الوضع الراهن في لبنان
منذ فترة من الزمن يعيش الوضع اللبناني على التجاذبات بين مختلف أطراف الصراع. وهذه الأطراف هي المنتمين إلى الثامن من آذار والرابع عشر من آذار. ولكن من الواضح أن الصراع يتركز بين الأطراف الفاعلين سواء من هذه الجهة أو تلك. فمن وجهة نظرنا، أن الذي بإمكانه حسم الصراع هما "حزب الله" من جهة والرئيس سعد الحريري من جهة ثانية. وباقي الأطراف هم من المؤيدين لهذا الطرف أو ذاك، لا أكثر ولا أقل.
أما على المستوى الإقليمي، فالفاعلون هم سوريا بالدرجة الأولى، كما وأن المملكة العربية السعودية تلعب دوراً مع حلفائها من قوى الرابع عشر من آذار. ولكن من الملاحظ أن الدور السوري يتعاظم والدور السعودي ينكفىء نسبياً.
أما السبب فهو عائد إلى أن الوضع الداخلي السعودي يتطلب الكثير من الدقة في التعامل. فإلى جانب التعثرات التي يقع فيها النشاط الأمريكي سواء في العراق أو في أفغانستان، فقد أدى ذلك إلى عدم إمكانية المملكة السعودية الإعتماد على الأمريكان في حل مشاكلها سواء على مستوى محاربة القاعدة أو في حل خلافاتها مع الشيعة داخل المملكة الذين بدأوا التحرك منذ مدة للحصول على حقوقهم التي حُرموا منها على مدى طويل من الزمن. يُضاف إلى ما تقدم الدور الذي يلعبه الحوثيون في الضغط على المملكة. وقد أظهرت الهجمة السادسة التي قام بها علي عبد الله صالح على الحوثيين أنه ليس بإمكانه ولا بإمكان السعودية حل الصراع بالطرق العسكرية. من هنا ضرورة الإلتجاء إلى الطرق الديبلوماسية. وهذا الطريق الديبلوماسي يتطلب تفاهم السعودية مع سوريا، أي تراجع الدور السعودي في لبنان لصالح سوريا وجهد سوري مع إيران لحل المشاكل الداخلية في المملكة. هذا هو الإستقرار الذي تعيشه الساحة على المستوى الإقليمي. أي تقدم للدور السوري وتراجع للدور السعودي (ومن ورائه الدور الغربي بصورةعامة). وما يعزز هذا الإستقرار أن الدور الإيراني لا يختلف عن الدور السوري. فما تريده سوريا من لبنان هو ما تريده إيران. وهذا عامل مضاف إلى تعاظم الدور السوري على المستوى اللبناني وعلى المستوى الإقليمي.
كيف يُدار الصراع في الساحة اللبنانية؟
إن الأوراق التي يملكها حزب الله في الصراع هي أكثر بكثير من تلك التي يملكها سعد الحريري. فالحريري لا يملك إلا ورقة يمكنه الرهان عليها وهي الساحة السنية التي لا يزال يتمسك بورقتها لأسباب لا مجال لذكرها الآن. ولكن هذه الورقة وازنة. ويضاف إلى هذه الورقة هناك ورقة المجتمع الدولي الذي يستخدم الأمم المتحدة والمحكمة الدولية للضغط على حزب الله. أما ما يفعله الرئيس الحريري فهو الإنتظار. والإنتظار هو ورقة لصالحه لولا الموقف السوري الذي لا يقبل التخلي عن المقاومة وحزب الله. والأوراق الذي يملكها الطرف السوري هي أكثر بكثير من أوراق الحريري. كما وأن قدرته على المناورة تفوق بأضعاف تلك التي يملكها الحريري. من هنا نرى بأنه ليس بإمكان الحريري الإستمرار بالمراهنة على الوقت كورقة ضاغطة على حزب الله. فالوقت يضغط على حزب الله من جهة، ولكنه يضغط في الآن نفسه على الحريري من حيث علاقته مع سوريا.
فالصورة الحالية هي على الشكل التالي حزب الله لا يمكنه الإستغناء عن الحريري لأنه لا بديل سني للحريري حتى الآن. والحريري بحاجة لحزب الله حتى يستمر بالحكم لأنه لا يمكنه أن يحكم بدون تفاهم مع الحزب. وحيث أن الحكم بحاجة إلى تفاهم على المستوى الإقليمي، وهذا ما لا يمكن تأمينه إلا بالتفاهم مع سوريا. وحيث أن سوريا تعطي تأييدها المعلن للمقاومة، فلعبة الوقت التي تضغط على حزب الله تضغط على الحريري باتجاه إخراجه إن لم يسارع إلى إتخاذ قرار بالتفتيش عن حل يرضي جميع الأطراف الداخلية. وهنا علينا أن نشير بأن الحريري لايمكنه الإعتماد على الدعم السعودي لأن الورقة السعودية في لبنان هي بيد سوريا نتيجة الظروف التي تحدثنا عنها سابقاً. أما الإعتماد على الدعم الأمريكي أو الدولي، فهذا تملك مفاعيله سوريا في هذه اللحظة التاريخية، لأن الإدارة ألأمريكية، نتيجة لتعثراتها في المنطقة الإسلامية، تحتاج للتفاوض مع أولئك الذين يملكون نقاط القوة في المنطقة، وعلى رأسهم سوريا من دون أدنى شك. نستنتج أنه بإمكان سوريا القضاء على مفاعيل إعتماد الحريري على تأييد المجتمع الدولي والإدارة الأمريكية في حال رأت ضرورة لذلك.
ما هو المطلوب إذن؟
إن من يعتقد بأنه ليس بإمكان سوريا اللعب في الساحة السنية اللبنانية يكون مخطئاً. ولكن سوريا من خلال علاقتها مع الرئيس الحريري تريد التفاهم مع كامل الساحة السنية. ولكن رغبتها في التفاهم مع كامل الساحة السنية ليست ورقة في يد الحريري يضغط فيها على سوريا. إنما هي ورقة بيد الحريري للتفاهم مع سوريا. ولا تفيده بشيء خلاف ذلك. إن ترتيب الأوضاع في لبنان يتطلب وبأقصى سرعة التفاهم ما بين الحريري وحزب الله وإعادة فتح قنوات الإتصال ما بين الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس سعد الحريري الذي يتحمل هو بنفسه مسؤولية تعطلها. إن الإنتظار لا يساهم إلا بتوتير الوضع أكثر مما هو عليه ولا يفيد أياً من الأطراف الداخلية، ذلك أن إسرائيل تتربص بنا، مستعدة للإعتداء عندما تسنح لها أية فرصة نكون نحن مسؤولين عن توفيرها لها.
20 تشرين الأول 2010 حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق