بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

السبت، 23 أكتوبر 2010

من سيرة المصطفى – 10 -
حلف الفضول
هذا الحلف كان قبل أن ينزل الوحي على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحوالي العشرين سنة. ولكن لهذا الحلف أهمية خاصة. فهو يتجاوز كل ما يسمى بالأعراف القبلية، والعادات التي كانت عليها الجزيرة العربية بما فيها مكة أيضاً.
إليكم قصة الحلف كما جاءت في "الروض الأنف" للسهيلي. وقد نقلنا عن السهيلي لأن رواية ابن هشام تدخل ضمن سياق رواية السهيلي.
ذكر ابن هشام الحلف الذي عقدته قريش بينها على نصرة كل مظلوم بمكة قال ويسمى حلف الفضول ولم يذكر سبب هذه التسمية وذكرها ابن قتيبة، فقال كان قد سبق قريشا إلى مثل هذا الحلف جرهم في الزمن الأول فتحالف منهم ثلاثة هم ومن تبعهم.
أحدهم الفضل بن فضالة، والثاني: الفضل بن وداعة، والثالث فضيل بن الحارث، هذا قول القتبي.
وقال الزبير الفضيل بن شراعة والفضل بن وداعة، والفضل بن قضاعة، فلما أشبه حلف قريش الآخر فعل هؤلاء الجرهميين سمي حلف الفضول والفضول جمع فضل وهي أسماء أولئك الذين تقدم ذكرهم.
وهذا الذي قاله ابن قتيبة حسن ولكن في الحديث ما هو أقوى منه وأولى.
روى الحميدي عن سفيان عن عبد الله عن محمد وعبد الرحمن ابني أبي بكر قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا لو دعيت به في الإسلام لأجبت. تحالفوا أن ترد الفضول على أهلها، وألا يعز ظالم مظلوما .
ورواه في مسند الحارث بن عبد الله بن أبي أسامة التميمي.
فقد بين هذا الحديث لم سمي حلف الفضول وكان حلف الفضول بعد الفجار وذلك أن حرب الفجار كانت في شعبان وكان حلف الفضول في ذي القعدة قبل المبعث بعشرين سنة وكان حلف الفضول أكرم حلف سمع به وأشرفه في العرب.
وكان أول من تكلم به ودعا إليه الزبير بن عبد المطلب، وكان سببه أن رجلا من زبيد قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه العاصي بن وائل وكان ذا قدر بمكة وشرف فحبس عنه حقه فاستعدى عليه الزبيدي الأحلاف: عبد الدار ومخزوما وجمح وسهما وعدي بن كعب، فأبوا أن يعينوه على العاصي بن وائل وزبروه أي انتهروه فلما رأى الزبيدي الشر أوفى على أبي قبيس عند طلوع الشمس وقريش في أنديتهم حول الكعبة، فصاح بأعلى صوته
يا آل فهر لمظلوم بضاعته ببطن مكة نائي الدار والنفر
ومحرم أشعث لم يقض عمرته يا للرجال وبين الحجر والحجر
إن الحرام لمن تمت كرامته ولا حرام لثوب الفاجر الغدر
فقام في ذلك الزبير بن عبد المطلب، وقال ما لهذا مترك فاجتمعت هاشم وزهرة وتيم بن مرة في دار ابن جدعان، فصنع لهم طعاماً، وتحالفوا في ذي القعدة في شهر حرام قياماً، فتعاقدوا، وتعاهدوا بالله ليكونن يداً واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يؤدى إليه حقه ما بل بحر صوفة وما رسا حراء وثبير مكانهما، وعلى التأسي في المعاش فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول وقالوا: لقد دخل هؤلاء في فضل من الأمر ثم مشوا إلى العاصي بن وائل فانتزعوا منه سلعة الزبيدي فدفعوها إليه وقال الزبير رضي الله عنه
حلفت لنقعدن حلفا عليهم وإن كنا جميعا أهل دار
نسميه الفضول إذا عقدنا يعز به الغريب لدى الجوار
ويعلم من حوالي البيت أنا أباة الضيم نمنع كل عار
وقال الزبير بن عبد المطلب:
إن الفضول تحالفوا، وتعاقدوا ألا يقيم ببطن مكة ظالم
أمر عليه تعاهدوا، وتواثقوا فالجار والمعتر فيهم سالم
وذكر قاسم بن ثابت في غريب الحديث أن رجلا من خثعم قدم مكة معتمراً، أو حاجاً، ومعه بنت له يقال لها: القتول من أوضأ نساء العالمين فاغتصبها منه نبيه بن الحجاج وغيبها عنه فقال الخثعمي: من يعديني على هذا الرجل فقيل له عليك بحلف الفضول فوقف عند الكعبة، ونادى: يا لحلف الفضول فإذا هم يعنقون إليه من كل جانب وقد انتضوا أسيافهم يقولون جاءك الغوث، فما لك؟ فقال إن نبيها ظلمني في ابنتي، وانتزعها مني قسراً، فساروا معه حتى وقفوا على باب الدار فخرج إليهم فقالوا له أخرج الجارية ويحك، فقد علمت من نحن وما تعاقدنا عليه فقال أفعل ولكن متعوني بها الليلة فقالوا له لا والله ولا شخب لقحة فأخرجها إليهم.
قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ التيمي أنه سمع طلحة بن عبد الله بن عوف الزهري يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا، ما أحب أن لي به حمر النعم ولو أدعى به في الإسلام لأجبت .
وعبد الله بن جدعان هذا تيمي هو ابن جدعان بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم يكنى: أبا زهير ابن عم عائشة - رضي الله عنها - ولذلك قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إ ن ابن جدعان كان يطعم الطعام ويقري الضيف فهل ينفعه ذلك يوم القيامة؟ فقال لا إنه لم يقل يوما: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين أخرجه مسلم .
نريد أن نركز على عدة نقاط وهي:
1 – نص ما ورد في الحلف من نقاط وهي:
أ – نصرة المظلوم.
ب – التأسي بالمعاش.
2- قول رسول الله عليه الصلاة والسلام: "إذا دعيت به في الإسلام لأجبت".
في التقاليد التي كانت سائدة في جزيرة العرب يأكل القوي الضعيف. والسيادة لمن قبيلته سائدة. والذي ينتمي إلى القبيلة السائدة يكون قانونه هو السائد، أي يفعل ما يريد من دون أن يتعرض له أحد. من هنا فإن "نصرة المظلوم" التي نص عليها حلف الفضول تعتبر ثورة على التقاليد القبلية.
والتأسي بالمعاش يعتبر فتحاً مبيناً في عالم التكافل الإجتماعي. وكأني بهذا البند ينص على القضاء على الفقر والعوز والحاجة. وهذا الحلف قد سبق جميع المواثيق الإجتماعية التي تعتبر متقدمة.
أما قول النبي عليه السلام أنه يجيب من يدعو به. فبهذا دلالة على الأهمية التي أعطاها النبي لمضمون هذا الحلف، هذا أولاً. وثانياً أنه ما كان إيجابياً في أعراف ما قبل الإسلام فإن النبي يقبله ويجعله من ضمن منظومة المفاهيم الإسلامية. ثالثاً، إن مفهوم أن الحكمة ضالة المؤمن نراها واضحة في قبول نبي الإسلام بعرف أو اتفاق كان في الجاهلية.
ولأهمية هذا الحلف ومعرفة الصحابة رضوان الله عليهم بالأهمية التي أعطاها النبي عليه السلام لهذا الحلف ظلوا على ذكرهم لهذا الحلف وللأهمية التي يستأهلها. فقد دعا الصحابة بهذا الحلف بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. جاء في "الروض الأنف":
قال ابن إسحاق: "وحدثني يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهادي الليثي أن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي حدثه أنه كان بين الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وبين الوليد بن عتبة بن أبي سفيان.
والوليد يومئذ أمير على المدينة، أمره عليها عمه معاوية بن أبي سفيان - منازعة في مال كان بينهما بذي المروة، فكان الوليد تحامل على الحسين - في حقه لسلطانه فقال له الحسين أحلف بالله لتنصفني من حقي، أو لآخذن سيفي، ثم لأقومن في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم لأدعون بحلف الفضول.
قال فقال عبد الله بن الزبير، وهو عند الوليد حين قال الحسين - رضي الله عنه - ما قال وأنا أحلف بالله لئن دعا به لآخذن سيفي، ثم لأقومن معه حتى ينصف من حقه أو نموت جميعا.
قال فبلغت المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري، فقال مثل ذلك وبلغت عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي، فقال مثل ذلك فلما بلغ ذلك الوليد بن عتبة أنصف الحسين من حقه حتى رضي".
الملاحظ أن الحسن عليه السلام لم يلجأ إلى قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما لجأ إلى حلف الفضول. وفي هذا إشارة إلى الأهمية الكبيرة التي أعطاها المسلمون في الصدر الأول للإسلام لهذا الحلف. أما اليوم فلا ذكر لهذا الحلف مطلقاً، لإاين منا نصرة المظلوم وأين منا التأسي بالمعاش؟
موقف الإسلام من الحلف (حسب السهيلي)
وذكر خبر الحسين مع الوليد بن عتبة، وقوله لآخذن سيفي، ثم لأدعون بحلف الفضول إلى آخر القصة وفيه من الفقه تخصيص أهل هذا الحلف بالدعوة وإظهار التعصب إذا خافوا ضيماً، وإن كان الإسلام قد رفع ما كان في الجاهلية من قولهم يا لفلان عند التحزب والتعصب وقد سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم المريسيع رجلاً يقول يا للمهاجرين وقال آخر يا للأنصار فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعوها فإنها منتنة وقال - صلى الله عليه وسلم - من ادعى بدعوى الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا .
ونادى رجل بالبصرة يا لعامر فجاءه النابغة الجعدي بعصبة له فضربه أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه - خمسين جلدة وذلك أن الله عز وجل جعل المؤمنين إخوة.
ولا يقال إلا كما قال عمر رضي الله عنه يا لله ويا للمسلمين لأنهم كلهم حزب واحد وإخوة في الدين إلا ما خص الشرع به أهل حلف الفضول.
والأصل في تخصيصه قوله - صلى الله عليه وسلم - ولو دعيت به اليوم لأجبت يريد لو قال قائل من المظلومين يا لحلف الفضول لأجبت، وذلك أن الإسلام إنما جاء بإقامة الحق ونصرة المظلومين فلم يزدد به هذا الحلف إلا قوة وقوله عليه السلام وما كان من حلف في الجاهلية فلن يزيده الإسلام إلا شدة ليس معناه أن يقول الحليف يا لفلان لحلفائه فيجيبوه.
بل الشدة التي عنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما هي راجعة إلى معنى التواصل والتعاطف والتآلف.
وأما دعوى الجاهلية فقد رفعها الإسلام إلا ما كان من حلف الفضول كما قدمنا، فحكمه باق والدعوة به جائزة وقد ذهبت طائفة من الفقهاء إلى أن الحليف يعقل مع العاقلة إذا وجبت الدية لقوله - صلى الله عليه وسلم - وما كان من حلف في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة .
ولقوله أيضا للذي حبسه في المسجد إنما حبستك بجريرة حلفائك .
وليس لنا أن نزيد على ما ورد.
22 تشرين الأول 2010 حسن ملاط

ليست هناك تعليقات: