بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

السبت، 23 أكتوبر 2010

حتى لا يصبح "برنامج الدعم المدرسي" هدراً
رسالة إلى معالي وزير التربية
كثير من الدول مارست برامج للدعم المدرسي، ومنها من لا يزال يمارسها حتى الآن. ولكن الدعم يأتي من ضمن خطة مؤقتة بعدد من السنوات، لأن الدعم لا يمكن أن يكون دائماً وإلا أصبح من ضمن البرنامج التعليمي. وبرنامج الدعم يكون ضرورياً عندما يتمكن من أن يحل المشاكل الموجودة.
هل يمكننا معرفة إمكانية برنامج الدعم على حل المشاكل؟
الجواب هو الإيجاب ولكن ذلك يكون مرهوناً بخطة تقوم على حل المشاكل الفعلية لما يعاني منه تلامذتنا.
صرح وزير التربية الأسبق الأستاذ سمير الجسر أنه وجد كثيراً من التلامذة في الصف الرابع أساسي يمكن إعتبارهم أميين. هذه واحدة. منذ حوالي السنتين اجتمع عدد من الأساتذة الجامعيين من مختلف الجامعات اللبنانية، رسمية وخاصة، للبحث بالضعف المطلق باللغات وأن الطلاب لا يقرأون، حتى لا يقولوا لا يحسنون القراءة. هذه ثانية.
أما الثالثة، أنه نتيجة للتقييم السنوي التي تقوم به مختلف البلدان الأوروبية في نهاية الصف الخامس، تبين أن هناك حوالي العشرين بالماية من الطلاب لا يحسنون القراءة. وأن هذا الرقم تكرر في عدة دول منها على سبيل المثال فرنسا وسويسرا وألمانيا...الخ. وأن 65 % من العشرين بالماية يمكن إعتبارهم أميين. وبعد دراسة للأسباب استمرت سنوات عدة تبين أن السبب في ذلك يعود إلى طريقة التعليم المتبعة في الروضة والصف الأول أساسي، والذي يقوم (أي التعليم) على تعليم القراءة بالطريقة المجملة، أو ذات الإنطلاقة المجملة. وتقرر في هذه الدول تباعاً التخلي عن تعليم القراءة بهذه الطريقة (أي المجملة) واتبعت الطريقة التركيبية التي تنطلق من تعليم الحروف وأصواتها إلى أن نصل إلى تعليم الكلمات تبعاً لخطة مرسومة يمكن التحدث فيها مع اصحاب الإختصاص. وقد تبين أيضاً نتيجة هذه الدراسات مضافاً إليها الدراسات الميدانية أن الطريقة التركيبية تساعد الطفل على القراءة الواعية، أي القراءة وفهم ما يقرأ والقراءة السريعة ومعرفة اللغة أيضاً. (جميع هذه الدراسات موثقة). في فرنسا بدأ التدريس بالطريقة التركيبية منذ 2009 ، ولكن لا يزال الخبراء الفرنسيون الذين تستقدمهم وزارة التربية في بلدنا ينصحون بالطريقة المجملة؟!!
ماذا يقول العلم الحديث بالنسبة لتعلم القراءة؟
لا حاجة لنا لأن نقول أن القراءة ضرورية لتعلم جميع المواد وأن عدم إجادة القراءة يمكن أن تكون السبب في الإعاقة بجميع المواد. من هنا الأهمية التي نعطيها لهذا الموضوع.
إن من أهم الدراسات في مجال تعليم القراءة تلك التي قامت بها "إليز تامبل" فقد أجرت تجربة على عشرين ولداً يعانون من الصعوبات الحقيقية في تعلم القراءة dyslexie(لأن هناك صعوبات غير صحيحة تُدعى fausse dyslexie وهذه تكون نتيجة خطأ في التشخيص)، وهذا المرض يكون ناتجاً عن تشوه ما في الدماغ. فقد صورت أدمغتهم قبل البدء بتعليمهم القراءة بواسطة الطريقة التركيبية. بعد تعلمهم القراءة أعادت تصوير أدمغتهم بواسطة IRM فتبين أن أدمغتهم أصبحت مشابهة كثيراً للأدمغة الغير مصابة بالتشوه. وقد استنتجت أن طريقة التعليم تؤثر على بنية الدماغ.
لن نتحدث عن جميع التجارب، فهي كثيرة. ولكن سوف نتحدث عن أحدثها والتي نجدها في كتاب الأستاذ Stanislas Dehaene أستاذ كرسي علم النفس المعرفي الإختباري في الجامعة الباريسية College de France، وهذه الجامعة أهم من أن تعرف، والكتاب معنون Les neurones de la lecture. فقد تبين أن في الدماغ مركز للقراءة. فعندما نعلم الولد (أو الكبير) القراءة بالطريقة المجملة Méthode globale ou á depart globale تذهب الكلمة إلى الجزء الأيمن من الدماغ ولكن هذا الجزء من الدماغ hémisphère droit لا يقبل الكلمة لأنها ليست صورة إنما هي مؤلفة من عناصر (أحرف) لها تمثيل صوتي. لذلك يبعثها إلى الجزء الأيسر الذي يقوم بتحليلها إلى عناصرها، أي إلى الأحرف الذي يرمز كل منها إلى صوت معين. وحيث أن الولد الذي يتعلم بواسطة الطريقة المجملة لا يعرف الأحرف وأصواتها، يقع الدماغ بإشكالات تجعله لا يقرأ الكلمة إلا عندما يطلق إحتمالات إلى كيفية قراءتها. وحيث أن الوقت الوسطي لقراءة الكلمة التي يعرف الطفل أحرفها هو عشرون ملليثانية يصبح الوقت الوسطي لقراءة الكلمة بالطريقة المجملة هو 300 ملليثانية. أي أن الطفل يخسر 1500 % من حياته في تعلمه القراءة بالطريقة المجملة.
ملاحظة: للإستزادة بموضوع الدراسات النظرية في هذا الموضوع يمكن الرجوع إلى الدراسات التي قام بها R. W. SPERRY و Lucien Israëlو Wettstein Badourو Elise Templeو F. GRICKو Michèle Mazeau و Sally SCHAUWITZو S.DEHAENEو Morais.
أما بالنسبة للتجارب العملية فهناك الكثير، ولكن أبرزها الدراسة الميدانية ل Claude Bernard من جامعة ACADEMIE D’ORLEANS – TOURS والتي أجرتها في عدة مدارس مختلفة ( مدارس في المدينة والريف، مدارس من الأهل الميسورين ومدارس حيث الأهل فقراء ومهاجرين). أثبتت هذه الدراسة ما يلي: تعليم القراءة بالطريقة المجملة أدى إلى عدم معرفة الأطفال العلاقة بين الحرف وصوته. كما وأدت إلى عدم معرفة العملية الإجرائية للقراءة أي التهجئة لمعرفة قراءة الكلمات الجديدة.
كما وأن هذه الدراسة الميدانية أثبتت أن تعليم القراءة بالطريقة التركيبية كانت ملائمة جداً.
كما أن التجارب الميدانية للدكتور بدور كانت رائدة. إن التعليم بواسطة الطريقة التركيبية قد بدأ في فرنسا منذ أكثر من عشرة سنين على يد الدكتورة Ghislaine Wettstein-Badour التي بينت دراساتها الميدانية أن تعليم القراءة بالطريقة المجملة يؤدي إلى الصعوبة في تعلم القراءة والتي أثبتت التجارب التي قام بها Stanislas Dehaenne صحتها، حيث أنه برهن أن مركز القراءة في الدماغ لا يمكنه التعامل مع الطريقة المجملة. ومن الجدير ذكره أن الدكتور Badour قد أبدعت طريقة لتعليم القراءة الفرنسية، وهي تُعلَم منذ اكثر من عشر سنوات وقد أثبتت نجاحها الباهر. هذه الطريقة تُدعى: Fransya. ويوجد في الأسواق الفرنسية كتاب التلميذ وكتاب المعلم وكتب تتعلق بتعليم النحو أيضاً. ومن الجدير ذكره أن هذه الطريقة تلتزم بصرامة بكل ما أثبتته الدراسات العصبية الحديثة بموضوع تعليم القراءة الذي لم يعد يعتمد على الفرضيات، إنما يعتمد على اليقين العلمي.
وهناك طريقة أخرى بتعليم القراءة أثيتت جدارته في فرنسا وهي تعتمد الطريقة التركيبية أيضاً وهي تمارس منذ أكثر من خمس سنوات تُدعى: Lire avec Leo et Lea وهي كشبيهتها التي تحدثنا عنها، أصبحت معروفة جداً في فرنسا في أوساط الأهل وفي أوساط المعلمين ونتائجها باهرة.
ملاحظة: يوجد مواقع للطريقتين على الانترنت.
ملاحظة: بالنسبة للغة العربية قام كاتب المقال بتطبيق الطريقة التركيبية في اللغة العربية لمدة سنتين في الصف الأول أساسي وكانت النتائج باهرة. حيث أن التلاميذ الأطفال تمكنوا من القراءة بسهولة حتى الكلمات الجديدة، حيث أن إجراءات القراءة كانت واضحة لديهم: تهجئة الكلمة الجديدة لقراءتها.
وحتى لا نتعب القارىء فمن يريد الإستزادة في هذا الموضوع يمكنه أن يشتري كتاب Stanislas Dehaenne حيث يوجد في الكتاب الكثير من التفاصيل الممتعة والتي تبين عيانياً كيف يعمل الدماغ عندما نتعلم القراءة، أو يمكنه الكتابة لنا لنزوده بجميع التفاصيل باللغة العربية.
ما العمل في بلدنا؟
حتى تنجح خطة الدعم المدرسي، التي لن تنجح من غير الإلتزام بما سنقترحه، يجب:
أولاً: التخلي عن التدريس بالطريقة المجملة في الروضة والصف الأول أساسي.
ثانياً: يجب تعليم الأحرف وأصواتها لتلامذة الصف الثاني أساسي قبل البدء بإعطاء دروس جديدة في اللغة. ومن ثم البدء ببرنامج الصف الثاني.
ملاحظة: يوجد كتب فرنسية تستجيب للطريقة الجديدة في التعليم سواء للروضات أو الصف الأول اساسي أو الصف الثاني أساسي. ويمكن شراؤها من عدة دور نشر.
ملاحظة: بالنسبة للغة العربية يمكن تأمين كتاب أيضاً في حال قررت الوزارة ومعالي الوزير الإستجابة لما تفرضه الكشوفات العلمية الحديثة بالنسبة لتعليم القراءة والتي أثبتت بما لا يدع أي مجال للشك أن التعليم بالطريقة المجملة يضر بالدماغ ويؤدي إلى ما يسمى مرض الصعوبة بتعلم القراءة. كما وأثبتت الدراسات في فيزيولوجية الدماغ أن الطريقة الوحيدة التي يقبلها الدماغ في تعلم القراءة هي الطريقة التركيبية.
المهم، إذا التزمت الوزارة بما تقدم فهي بحاجة أن تطبق برنامج الدعم المدرسي لمدة سنتين فقط، ثم تتخلى عن هذا البرنامج، لأن التلامذة يصبحون بغير حاجة للدعم.
وأخيراً نحن على استعداد لمناقشة هذا الموضوع مع أي كان لما فيه مصلحة أولادنا.
حسن ملاط
hassanmallat@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: