هل العَوْدُ أحمد؟
كان للحديث الذي أدلى به الرئيس سعد الحريري لجريدة "الحياة" اللندنية وقع المفاجأة للكثير من العاملين في الحقل العام اللبناني. فقد كانت المعلومات التي أدلى بها بمثابة هدف سجله في مرمى فريق الثامن من آذار الذي كان يبشر بالإيجابيات في الوقت الذي كان فريق الرابع عشر من آذار يبشر بالسلبيات. ليس هذا فحسب، بل إن أوساط المعارضة كانت لا تتحفظ عن اتهام كل من لا يبشر بما تقوم بالتبشير به. فقد ترك الرئيس الحريري الفريق الآخر يقوم بالتصعيد إلى آخر مدى.. ثم كان الحديث الذي أسال المياه الباردة على تصعيد المعارضة!
ماذا قال الرئيس الحريري؟
مضت مدة وأنا أراقب ما يجري في البلد وطوال هذا الوقت التزمت الصمت من أجل حماية الجهود السعودية - السورية. لكنني من موقع المسؤول والمعني بحماية هذه الجهود، رأيت من واجبي أن أصوب بعض ما سمعته في الأيام الأخيرة من كلام كثير يمس الحقائق السياسية في البلاد ويعرض الجهود السعودية - السورية للتشويش.
الجهود التي تقوم بين المملكة العربية السعودية وسورية هي جهود تتناول عدداً من النقاط لتثبيت الاستقرار في لبنان. وهي ثمرة لمسار أطلقته القمة التي عقدت في بيروت بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس بشار الأسد والرئيس ميشال سليمان. ومن هنا لا يجوز لأحد أن يخطئ في تحديد المسار السعودي - السوري. هذا المسار، الذي تم التوصل إليه بفضل حكمة خادم الحرمين الشريفين وبعد نظره وحرصه على لبنان، لا يتحرك على خط واحد خلافاً لما يتم الترويج له، بل في الحقيقة يتطلب خطوات إيجابية عدة لم يقم الطرف الآخر بأي منها حتى الآن.
ثم أضاف:
الخطوات والأجوبة مطلوبة من غيرنا وليس منا. هذا الموضوع أنجز منذ فترة طويلة. ولا يتذرعن أحد بأن خادم الحرمين الشريفين موجود في نيويورك، لأن ما تم الاتفاق عليه حصل قبل شهر من الوعكة الصحية التي ألمت به. وأنا بصراحة أستغرب كل الكلام الذي يصدر في هذا الصدد سواء عن معرفة أم عدم معرفة. فإذا كان عن عدم معرفة، فتلك مصيبة، وإذا كان عن معرفة فالمصيبة أكبر. الجهود السعودية - السورية وصلت إلى نتائج محددة منذ أشهر عدة، وهي سابقة لانتقال خادم الحرمين الشريفين للعلاج في نيويورك.
لقد قال الرئيس الحريري نصف الحقيقة، حيث أنه لم يقل أنه خلال النقاشات التي كانت تجري بين الطرف السوري والسعودي كانت الإدارة الأمريكية تتدخل باستمرار مع الجانب السعودي حتى تمنع إمكانية الوصول إلى إتفاق يمنع إمكانية تفجير الساحة الداخلية اللبنانية. وهذا ما قامت به السيدة كلنتون، وزيرة الخارجية الأمريكية، وموظفوها الأقل رتبة مثال فلتمان وغيره. وهي لا تزال حتى الآن تقوم بتخريب المساعي المشتركة للرئيس بشار الأسد والملك عبد الله بن عبد العزيز.
"ومن واشنطن أفاد مراسل "النهار" هشام ملحم أن مسؤولاً أميركياً بارزاً أعرب قبل ساعات من لقاء الوزيرة كلينتون الرئيس الحريري في نيويورك، عن قلق حكومته مما وصفه بـ"محاولات الابتزاز السياسي التي يقوم بها حزب الله الذي يقول للحكومة وسائر اللبنانيين: اذا لم تفعلوا ما نريده في شأن المحكمة الخاصة فاننا سنحرق البيت بمن فيه". وأضاف المسؤول أن النقاش سيتطرق الى المضاعفات التي يمكن ان تبرز عقب القرار الاتهامي. وقال المسؤول الأميركي البارز لـ"النهار" أن كلينتون ستؤكد للحريري "التزام الولايات المتحدة القوي لاستقلال لبنان وسيادته، كما ستكرر دعمنا للجهود القضائية الرامية الى انهاء حقبة الاغتيالات السياسية في لبنان". وبعدما ذكّر المسؤول بأن اللبنانيين عانوا الكثير من سفك الدماء، رأى ان المحكمة الخاصة "هي وسيلة لانهاء حقبة الاغتيالات السياسية التي طاولت مختلف الفئات اللبنانية. عمل المحكمة لا ينحصر فقط بمعاقبة قتلة الحريري ورفاقه ومن طاولهم الاغتيال لاحقاً، لانها يفترض أن تعطي لبنان القدرة على فتح صفحة جديدة". وأخيراً أعرب عن عدم رضاه عن المفاوضات السورية السعودية بإنكاره لمثل هذه الجهود: وعما قيل عن وجود اتفاق سعودي - سوري غير معلن، تساءل المسؤول: "اذا كان هناك اتفاق سعودي - سوري، لماذا يبقى سرياً؟". وقال: "نحن مقتنعون بجدية الجهود السعودية وصدقيتها، والمملكة تلعب دوراً ايجابياً في لبنان". لكنه أضاف بنبرة عكست مشاعر الاحباط التي يعكسها عادة المسؤولون الاميركيون عندما يتحدثون عن لبنان: في نهاية المطاف على القيادات اللبنانية ان تقرر بنفسها ما هي مصلحة لبنان".
إن كلام المسؤول الأمريكي يعكس مدى إصرار واشنطن على عرقلة الجهود السورية السعودية. وهذا ما قامت به كلنتون عند لقائها العاهل السعودي ورئيس الحكومة اللبنانية. قالت جريدة "النهار" اللبنانية: اللقاء الذي جمع في الساعات الاخيرة في نيويورك العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز ووزيرة خارجية الولايات المتحدة هيلاري كلينتون، والذي تلاه فجر اليوم بتوقيت بيروت لقاء لكلينتون ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري الذي يستعد للاجتماع مع الملك عبدالله للمرة الثانية خلال عشرة ايام، دفع الملف اللبناني الى مرتبة متقدمة من الاهتمام الدولي، الأمر الذي يوحي بتطورات مرتقبة ستتضح معالمها قريباً وستظهر نتائجها داخلياً حيث احدثت آخر مواقف الرئيس الحريري اختراقاً في الجمود المطبق على البلاد منذ اسابيع.
ما هي هذه الإنعكاسات؟
سوف تقوم الجهود الأمريكية بإعادة الأوضاع في لبنان إلى المربع الأول. والجهود الأمريكية سوف تضع الفيتو على جميع التقدم التي أحرزته الجهود التي قام بها الرئيس بشار الأسد والملك عبد الله. وهذا ما سيعيد الأوضاع اللبنانية إلى المربع الأول، حيث لا إمكانية إلى إيجاد نقاط مشتركة يتفق عليها الرئيس الحريري وحزب الله. ذلك أن الإدارة الأمريكية تقوم بعرقلة هذه الجهود حيث أن ما تراهن عليه هذه الإدارة هو تفجير الأوضاع في لبنان لصالح العدو الإسرائيلي.
إن هذا التدخل الأمريكي السافر سوف يعيد الألق إلى التصريح الذي أدلى به السيد الخامنائي عن المحكمة الدولية والذي قال فيه أن كل ما يصدر عن المحكمة الدولية فهو باطل،والذي لم يكن الدافع له إلا ما تقوم به الإدارة الأمريكية من عرقلة للجهود السورية السعودية، هذه الجهود من أجل منع أي تدهور للأوضاع الداخلية في لبنان. وهذا ما سوف يؤجل اي إمكانية للحل إلى ما بعد اللقاء الإيراني الأمريكي في تركيا أواسط هذا الشهر.
صحيح أن ردود الأفعال المعارضة على الرئيس الحريري اتسمت بالهدوء، ولكن ما لا يمكن لحزب الله ومؤيدي المقاومة التنازل عنه هو إلغاء مفاعيل القرار الظني للمحكمة الدولية المسيسة بفضل الجهود الأمريكية. فرد الفعل الأول كان للرئيس نبيه بري: سجل الرئيس بري، الذي تلقى اتصالاً هاتفياً من الحريري قبل ادلاء الاخير بحديثه الصحافي، في بيان "ايجابية الاعتراف (من الحريري) بنتائج المبادرة السعودية – السورية"، لكنه أسف "لمحاولات رمي المسؤولية على طرف آخر". وأضاف: "ان الفريق المطلوب منه موقف بهذا الخصوص معلوم وبالتأكيد ليس المعارضة".
أما الوزير محمد فنيش (حزب الله): اعتبر وزير التنمية الادارية محمد فنيش أن كلام الحريري «يثبت ما كنا نقوله في السابق حول حقيقة وجود هذا المسعى وهذا التقدم الذي وصلنا اليه، على عكس ما كان يقوله بعض الفرقاء الذين كانوا ينفون في كل مرة هذا الكلام من خلال التصريحات الدائمة».
وقال في حديث لموقع «14 آذار» الالكتروني، ان «الحريري هو المخول الوحيد في توضيح التأخير الذي يحول دون البدء بتنفيذ هذا المسعى كونه مطلعاً أكثر، وعلى علم بمضامين الاتفاق المنجز».
وقال حول «التشويش» الذي تطرق اليه الحريري في كلامه، ان «على الرئيس الحريري توضيح أشكال التشويش التي كان يتعرض لها المسعى.
ونائب الأمين العام لحزب الله أدلى بما يلي: في قناعتنا توجد معطيات راجحة لمصلحة التسوية ونحن ندفع في اتجاه هذا الحل لأنه افضل للجميع، ولكن في الاتفاقات لا توجد نجاحات بنسبة 80 او 90 في المئة، بل اما ان تنجز واما لا تنجز، يعني اما ابيض واما اسود. وإذا كنا نريد الحديث بصيغة التفاؤل وليس الانجاز نقول ان الاجواء معقولة، ولكن عندما نصل الى الانجاز نقول الله اعلم لأن القوى المؤثرة في القرار النهائي هي التي تملك خيار الانجاز.
وحول المحكمة الدولية قال الشيخ قاسم: لقد ثبت بالدليل القطعي انها محكمة مخصصة لضرب قوى الممانعة والمقاومة من بوابة لبنان وعلى رأسها سوريا وحزب الله, وان فيها من المرونة ما يساعد على توجيهها في اي مسار وفي تغيير مسارها في اي لحظة, والدليل انها سارت بمسار متكامل لمدة اربع سنوات تجاه سوريا ثم بقدرة قادر اخذت مسارا آخر باتجاه حزب الله واقفلت مؤقتا مسار سوريا والضباط الاربعة, فلو كانت محكمة جنائية لكان يمكن ان تنكشف مساراتها في أوقات مبكرة بان يتم اكتشاف مثلا خطأ الدليل بعد شهر او شهرين او ثلاثة, ومن ثم يختارون ادلة اخرى تتبلور اكثر. معنى ذلك ان هناك مرونة داخل المحكمة لاختيار الهدف والتفتيش عن الادلة المفتعلة لهذا الهدف, وهذا هو التسييس بعينه.
ورداً على سؤال عن الفترة الزمنية لبلوغ التسوية النهائية، قال قاسم انه من المفروض الا تكون الفترة الزمنية طويلة, وهي في الواقع متزاحمة نوعا ما مع توقيت القرار الاتهامي بحيث ان صدوره سيجعل مثل هذه المساعي في وضع آخر, وما قبل القرار يختلف عما بعده لذا من مصلحة الجميع الاسراع في بلورة نتيجة التسوية.
ورغم هذا الهدوء في ردود فعل المعارضة نرى فريق الرابع عشر من آذار يريد أن يُدخل ضمن فريق المعارضة سوريا وإيران: وأوضح ركن بارز في قوى 14 آذار لـ"النهار" مفهوم "الطرف الآخر" الذي ورد في حديث الحريري، فقال انه أوسع نطاقاً من "المعارضة" التي انبرى بري للدفاع عنها. وهذا يعني أن هذا المصدر يريد أن يضم إيران وسوريا.
وفرنسا لا تريد أن تخرج من "عرس" الضغوطات على المعارضة الوطنية اللبنانية والمقاومة من دون حصة فقد أفاد مراسل "النهار" في باريس ان مصدراً رئاسياً فرنسياً افاد ان الموضوع اللبناني سيكون على طاولة المحادثات بين الرئيسين ساركوزي وأوباما في واشنطن في العاشر من الجاري. وأوضح "ان لبنان يمر حالياً بفترة من التوترات الداخلية وأن جميع البلدان الصديقة له معنية ولها مصلحة في تخفيف هذا الاحتقان". وأكد "ان المحكمة يجب ان تستمر في عملها وأن يصدر القرار الاتهامي عنها والمطلوب من جميع اللبنانيين تخفيف حدة التوتر".
كيف يريد أن يخفف الإحتقان والتوتر هو ووليه الأمريكي إن كان يصر على إصدار القرار الظني المسيس؟
هذه الهجمة الأمريكية الفرنسية على المبادرة السعودية السورية لا تُجابه إلا بالتضامن الفعلي مع حزب الله والمقاومة من مختلف فئات الشعب اللبناني التي تريد أن يسود السلام والاطمئنان ربوع بلادنا. كما وعلينا مجابهة الضغوط الأمريكية على المبادرة السورية السعودية وذلك بفضح الأهداف الأمريكية التي تريد أن تريح العدو الإسرائيلي من الضغط التي تشكله المقاومة على الوضع الإسرائيلي الداخلي.
8 كانون الثاني، يناير 2011 حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق