العراق.. هل انتهت الصلاحية الأمريكية؟
كان العدوان الأمريكي على العراق هو فاتحة الحروب الطائفية في هذا البلد. ورغم وجود عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين فلم يحاولوا التصدي لمثل هذه الظواهر. ليس هذا فحسب بل إن مسؤولين في المقاومة الإسلامية العراقية، التي بدأت عملياتها غداة الإحتلال الأمريكي للعاصمة العراقية بغداد، أكدوا أن كل العمليات التي كانت تحصل على المدنيين كانت من تدبير القوات الأمريكية. كما وأكدوا أيضاً أن كل العمليات ذات الطابع المذهبي كانت من تدبير الأمريكيين أنفسهم. وقد نجح الأمريكان في تحويل معظم العمليات التي كانت تستهدفهم باتجاه غير صحيح؛ مما ترك آثاراً سلبية على المقاومة العراقية ضد الإحتلال الأمريكي.
أما الصلاحية الأمريكية في حرب العراق فتظهر من خلال إذكاء الحرب الطائفية ما بين المسيحيين والمسلمين، أو بين الكرد والعرب، واخيراً بين السنة والشيعة.
إن طرحنا هذا ناتج عن أن التحركات الأخيرة التي بدأت منذ أسابيع على الساحة العراقية قد اتخذت طابعاً وطنياً. وقد شارك فيها معظم شرائح المجتمع العراقي، مما أوقع القيادة السياسية العراقية، وخاصة المالكي، رئيس الوزراء، بإحباط كبير. ذلك أن المالكي هو من أكثر مسعري الحرب الطائفية، وهذا ما بينته الوثائق التي نشرت والتي بينت أنه كان يشارك في تعذيب السجناء على خلفية مذهبية.
ماذا جرى في العراق؟
اعتدت قوات مكافحة الشغب في البصرة جنوباً وبغداد بالهري على صحفيين عراقيين كانوا يغطون مظاهرات جرت الجمعة (منذ عدة أسابيع) وطالبت بتحسين الخدمات وبالإصلاح فجرح عدد منهم، بينما منع عدد آخر من تغطية مظاهرات مماثلة في محافظتي صلاح الدين وديالى.
فالنظام العراقي لا يريد تغطية هذه المظاهرات لأنها ترتدي طابعاً وطنياً لا طائفياً.
وفي مظاهرة ساحة التحرير اعتدت مجموعة بالزي المدني تحمل أسلحة على حافلة تقلّ صحفيين وبحماية ضابط يرافقهم، حيث أوقفت الحافلة عند عودتها من ساحة التحرير باتجاه ساحة الفردوس مركز تجمع الصحفيين.
ويقول مراسل قناة التغيير الفضائية فراس الدليمي الذي كان أحد الركاب "حاولوا إنزال مصور قناة الحرة، وعندما رفضنا نزوله وقلنا لهم: لماذا تريدون اعتقاله وهو مراسل مجاز من قبل السلطات؟ قاموا بالاعتداء علينا وعلى زميلاتنا اللواتي كن معنا بالسب والشتم، ولم يتدخل الضابط الذي كان برفقتنا مما يؤشر على أن هؤلاء يعودون لجهة عليا".
وهذا ما ذهبنا إليه سابقاً. وفي ديالى شمال شرق بغداد أصدرت السلطات المحلية أوامر بمنع وسائل الإعلام من تغطية المظاهرات.
ولم يصدر رد فعل من نقابة الصحفيين العراقيين على عمليات قمع الصحفيين.
وكان رئيس الوزراء نوري المالكي قد اجتمع مع نقيب الصحفيين وأعضاء مجلس النقابة. أي أن النقيب والمجلس مرتهنون للمالكي.
وكان عدد من الصحفيين قد اعتقلوا في مظاهرات الجمعة الماضية، وتعرضوا للتعذيب والإهانة والتهديد باغتصابهم إن لم يوقعوا على اعتراف بأنهم بعثيون ومن منظمي المظاهرات.
وحيث أن الشيء بالشيء يُذكر، فقد كتب العديد من كتاب الرأي الأمريكيين أن الحكم القائم في العراق هو حكم ديموقراطي، وبالطبع بسبب دمقرطته من خلال العصابات التي استأجرها الجيش الأمريكي، وهي عصابات من القتلة المحترفين، أمثال بلاك ووتر.
فقد أعلنت السلطات العراقية أن عشرة أشخاص على الأقل لقوا حتفهم فى المواجهات التى وقعت بين قوات الأمن العراقية والمتظاهرين المناهضين لسياسات الحكومة برئاسة نورى المالكى.
وكانت أنحاء مختلفة من العراق، قد شهدت مواجهات عنيفة الجمعة، أثناء مشاركة الآلاف فى احتجاجات ضد تفشى الفساد، وعدم القدرة الحكومية على توفير الخدمات الأساسية للمواطنين، ونقص الغذاء والماء والكهرباء، وأفادت مصادر أمنية بأن عناصر من الشرطة أطلقت النار على المحتجين.
وفى "تكريت"، قالت مصادر الشرطة إن اثنين من المحتجين قُتلا خلال المواجهات، التى أسفرت أيضاً عن سقوط أكثر من 17 جريحاً آخرين، فيما سقط قتيلان آخران فى "سامراء"، بالإضافة إلى سبعة جرحى، جميعهم من المتظاهرين.
من جهتهم قال مسئولون محليون فى وزارة الصحة ومصادر أمنية فى كردستان إن عشرات المتظاهرين هاجموا مقر الحزب الديمقراطى الكردستاني، الذى يتزعمه رئيس إقليم "كردستان العراق"، مسعود البارزاني، وحطموا محتويات مكاتب الحزب من أثاث وأجهزة كمبيوتر.
ولقي شخص واحد على الأقل مصرعه وأصيب ما يزيد على 55 آخرين، بعدما أقدمت قوات الأمن العراقية بإطلاق الرصاص على مئات المتظاهرين فى مدينة "الكوت" شرقى العراق.
وفي الجمعة التي تلت، تحدى العراقيون، حظراً للتجوال على السيارات والدراجات النارية والإجراءات الأمنية المشددة، وتظاهروا في مدن العراق، وخصوصاً بغداد والموصل والبصرة، مطالبين بإصلاحات ومنددين بالفساد وسوء الخدمات وعدم كفاءة المسؤولين.
ورغم فرض حظر التجوال على السيارات والدراجات والإجراءات الأمنية المشددة، تجمع حوالى ألفي شخص في ساحة التحرير وسط بغداد، تلبية لدعوة أطلقتها مجموعات من الشبان عبر موقع «فيسبوك» على غرار ما يحدث في الانتفاضات التي تشهدها بعض دول العالم العربي.
ورفع بعضهم أعلاماً عراقية، فيما هتف آخرون «كذاب كذاب نوري المالكي»، و«نفط الشعب للشعب مو للحرامية»، و«سلمية سلمية» في إشارة إلى طبيعة التظاهرة. كما حمل بعضهم لافتات كتب على احداها "أين ذهبت أموال الشعب؟".
كما طالبت جماعة موقع «بلا صمت» على «فيسبوك» كذلك بالإصلاح، ونددت «بمجلس محافظة بغداد الباطل»، و«بزرع العبوات ونشر الصبات (حواجز إسمنتية) وبالسرقة والرشوات». كما خرجت تظاهرات صغيرة في مدينة الصدر والمنصور والاعظمية.
إلى ذلك، فرضت السلطات في محافظات نينوى وكركوك والانبار وديالى وصلاح الدين حظراً شاملاً للتجول للسيطرة على الأوضاع عند انطلاق تظاهرات مماثلة. ورغم ذلك، تظاهر نحو 1500 شخص في ساحة الاحتفالات في الموصل وسط إجراءات مشددة فرضتها قوات الأمن العراقية. وأطلق المحتشدون هتافات "يا ساكنين بالخضراء (المنطقة التي يسكنها المسؤولون العراقيون) أين البنزين والكهرباء؟".
وفي البصرة، تجمع آلاف المتظاهرين قرب مبنى المحافظة وسط المدينة، مطالبين بتحسين الخدمات ومعالجة البطالة والقضاء على الفساد، رغم فرض حظر التجول. وحملوا أعلاماً عراقية ولافتات تطالب «بحل مجلس محافظة البصرة» وسط هتافات «إحنا أهل النفط عطالة بطالة». واستخدمت القوات الأمنية الهراوات وخراطيم المياه في محاولة لتفريق التظاهرة.
وفي النجف، تجمع مئات من منظمات المجتمع المدني، بينهم عدد كبير من النساء، في ساحة الصدرين وسط المدينة، مطالبين بتحسين الخدمات ومعالجة البطالة ومحاربة الفساد. كما خرجت تظاهرات في الحلة والسماوة والديوانية والعمارة وتكريت والفاو والناصرية.
ولكن حرية التعبير عن الرأي على الطريقة الأمريكية تستدعي القمع من قبل السلطات التي فرضتها هذه الإدارة على الشعب العراقي.
شاركت معظم المدن العراقية في تظاهرات «جمعة الكرامة» منذ أسبوع، تلبية للدعوة التي وجهتها منظمات مجتمع مدني ومواقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك وتويتر) بعد أسبوع على تظاهرة «يوم الغضب".
ولم تخل التظاهرات من صدامات بين قوات الأمن والمتظاهرين أدت الى جرح عدد منهم، ولم يقتحم المحتجون مراكز حكومية كما حصل الجمعة الماضي.
وأدى متظاهرون صلاة جماعية سنية وشيعية على أرواح ضحايا تظاهرة جمعة الغضب الذين سقطوا الأسبوع الماضي.
وهذا ما جعلنا نقول بأن الصلاحية الأمريكية بالإحتلال قد آذنت على الإنتهاء بسبب من عودة اللحمة ولو جزئياً إلى الشعب العراقي. ولكن علينا أن نتنبه أن الجهود "الجبارة" التي يقوم بها المالكي لإعادة التسعير المذهبي، ربما تسفر عن إعادة الإنقسام. ذلك أن الحركة الجماهيرية العراقية لما تتجذر بعد.
في الفلوجة، تظاهر المئات أمس، مطالبين بإقالة المجلس المحلي في المدينة وتوفير الخدمات وإطلاق سراح المعتقلين. ورددوا شعارات مناوئة للحكومة احتجاجاً على سوء الخدمات، مطالبين بـ "الإصلاح الإداري ومحاربة الفساد، وبالوحدة بين مكونات الشعب".
في الضلوعية (محافظة صلاح الدين) تظاهر المئات أمس للمطالبة بحل المجلس البلدي ووقف عمليات الاعتقال العشوائي وخفض أسعار الوقود، مرددين هتافات تدعو إلى نبذ الطائفية، فيما أكد منظم التظاهرة تعرضه للتهديد.
وما صرح به المالكي يدلل على صحة ما ذهبنا إليه آنفاً. "اتهم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قسماً من المتظاهرين المطالبين بتحسين الظروف المعيشية والخدمات بالسعي إلى نسف العملية السياسية والعودة بالبلاد الى "المربع صفر". المربع الصفر حسب المالكي، أي ما قبل الإنقسام الطائفي الذي أججه هو وأولياء نعمته من الأمريكان.
والمنطقة الكردية لا تختلف عن المنطقة العربية من حيث ثقافة الحكام على الطريقة الأمريكية. وتحدث شهود عن ضرب قوات أمنية كردية عشرات المعتصمين داخل ساحة السرايا في وسط السليمانية. وأعلن المجلس الموقت للمتظاهرين تنظيم اعتصام مفتوح في الساحة منذ السبت.
وفي الرابع من الشهر الحالي، خرج أكثر من ألف متظاهر، غالبيتهم من الشباب، في مظاهرات وسط الفلوجة غرب بغداد، للتنديد بسوء الخدمات وتفشي البطالة والفساد الإداري والمالي.
وحمل المتظاهرون لافتات كتب عليها "أين الكهرباء يا دولة القانون؟" و"بالروح بالدم نفديك يا عراق" و"يا شباب سير سير نحن معاك للتحرير" و"لا لحكومة الاحتلال".
وفي العاصمة بغداد خرج نحو مائتي شخص في مظاهرات في ساحة التحرير وسط المدينة للمطالبة بتحسين الخدمات وذلك وسط تدابير أمنية مشددة.
وردد المتظاهرون في ساحة التحرير شعارات للمطالبة بتحسين الخدمات وحل أزمة السكن والبطالة ومحاربة الفساد الإداري.
وأكد النجيفي (رئيس مجلس النواب)، في كلمة له خلال جلسة مجلس النواب أمس الأحد، عزم البرلمان على استضافة المالكي ونوابه للاطلاع على برنامج الحكومة المستقبلي، كما وعد الشعب العراقي بإجراء تحقيق مهني وعادل لمعرفة من ارتكب جرائم قتل المتظاهرين وتقديمهم للعدالة.
وكان نحو عشرين متظاهراً قتلوا خلال مظاهرات حاشدة شهدتها عدة مدن عراقية بينها بغداد خلال الأسبوعين الماضيين مطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد وتوفير فرص العمل والخدمات.
اتهم متظاهرون عراقيون قوات الأمن باعتقال وضرب بعضهم بعد مشاركتهم في احتجاجات شهدتها تسع محافظات عراقية اليوم الجمعة في 11 آذار 2011 طالب خلالها المحتجون بتحسين الخدمات في البلاد وتشكيل حكومة خالية من المفسدين.
وقد شارك الآلاف من المحتجين في هذه التظاهرات في ساحة التحرير ببغداد اليوم الجمعة التي أطلقوا عليها "جمعة الحق".
ولكن بخلاف أي مكان آخر في العالم العربي، دأب المتظاهرون العراقيون على الخروج إلى الشوارع بعد صلاة الجمعة في الأسابيع الماضية لا بهدف استبدال النظام، وإنما للمطالبة بإصلاح النظام السياسي وإنهاء الفساد وتحسين مستويات المعيشة.
وكان من آثار هذه المظاهرات تفكك بعض الكتل النيابية. علمت «الحياة» ان اتصالات تجري بين عدد من الشخصيات السياسية لتكوين معارضة برلمانية عابرة للطوائف، تضم إضافة الى الكتلة «البيضاء» المنشقة عن ائتلاف «العراقية»، كتلة «التغيير» الكردية المعارضة ومنشقين عن كتل أخرى.
وكان ثمانية نواب من حركة «الوفاق الوطني» التي يتزعمها رئيس القائمة «العراقية» اياد علاوي اعلنوا انشقاقهم وتشكيل كتلة سياسية جديدة تحت اسم «العراقية البيضاء» يتزعمها النائب حسن العلوي.
وأكد النائب عن الكتلة الجديدة كاظم الشمري لـ «الحياة» انها «ستتبنى العمل البرلماني المعارض لتصحيح المسار الديموقراطي في البلاد».
وأضاف: «تسلمنا طلبات من نواب كتل مختلفة يرغبون في الانضمام الى «العراقية البيضاء» لكننا طلبنا منهم التريث لدراسة الأمر، ونحن على يقين من ان الاسابيع المقبلة ستشهد زيادة حجم هذه الكتل في شكل كبير». وأكد الشمري وجود حوارات أولية للتحالف مع «كتلة برلمانية مهمة تتبني النهج المعارض، واذا حصل ذلك سنشكل كتلة وطنية بامتياز تتخطى الحاجز الطائفي والقومي، وتكون مثالاً وسابقة في العمل السياسي العراقي». لكنه رفض التعليق على ما اذا كانت هذه الكتلة هي «التغيير» الكردية.
وهذه جميعها مبشرات إلى إمكانية لا بأس بها لتغير الوضع العراقي وتطوره في الإتجاه الصحيح. ونحن نعتقد أن تطور الوضع العراقي في تشكيل جماعات عابرة للطوائف والإتنيات هو الذي سوف ينهي الصلاحية الأمريكية التي كلفت الجيش الأمريكي المئات من القتلى وكلفت الإقتصاد الأمريكي الآلاف من بلايين الدولارات.
11 آذار 2011 حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق