مع هذه الوثائق وكأنها الحقيقة المطلقة. فإذا كانت كذلك فهذا يعني أن أطراف الرابع عشر من أذار هم عملاء للإسرائيلي، فما هو مبرر التعايش معهم، أو بالأحرى لماذا لا نحاربهم؟
7 – التعامل مع أزمة البحرين والخليج: كان موقف حزب الله من أزمة البحرين موقفاً مبدئياً، وهو الوقوف مع مطالب الشعب البحريني. فكان التعاطي مع هذا الموقف على أنه موقف مذهبي أدى إلى تأزيم العلاقة مع دول الخليج، مما يهدد وجود عدد من اللبنانيين في الخليج. وهذه بالتالي أزمة وطنية وليست أزمة طائفية أو مذهبية.
8 – التعامل مع أزمة ساحل العاج: تعاطت بعض الأطراف بشكل متسرع مع أزمة ساحل العاج مما أدى إلى إرتدادات سلبية، فُسرت على أساس مذهبي. هذا مع العلم أن هذا التفسير فيه الكثير من التبسيط. وهذه أزمة فعلية لأن أعداد اللبنانيين في ساحل العاج كبيرة، وعودتهم هم وأقرانهم في الخليج سوف تشكل أزمة لبنانية كبيرة. وإذا أضفنا أن أطراف الثامن من آذار سوف يجدون صعوبة كبيرة في التعامل مع هذه الأزمات، نرى عندها أهمية عدم التعاطي مع هذه الأزمات على أساس سياسي، إنما ضرورة التعامل معها على أساس أنها أزمات وطنية، وهي كذلك.
جميع ما تقدم يُظهر أن الأزمة التي يعاني منها لبنان هي أزمة وطنية وليست أزمة سياسية، تستدعي تضافر جميع الجهود للتمكن من مجابهتها أو التعامل معها. هذا ما يدفعنا إلى القول أن الحكومة القادمة يجب أن لا تكون حكومة سياسية، إنما حكومة من التكنوقراط، وليست حكومة مختلطة.
إن حكومة من التكنوقراط هي فقط من بإمكانها التعامل مع هذه الأزمات. أما البديل فهي الكارثة الوطنية، حيث سوف نرى حكومة لا يقبل بالتعامل معها أولئك الذين نحن بحاجة ان نتعامل معهم حتى لا تقع البلاد بمشاكل وأزمات لا إمكانية لحلها. كما أن حكومة تكنوقراط لن تحمل الصفة السياسية التي يحب البعض أن يعطيها لحكومة الرئيس ميقاتي لتصويرها وكأنها متصادمة مع المجتمع الدولي. نضيف إلى ما تقدم أن الكثير من المرجعيات السياسية يميلون إلى هذا الخيار، كما أن المرجعيات الدينية تؤيد هذا الخيار. أضف إلى ذلك أن التعامل التصادمي بين مختلف الأطراف السياسية يحتم هذا الخيار حتى لا يكون البديل حرباً داخلية لا تنتهي، نتخوف من أن تصبح غير باردة.
6 نيسان 2011 حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق