مهمات مطروحة ما بعد 13 آذار
أكثر المصادر التي تحدثت عن حشد 14 آذار قالت أن هذا المهرجان كان ناجحاً. فثلاثة من أربعة من كتاب السفير كان تقييهم للحشد إيجابياً باتجاه صانعيه، وكذلك جريدة الأخبار التي تنطق باسم الشيعية السياسية. أما رويترز فتقول بأن الحشد كان يضم مليوناً، وأن معلومات رسمية لبنانية تقول أنه 800 ألفاً. أما المتخاصمون على الرقم للخصام والنكد فقط، فيبلغ حجم الحشد ما بين عدة آلاف إلى أن يصل إلى 60 أو 70 ألفاً، ومليون. ولكن هذا الكلام ليس جاداً.
لم أكن من الذين توقعوا أن يتمكن تيار المستقبل وتوابعه من حشد هذا الكم من الناس. من هنا بات علينا أن نحلل الأسباب التي مكنت تيار المستقبل ومن يتبعه من النجاح في مهرجانهم في الثالث عشر من آذار 2011 .
لقد تمكنت هذه القوى من استغلال جميع الهفوات التي وقعت فيها رموز المعارضة السابقة، أعني قوى الثامن من آذار، وتوظيفها في معركة الأرقام. رب قائل بقصد التقليل من أهمية الحشد أنه دُفعت الكثير من الأموال من أجل ذلك. ولكن هذا القول لا يقلل من أهمية نجاح قوى الرابع عشر من آذار من تأمين هذا الحشد. إن الطريقة الإستفزازية التي يتحدث بها الجنرال عون، هي من أفضل الأساليب التي تحشد الناس ضده، وخاصة من أهل السنة. فالقول أن الرئيس رفيق الحريري أصبح فقيد عائلته فقط يعني أن العماد عون لا يهمه من كلامه إلا جمهوره، وجمهوره فقط. وهذا التوجه ليس صحيحاً في العمل السياسي. فرجل السياسة الذي لا يملك إمكانية التمدد خارج طائفته يكون فاشلاً. والفشل يصبح أعظم عندما نكون في مجتمع منقسم طائفياً ومذهبياً.
ولا يتوقف الجنرال عند هذا الحد، بل يضيف إلى أن 7 أيار جديد يستأهله من حرض عليه. ومعنى هذا الكلام أن سلاح المقاومة الذي ندافع عنه ليل نهار وسنظل ندافع عنه، هو مخصص لنصرة العماد عون والقضاء على السنة كرمى لعيون الجنرال. هذا النمط من الكلام هو الذي مكن مناصري المستقبل من تجييش الكثير من أهل السنة الذين كانوا غير مستعدين للذهاب إلى هذه الحشود خاصة وأن الشعار المرفوع لهذا الحشد لا يقبله معظم أهل السنة لا جملة ولا تفصيلا. فسلاح المقاومة الذي أرهب العدو الإسرائيلي وانتصر عليه هو سلاح مقدس عند معظم أهل السنة. ولكن مخطىء من يعتقد أن أهل السنة لا يهتمون بالمعارك اليومية القائمة على الأحجام وعلى الحصص، في جو متأزم مذهبياً وطائفياً. من هنا، فأقل هفوة تترك إنعكاسات سلبية جداً، وخاصة على مؤيدي المقاومة العاملين في الساحة السنية وهم كثر. ولكن هؤلاء لا قيمة لعملهم إن لم يكن بين أهلهم. ولا قيمة لعملهم إن لم يؤد إلى فرز في نفس الطائفة يوصل إلى وجود تيارين فعليين يعبر كل منهما عن اتجاه مناقض للآخر على صعيد السياسة الداخلية والخارجية. ولكن ما يقف أمام تبلور مثل هذه التيارات، ممارسات لا تحترم توجهات العناصر الجذرية ضمن مختلف الطوائف، كتلك الأصوات التي تقول على رؤوس الأشهاد أن حزب الله سيدافع عن المفسدين الشيعة وكذلك الجنرال عون سيدافع عن المفسدين التابعين له. ويصبح في هذا الجو السؤال مشروعاً عن الفرق بين القوى الثورية وغيرها من القوى. الدفاع عن المقاومة ليست مهمة هامشية. إنها دفاع عن واقع الأمة ومستقبلها. نحن نربط مستقبل الأمة بهذه المقاومة القائمة في بلدنا ولا نقبل أن يعبر عنها مثل هؤلاء الكتبة، ربما بحجة الواقعية. وهذه واقعية منبوذة لأنها تقف على النقيض من طبيعة المقاومة ضد إسرائيل ومن وراءها(وراء إسرائيل) الذين يقومون على الإفساد في الأرض. ولا يمكن أن يجتمع الفساد في النقيضين نوعياً.
نحن نثق أن هذه الأصوات لا تعبر عن المقاومة. لذلك نحن نثق بهذه المقاومة وسنظل ندافع عن سلاحها الذي يجب أن يقوى ويتطور حتى يجابه العدو الإسرائيلي. ولكن هذا التأييد يتطلب بعض الأمور، منها عل سبيل المثال، لا الحصر:
1 – إن تشكيل الحكومة العتيدة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي أصبحت ترتدي بعض الحساسية، خاصة إذا أردنا أن تترك أصداءً طيبة وخاصة ضمن الساحة السنية. فإذا لم يتمكن الرئيس ميقاتي من تسمية فريق عمل يمكنه من الحكم وعلى طريقته، نكون كمن أعطى الطرف الآخر سلاحاً للرماية على هذه الحكومة.
2 – التمثيل السني يجب أن يكون نوعياً. إن تمثيل طرابلس بالميقاتي والصفدي وكرامي أمر جيد ولكن لا يكفي. إن الكثافة السنية في عكار التي تمثل الخزان البشري للطرف الآخر، تستدعي وجود وزير سني من عكار أيضاً. وزير يكون همه الأساسي خدمة أهل هذه المنطقة التي يمسكونها بسبب الحرمان المهيمن فيها. ليس وزيراً يريد أن يبني مجداً سياسياً لنفسه، ناسياً المهمة التي من أجلها تم توزيره.
3 – ما يسمى بالثلث الضامن، الذي يمكن الرئيس من الحكم بشكل لا يجبره على التهديد بالإستقالة عند كل كبيرة وصغيرة، هو من موجبات إمكانية الرئيس ميقاتي على الحكم.
4 – إن تشكيل حكومة توحي للناس بأنها فريق عمل متضامن هي من أهم الإيحاءات للناس أنه سوف يجد قسطاً من الراحة مع الحكومة الجديدة وينسى المآسي التي تكبدها مع الحكومة المنتهية ولايتها...
لست بصدد وضع برنامج للحكومة القادمة، إنما الوضع الراهن يتطلب الكثير من التنبه إلى الأخطار الممكنة التي تنتج عن حكومة غير مقنعة.
ولكن ما سبق لا يكفي. فهناك مهمات مطروحة على الطرف المؤيد للمقاومة لا يمكن إهمالها. فإذا تُرك الحبل على غاربه للتجييش المذهبي والطائفي، وإذا لم يضبط بعض السياسيين عواطفهم اتجاه الآخرين، فكل ما تقدم لا ينفع. إن العمل ضمن السنة في لبنان وبشكل جدي هو الذي يمكن أن يعيد الأمور إلى توازنها. كما وأن ضبط الخطاب المذهبي عند أطراف الثامن من آذار هو ضروري وراهن أيضاً. ونعتقد أن جميع السياسيين يعلمون كيف يمارسون عدم التحريض الطائفي والمذهبي، لأنهم يمارسون نقيضه يومياً.
إن نجاح حكومة المقاومة، أو الحزب الواحد، كما يحلو للبعض تسميتها، هي من أهم المهام اليومية المطروحة على كل من يريد حماية المقاومة. وحماية المقاومة هي المهمة الأولى في أيامنا هذه.
14 آذار 2011 حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق