قراءة في زيارة الحريري إلى طرابلس
زار الرئيس الحريري مدينة طرابلس، العاصمة الثانية للبنان لمدة ثلاثة أيام، انتهت مساء الجمعة في الثامن عشر من آذار 2011.
في أسباب الزيارة
في المهرجان الحاشد الذي أقامته قوى الرابع عشر من آذار في بيروت تبين للقائمين على هذا المهرجان من تيار الرئيس الحريري، تيار المستقبل، أن المشاركة الطرابلسية كانت متواضعة. كما أن الإعداد الذي قام به أحمد الحريري والذي سبق المهرجان المذكور قد أظهر فتوراً طرابلسياً لافتاً في العلاقة مع هذا التيار. وقد تحدثت أوساط من تيار المستقبل عن زيارة للرئيس الحريري إلى طرابلس تسبق المهرجان المذكور. ولكن الزيارة لم تتم من دون التحدث عن أسباب عدم القيام بها. ولكن المراقبين عزوها إلى أن الزيارة في حال تمت ولم ينتج عنها مشاركة طرابلسية كثيفة سوف تعد نكسة تصيب الشخصية الأولى في الرابع عشر من آذار وفي تيار المستقبل، وفي ذلك إنتكاسة لا يمكن تعويضها. لذلك كان القرار بإرجائها إلى ما بعد المهرجان. وهذا ما حصل فعلاً.
هل حققت الزيارة أهدافها؟
قبل الجواب عن هذا السؤال لا بد لنا من الإشارة إلى أن الرئيس الحريري قد وقع في هفوات عدة في زيارته إلى عاصمة الشمال، حيث الكثافة الكبيرة للطائفة التي يمثلها رئيس الوزراء في التوزيع الطائفي اللبناني. كما أن هناك لياقات يلتزمها السياسيون في العادة عندما يقومون بزيارة من منطقة إلى منطقة أخرى. فالرئيس الحريري عندما جاء إلى طرابلس لم يزر الرئيس عمر كرامي. علماً أن الرئيس كرامي كان حليفه في الإنتخابات البلدية. كما وأنه اتفق وإياه على مناقشة جميع الأمور السياسية منذ الإنتخابات البلدية. كما أن الرئيس الحريري لم يزر الرئيس ميقاتي، علماً أنهما ركبا سيارة واحدة بعد اجتماع دار الفتوى الذي ادعى الحفاظ على مصالح أهل السنة في لبنان. كما وأنه لم يزر الوزير الصفدي حليفه الدائم، ما عدا تأييده للرئيس ميقاتي، إبن مدينته أخيراً. كما أن الرئيس الحريري لم يزر مرجعيات شعبية أمثال الشيخ بلال شعبان والشيخ هاشم منقارة وغيرهم. هذا مع العلم أن البيوت تُدخل من أبوابها.
أما الهفوة الثانية، فهي إعادة الحديث عن توزيع السلاح في الشمال من منطلق تحريضي. ومن المعروف أنه عندما تحدثت إحدى المرجعيات السياسية من أهل المدينة في هذا الحديث المرفوض قطعاً أحدث توتراً في المدينة، كانت المدينة بغنى عنه. فنحن لا نفهم أن يأتي زائر إلى المدينة حل فيها أهلاً وسهلاً يتحدث بحديث يُفهم منه إثارة الفتنة. هذه هي الهفوة الثانية، وهي أشد إيلاماً من الهفوة الأولى من حيث انعكاساتها على الوضع الداخلي في المدينة. علماً أن للسلاح في مختلف مناطق لبنان حديث آخر ومقاربة أخرى تتعلق بالمعركة الوطنية مع العدو الإسرائيلي، والتي طرحها الرئيس الحريري بشكل سؤال: هل أن إسرائيل موجودة في طرابلس وأماكن أخرى من الشمال. نعم يا دولة الرئيس. إسرائيل في اعتداء تموز وزعت إعتداءاتها على مجمل الأراضي البنانية، من بيروت، إلى جونية، إلى عكار. عندما كان سلفك رئيساً لحكومة لبنان، إعتدت إسرائيل على جسر عرقة التاريخي والجسر الجديد، وعلى معظم الجسور في عكار، في عندقت والقبيات ومزرعة بلدة وأكروم والكويخات وجسر قعبرين، كما واعتدت على جسر في منطقة القيطع وكذلك على منابع نهر البارد. كما وأوقعت أكثر من عشرة شهداء من الجيش اللبناني في العبدة. كما وأوقعت حوالي 14 شهيداً من المدنيين في الحيصة. جميع الأماكن التي ذكرناها توجد في عكار وهي أبعد من طرابلس عن الجنوب ودمرتها إسرائيل. ولا نعلم إن كانت الحكومة اللبنانية قد عوضت على الأهالي حتى الآن. فبدلاً من الحديث عن توزيع السلاح على جميع الأهالي حتى يكونوا على استعداد تام للتصدي للعدوان الإسرائيلي أينما وقع، تتحدثون عن نزع سلاح المقاومة بحجج مذهبية ممجوجة لا يستسيغها عاقل، عندما نتحدث عن عدو على شاكلة العدو الإسرائيلي.
أما الهفوة الثالثة، فهي التحدث في طرابلس عن ضرورة ترك إبن المدينة رئاسة الحكومة لأنها حق حصري للرئيس سعد الحريري أو السنيورة. إذا أحب إبن المدينة أن يتحدث في كشف حساب لما قدمته الحكومات المتعاقبة لهذه المدينة المنكوبة من مشاريع إنمائية، أو من فرص عمل، أو من تشجيع الحركة التجارية أو أو... تقارير الأمم المتحدة تقول أن طرابلس والشمال هي من أفقر المناطق اللبنانية، بل أفقرها. نسبة الأمية في طرابلس والشمال هي الأعلى في لبنان. بدأت مباني التبانة بالتساقط على شاغليها ولم يرممها أحد. هل نريد أن نزع من أهل طرابلس والشمال حتى الأمل في إمكانية النظر إلى مطالبهم المزمنة؟ هذه هي الهفوة الثالثة والتي تحمل من التأثيرات السلبية الكثير على أهل هذه المدينة الصابرة.
أما الهفوة الرابعة فهي تلك التي تتعلق ببيان دار الفتوى الشهير والذي حسب ادعاء من أصدروه يهدف إلى الحفاظ على مصالح أهل السنة في نظام التناتش الطائفي القائم في بلدنا. فبدلاً من دعم الرئيس ميقاتي من قبل من يمثلون السنة السياسية في هذا البلد المظلوم، نراهم يشنون حرباً غير مسبوقة على الرئيس المكلف. هذه هي الأساليب التي ندعم من خلالها مطالب أهل السنة في لبنان. ولكن الرئيس ميقاتي يواجه وحده جميع الضغوطات التي تقوم بها الأكثرية الجديدة متمسكاً بصلاحياته كرئيس للحكومة، لا يقبل إلا بأن يشكلها هو وبالتعاون مع رئيس الجمهورية بعد التشاور مع ممثلي الأكثرية النيابية. فالرئيس ميقاتي يرفض أن تُذاع أسماء الوزراء وحقائبهم من الرابية، كما حصل مع رئيس الحكومة الذي يدافع عن المقام الأول للسنة في لبنان.
أما في الجواب على السؤال الذي طرحناه، فنقول أن المراقبين يقولون أن الرئيس الحريري لم يُوفق في زيارته الطرابلسية لأن من أنجح مهرجان طرابلس، الذي كان ناجحاً، من حيث الحشد هم أهل عكار والمنية والقلمون. أما الحضور الطرابلسي فقد كان متواضعاً.
في النهاية، نقول أن على قوى الرابع عشر من آذار، وعلى السنة منهم خاصة، أن يفتشوا عن شعار يمكن أن يجمع الناس لا أن يفتنهم في دينهم ووطنهم، حتى تتمكن هذه الحركة من استعادة ألقها.
20 آذار 2011 حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق